منطقة دكة بركة في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
ودكة
بركة ، ونحن أي جيلنا جيل ما بعد الحرب العالمية الثانية 1945 ، نسميها (الدجة
) . و لمن لا يعرفها ، هي منطقة في مدينة الموصل القديمة والقريبة من محلة رأس الكور ، ومحلة عبدو خوب ، ومحلة المكاوي ، وفيها مسجد العذيباني ، ومسجد البُدش
.. وفيها مقبرة عيسى دده ، سكنتها اسر
موصلية عريقة ، هذه المحلة دمرت وتحولت الى انقاض خلال معركة تحرير الموصل من
سيطرة عناصر داعش ، ومنذ التحرير حتى اليوم تشكو غياب الخدمات وغياب الدعم وغياب
كل شيء وقد عبر اهاليها من خلال قناة (الموصلية) الفضائية عن معاناة هذه المحلة بشكل رائع ، واتوا بأبيات الشعر وتحدثوا بلغة مفهومة عن معاناتهم في هذه المحلة وفي كل الموصل القديمة وقالوا ان الناس تنتظر ان تمتد يد العمران الى محلتهم
والعمران الان يعود بطيئا .
منطقة
دكة بركة اذا ، تتداخل مع محلات اربعة هي
محلة المكاوي ، ومحلة الشهوان ، ومحلة عبدو خوب ، ومحلة رأس الكور ، وقد سميت
ب(دكة بركة ) نسبة الى امرأة كانت تجلس لتبيع الخبز الذي تصنعه في بيتها اسمها
بركة . ولازلنا نشاهد نساء ورجال وخاصة في رمضان يجلسون قبيل الفطور، وهم يبيعون الخبز الذي نسميه (البغيشين )
او ( البراشين ) ، وهو خبز لذيذ ونكهته طيبة ، لا نجده في كل مكان من الموصل ، وهو
كما يقال خبز تنور ويستخدم في اشعال التنور الحطب ، و(الجلة من روث الحيوانات ) .
قالت
السيدة بتول النقيب ان (بركة الخبازة) ، كانت ايام مجاعة شتاء سنة 1917 وايام حكم
العثمانيين ، تخبز الخبز في بيتها وتوزعه على الناس الذين كانوا يعانون من الجوع
ولموقفها الانساني هذا اطلق الناس اسمها
على هذه المنطقة التي كانت تسمى قبل ذلك (ايشك صويان أي سلاخي الجحش ) وهو اسم لم
يستسيغه الناس .
وفي
الحقيقة ان اسم المحلة الاصلي في العصور
الاسلامية كما يذكر ذلك شيخنا المؤرخ احمد الصوفي في كتابه (خطط الموصل) هو (محلة
الطبالين ) بمعنى ان فيها محلات لصناعة
الطبول من جلود الحيوانات .
احد
الاخوان واسمه محمد محمد محمدي قال ان بركة هذه ، امرأة اشتهرت خلال حصار نادرشاه
للموصل سنة 1743 ميلادية ، فكانت تغلي
الزيت وتصبه على رؤوس المقاتلين المهاجمين
وطبعا المنطقة تطل على نهر دجلة وسور الموصل الممتد الى باشطابيا أي القلعة
الرئيسة قريب منها وكان ذلك اجتهادا من هذه المرأة واسهاما منها في المقاومة التي
كانت بقيادة الحاج حسين باشا الجليلي في ايلول
– تشرين الاول سنة 1743 ميلادية . وقد نجحت الموصل في المقاومة وانسحب نادرشاه بعد
(43) يوما من الحصار الذي يعد من اطول واقسى حصارات القرن الثامن عشر اذا استثنينا
حصار نابليون لموسكو .
طبعا
لم اجد في السجلات الرسمية ، ومنذ احصاء وتعداد سنة 1919 وتعداد 1947 وتعداد 1957
، محلة اسمها (محلة دكة بركة ) ، لكني اعرف هذه المحلة وعندما
كنت تلميذا في المدرسة الابتدائية : مدرسة ابي تمام الابتدائية في محلة عبدو خوب
وبيتنا في محلة رأس الكور ومنذ سنة 1951 كنت امر بها مشيا وهي منطقة منخفضة عن
محلة رأس الكور أي اننا ننزل من محلة رأس الكور في ما نسميه في الموصل (دحدغوني )
لنصل الى دكة بركة حيث ان هناك ونحن متوجهين اليها على اليسار مقهى نصعد اليه بدرج
وهي (مقهى معيوف ابو خليل وابو ثامر ) ، وكان
خالي ادريس يجلس فيها حيث كان بيتهم بيت جدي
لأمي المرحوم الحاج حامد عبد الرحمن الطائي السنبسي ابو يونس وابو ادريس ، وقد توفي سنة
1967 وكان عمره (85) سنة ، هناك الى جانب بيوت عدد كبير من الاصدقاء ومنهم الحاج نافع عبد
الله ابو معاذ امام وخطيب جامع قبع في الجانب الايسر من الموصل عند محلة الزهور
ودورة عبد القادر العبيدي .
من
الاسر التي كانت تسكن في محلة دكة بركة فضلا عن اسرة بيت عبد الله البنا بن زهية
وهو والد الاستاذ نافع ابو معاذ بيوت ال العذيباني ، ومنهم صديق جدي المرحوم طه
العذيباني العلاف ، وعبد الرزاق العذيباني ابو الاستاذ غانم العذيباني قائمقام
قضاء الموصل السابق . ومن بيوتاتها (آل العلي المرعي) ومنهم اللواء لازم علي مرعي
مواليد 1946 وخريج الكلية العسكرية سنة 1968. ومنهم حسين علي ابو عمشة توفي سنة
1990 .
ومن
معالم محلة دكة بركة (حمام بور سعيد) وهي
من اشهر حمامات الموصل واكثرها تنظيما وترتيبا ونظافة وكانت بنايتها ملكا لآل الصابونجي .
وكان
هناك سوق عصري الى جانبها اقامته بلدية
الموصل فيه دكاكين تضم قصابين ونجارين وباعة للفواكه والخضراوات .وكانت هناك بين
محلة رأس الكور ومحلة دكة بركة حمام قرب بيت الدرزي ومقابل صالون جاسم الحلاق وكان يعمل ممرضا في المستشفى
الجمهوري .
ومن
معالم محلة دكة بركة (جامع بكر افندي) ، وهو من الجوامع القديمة والعريقة .كما ان في
دكة بركة (معمل لقلي المكسرات أي الجرزات ) لصاحبه ابو رانيا في ما يسمى الجافوف وتحتاج الى خبرة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق