الخميس، 3 فبراير 2022

قنطرة الديوه جي في محلة الامام ابراهيم في الموصل




قنطرة الديوه جي في محلة الامام ابراهيم في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
اتحدث اليوم لكم عن معلم بارز من معالم مدينة الموصل القديمة ، وواحد من طرزها المعمارية ، انه القناطر المعقودة عبر الازقة والتي تنتشر في العديد من المحلات او الاحياء الموصلية وبالرغم من قدم الزمان وتوالي السنون وتعرض الموصل للتخريب والتدمير خلال سيطرة عناصر داعش على الموصل والتي امتدت لثلاث سنوات 2014 -2017 ومعارك التحرير التي خاضها جيشنا الباسل والقوات الامنية لتحرير الموصل فإن بعض هذه القناطر لاتزال شاخصة تتحدى الزمن وتتحدى الحرب .
قسم من هذه القناطر كبيرة ، ومستقيمة ، وقسم منها صغيرة ، وملتوية وامتداد القناطر الزمني طويل . ولقد كانت هذه القناطر مرتبطة بالأزقة والمحلات .
وفي الدراسة المسحية الميدانية التوثيقية للمهندس الصديق الاستاذ أحمد نظام أحمد شكر الموسومة ) قناطر الموصل واقعها وجدوى المحافظة عليها ) ، والموجودة ضمن كتابه الذي اصدره سنة 2017 بعنوان : ( تراث الموصل العمراني ) ، نجد ان عدد القناطر الموجودة في الموصل لحين انجاز هذه الدراسة 2013 ( 22 ) قنطرة ازيل عدد منها للأسف الشديد ، ودمر الاخر بسبب الحرب الاخيرة .
ومن القناطر المهمة (قنطرة الديوه جي ) او ما تسمى (قنطرة الجان ) في محلة الامام ابراهيم عليه السلام ، والتي كانت تفضي الى محلة باب النبي جرجيس وقد اغلقت بالخرسانة وتشوهت بعدما أجريت عليها الصيانة بالبلوك والحديد الشيلمان ففقدت طرازها المعماري وخرجت من خانة التراث وفقدت قيمتها التراثية .ويبدو ان من بناها وتعود الى القرن التاسع عشر جد اسرة الديوه جي طاهر بن محمد اغا الديوه جي وكان يعمل بوظيفة (تفنكه باشي) أو ما يمكن ان نسميه اليوم مدير الشرطة في سنجق اي لواء الموصل اواخر العهد العثماني .
ان القناطر في الموصل تنحصر في عشر محلات فقط وهي محلات باب البيض الغربي ، وسوق الصغير ، وحوش الخان ، والامام ابراهيم ، وشهر سوق ، وعبدو خوب ، والرابعية ، والاوس ، وعون الدين ، والشيخ محمد .
وهنا لابد ان اذكر الاحبة ، بأن ( القنطرة) هي ( الجسر) ، وما ارتفع فوقه من ببنيان ؛ فالقنطرة تربط بين بيتين ، وغالبا ما يبنى على الجسر غرف مضافة ، تستفيد من مساحة امتداد القنطرة ، وسقف القنطرة مبني على الريازة المعروفة ب(المهد ) او عقدة المهد بخلاف ما هو موجود من قناطر في عدد من المدن العربية حيث تستخدم الالواح الخشبية في التسقيف كما هو في مدينة الرياض بالسعودية .
ومن سمات قناطر الموصل ، انها كما قلنا تربط بين جانبي زقاق او طريق بقصد اضافة مساحات أو فضاء يستثمر في بناء غرف او مسالك ومرافق وممرات . وداخل القنطرة هناك مصاطب لجلوس المارة المتعبين وهي ايضا ملاذ للسابلة تقيهم من حر الشمس أو من المطر وهي تختلف من حيث التخطيط والقياسات والوظائف وبعضها مستقيم وبعضها ملتوي وغالبا ما كانت تشيد على طرفي الازقة .
وهناك قناطر لاتؤدي الى منافذ اي بلهجة الموصليين (قنطرة ما تطلع ) ويكون للقنطرة في كثير من الاحيان مدخل يؤدي الى الدور السكنية مثل قنطرة بيت ايوب في شهر سوق وبالقرب من دكان يحيى بن الشيخة عزيزة .
لانعرف تاريخ قناطر الموصل ، ولكن ثمة دلائل تشير الى انها كانت موجودة منذ ما قبل الفتح الاسلامي للموصل سنة 16 هجرية - 637 ميلادية . ويذكر الاستاذ الدكتور احمد قاسم الجمعة الآثاري الموصلي المعروف في بحث له في (موسوعة الموصل الحضارية) ان الموصل كانت تزخر بالقناطر منذ القرن الاول الهجري – السابع الميلادي ، وانه كان فيها خلال القرن الثالث عشر الميلادي (1600 ) قنطرة ، كما وجدت في الموصل في مطلع القرن العشرين مئات القناطر لكنها اندثرت .
ولعل السبب في كثرة القناطر في الموصل ، توفر المواد الاولية من الجص الابيض الموصلي ، والصمان ، والحلان ، والمرمر الازرق – الفرش (الفغش ) وحتى الجرار ، والاواني الفخارية التي تستخدم في بناء القناطر من خلال خزنها في زوايا وسقوف القناطر وهي متوفرة في محلة الكوازين .
وقد يزيد طول القنطرة على ال ( 20 ) مترا ، كما في قنطرة الديوه جي كما يقول الاستاذ سعد الدين خضر في مقالته التي نشرها في ( مجلة الموصل التراثية ) العدد السادس اذار – نيسان 2011 بعنوان : ( قناطر الموصل ) .
فقط اريد ان اذكر بأن للقناطر موقع في الموروث الشعبي الموصلي ، فكثيرا ما اقترنت القنطرة بالجن ، وبأن هذه القنطرة او تلك مسحورة وانها تنغلق ليلا على من يلجها اي يدخلها ، لذلك كان الاهالي يوصون ابناءهم بأن يحملوا معهم سكينا يؤشرون بها على الحائط ، اقصد حائط القنطرة الى ان يخرجون منها وتزداد المشكلة تعقيدا عندما نعرف ان القناطر كانت مظلمة ، وقد يتراءى للداخل اليها اشباحا او جنا او شيئا من هذا القبيل .
اخيرا فإن بعضا من قناطر الموصل ، ومن جراء تكرار التبليط خسرت القناطر اجزاءا من ارتفاعها وصل في بعضها الى المتر ، وطبيعي ان ذلك أعاق الكثير من الخدمات وخاصة في دخول وسائل النقل والتنظيف والاسعاف . واخيرا فإن من القناطر التي يمكن صيانتها والاحتفاظ بها لقيمتها التراثية قنطرة الديوه جي .
يقول الاستاذ المهندس والاكاديمي احمد نظام محمد في كتابه (تراث الموصل العمراني )والذي صدر سنة 2017 ان في محلة الامام ابراهيم بين محلتي باب النبي جرجيس ورأس الكور ثلاثة قناطر الاولى تسمى (قنطرة الديوه جي) أو قنطرة الامام ابراهيم ، وهذه القنطرة تتوسط محلة الامام ابراهيم تقريبا ويعود تاريخ بنائها الى سنة 1908 ، والقنطرة ذات شكل فريد من نوعه حيث أخذت شكل الزقاق الذي بنيت عليه والقنطرة بُنيت على مفترق طريقين الاول باتجاه شرق –غرب والثاني باتجاه الشمال وبذلك اصبحت القنطرة متعامدة ، وفي سنة 2008 انهار الجانب الشرقي وجزء من الجانب الشمالي للقنطرة ، ولعل السبب هو تكسر ونضوح في شبكة انابيب المياه في المنطقة ، ومن هنا نجد ان القنطرة هذه تجزأت الى قنطرتين تفصل بينهما بضعة امتار وللأسف فقدت القنطرة كما قلت قيمتها التاريخية والاثارية .
*صورة تعود للسنة 2014 وفيها الاخ والصديق الاستاذ عبد الكريم سليم يقف وسط قنطرة الديوه جي او قنطرة الجان


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...