الأربعاء، 7 ديسمبر 2022

الأوانـــــي الـــفـــخـــاريـــة :أهميتها وبعض جوانب استعمالاتها عبر آلاف من السنين ........بقلم :الاستاذ لطيف پولا


 الأوانـــــي الـــفـــخـــاريـــة :أهميتها وبعض جوانب استعمالاتها عبر آلاف من السنين

بقلم :الاستاذ لطيف پولا
الأواني الفخارية ربما بدأ الكثير منها بالانقراض في عصر التكنولوجيا مثلما انقرضت كثير من المعدات التي كانت تُستعمل في البيوت ويستعملها الفلاح في اعماله في الحقل والبيدر والحائك في الحياكة . كذلك الفخاريات التي كانت مادتها الاساسية التراب . ومن هذه الأواني التي استعملها الانسان منها ما كان يستعمل لخزن المواد فيها مثل ܟܘܪܐ ـ كوارا ـ ـالكوارـ وللطبخ ܬܢܘܪܐ تنورا التنور ,ولنقل الماء وهي انواع كثيرة منها ܩܕܚܐ قدحا القدح , ܩܘܠܬܺܐ قولثا ـ قولة ـ شربة . ܬܠܡܬܐ تلمثا نوع من الجرار , ܬܠܡܐ (تلما) يكون اكبر حجما وأسمك من الشربة ( الجرة ) .السبب في اختلاف حجم وسمك هذه الاواني هو لان ܬܠܡܐ تلما مثلا كان يستعمل لنقل الماء من الآبار والعيون ويؤخذ الى الحقول والبيادر والى مزارع البطيخ والبساتين يكون اكثر يقاوم اكثر مقاومة للصدمات ويحتوي على كمية اكثر من الماء .اما ܩܘܠܬܐ قولثاـ القلة او الشربة كانت تُملأ من ( تلما) او الحِب( ܠܓܝܢܬܐ لغينتا وتصحف الى لينتا و أنتا ( في القوش ) لتبريد الماء لأن فخار الشربة رقيق نسبيا فتكون عملية التبخير اسرع .وكانت قولثا الشربة ايضا ً سهلة للحمل والنقل ,حتى الاطفال كان بامكانهم حملها. ومنها صغيرة جدا لاطفال الروضة كان سعرها عشرة فلوس !, كنا نأخذها معنا في طفولتنا الى (مدرسة دزورى ( روضة الاطفال .ولهذا السبب كانت الشربة ܩܘܠܬܐ القلة ( الجرة ) توضع فوق سياج السطح ليلاً كي تلامسها الريح فتزيد من عملية التبخير والتبريد . وكان ال ܬܠܡܐ التلما رفيق الفلاحين في الحقول , خاصة وقت الحصاد يوضع في گديشا الجديس( اكوام الحصيد ) بعيدا عن حرارة الشمس .وفي مزارع البطيخ كان يوضع في ܟܘܠܟܬܐ كولكثا ( حفرة محاطة بسياج من الحجارة او قوالب الطين وتسقف بنبات العارين ثم يُرش المكان بالماء ليصبح ماء التلما بارداً نسبيا . وكان يوجد ايضا اناء يدعى ܒܝܩܐ ـ بيقا ـ بالعربية ابريق .اعتقد هو تصحيف لكلمة الأبريق و( بيقا ) الفخاري كان له نفس شكل الابريق النحاسي او البلاستيكي الذي يستعمل اليوم للغسل .كان ( بيقا ) يستعمل ايضا كالشربة ـ جرة ـ للشرب .ربما كان يستعمل للغسل ايضا قبل ظهور استعمال الابريق المعدني او البلاستيكي. في القوش كان يستعمل احيانا للشرب في البيادر بدلا من الشربة وقد يعرف كثير من الالقوشيين الذين عاشوا في فترة الخمسينيات من القرن العشرين حادثة معروفة حينما كسر احد الاطفال ال ܒܝܩܐ ـبيقا ( الابريق ) وصرخ بأعلى صوته خائفا من أبيه راح ينادي اباه يستنجد به وكان يسمي اباه عمّي : وو عمي وو عمي تويرى بيقا !!! . فجاء جواب ابيه من بعيد : بَمْ ما بشاتِـه عموخ...كذا ؟ كذا.. ؟!! .. (تفسير هذا الحوار والترجمة والتوضيح عند الالقوشيين) !!.
ومن الاواني الكثيرة الاخرى ܩܘܩܐ قوقا بورما ، كوز, بستوگا يوضع فيه الباقلاء والهريسة والحمص والعدس ( دششتا ـ شوپاتى) وتضع في التنور طوال الليل تستوي بحرارة ما تبقى من جمراته . ويستعمل ايضا لكبس الجبن واللحم والطرشي .ومن الأواني ايضا . سَندا ( في القوش ) وسندانا في اماكن اخرى يستعمل لكبس الجبن فيه واللحم والطرشي والدهن . وللحفاظ على المحتويات داخل سندانا نضيفة توضع له سدادة على شكل كرة من الاقمشة لتمنع دخول الاتربة او الحشرات تسمى ܦܘܟܪܐ پوكرا ,بمرور الايام تتسخ هذه السدادة خاصة اذا كان السندانا او البورمة يحتوي على الدهن ,ولوساخته صار مضرب الامثال يُشبه به الشخص القذر والوسخ فيقولون لذلك الشخص ܕܐܡܪܬܗ (ܐܘ ܒܥܝܢܗ ܐܘ ܚܫܬܗ) ܦܘܟܪܐ ܕܣܢܕܐ ܐܘ ܣܢܕܢܐ !! , دَمرتِّه ( او بعينه او خشتِه ) پوكرا دسندا او سندانا !! ( كأنه سدادة البرما أو البستوگة !!.) .أو يقولون : ܥܓܘܢܐ ܐܝܟܼ ܦܘܟܪܐ ܕܣܢܕܐ عچونا أخ پـوكرا دسندا ( قذر كسدادة البرما ) .يوجد اناء اخر يشبه البرما ( قوقا ) لكنه اوسع من الوسط وفتحته اكبر يسمى ܟܕܘܢܐ ܘ ܟܕܘܢܬܐ كدّونا او كدّونتا . يستعمل هذا الإناء ايضا لخزن الماء يشرب منه الفلاحون خاصة في الحقول والبيدر .وفي البيت عادة بالاضافة الى الماء كانت له استعمالات اخرى لحفظ بعض الحاجيات لسعته اتذكر كانت تضع فيه والدتي الملح الخشن .ولهذه الاواني قاطبة استعمالات كثيرة اخرى .
اما ܠܓܼܝܢܬܐ لغينتا ( وهو اللفظ الصحيح ) التي تُصحف الى لينتا ثم انتا او حوبنتا وفي اماكن اخرى مثل كرمليس وبغديدا تسمى ܚܠܬܐ (خالتا ) من ܚܠܐ (حالا ) وتعني التراب او الغبار او الطين , و في العربية العراقية تسمى (الحِب) وتُسمى عندنا افي القوش ( حوبَّـنتا ) ايضا . ܠܓܝܢܬܐ لغينتا ومذكرها ܠܓܼܝܢܐ لغينا يصحف الى لينا وتصغيره لَگن ولگنتا كلها اواني لها استعمالاتها .اما ܠܓܷܢܬܐ لغينتا يصحف كما قلنا الى أنتا في القوش واحيانا حوبنتا وفي اماكن اخرى يسمى خَلتا . وهو بمثابة مستودع كبيريجمع فيه ماء للشرب حينما ينقل من العين او من البير بواسطة ال تلما او تلمثا, قبل مجيء الأواني (التنكات) المعدنية , كانوا يملأون ـ لغينتا ـ او ـ انتا ـ أو خالتا ـ او حوبنتا ـ للشرب قبل كل شيء. ويوضع تحتها إناء يجتمع فيه الماء الناضح من مسامات الحِب ,الناقوط , فيكون اكثر نقاءا. لذلك كان يستعمل الناقوط (ܢܛܘܦܐ نَطوپا ) لصنع الشاي ,فيكون صافيا نقيا جدا, بعد ان يكون الماء قد ترك كل شوائبه في الحِب ( انتا , خالتا ) . وبسبب تراكم الشوائب في الحِب من اتربة وكلس واملاح كانت مساماتها تتعرض للإنسداد وتنعدم فيها عملية الترشيح والتبريد لذلك كانت تُستبدل بحِب جديد او يزيلون عنها التكلسات المتراكمة بعملية النقر على سطحها بفأس مُدببة الرأس ,كذلك التلما والشربة كلاهما يمران بنفس العملية ,عملية تكلس وانسداد المسامات .وعندما تغطي الجرة ܬܠܡܐ ܐܘ ܬܠܡܬܐ تلما أو تلمثا طبقة من الكل ساو الاملاح يقولون : ܟܪܟܼܠܗ ܬܠܡܐ كرخله تلما ,اي احاط الكلس والملح الجرة وانسدت مساماتها .وأن الفعل ܟܪܟܼ تعني = أحاط او لفَّ او قمَّط, كفَّنَ. ومنها جاءت كلمة (الكرخ ) .ووردت في احدى قصائدي (ܬܠܡܢ ܘܬܠܡܬܢ ܟܪܟܼܠܝܗܝ .... ܒܓܘ ܗܢ ܩܝܛܐ ܡܩ܏ܢܐ تلمن وتلمثن كرخلـَي... بگو اذ قيطا مقذانا ) وتعني مجازا  كل الجِـرار جفت ... في هذا الصيف الحار ). ويأتي التنور في مقدمة هذه الاشياء المهمة التي كانت تصنع من الطين بعد فخره ,لم يكن يخلو بيت منه . وكان التنور يُستعمل منذ القدم كمخبز رائع عبر الاف من السنين .وخبز التنور كان ولا يزال مفضلاً عند العراقيين ,ربما عند غيرهم ايضاً. كانت ثمة مدن وقرى اشتهرت بالفخاريات ,وفي سهل نينوى ,على سبيل المثال لا الحصر,اشتهرت قرية تلسقف في صنع الفخاريات ,خاصة في صنع ܠܓܼܝܢܬܐ ـ لغينتا ـ لينتا ـ ( انتا ـ حوبنتا ـ خالتا ) اي الحِب واتذكر في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين اشترينا واحدة من تلسقف وجلبناها بالباص الخشبي لصاحبه توما خدركا الى بيتنا في القوش وكانت مصنوعة من طين احمر . وكذلك اشتهرت الحلة في الجنوب في صنع الفخاريات .واشتهرت بلاد الرافدين عموما منذ عهد سومر وأكد وبابل واشور في صنع الأواني الفخارية ولازال الكثير منها يملأ رفوف المتاحف العالمية .كانت تجارة الفخاريات رائجة جدا وكانت في الموصل معامل كثيرة لصنع الجرار والاواني الفخارية الاخرى وثمة قرى كانت تعيش على الفخار اذ كانت مثل هذه الأواني الى القوش في اوائل الخمسينيات من القرن العشرين محملة على قطيع من الابقار وخاصة ܩܘܩܐ قوقى ـ بٌرم ـ بستوگات . كان التراب خير مادة ساعدت الانسان في صنع هذه الاواني منذ القدم والتي لم يكن بوسعه الاستغناء عنها .ولازال الكثيرون يفضلونها على الاواني العصرية والسبب هو ان الاواني الفخارية خالية من المواد الكيمياوية المُسببة للأوبئة الخبيثة, خاصة البلاستيكية منها, والتي اصبحت عبئا ثقيلاً على الطبيعة ووباءا تدمر الانسان والبيئة وسائر الكائنات الحية .
___________________________________________________________
*المصدر:https://www.facebook.com/latif.pola.1/posts/1238271093017238
        
  
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...