السبت، 26 فبراير 2022

صنع الطرشي ومحلات بيعه في الموصل


 

صنع الطرشي ومحلات بيعه في الموصل  

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

ومن معالم مدينة الموصل محلات بيع الطرشي ...والطرشي الموصلية مشهورة في العالم بجودتها وبتنوع موادها وبنكهتها فمنها المدبس ومنها الحامض ..ومن ابرز محلات بيع الطرشي  اليوم اقصد عند كتابة هذه السطور في 26 من شباط 2022 ( طرشي الشفاء ) ومركزها الرئيسي في محلة النبي شيت قرب بريد الموصل ..ولها فروع في مناطق ومحلات اخرى داخل الموصل وفي بغداد .. وطرشي الشفاء لها تاريخ طويل يمتد الى قرابة 70 عاما وقد اكتسبت شهرة كبيرة في العراق ومؤسسها هو ( الحاج شيت خضر حسن ال جحلة )  رحمه الله ويدير المحلات اليوم اولاده واحفاده ومن اولاده الاصدقاء الحاج موفق والحاج مؤيد وقد عرفت الحاج شيت منذ 50 سنة وهو رجل صالح وطيب وصادق.كما ان محلات بيع الطرشي ال السماك فلهم محلات بيع الطرشي ( طرشي السماك) وارجو ان لايزعل علي باعة الطرشي الاخرين  فهم كثر لكني كمؤرخ لابد ان اقف عند باعة الطرشي ممن تركوا بصمة وممن اشتهروا بصناعة الطرشي الممتاز وهنا لابد ان أُذّكر بالحاج طه الملك والذي كان يسمى (ملك الطرشي في الموصل ) ولي عنه مقال منشور في شبكة المعلومات العالمية – الانترنت وفيه قلت :"  من الوجهاء الذين لايزال ابناء الموصل يتذكرونهم، ويتذكرون مواقفهم . ويقينا انني لا امتلك الكثير من المعلومات عن هذا الرجل الذي ذاع صيته ، ولكن اقول انني عرفته قبل 50 سنة ولم يكن عمري يتجاوز ال15 سنة وكان ولده شاكر صديقي وكنت اعرف دكانه للطرشي في باب السراي في الموصل وبيته ومعمله في محلة العكيدات ..

وكنتُ اسمع انه متزوج بأكثر من امرأة ..وقد ارسل لي الصديق الحاج ايثار احمد الديري صوة له فشجعني ان اكتب عنه وان استجمع ذكرياتي التي تمتد لاكثر من نصف قرن وكل ما أعلمه ان الحاج طه الملك من (الحياليين ) وانه طه بن عبد الله بن خليل وكان رجلا طيبا متدينا وكان اقرب الى الملك (بفتح اللام ) لحسن اخلاقه وتدينه وطيبته ومحبة الناس له وكانت الاسرة تسكن في بداية امرها في محلة باب العراق القريبة من محلة العكيدات وقد اشتهر بمعمله ودكانه الذي يبيع فيه الطرشي بأنواعه المختلفة حتى انه اعلن مرة في جريدة "العمال " الموصلية بعددها 23 الصادر في 25-11-1931 ان في معمله ودكانه " عشرة انواع من الطرشي منها :خيار خشن -خيار ناعم-ترعوز-طماطة-زيتون بحزاني أسود -زيتون دمكا اخضر -لهانة -ثوم عجم وكلها مرباة بالخل والكاري سعر الحقة الكبيرة اربع انات (الانة 4 فلوس ) والمشتري مٌخير ان شاء اخذها مع ماء طرشي او بلا ماء طرشي وهذا التنزيل (أي التخفيض ) المهم خاص ليوم الاثنين والخميس من كل اسبوع من الساعة الثامنة الى الساعة العاشرة صباحا ومن الساعة الرابعة الى الساعة السادسة مساء وسعر بطل الخل البكر اثنان وذلك اعتبارا من يوم الخميس 3 كانون الاول 1931 فأنتهزوا الفرصة".

كان الحاج طه الملك قد اشتهر بعمل الطرشي وذاع صيته في معظم مدن العراق وقد اشترك في معرض للانتاج الزراعي والصناعي اقيم في الموصل خلال الاربعينات وفاز بلقب "ملك الطرشي " .وقد تحداه احد صناع البقلاوة في الموصل من ال الحلبي وقال انه عاجز عن صنع البقلاوة فأقدم كما حدثني احد المسنين قبل سنوات على عمل البقلاوة فتهافت الناس لشراء بقلاوة الحاج طه الملك وتركوا بقلاوة ذلك الرجل الذي تحداه وقد سمى الموصليون الحاج طه الملك ب"ملك البقلاوة " كذلك .

عرف الحاج طه الملك بنوجهاته الوطنيه ، وتبرعاته . وكثيرا ما نشرت صحف الخمسينات ما كان يقوم به من اعمال خيرية فعلى سبيل المثال نشرت جريدة "العاصفة "لصاحبها الاستاذ عبد الباسط يونس في 12 تموز 1953 خبر تبرعه لدار يقع في شارع الفاروق القديم ليكون مقرا للميتم الاسلامي وعلقت الجريدة على هذا الخبر بقولها :"ان الحاج طه الملك كتب بذلك صفحة مشرقة في سجل العمل الانساني واعطى درسا فاصلا لاصحاب الاموال " . وفي العدد 1961 من جريدة " فتى العراق " الصادر في 4 حزيران 1956 ورد بأن الحاج طه الملك سبق ان وزع على مرضى مستشفى الامراض الصدرية 250 دينارا وقد شكرت له رئاسة صحة لواء الموصل "هذا اللطف واليوم يقدم الدكتور حسين توحلة مدير المستشفى شكره وتقديره للحاج طه الملك لزيارته للمرضى والمصدورين وتوزيع 35دينارا و250 فلسا عليهم " ..

وفي سنة 1958 وجه الدكتور عثمان احمد رئيس صحة لواء الموصل (محافظة نينوى ) كتابا اشار فيه الى " ان الحاج طه الملك صاحب معمل الطرشي هو انسان سبق ان تبرع للفقراء والمرضى في المستشفى واخرها تبرعه بمبلغ 400 اربعمائة دينار بمناسبة العيد للمستشفى الملكي (الجمهوري فيما بعد)    .

بالمناسبة فإن حفيده الدكتور سعد داؤد طه الملك اليوم هو من اصدقائي في الفيسبوك ، وهو ايضا عضو معي في" اتحاد كتاب الانترنت العراقيين " ........ رحم الله الحاج طه الملك وجزاه خيرا على ما قدم لمدينته ووطنه .

اعود الى صناعة الطرشي فأقول ان الدكتور ذنون الطائي تحدث عن بائع الطرشي في كتابه ( مهن وحرف موصلية قديمة ) اصدره سنة 2014 وقال فيه ان الموصل تشتهر بكثرة محلات بيع الطرشي وان الطرشي مهنة متوارثة ويتم عمل الطرشي بتخمير أي بما نسميه نحن في الموصل (كبس الطرشي) ومواد الطرشي التي تستخدم في (الكبس او التخمير ) كثيرة منها الخيار – اللهانة – ثوم العجم – الترعوز – الزيتون – القرنبيط وغير ذلك بالماء والملح لمدة تزيد عن الثلاثين يوما حيث توضع بما نسميه (البرنية ) من الفخار والبرنية والبراني اوان من الفخار تصنع في الموصل وكانت الطرشي تكبس في البراني والسداد من الخشب لكنها اليوم وفي زماننا الحاضر تكبس في حاويات من البلاستك وبعد ان تظل في الحاويات المدة المقررة تستخرج من الحاويات وتغمس بالماء حتى تتخلص من الاملاح ويضاف اليها (الخل) والكاري وبعض التوابل وغالبا ما اسميها انا بالمطيبات وعندئذ توضع في اوان وتباع للناس كما نرى في الصورة المرفقة لهذا الكلام في محل لطرشي الشفاء.

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...