اللغة العربية
والعراق والاسلام
ا.د.ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ الحديث
المتمرس – جامعة الموصل
سألني أحد الاخوة
الصحفيين عن متى وكيف دخلت اللغة العربية الى العراق وكيف انتشرت وهل كان للإسلام
دور في ذلك واجبته أقول هذه ثلاثة اسئلة في سؤال واحد وللإجابة عليها ، لابد لنا ان نعود قليلا الى صفحات التاريخ ومدوناته لنصل الى حقيقة مهمة تساعدنا في
الاجابة على هذه الاسئلة .وقبل ان نجيب عن هذه الاسئلة نقول مع المفكر والفيلسوف
العربي الكبير عبد الرحمن بن خلدون وقد عاش في القرن الرابع عشر الميلادي ان اللغة
هي " عبارة المتكلم عن مقصوده ،وتلك العبارة فعل لساني ،ولابد ان تصير بمرور
الزمن ملكة فتقرر في العضو الفاعل لها وهو اللسان واللسان موجود في كل امة "
. وهكذا اذا اردنا ان نتحدث عن اللغة العربية فهي جزء مما كان يسمى اللغات السامية وبعض المؤرخين يسمونها اللغات الجزرية اي التي
نبعت من الجزيرة العربية وتطورت ولا يرى الاستاذ الدكتور جواد علي وهو شيخنا
واستاذنا منذ اكثر من نصف قرن درسنا تاريخ ما قبل الاسلام في قسم التاريخ بكلية
التربية بجامعة بغداد 1964-1968 من ان نسميها اللغات العربية .
وطبيعي ان
الساميين ومنهم الاموريين ، والاكديين ،
والبابليين ، والكلدانيين ، والاراميين، والكنعانيين ، والفنيقيين ، والاشوريين كانوا يتكلمون بلهجات مختلفة لكن هذه
اللهجات حتى وان سميناها لغات تشترك في خصائص عديدة تميزها عن غيرها من اللغات
وكما يقول شيخنا ايضا الاستاذ الدكتور صالح احمد العلي ، وهو من الف كتابه (محاضرات
في تاريخ العرب ) وطبعه في بغداد سنة 1954 ؛ انها اي هذه اللغات منحدرة من أصل
واحد ومن اهم هذه الخصائص ، وجود عدد كبير من الكلمات المشتركة بينها وان الاساس
فيها فعل الماضي وان تصريف الافعال يتشابه فيها وانها تعتمد على السواكن لا
الحركات ، وأصل الكلمات مكون من ثلاثة احرف في الغالب والفعل هو اساس الجملة
ويعتمد عليه الاسم والضمير .
اريد ان اقول ان
الاقوام التي سكنت العراق منذ اكثر من عشرة الاف سنة واقامت الحضارات البابلية والأكدية
والاشورية والحضرية (نسبة الى الحضر) كانت تتحدث لغات بالأصل هي عربية لكنها
متعددة اللهجات وهناك تباين بينها لكن الاصول واحدة .
ومن هنا ذهب بعض
المؤرخين والباحثين ومنهم المستشرق الايطالي (
اغناص جويدي ) ، والذي قارن بين اللغات السامية المتعددة (الجزرية نسبة الى جزيرة العرب) الى
ان اغلب الكلمات التي تدل على السهول والمياه والنباتات مشتركة بين كل تلك اللغات ،
ووصل الى حقيقة وهي ان هذه اللغات عربية وان العراق واحد من اماكن ومرتكزات هذه
اللغة ، وبرر رأيه هذا بأن سفينة نوح الاب الثاني للبشر بعد آدم عليه السلام ، وكما هو موجود في التوراة قد رست
في جبل الجودي في شمال العراق عند منطقة ابراهيم الخليل الحالية في قضاء زاخو بإقليم كوردستان العراق حاليا ومنها انتشر الناس
بعد انتهاء الطوفان .
اذا اللغة العربية
باعتبارها من شجرة اللغات السامية عريقة في العراق عراقة وجود الانسان وقد انتشرت
اللغة العربية الى الشام ومصر والشمال الافريقي وقد كتبت عن هذا في كتابي الذي صدر
عن دار الشؤون الثقافية العامة ببغداد سنة 2001 بعنوان (تاريخ الفكر القومي
العربي) وقلت ان للعوامل الاقتصادية في الجزيرة العربية والتخلخل السياسي في
اطرافها كان له اثر كبير في تعميق الصلة بين العرب والارض التي انساحوا منها اذ
خرج العرب من جزيرتهم على شكل موجات متعاقبة تبلغ الحقبة منها زهاء الف عام واخر
من خرج في القرن الثامن عشر هم عشيرة شمر . وكانت الجزيرة تقذف بأبنائها ، كلما
زاد عددهم او قل طعامهم . والتاريخ يحفظ لنا منذ منتصف الالف الرابع قبل الميلاد
سلسلة متواصلة من الهجرات منها هجرات الاراميين والاكديين والبابليين والاشوريين
والكلدانيين على التوالي في نحو منتصف الالف الثالث والثاني والاول قبل الميلاد .
نأتي الى السؤال
الاخير ، وهو هل كان للإسلام دور في نشر اللغة العربية؟ . والجواب نعم ، وانا اقول
ايضا ان حركة الاسلام جاءت (عربية) في
بيئتها وفي القائمين بها ؛ فالإسلام وحد العرب ، واعطاهم تاريخا ، وحملهم رسالة ، وساعدهم
في ان تكون لهم دولة في المدينة في يثرب القديمة ، والرسول الكريم محمد صلى الله
عليه وسلم قاد العرب ، وكون منهم امة ، وهم لم يكونوا بعيدين عن هذا النهوض كانوا
يتململون وهم تحت الاحتلال الساساني ومنهم تحت الاحتلال البيزنطي والاسلام حررهم ،
والقرآن الكريم نزل بلغتهم العربية . كان لهم شعر ، هو الشعر الجاهلي ، لكن القرآن
نزل بلغة ابلغ من الشعر الجاهلي ؛ فانتشرت اللغة العربية بلهجاتها الكثيرة ومنها
لهجة تميم ولهجة قريش وعندما اقبل العرب على الاسلام كان عليهم ان يدرسوا القرآن
الكريم ، وهو بلغتهم لهذا اهتموا باللغة العربية وآدابها اهتماما كبيرا وواسعا ، وتعلموها تعلموا فقهها ، ودرسوها لأنها اصبحت وسيلتهم
الوحيدة للتفاهم ، واصبحت هي لغة الدولة الرسمية واسهمت انسياحاتهم نحو المناطق
الخصيبة في العراق والشام والشمال الافريقي ومن ثم الاندلس وجنوب فرنسا وايران
والاناضول والخليج العربي ، اسهمت انسياحاتهم تلك في انتشار اللغة العربية ، واصبحت
هي لغتهم القومية ، ولغة الشعوب التي اعتنقت الاسلام ، ولاتزال الابجدية العربية
اقصد الحروف العربية هي السائدة في كثير من لغات الشعوب الاسلامية ، واخيرا كانت
النهضة الاسلامية ، وارتكاز الدولة على وحدة العقيدة ، ووحدة اللغة هي الاساس لهذه
النهضة . ويؤكد كثير من الباحثين والمستشرقين على ان من ابرز سمات الحضارة العربية
والاسلامية في اصولها ومقوماتها هو الطابع الانساني ، وسمة العدل ، والحرية ، والسلام .
12-12-2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق