الصناعات الجلدية في
الموصل وسوق السّراجين
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس –جامعة الموصل
وكما هو معروف ، واقول ذلك دوما ان مدينة الموصل العريقة ، تزخر
بالأسواق .ومن ابرز الاسواق السوق الذي اكتب لكم عنه اليوم وهو ( سوق السراجين ) ،
واهل الموصل يلفظونها بلهجتهم العامية المحلية (سوق السغيجين ) . والسراجين جمع
سرّاج والسّراج هو من يصنع سِراج الخيل وسوق السراجين ، سوق عريق وقديم ورد ذكره
في المدونات التاريخية .. وقد ادركته انا في الاربعينات من القرن الماضي له عدة
مداخل فيمكن الدخول اليه من شارع نينوى، ويمكن الدخول اليه من باب السراي ،
ويمكن الدخول اليه من شارع غازي ( الثورة بعد ثورة 14 تموز 1958) .
ولازلت
اتذكر وانا ادخل اليه من شارع غازي، كيف كانت دكاكين السراجين تمتد
على يمين السوق ، ويساره ، وبينهما شارع أقرب الى الزقاق ، وهناك ساحة وسطية
فيها دكة يجلس عليها الخبازون من اهل محلة دكة بركة ، يبيعون خبز نسميه في الموصل
وهو يصنع في التنور ب(خبز البغيشين ) وتزدهر سوقه ايام شهر رمضان المبارك ، وهناك
ونحن ندخل سوق السراجين دكان الحاج زكي بائع القهوة أمد الله بعمره ومتعه بالعافية
وقد كتبتُ عنه قبل ايام مقالا ، ومما قلته في مقالي :"
قهوة الحاج زكي محمد شيت المحمصجي كان معي في مدرسة ابي تمام الابتدائية في عبدو
خوب ، وهو من مواليد 1936 .كان لديه دكان في باب السراي -سوق السراجين ،
ومدخله القريب من شارع غازي ، ويبيع افضل انواع القهوة في العالم ..... ولقهوة زكي
عدة فروع اليوم منها فرع في حي النور مقابل دولاري سنتر يديره حفيده الاخ السيد
علي وقد دعاني لزيارته وحملته تحياتي لجده وسلامي له " .
وهناك ايضا في الجهة المقابلة له ، دكان حداد السكاكين الذي توفي
قبل فترة قصيرة ، وكتبت عنه مقالا يوم 3 من تموز 2020 واقصد به الحاج وفاة
الملا فهد الحاج ذنون السوفاجي ومما قلته :"كلنا نعرفه ...يقوم بحد
السكاكين (سوفاجي ) في سوق السراجين في الموصل القديمة .. رجل من أهل محلة الشهوان
، بلغ من العمر 85 سنة ، ويعمل وظل يعمل ويعمل ... اليوم الجمعة الثالث من تموز الجاري 2020 ...صفحة الموصل الحدث نشر
الخبر ، إنه الملا فهد الحاج ذنون بن سعيد الطائي السوفاجي تغمده الله برحمته
الواسعة كان انسانا معروفا بجديته ، ونشاطه وهو انسان فاضل ، وكيس ، ومتدين.
من السراجين الذين كنت اعرفهم ويمتون بصلة قربى لجدتي الله يرحمها
المرحوم ، السيد نذير الكواز . وكنت أرى دكاكين السراجين ممتلئة بالبضاعة التي
تتكون من سروج الخيل ، والاحزمة والحقائب المدرسية واغمدة الخناجر ، والسيوف
والمسدسات او ما نسميه ( الكراب ) .
وقد كتب تلميذي الذي اشرفت على اطروحته للدكتوراه
الاستاذ الدكتور ذنون يونس الطائي في كتابه (مهن وحرف موصلية ) وصدر سنة
2014 عن مهنة السراجة والسراج فقال ان صناعة السراجة ، هي من اقدم واهم الصناعات
الموصلية حيث يقوم الصناع بخياطة الجلود وجعلها (أسرجة ) توضع على ظهور الخيل .
وسوق السراجين في الموصل سوق متخصص بصنع هذه السروج وبيعها وقد انحسرت هذه المهنة
وقل الاقبال عليها لعدم استخدام الخيول في التنقل ، ومن ثم دخول السروج
واللجامات والاسرجة الاجنبية الصنع ، ومع هذا فان في الموصل هناك سوق
السراجين لايزال قائما لكن السراجين يقومون بصنع مواد اخرى غير السروج ولعل من
السراجين المعروفين السيد فتحي جاسم النافولي .
والسراجون يصنعون الكثير من احتياجات الناس ، كما قلت ومن ذلك
(الاحزمة :جمع حزام) على اختلاف انواعه واغلفة الاسلحة (الكرابات ) والحقائب
المدرسية وغيرها ومنها حقائب السفر فضلا عن انهم يصنعون احذية الاطفال من النوع
الذي نسميه (الصندل ) كما يصنعون ما نسميه ب( النعال ) وغير ذلك .
وكلمة السراج ، كما سبق ان قلت جاءت من (السرج) ، وسوق
السراجين جاءت من انها تضم دكاكين من يمتهن هذه الحرفة حرفة السراجة .ومن الطريف
ان الاستاذ محمد توفيق الفخري قدم بحثا عن المهن المنقرضة والآيلة للانقراض في
الموصل والقاه في ندوة المهن والحرف الشعبية القديمة في الموصل والتي عقدها مركز
دراسات الموصل في جامعة الموصل في 9 نيسان 2012 واشار فيها الى قلة الاقبال
حاليا على مهنة السراجة .
