الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

تراجع سلطة المؤسسة العسكرية التركية د.حامد السويداني مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل

تراجع سلطة المؤسسة العسكرية التركية

د.حامد السويداني

مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل*


*نشرة (تحليلات ستراتيجية ) عدد كانون الاول 2011

تقديم

                                                          

واثق محمد السعدون

سكرتير التحرير 

تمثل حادثة تقديم رئيس هيئة الأركان التركية الجنرال (ايشيق قوشانر) وقادة أفرع القوات المسلحة (البرية والجوية والبحرية) استقالتهم في أواخر تموز 2011 وقبل انعقاد المجلس العسكري الأعلى، وقرار رئيس الوزراء اردوغان بسرعة قبوله لهذه الاستقالات، ومصادقة رئيس الجمهورية التركية عبد الله غول – السريعة- على قبول اردوغان لهذه الاستقالات وكذلك على قرار اردوغان تعين الجنرال (نجدت اوزال) قائد قوات الأمن الداخلي رئيساً لقيادة القوات البرية ونائباً لرئيس الأركان، مؤشراً على مدى إدراك القيادة السياسية التركية لحالات الوضع المتأزم مع الجيش وامتلاكها لرؤية واضحة ومحسوسة ازاء مختلف التطورات المحتملة، فقد قام اردوغان باتخاذ قرار سريع بأن ينزع فتيل أزمة سياسية قبيل انفجارها، وان يحبط تلك المناورة السياسة التي يخطط لها القادة العسكريون من اجل ارضاخ الحكومة لمطالبهم. ان هذه المتغيرات التي أثرت في سلطة المؤسسة العسكرية التركية لابد من ان تثير تساؤلات من قبل المتخصصين والباحثين في الشأن التركي، وفي هذا المقال يقوم الدكتور حامد السويداني بتسليط الضوء على مكانة وقوة المؤسسة العسكرية التركية المعروفة بأنها (الحارس الأمين للعلمانية) ومكانتها السامية في نفوس الشعب التركي وكذلك إجراءات حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا باتجاه تقليص نفوذ المؤسسة العسكرية، والأسباب الكامنة وراء ذلك، ومن ثم تحليل هذه الأحداث.

 

 

 

 

 

 

 

تراجع سلطة المؤسسة العسكرية التركية

د.حامد السويداني

مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل

 لقد أراد القادة العسكريون الأتراك بتقديم استقالاتهم القيام بخطوة استباقية قبيل انعقاد المجلس العسكري الأعلى من اجل ممارسة الضغوط على اردوغان بصفته رئيساً للمجلس في اتجاه ترقية أو إقالة جنرالات معتقلين على ذمة قضايا التخطيط للانقلاب على الحكومة المدنية، وقد عرفت تلك القضايا بأسماء (ارغنكون)، و(المطرقة)، وقضية (وثيقة) القضاء على حزب العدالة والتنمية وحركة (فتح الله غولين) الإسلامية.

يتكون المجلس العسكري الأعلى التركي من (14) عضواً هم رئيس الوزراء (مدني) ووزير الدفاع (مدني) و (12) قائداً عسكرياً برتبة جنرال (فريق) من ضمنهم رئيس الأركان وقادة أفرع القوات المسلحة الأربعة البرية والبحرية والجوية والأمن الداخلي، ويتم اتخاذ القرار فيه أغلبية الأصوات، والجيش ليس مسؤولاً عن القرارات ذات الطابع السياسي الصادرة من هذا المجلس، بينما تعد الحكومة الممثلة في عضوية هذا المجلس مسؤولة عن تنفيذ هذه القرارات، وتتلخص مهام المجلس العسكري في مناقشة الموضوعات المتعلقة بالشأن العسكري، مثل التصديق على قرارات ترقية العسكريين، أو اتخاذ القرار بشأن إخراجهم من الجيش لمختلف الأسباب سواء المهنية أو السياسية، وتعد قرارات هذا المجلس قطعية غير قابلة للطعن ما عد القرارات الخاصة بالترقيات وهو حق ديمقراطي تم اكتسابه بموجب التعديلات الدستورية عام 2010 .

      ترسخت مكانة الجيش في المجتمع التركي قبل قرون طويلة مضت فعسكريا كان للجيش الفضل الأكبر في جميع الفتوحات التي حققتها الدولتان السلجوقية ثم العثمانية لغاية مطلع القرن العشرين، وجعلت منها إمبراطوريتين كبيرتين إلى الدرجة التي امتدت فيها حدود ونفوذ الدولة العثمانية إلى ثلاث قارات، الأمر الذي مكن الجيش الانكشاري العثماني من أداء ادوار مهمة في تغير الصدور العظام (بمثابة رؤساء الوزارات) والسلاطين، وحتى استطاع السلطان محمود الثاني (1808-1839) تقليص دور الجيش الانكشاري والاستعانة عنه بمؤسسة عسكرية أخرى تنأى بنفسها عن التدخل في العملية السياسية، ثم عاود الجيش بعد سنوات تدخله بالسياسة مجدداً إثناء حركة الاتحاد والترقي سنة 1908، والتي انطلقت بالأساس بين صفوف العسكر للإطاحة بالسلطان عبد الحميد الثاني (1876-1909) ونجحت في ذلك في نيسان 1909، لتعيد بذلك تسليط الأضواء على أهمية دور العسكر في الحياة السياسية للدولة العثمانية.

وقد تمكن جنرالات حقبة العهد الجمهوري التي بدأت في تركيا بداية عشرينات القرن المنصرم بقيادة مصطفى كمال أتاتورك بعد أن خاضوا حرب الاستقلال ضد بقايا العهد العثماني وقوات الاحتلال الفرنسي والبريطاني واليوناني والايطالي التي احتلت ارض الأناضول بعد الحرب العالمية الأولى 1918، وهكذا تأسست الجمهورية التركية الأولى في كنف ثورية عسكرية قادها أتاتورك ورفاقه رسخت بعد ذلك لمبدأ (الانقلابية) كوسيلة لبناء الجمهورية الوليدة والحفاظ عليها وجعلته احد المبادئ الأساسية الستة للدستور التركي الذي عهد به أتاتورك قبيل وفاته بعام واحد أي عام 1937 إلى الجيش التركي الذي عده باني تركيا الحديثة وقائد ثورتها ومنذ ذلك الحين عد الجيش التركي نفسه حامي حمى الجمهورية التركية والأمين على مبادئها الستة. وسلك الجيش التركي طريقته الخاصة في تفسير القوانين ومواد الدستور ذريعة يستخدمها لتبرير كل انقلاب عسكري قام به وأطاح بواسطته بالحكومات المدنية المنتخبة التي رآها تسير في طريق قد يضر بمبادئ الجمهورية التركية لاسيما (مبدأ العلمانية)، كما حرص الجيش وبعد كل انقلاب عسكري على أن لا يترك السلطة للمدنيين إلا بعد سن دستور جديد أو تعديل بعض مواد الدستور القائم على نحو يرسخ لنفوذ المؤسسة العسكرية داخل الحياة السياسية والمدنية.

وفي وسع المراقب للشأن التركي أن يتبين الجذور الثقافية لتعاظم مكانة الجيش في تركيا، إذ أن الثقافة التركية تحث على الاحترام الشديد للعسكر والمبالغة في تقديرهم لحد النظر إلى رجالات الجيش بوصفهم غزاة فاتحين لصناعة مجد هذا البلد على مدار التاريخ، إلى الحد الذي يحرص غالبية الآباء الأتراك على مداعبة أطفالهم متمنين لهم أن يصبحوا (باشوات)، وهم يقصدون جنرالات في الجيش التركي.

يشكل الدعم الغربي وخصوصاً الأمريكي احد ابرز مصادر قوة ونفوذ الجيش سياسياً فباعتماد تركيا التعددية الحزبية وإجرائها أول انتخابات ديمقراطية عام 1950 اكتسبت علاقاتها بالغرب أبعاداً جديدة ومهمة لاسيما بعد أن صارت عضواً في حلف شمالي الأطلسي (الناتو)، وعنصر أساسيا في الحرب الباردة ضد المعسكر الشرقي (الاشتراكي) بزعامة الاتحاد السوفيتي السابق حيث أسهم ذلك في دعم دور العسكر في الحياة السياسية بعد ان نظرت واشنطن وعواصم الناتو إلى تركيا كحليف استراتيجي، كما حظي القادة العسكريون الأتراك الذين اثبتوا بدورهم وفي العديد من المناسبات وفائهم لواشنطن بمساندة واضحة من الأمريكان الذين جنحوا لتأييد جميع الانقلابات العسكرية التي شهدتها تركيا وبرعوا في التماس الأعذار لمدبريها وإبداء التفهم لمقاصدهم، وتمثل (رئاسة الأركان العامة للجيش) المصدر الأول للقوة في المؤسسة العسكرية التركية وهي تتمتع بوضع خاص في الدستور التركي، وتقوم المؤسسة العسكرية بعملية "تطهير" سنوية ضد الضباط المتدينين حيث تقوم بإخراجهم من الجيش، دون تقديمهم لمحاكمة عسكرية، أو سماع أي دفاع منهم.

يعد تقليص سيطرة العسكر على الحياة السياسة التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا في العام 2002 من أهم التغيرات التي طرأت على بنية الدولة في تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1923 وكانت لها انعكاساتها المهمة على التطور الديمقراطي الذي يشهده هذا البلد، فمنذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة أصدرت حكومة اردوغان قوانين جديدة متوافقة مع معايير كوبنهاكن (معايير سياسية وقانونية اشترطت على تركيا القيام بتشريعات ديمقراطية جديدة أهمها إبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة وحجبها عن التدخلات المدنية والقضائية لقبولها في عضوية الاتحاد الأوربي)، بهدف إعادة هيكلة المؤسسات، وتمثلت بسبع حزم قانونية صادق عليها البرلمان في 30 تموز 2003، وكانت هذه الخطوة نقطة التحول الأقوى في العلاقة بين العسكر والمدنيين داخل مجلس الأمن القومي التركي وأمانته العامة وهما الذراعان اللتان ظلا دوماً يؤديان دوراً مهماًً في الحياة السياسية في تركيا.

وقد تناولت التعديلات الخاصة بمجلس الأمن القومي وأمانته العامة محورين يقضي كلاهما إلى تقليص وضعية المؤسسة العسكرية داخل الحياة السياسية التركية، وهما إلغاء هيمنة المؤسسة العسكرية على بنية مجلس الأمن القومي وتقليص سلطات المجلس التنفيذية. وصار عدد أعضاء مجلس الأمن القومي (9) مدنيين مقابل (5) من العسكر، بعد ان كان عدد المدنيين (4).

وفي السياق ذاته نصت الإصلاحات الجديدة على قيام لجان من البرلمان أو من وزارة المالية بتدقيق نفقات الجيش وهو ما لم يكن موجوداً في السابق ولا مسموحاً به، كما وضعت التعديلات الدستورية الأخيرة تصرفات الجيش المختلفة تحت رقابة ومحاسبة البرلمان والأجهزة الدستورية، بعد أن تخلت القوى التقليدية عن موقفها الداعم للجيش وفي مقدمتهم كبار رجال الأعمال الكبار ووسائل إعلامهم الرئيسة التي أصبحت تتربص بأي محاولة لعرقلة المسار الديمقراطي من قبل الجنرالات.

وفي 26 حزيران 2009 اقر البرلمان التركي سلسلة إضافية من التعديلات التي اقترحها حزب العدالة والتنمية والتي تحد من صلاحيات المحاكم العسكرية وهو إجراء يطلبه الاتحاد الأوربي منذ فترة طويلة، وتفسح التعديلات الجديدة المجال لمحاكمة العسكريين أمام محاكم مدنية، فضلاً عن تعديلات أخرى. أما حق تدخل الجيش في الحياة السياسية فلا يزال مكفولاً في دستور 1982 المعمول به حالياً لحماية مبادئ الجمهورية، ولذلك فإن جهود حزب العدالة والتنمية في إجراء تعديلات دستورية تهدف إلى وضع المؤسسة العسكرية في مكانها الدستوري الصحيح وكان (58)% من الشعب التركي قد وافق على هذه التعديلات الدستورية في الاستفتاء العام الذي اجري في 12 أيلول 2010.        

        وبعد وطأة تلك الضغوط التي تؤشر لانهيار الدور السياسي للجيش التركي، بدأت صورة الجيش التركي تتعرض لهزة مدوية بعدما نشرت صحيفة (طرف) اليومية الليبرالية في 12 حزيران 2009 وثيقة عرفت باسم (وثيقة مكافحة الأصولية) قيل إنها أعدت في رئاسة الأركان وذيلت بتوقيع العقيد الركن (دورسون شيشيل) احد كبار ضباط القوات المسلحة بغرض إسقاط حكومة حزب العدالة والتنمية وجماعة فتح الله غولين الإسلامية. وجاء في تلك الوثيقة التي تتألف من أربع صفحات والتي اتهم بصياغتها ضابط رفيع بالبحرية التركية في عام 2008 خلال حلقة دراسية في قيادة الأركان نوقش فيها خطورة وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم واستمراره في السلطة وضرورة التخلص منه.

        وبعد ما وصلت فضائح تدخل الجيش في الحياة السياسية التركية وبطرق غير مشروعة إلى ذروتها، واكتشاف منظمة (ارغنكون) والكشف عن مخططاتها الإرهابية ضد الحكومة كان مذهلاً، ولا سيما ما يخص بتورط جنرالات متقاعدين في هذه المنظمة وهو ما ساهم في تكوين صورة سلبية عن الجيش لدى الرأي العام التركي، وكانت هذه الأحداث فرصة لحزب العدالة والتنمية أن يضرب ضربته، كذلك تحول العسكر إلى موقع دفاعي بعد فضائح (الوثيقة) و(ارغنكون) منعه من أن يفكر في القيام بانقلاب عسكري أو التهديد به، فضلا عن أن عهد الانقلابات قد انتهى لأسباب دولية وارتفاع الوعي لدى الرأي العام التركي، فضلاً عن وقوف غالبية الأتراك وراء تعزيز الحريات وترسيخ الديمقراطية.

    ومن خلال هذا العرض عن انهيار سلطة المؤسسة العسكرية لابد من توضيح الأتي:

1- إن الدعم الغربي بشكل عام والأمريكي بخاصة لتطوير الجيش التركي وتخريج الجنرالات من الكليات الحربية الغربية وحرص الغرب على تقوية الجيش التركي كان يهدف لمنع تغلغل المد الشيوعي داخل تركيا فضلاً عن منع الأحزاب الإسلامية من الخروج على المبادئ العلمانية وضمان الانصياع للسياسة الغربية والأمريكية من قبل تركيا، فالجيش كان يقوم بالانقلابات على أي حكومة قد لا تنفذ سياسة متطابقة مع وجهة نظر الولايات المتحدة الأمريكية والغرب. وبما أن الخطر الشيوعي قد زال والأحزاب الإسلامية  التقليدية قد تراجعت، وظهر حزب العدالة والتنمية (الإسلامي المعتدل) الذي ليس له اختلافات كبيرة مع التوجهات الغربية والأمريكية، لذا نجد إن الدعم الغربي والأمريكي لنفوذ المؤسسة العسكرية التركية قد بدء بالتراجع.

2- متابعة الولايات المتحدة الأمريكية والعالم الغربي للإصلاحات التي يمكن أن تقوم بها تركيا في طريقها نحو الانضمام إلى الاتحاد الأوربي، وفي مقدمتها أبعاد المؤسسة العسكرية عن السياسة ومن جهة أخرى هنالك رأي يذهب إلى أن تخلي الولايات المتحدة والغرب عن تنمية قوة الجيش التركي ومحاولة تفكيكه هو محاولة من قبل الدوائر الغربية لنزع السلاح والتقليل من قوة الجيوش في الشرق الأوسط حفاظاً على امن (إسرائيل) التي ستصبح اكبر قوة عسكرية في المنطقة بحالة غياب أية قوة منافسة.      

               

 

 

 

تراجع سلطة المؤسسة العسكرية التركية

د.حامد السويداني

مركز الدراسات الإقليمية، جامعة الموصل

الملخص

يعد تقليص سيطرة العسكر على الحياة السياسة التركية منذ تولي حزب العدالة والتنمية الحكم في تركيا في العام 2002 من أهم التغيرات التي طرأت على بنية الدولة في تركيا منذ تأسيس الجمهورية عام 1923، والتي كانت لها انعكاساتها المهمة على التطور الديمقراطي الذي يشهده هذا البلد. فضلاً عن حصول تحول قوي في العلاقة بين العسكر والمدنيين داخل مجلس الأمن القومي التركي وأمانته العامة وهما الذراعان اللتان ظلا دوماً يؤديان دوراً مهماًً في الحياة السياسية في تركيا.

 

The Retreat of Turkish Military Authority

By: Dr. Hamid AL- Sweidany

Regional Studies Center, University of Mosul

        The reduction of military authority, on Turkish political life since the AKP has come to power in 2002, was from among the most important that happened on the structure of  Turkish state since establishment of Turkish republic in 1923; which has significant reflection on the democratic development in Turkey. Also, the strong change in relation between the military and civilians inside Turkish national security council and its general secretary which are as the arms who were performing important roles within Turkish life.       

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في نشريات المركـز تعبر عن رأي كاتبيهـا

بالدرجة الأولى وليس بالضرورة أن تعبـر

عن وجهة نظر المركـز


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...