الأربعاء، 21 ديسمبر 2022

قيصرية ايوب بك في الموصل 1814 م ................. ا.د. ابراهيم خليل العلاف





قيصرية  ايوب بك في الموصل 1814 م

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

اولا لابد لي ان اقف قليلا عن كلمة (قيصرية ) او ( قيصارية ) أو   (قيسارية) ، واقول ان الكلمة اصله تركي تعني مجموعة من الدكاكين تخدم هدفا معيا وكثيرا ما يكون متشابها لها ابواب  من الخشب المرصع بالمسامير وبعدها استبدلت تلك الابواب بما نسميه في الموصل (الخبنكات)  وقد تكون من الخشب او من الصفيح .

وللقيصرية مداخل وتغلق فهي تختلف عن الاسواق وعادة ما تكون القيصرية مسقوفة فيها سقف يسمى بالتركية ( قبغلي قارشلي ) أي (الخان المسقوف ) . وفي القيصريات فتحات للتهوية والاضاءة وقد كتبت عن القيصريات كثيرا ومن الطريف انه توجد في تركيا الان مدينة تسمى (قيصرية) .كما سبق ان نشرت عددا من المقالات عن قيصريات الموصل وقدمت حلقة من برنامجي السابق  (موصليات) في قناة الموصلية الغراء .

والموصل كما سبق ان قلت مرة انها كانت تسمى ( كجك استانبول) أي استانبول الصغيرة بسبب وجود الخانات والقيصريات والاسواق التجارية المسقوفة فيها حالها حال استانبول . وللقيصرية كما قلنا طراز معماري خاص بها من حيث تراصف دكاكينها ووجود ( الدكات)  امام الدكاكين والدكاكين تكون متقابلة مع بعضها وانفرادها ببيع بضاعة محددة من نوع واحد او انواع متشابهة مترابطة من حيث الاستخدام .

والقيصرية بسبب وجود مواد ثمينة فيها او بضاعة غالية فإنها تحتاج الى الحماية لهذا فهي مُجهزة بأبواب محكمة وفيها حراس خصوصيون مزودون بنوع من الاسلحة المهمة التي تقتضي منهم ان يكون على استعداد لمواجهة اللصوص وخاصة في الليل .وكثيرا ما تكون القيصرية مؤلفة من طابقين وفي كل طابق غرف والغرف العليا تستخدم لخزن البضائع وحتى احيانا لنوم اصحابها عند الحاجة ظهرا او ما بعد الظهر بقليل . ولدينا في الموصل قيصريات كثيرة منها قيصرية السبع ابواب وقيصرية القزازين وقيصرية اسباهي بزار1894 م  وقيصرية البزازين 1734 م .

ومن حسن الحظ ان كثيرا من الرحالة العرب والاجانب الذين زاروا الموصل في القرون السالفة تحدثوا عن هذه القيصريات فمثلا الرحالة ابن جبير في رحلته الشهيرة الى الموصل سنة 540 هجرية – 1145 ميلادية كتب في رحلة عن قيصرية باب الطوب التي انشأها مجاهد الدين قايماز نائب القلعة وحاكم الموصل  في ما كان يسمى (الربض الاسفل من مدينة الموصل ) قرب الجامع المجاهدي – جامع الخضر عند شارع الكورنيش في الجانب الايمن من مدينة الموصل . وقال تنه كأنها الخان العظيم يقصد القيصرية هذه تنغلق عليها ابواب من حديد حيث تحيط بها دكاكين متقابلة وتتميز بطراز معماري جميل وتعكس صورة رائعة من بناء مزخرف لامثيل له ويختم كلامه بالقول انه " لم يرَ قيصرية تُعادلها " أي تشبهها في العمران والريازة .

وثمة اخبار عن القيصريات منها انه كانت هناك في الموصل قيصرية الجامع النوري الكبير حيث مركز الموصل قبل 900 سنة فيها قرابة (700 ) دكان وكان تعج بالبضائع التي تأتيها من كل حدب وصوب . ويشير المؤرخ الموصلي الكبير محمد امين العمري في كتبه التي الفها عن الموصل ومنها كتابه ( منهل الاولياء ومشرب الاصفياء في سادات الموصل الحدباء ) انه كان في الموصل يقصد في القرن 19 الميلادي قرابة ( 10 ) قيصريات . وطبيعي قسم من هذه القيصريات اندثر او ازيل بسبب التوسع وفتح الشوارع وقسم منها لايزال شامخا في سماء الموصل .

وفيما يتعلق ب( قيصرية أيوب بك )  التي تأسست في سنة 1814 ميلادية أي قبل ( 108) عاما  ، فقد ادركتها انا كاتب هذه السطور في الاربعينات وكانت تقع مقابل احد خانات الموصل القديمة وهو ( خان الطمغة ) والذي له بابين احدهما من جهة شارع غازي (الثورة) والثاني من جهة سوق الفحامين ) و(خان الطمغة) ،  كما ادركته انا كان سوقا للحنطة وكان احد اعمامي يعمل فيه وهو بشير عبد الله حمو الجمعة العلاف وهو ابن عم جدي وكان في سوق الحنطة بيت كلاوي وبيت حمو النيش ومنهم عبد حمو النيش العلاف وحميد حمو النيش العلاف ، والعلاف سعدي الجاسم وكثيرون ممن كتبت عنهم بحثا منشورا في مجلة (دراسات موصلية) التي يصدرها مركز دراسات الموصل – جامعة الموصل وهو عن سوق وخان الحنطة القديم والجديد) .

أما لماذا سميت هذه القيصرية بقيصرية أيوب بك فأقول انها سميت كذلك نسبة لاحد  وجهاء الجليليين واسمه ايوب بك  الجليلي .. ويقول نيقولا سيوفي  القنصل الفرنسي في الموصل بين 1878-1893 م في كتابه (مجموعة الكتابات المحررة في ابنية مدينة الموصل ) ، وقد ترجمه الاستاذ سعيد الديوه جي رحمه الله سنة 1956 ان لأيوب بك ايضا قيصرية اخرى هي ( قيصرية معاش العسكر) وتقع بين سوق العطارين وسوق اليمنجية وهي قيصرية صغيرة وكل هذ تم تأسيسه في عهد والي الموصل احمد باشا الجليلي . وفي البداية استخدمت قيصرية ايوب بك كمخزن لخزن الاخشاب التي كانت ترد من شمال العراق ثم بعد ذلك كانت تُستورد من الخارج أي من خارج العراق .

وقد ذكر الاستاذ سعيد الديوه جي ان قيصرية ايوب بك تسمى ايضا ب(قيصرية الطمغة الكبيرة ) وهي تعود ايضا الى ايوب بك وتقابل قيصرية ايوب بك كما قلت قبل قليل (خان الطمغة ) الذي اتخذه الحاج عبد حمو النيش علوة بيع الحنطة والشعير .

من الطريف انه كان مكتوبا على (باب قيصرية ايوب بك ) عدة ابيات من الشعر والابيات تقول :
لمنشئها السعادة والسلامة  ***** وطولِ العُمرِ ما غنّت حمامه
وعز   دائــــم   لا    ذل فيه ***** واقبالٌ الى يوم القيامـــه

ويُذكر نيقولا سيوفي ايضا انه كان مكتوبا فوق قيصرية ايوب بك ، وهي كما قلنا ، كانت تسمى (قيصرية معاش العسكر) :

لبانيه إقبال (وسعد) مُجدد    ***** ومُجد على هام السماك مُشيد ُ

وعز على مر الليالي تأسستْ ***** قواعده بالنصر فهو المؤيدُ

وقد وردت عبارة تقول ان هذه  القيصرية شُيدت في  عهد الوزير بن الوزير احمد باشا  بن سليمان باشا الجليلي والي الموصل  (فترة حكمه الاولى من 23 شوال 1227-8 ربيع الاول 1233 هجرية – 1812-1817 ميلادية )  يسر الله له من الخير ما يشاء " في شهر شعبان سنة 1230 هجرية -1814 ميلادية" .  


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...