كثير من المؤرخين الذين كتبوا عن الموصل ومنهم الاستاذ سعيد
الديوه جي في كتابه عن (تاريخ الموصل ) وصدر سنة 1982 رددوا حقيقة وهي ان اصل سوق
السراجين في الموصل كان يقع جنوب المسجد الجامع ويقابل باب جابر احد ابواب
المسجد الجامع وهو مسجد المصفي حاليا في محلة رأس الكور (الكوازين) وقد هدم
الخليفة العباسي المهدي سنة 167 هجرية – 783 ميلادية السوق وضم اراضيه
الى المسجد الجامع عندما وسعه وانتقل السراجون الى سوقهم الحالي في باب السراي
حيث مركز الاسواق التراثية التقليدية في الموصل .
في مدينة الموصل عدد كبير من الاسر التي
تحمل لقب (السراج ) . وهناك في الموصل اسرة تسمى (ال سراج باشي) ويقول
اللواء الركن ازهر سعد الله العبيدي في كتابه (موسوعة الاسر الموصلية في القرن
العشرين ) بطبعتها الموسعة 2015 انهم ابناء عبد الله سراج باشي من محلة باب
النبي جرجيس منهم عبد الله سراج باشي ، وحمودي عبد الله سراج باشي والحاج
يونس عبد الله سراج باشي والاهم من كل هذا ان منهم ( الشيخ احمد عبد الله
سراج باشا رئيس صنف السراجين في الموصل سنة 1890 ) .
وهناك ال السراج من سكنة محلة باب المسجد
وهم اعقاب الجد محمود بن علي بن طه الحسو وبرز منهم كما قال الاستاذ عماد غانم
الربيعي في كتابه (بيوتات موصلية ) وصدر بطبعته الموسعة سنة 2013الطيار أثير
عز الدين محمود السراج ، والمهندس وليد زهير محمود السراج .وهناك صاحب
صيدلية السراح الاخ الصيدلي زهير عبد القادر السراج وابن عمه المهندس
الكيماوي عبد الوهاب صالح السراج .
كما ان في الموصل أل السراج وهم ابناء
يونس بن محمد بن عبد الله (عبو السراج) من محلة باب المسجد ويقول الاستاذ ازهر
العبيدي ان منهم الخفاف الياس خضر يونس السراج وولديه الحاج حازم الياس خضر السراج
وسالم الياس خضر السراج ومنهم صديقنا المحامي رافع حازم الياس السراج ابو عثمان ،
وهم من شمر عبده .وهناك ال السراج من البدرانيين ابناء عبد الله بن جاسم بن
محمد بن حسن بن علي بن عبد الرزاق بن عمر بن شرف الدين من محلة شيخ ابو العلاء
ومنهم محمد حسن البريزكاني .وهناك ال السراج وهم ابناء سليمان بن عبد الرحمن بن
ذنون بن جرجيس بن فارس من محلة جامع خزام ومنهم ذنون جرجيس السراج
وعبد الرحمن ذنون السراج وهم حياليون .
وهناك ال السراج وهم من طي ابناء فتح الله
بن حسن بن محمد بن وهب من محلة الامام عون الدين منهم حسن محمد السراج وفتح الله
حسن السراج .وهناك ال السراج من طي ايضا ابناء محمود بن علي بن طه بن حسو السراج
من محلة باب المسجد منهم ( محمود علي طه السراج شيخ صنف السراجين في العهد
العثماني ) ، وخلفه احمد محمود علي السراج .
وهناك ال السراج من العقيليين وهم ابناء
محمد فتحي بن طه بن رجب بن يونس بن الحاج اسعد بن خليل من محلة رأس الكور منهم طه
رجب يونس السراج ومحمد فتحي طه السراج .وهناك ال السراج من النعيم وهم ابناء سيد
حسين بن اسماعيل بن عبد القادر بن رضوان بن عثمان النعيمي من محلة الجامع الكبير
منهم (سيد حسين اسماعيل السراج عضو جمعية صنف السراجين في العهد العثماني ) .
من السراجين المعروفين السيد فتح الله
السراج والحاج ابراهيم حسن احمد السراج والسيد بشير الكواز ، والسيد
عبد السلام السراج واولاده والحاج ضياء السراج والسيد عامر ذنون السراج
وهؤلاء من الذين ادركتهم وعرفتهم وبعضهم اليوم قد ورث المهنة لأولاده .
من كل هذا نخلص الى ان سوق السراجين كان
من الاسواق المهمة وما ينتجه السراجون يحتاج البيت الموصلي فليس هناك من لا يحتاج
الى احذية الاطفال وصنادلهم كما ان ليس هناك من كان لا يحتاج الى الحقائب المدرسية
خاصة قبل تدفق المستورد منها كذلك الحاجة الى احزمة (البنطلونات) و(
الزبونات) ، وكلها مما يحتاجه المواطن .وكان للسراجين كما قلت صنف مهني
يجمعهم ، وفيه رئيس للصنف يكون صلة الوصل بين ابناء الصنف والحكومة المحلية
.وقد شارك السراجون من خلال صنفهم في كثير من الفعاليات الاجتماعية والدينية
والوطنية كما كانت عادة الاصناف المهنية في الموصل سواء في العهد العثماني او في
عهد الاحتلال البريطاني او في العهد الملكي وفي العهد الجمهوري .
تحية للإخوة في سوق السراجين وتمنياتي لهم
بالتقدم والموفقية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق