الأربعاء، 22 ديسمبر 2021

تجربة الخصخصة في الجزائر التنظيم والإجراءات أ.د:نصيب رجم/ كلية العلوم الاقتصادية جامعة – عنابة، بو لقصيبات محفوظ/رئيس اللجنة العلمية لقسم علوم التسيير.كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير/جامعة 08 مـــاي1945-الجزائر-


الخصخصة في الجزائر

تقديم

                                                             د. فواز موفق ذنون

                                                               سكرتير التحرير

 

   تعد الخصخصة فلسفة اقتصادية حديثة ذات أهداف إستراتيجية تسعى إلى تحويل عدد كبير من القطاعات الاقتصادية والخدمات الاجتماعية من القطاع العام إلى القطاع الخاص، ولاتعد الخصخصة غاية بحد ذاتها بقدر ماهي وسيلة وأداة لتفعيل برنامج اقتصادي شامل ذو محاور متعددة يسعى إلى إصلاح الأوضاع الاقتصادية في دولة معينة.

   وتأتي عملية الخصخصة في دول العالم ومنها الدول العربية وسيلة لمعالجة الظروف التي جعلت اقتصاديات تلك الدول عاجزة أمام التحولات غير المواتية من الاقتصاد العالمي فأصبح مطلوباً على تلك الدول العمل على تقويم مسيرتها الاقتصادية والقيام بإصلاحات للخروج من أي مشاكل اقتصادية والانطلاق نحو تنمية اقتصادية اجتماعية شاملة ومتكاملة.

   وعليه فان موضوع الخصخصة يجب الا تتم معالجته بعشوائية وإنما وفق دراسات ومعالجات منظمة ومدروسة ومخطط لها سلفاً، وفي هذه الدراسة يقدم لنا الباحثان الجزائريان رؤيتها حول الخصخصة في الجزائر اذ يؤكد أن هذه الخصخصة تعد صور من صور الإصلاح التي تتضمن حركة وتحولات كبيرة تتطلب الإحاطة والإلمام بمنهجها وأدواتها حتى تكون مفضية إلى ماهو مراد من تبني هذا النظام الاقتصادي .

 

  

 

 

 

تجربة الخصخصة في الجزائر

التنظيم والإجراءات

 

 

 أ.د:نصيب رجم/ كلية العلوم الاقتصادية جامعة – عنابة،

 بو لقصيبات محفوظ/رئيس اللجنة العلمية لقسم علوم التسيير.كلية العلوم الاقتصادية والتجارية وعلوم التسيير/جامعة 08 مـــاي1945-الجزائر-

 

مقدمة:

    إن تبني أية سياسات اقتصادية من شأنها أن تنمي مستوى  الفعالية و الأداء في قطاعات اقتصاد ما، ينصب أساسا على تلك الإصلاحات التي تمس مؤسسات تلك القطاعات، ومن أهم ما درجت عليه الدول المنتمية لمعتقد التسيير الاشتراكي لاقتصاد الدول سابقا، في إطار إصلاحاتها وتحولها نحو الانفتاح واقتصاد السوق، أنن تفتح المجال أكثر أمام ممارسات فعلية وأكثر حرية للقطاع الخاص كمستثمرين من جهة، أو فتح رؤوس أموال المؤسسات العمومية للشراكة مع القطاع الخاص أو استحواذ هذا الأخير عليها بشكل كلي، وذلك في إطار سياسة إصلاح معلنة تعرف بالخوصصة أو الخصخصة، والتي كما أشرنا عادة ما تتبع كإستراتيجية إصلاح في أغلب الدول السالفة الذكر، فالخوصصة باعتبارها تحويل للملكية نجد أنها أخذت عدة تعريفات بحسب اختلاف النظرة لها ، فنجد من يعرفها بأنها تراجع للقطاع العام لصالح القطاع الخاص، من حيث كونها تنازل للدولة عن بعض أنشطتها الاقتصادية لصالح القطاع الخاص، أو هي تنازل الدولة عن بعض أوكل ملكيتها في بعض المؤسسات لصلح القطاع الخاص، كما قد ينظر إليها على أنها تعزيز لدور القطاع الخاص، في إدارة،استئجار،أو ملكية المؤسسات التابعة للقطاع العمومي.

    تمثل صورة من صور استراتيجيات الإصلاح التي تتضمن حركية وتحولات كبيرة ، تتطلب الإحاطة والإلمام بمنهجيتها وأدواتها وكذا مختلف تقنياتها، وذلك حتى تكون مفضية إلى ما هو مراد من تبنيها، حيث أن أي إصلاح يصاحبه تنظيم و إعداد مسبق، كسن القوانين وضبط المراحل والطرق ، وتجنيد وتبني تقنيات وإجراءات خاصة أو عامة مع واجب التحكم فيها، وذلك كشرط أساسي لتحقيق نجاح ذلك الصلاح.

ودراستنا هذه هي رافد من روافد دراسة أوسع تخص هذه الإستراتيجية الإصلاحية  في الجزائر،حيث تنصب في اهتماماتها على هذا المجال الأخير المتعلق بالجانب التنظيمي و الجانب الإجرائي لعملية الخوصصة في بلادنا ، والذي نرى له من الأهمية ما هو دافع قوي لدراسته و إجلاء الغموض عنه، بحيث أن الدراسة التي بين أيدينا تعمل على إيضاح أهم المفاهيم المرتبطة بواقع هذين الجانبين في تجربة الخوصصة الجزائرية، وذلك من خلال العمل على الإجابة على الإشكال التالي:

- ما طبيعة التنظيم والأدوات المعمول بها في إطار عملية الخوصصة في الجزائر؟.

- ما طبيعة الإجراءات المتبعة في ذلك؟.

- ما مدى كفاية كل من التنظيم والأدوات وكذا الإجراءات المتبعة، في تفعيل عملية الخوصصة؟.

وقد عملنا في طيات هذه الدراسة على الإجابة على الإشكالية المطروحة،  في ضوء التأكد من الفرضيات البحثية التالية:

- إن الجزائر وعلى الرغم من إتمامها لعمليات خوصصة مؤسسات كثيرة، تبقى تعاني من نقائص تشريع وتنظيم في هذا المجال تتطلب تكملتها و تحسنها .

- قد يظهر نقص الجانب التشريعي والتنظيمي في أداء بعض النواحي الإجرائية لعملية الخوصصة.

المنهج والأدوات المستخدمة:

المناهج المستعملة:

تندرج هذه الدراسة ضمن نوع الدراسات الاستكشافية، والتي مما يميزها أنها قليلة التناول في المجال التنظيمي و الإجرائي المهتم به في هذه الدراسة، بحيث يعطي هذا تميزا لهذه الأخيرة على الأقل من حيث مجال الدراسة المعتمد.

قد حاولنا استعمال مناهج البحث المساعدة على الإحاطة ما أمكن جوانب الموضوع، بحيث استعملنا المهج الوصفي، والذي من حيث كونه وصفي فهو يهتم بوصف مجال الدراسة، محاولين من خلاله ضبط حقيقة الواقع المعاش لمجال

اهتمام الدراسة، وذلك سواء من حيث بعده التنظيمي أو بعده الإجرائي، بالشكل الذي يسمح بحصر أهم البيانات المرتبطة بهما، والعمل على  دراستها و تحليلها من منظور كون ذلك ضروري لصياغة إجابة كاملة ما أمكن عن الإشكالية المطروحة، والتأكد من الفرضيات المقدمة.

كما استعملنا المهج الإحصائي الرياضي من خلال الاستعانة بالتقنيات الإحصائية، والمتمثلة في تحليل النسب، سواء في تلك المرتبطة بميدان الدراسة أو تلك النسب المتعلقة بتحليل الإجابات المقدمة من طرف العينة الإحصائية المستجوبة في الجانب الميداني للدراسة. وقد استعملنا أسلوب المسح الشامل لأفراد المجتمع المدروس نظرا لخصوصية الميدان المعني بالدراسة.

الأدوات البحثية المستعملة:

ولقد استخدم هذا البحث وسائل بحثية مختلفة تتلخص في ما يلي:

- الاستبيان : والذي يعتبر الأداة البحثية المحورية لهذه الدراسة، بحيث شملت فيه الأسئلة المكونة له، مختلف النواحي المرتبطة بموضوع الدراسة.

- المقابلات : وذلك من خلال كون استرجاع تلك الاستمارات، قد صوحب في اغلب الأحيان بإجراء مقابلة مع مسئولين متكفلين بعملية الخوصصة، عل مستوى الهيئات و شركات تسيير المساهمات التي شكلت أفراد العينة المدروسة، وذلك في محاولة لتعميق فهم واقع التجربة ببسط الحديث أكثر مع الإطارات المعنية مباشرة بذلك.

- الملاحظة : حيث استعملت بالتوازي مع الوسيلة السابقة، بحيث تسمح بضبط صورة واضحة و أكثر واقعية مما لو نستخدمها، لا سيم في تلك الحالات التي امتنع أو تجنب فيها بعض أفراد العينة عن الإجابة على الاستبيان أو بعض أسئلته.

 

المصادر البحثية المستخدمة :

استخدمت في الدراسة مصادر بحثية مختلفة، حيث استعملت بالدرجة الأولى المعلومات المستقاة من الاستبيان الموزع، ثم بدرجة أقل بعض المراجع والكتب ذات الصلة بأدبيات الموضوع، إلى جانب بعض التقارير للهيئات المسئولة على تسيير عملية الخوصصة، وقد عملت الدراسة على التوفيق بين معطيات هذه المراجع و معطيات الجانب الميداني محاولة تعظيم الاستفادة ما أمكن.

وفي هذه الدراسة التي بين أيدينا تناولنا محورا أساسيا من محاور التجربة الجزائرية في مجال الخوصصة ، وهو المحور الذي يرتبط بالناحية العملية والإجرائية، بحيث جعلناه في قسمين متكاملين وفق الشكل المبين أدناه.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 


وقد جعل لكل بعد في هذه الدراسة جملة من الأسئلة المرتبطة به، والتي كانت متفرقة في الاستبيان بغرض تحقيق أكبر عفوية في الإجابة عن الأسئلة المطروحة، باعتبار أن العفوية من أهم شروط  رفع مصداقية الإجابة المقدمة من طرف الأفراد المستجوبين، وكما هو موضح من الشكل فقد خصصت للقسم الأول جملة من الأسئلة المرتبطة بالأدوات والتنظيم ، وجعلت للقسم الثاني جملة أسئلة مست جانب الإجراءات.

وقد استهلت هذه الدراسة بجانب نظري يعمل على ضبط مختلف الأدبيات التي تخدم الموضوع حول الخوصصة ومتطلباتها، ثم نتحول للجانب العملي الميداني والذي نعمل من خلاله على عرض وتحليل نتائج الإجابة على الاستبيان .

 

 - Iأساسيات ومقومات نجاح عملية الخوصصة :

يقول "سالمون": " كل وسيلة لها خطواتها المحددة ولها علاقاتها التنظيمية الخاصة بها ولها متطلباتها من البراعة، باختصار لها شكلها الخاص في الاقتصاد السياسي ".

ولعل ما لا يختلف فيه الكثير بشأن هذا، أن إستراتيجية الخوصصة ما هي في الحقيقة إلا وسيلة إصلاح اقتصادي تسعى من خلالها الدولة إلى ترقية الأداء الاقتصادي للأفراد والأعوان الاقتصاديين التابعين للقطاع العام بالدرجة الأولى، محاولة من وراء ذلك تحقيق توازن واستقرار دائمين على المستويين الكلي والجزئي،إلا أن هذه الوسيلة "الخوصصة" وكما أشرنا تقتضي توفر جملة متطلبات ومقومات تعمل من خلالها حتى تبلغ الهدف المنشود وهو الأمر الذي نبينه من خلال ما يلي:

 - I1:تهيئة الرأي العام: فمن منطلق الأمر القاضي بأن الإنسان عدو ما يجهل، قد تجد عملية الخوصصة مقاومة كبيرة سواء على الأصعدة السياسية أو الاجتماعية، بحيث من المعروف أن التغيير في حالات عدم وضوح الرؤية، يعد بمثابة مخاطرة توجب تولد مقاومة من طرف المعنيين بها من جهة، وتكون مجالا خصبا لتعالي أصوات المعارضة السياسية من جهة أخرى، حيث كثيرا ما نجد تعالي لأصوات النقابات العمالية بالمقاومة لبرامج الخوصصة بدعاوي كثيرة منها الخوف من تقليص مناصب الشغل، وإضاعة حقوق العمال...إلخ، ولا أدل على ذلك من تجربة خوصصة فندق السلام بولاية سكيكدة ، وفندق الشرق بولاية عنابة، كما تتصاعد أصوات المعارضة السياسية من خلال تبرير مقاومتها للخوصصة من ناحية فقدان الدولة لاستقلاليتها، وذلك من خلال فتح المجال للمستثمرين الأجانب للتحكم في القطاعات الإستراتيجية، والذي تعد الخوصصة من أهم مداخله.

وللتغلب على مخاوف النقابات العمالية في المؤسسات ، يجب أن تتوفر برامج الخوصصة على برامج تدريب وتحفيز مع نظام تعويضات كافية، إلى جانب وضع ضمانات مستقبلية كافية لتوسع المنشاة والعمالة، كما أنه من المعتقد أن تساهم بعض الحملات الإعلامية التوعوية في امتصاص شدة المقاومة، من خلال تفنيد وتبديد الكثير من المخاوف والاتهامات التي قد يتعرض لها برنامج الخوصصة،وهذا إذا اتسمت تلك الحملات بالذكاء، حيث تعرض المركز المالي للمؤسسات وآفاقها الواعدة، إلى جانب تضمن الحملة لردود مباشرة على مجمل الاعتراضات المتوقعة.

 2 –I:إصلاحات عامة في نشاط الدولة:

حيث يجب أن تكون الدولة قد قدمت إصلاحات في الموازنة العامة للقضاء على العجز، لتجنب مشاكل التضخم وإبطاء معدلات النمو ما أمكن ذلك، بحيث يمكن للإصلاح أن يمس الجوانب التالية:

- إصلاحات ضريبية: تسعى من خلالها الدولة إلى تقليص وإلغاء الإعفاءات الضريبية واسعة النطاق، وتتبع التسجيل الضريبي ومكافحة التهرب الضريبي و الجبائي.

- أن تزاوج الدولة بين الملكيتين: فيفتح المجال للقطاعين العام والخاص على حد سواء من حيث الاستثمارات الجديدة أو في حالات تكريس الخوصصة، حيث يضمن هذا موارد مالية إضافية للخزينة.

وإلى جانب ما سبق فإن هذا الشرط يتكامل مع الشرط الموالي في سبيل إنجاح عملية الخوصصة، ويتقاطع معه في الظاهر العام.

I – 3: تفعيل وتنشيط دور الدولة: حيث أن في دراسة للبنك الدولي في سنة 1997، أظهرت أن الانتقال إلى اقتصاد السوق يتطلب ثلاثة إصلاحات رئيسية:

- تحرير الأسعار في السوق مع تحقيق استقرار في الاقتصاد الكلي.

- توضيح حقوق الملكية وتقوية مؤسسات السوق، مع الحزم في الإشراف الحكومي.

- إعادة تشكيل الخدمات الاجتماعية وتشكيل الضمان الاجتماعي، وذلك لامتصاص آثار التحول الاقتصادي خاصة فيما يتعلق بمجابهة الفقر، إلى جانب دعم برامج الصحة والتعليم.

فما سبق من إصلاحات يدعم الأنشطة الاقتصادية، بشكل تتوفر فيه بيئة تنموية تضمن تنمية مستدامة.

ومن أهم الأسس المحددة لدور الدولة، ضرورة إرساء قواعد القانون والبناء المؤسسي، زيادة الاستثمار في الخدمات الاجتماعية و البنى التحتية، إلى جانب الاهتمام بحماية البيئة.

 I-4: تقوية أسواق المال: حيث أن أي تحول إلى سياسات خوصصة ناجحة يتطلب توفير أسواق مالية على درجة كفاءة عالية، بحيث تسمح بتداول أسهم الشركات ومتابعة أدائها وفقا لأسس قانونية، كما تسمح الأسواق المالية بتدخل المؤسسات المالية والمصرفية وشركات التأمين بشكل أكثر فاعلية.

 :5-Iتوفير الإطار المؤسسي الجيد:  وذلك من خلال ضبط إطار قانوني واضح وفعال وشامل،يشجع العمل داخل بيئة الأعمال للدولة، ويمس كل الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية داخلها. 6-I:ضبط آليات تنفيذ الخوصصة: ويتعلق الأمر هنا بتجديد هيئات مسئولة في إدارة الحكومة تكون مكلفة بمسار عملية الخوصصة، وتحتوي على ممثلين عن كل القطاعات المعنية بهذه العملية، وقد جرت العادة أن يكون في شكل مجلس يضم وزراء قطاعات معنية بخوصصة مؤسسات خاضعة في تسييرها لقطاعاتهم،حيث يوكل لهذا المجلس تسيير المهام التالية:

- تشكيل مجمعات وشركات قابضة من شأنها التهيئة لعملية الخوصصة، بحيث تمنح الشركات استقلالا ماليا وإداريا يمكن من تحسين الأداء.

 - إعداد برنامج الخوصصة ووضع إطار عام للمؤسسات الممكن إدراجها في العملية، مع تبني رزنامة زمنية محددة باعتبارات تكون آخذة في الحسبان أهمية المؤسسات المعنية من حيث وضعها المالي ومساهمتها في الاقتصاد الوطني.

- اعتماد تقييمات حقيقية للشركات تقوم على أساس تحديد قيمة السهم الحقيقية، والتي تبنى على قاعدة الإفصاح المالي الصادق لتلك الشركات، تجنبا لأي مراوغات قد تحدث وتمس مصالح المستثمرين بالدرجة الأولى، وهذا يكون بتكفل جهات حكومية مختصة و بالتعاون مع مكاتب دراسات متخصصة.

- ضبط صيغ الخوصصة و الإجراءات المعنية بكل صيغة، كالتنازل الكلي،أوالبيع للعمال...إلخ.

- إعادة هيكلة المؤسسات، مما يساعد المتعثرة منها، أن تكون مرشحة للخوصصة بصفة ناجحة.

- وفي الأخير يجب توفير قاعدة بيانات خاصة بعملية الخوصصة، والتي عادة ما تكون تحت إشراف الهيئة العليا للخوصصة ، بحيث تكون القراءات الكلية لحصيلة سيرورة الخوصصة على مختلف الأصعدة، وتكون مرجعية فعلية من البيانات والمعلومات التي تساعد في رفع مستوى أداء العملية ككل.

و إلى هنا قد تظهر أهمية الجانب التنظيمي والإجرائي في إنجاح سيرورة الخوصصة في أي اقتصاد يتجه نحو اقتصاد السوق، وهذا يكون بمثابة الداعي الحثيث الذي يجعلنا نعمل على إماطة اللثام عن هذا الجانب في التجربة الجزائرية من خلال العنصر الموالي:

 

-II الجانب التنظيمي والإجرائي لعملية الخوصصة في الجزائر:

لقد تبنت الجزائر الخوصصة كإستراتيجية إصلاح منذ 1995، بحيث شهدت العديد من تجارب الخوصصة أحدثت إثرها العديد من الإصلاحات والتعديلات من منطلق الممارسة الفعلية،لا سيم على المستويين التنظيمي والإجرائي، وذلك في إطار اعتبار هذه الإستراتيجية كتهيئة أولية للتحقيق الحد الأدنى من الاستقلالية الاقتصادية، بالتوجه من خلالها إلى خوصصة ذات طابع محلي وطابع آخر أجنبي، والاستفادة ما أمكن من تجارب القطاع الخاص بنوعيه- المحلي والأجنبي-.

وقد بلغ إجمالي المؤسسات المخوصصة حتى العام 2008، عدد 464 مؤسسة وفقا لجدول التالي:

 

السنة

2001

2002

2003

2004

2005

2006

2007

2008

عددالمؤسسات

06

05

20

58

113

116

110

36

الجموع

464

المصدر: مجلة الأبحاث الاقتصادية، العدد 10، أفريل 2009، ص.25.

إن خوصصة هذا العدد من المؤسسات يدل ينم على تنظيم وإجراءات جادة سمحت ببلوغ هذا الإنجاز، مع أن تجربة الجزائر تبقى فتية مقارنة مع خيرها، الشيء الذي يجعلنا نتطلع لفهم هذا الجانب، فنعلم أن النصوص القانونية المؤطرة لعملية الخوصصة تتمحور بالأساس حول ما يعرف بالأمر 01/04 المتعلق بخوصصة المؤسسات الاقتصادية العمومية، والصادر في 20 أوت 2001، حيث ألغى الأمرين95-22 الصادر في 26 أوت1995،وكذا الأمر 95-25 الصادر في 25 سبتمبر 1995.

وبالرجوع على الأمر 01/04 نجد انه يعرض تنظيما لعلاقات الهيئات المعنية بتسيير عملية الخوصصة، بحيث يمكن أن تتلخص من خلال المخطط التالي:

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وتجدلا الإشارة إلى أن إجمالي شركات تسيير مساهمات الدولة بلغ 28 شركة تتولى الإشراف على943 مؤسسة مقسمة إلى 74 مجمع يتكفلون في مجموعهم بتسيير 562 فرع و297 مؤسسة عمومية، بحيث تعمل هذه الشركات متكاملة مع باقي الهيئات المبينة في الشكل السابق، وفقا لجملة إجراءات وتنظيمات مسطرة لها، لذلك فقد كان أغلب توجهنا في الدراسة التي بين أيدينا إلى هذه الشركات نظرا للأهمية الواضحة وللدور المحوري الذي تلعبه في تفعيل الجانب التنظيمي والإجرائي لعملية الخوصصة ككل، حيث تشير بعض الدراسات أن هذا الجانب خاصة المتعلق بالتنظيم القانوني ، قد يشكل عائقا أمام نجاح عملية الخوصصة.وذلك من حيث إمكانية أن يبدي تناقضات مع الجانب الاقتصادي للعملية ، كما يمكن لقصور التنظيم الإداري والذي هو المعني بالممارسة الإجرائية للخوصصة  في الأصل ، أن يسهم في إعاقة تحقيق النجاح المطلوب.

 

 

 

 

 

 

2-II: واقع الجانب التنظيمي والإجرائي من خلال آراء الهيئات الممارسة:

2-II-1 بناء وتوزيع وجمع الاستبيان:

تمت عملية بناء الاستبيان الموجه لغرض دراسة التجربة الجزائرية في مجال الخوصصة وكان من أهم محاورها المحور الذي يعنى بجانب التنظيم والإجراءات ، وهو المحور الذي نعكف على عرض و مناقشة نتائجه في هذه الدراسة التي بين أيدينا.

وقد شملت الاستمارة على أسئلة مقيدة، قصدنا من خلالها التركيز على موضوعاتها بتقييد الإجابة وإعطاء الاحتمالات الواردة خدمة لعنصر الزمن ومساعدة للمجيبين خاصة أولائك المتعذرون عن الإجابة بضغط المهام والالتزامات بحيث نستفيد منهم ما استطعنا.

كما شملت الاستمارة أسئلة مفتوحة، وهذا بعد أن يكون المجيب قد اندمج مع أسئلة الاستبيان وتكون الأسئلة المفتوحة قد أثارة عنده أهم النواحي المرتبطة بعملية الخوصصة، مما يسمح في النهاية على استحضار اكبر قدر ممكن من الإسهامات في إثراء الإجابة على الاستبيان بالمقترحات البناءة.

 حيث شمل توزيع الاستبيان مجتمع دراسة متكون من مختلف الهيئات المكلفة بتسيير العملية، وتشكل إجابات الإطارات المسئولة عن عملية الخوصصة هذه الهيئات أهم مصدر للمعلومات، إلى جانب الاستعانة في فهم بعض الأرقام والتحليلات  بما استنبطناه أثناء عملية توزيع واسترجاع للاستبيان في إطار الملاحظات و جلسات المقابلات.

فتوجهنا بالدرجة الأولى إلى وزارة الصناعة وترقية الاستثمار باعتبارها ممثلا لمجلس مساهمات الدولة وعلى مستواها لجنة المراقبة، ثم وزعنا الاستبيان على ثمانية وعشرين(28) شركة تسيير للمساهمات، مستخدمين أسلوب الاتصال والتسليم المباشر لاستمارة الأسئلة، حيث شمل التوزيع كافة عناصر المجتمع، لتجمع الاستمارات بعدها على مدى زمني مقدر بحوالي ثلاثة أشهر(جويلية-سبتمبر 2009).

 

2-II-2:معدل الاستجابة:

بعد أن قمنا بتوزيع تسعة وعشرون(29)استمارة، تم استرجاع وتحصيل ستة عشر(16) استمارة، والباقي تعذر جمعها بسبب رفض الهيئات المعنية للإجابة عنها بدعاوى وأسباب مختلفة، كتذرع بأن الأسئلة لا تقع في مجال تخصص الهيئة وإنما تخص وزارة الصناعة وتسيير الاستثمار باعتبارها المسئول الأول عن عملية الخوصصة، أو التحجج بكون بعض الشركات لم تنجز على مستواها أي عملية للخوصصة لحد الآن، أو أن تجربتها بسيطة تتمثل في خوصصة مؤسسة واحدة أو مؤسستين فقط، لتبقى نسبة الاستجابة المقدرة بـ: 55.55% تعتبر نسبة معتبرة تمكن من رفع مصداقية النتائج .

 

2-II-3: تحليل نتائج الاستبيان:

 وكما سبق وأشرنا فقد شمل المحور المرتبط بالجانب العملي الإجرائي لعملية الخوصصة قسمين، نركز في الأول على قسم يهتم بالتنظيم والذي نظم في بعدين، خصص للبعد الأول الذي يهتم بجانب الأدوات ستة أسئلة، بينما خصص للبعد الثاني المتعلق بالتأطير والتشريع سبعة أسئلة.

كما ضم هذا المحور قسما يرتبط بالإجراءات ،حيث احتوى على بعد واحد هو البعد الإجرائي والذي خصص له سبعة أسئلة، و نعرج إلى عرض النتائج المحصلة من خلا ل ما يلي:

أولا: قسم التنظيم:

تناولنا من خلاله واقع تنظيم عملية الخوصصة، من حيث الأدوات والتشريع والتاطير، وهو ما ارتأينا تقسيمه كذلك إلى الفرعين التاليين:

أ- البعد الشامل للأدوات المستخدمة: يتلخص بعرض نواتج الإجابة على خمسة أسئلة تدور حول الأدوات التي تلعب دورا فعالا في تفعيل عملية الخوصصة.

أ-1: من حيث تكامل مراحل الخوصصة: أشارت الإجابات على هذا السؤال والتي قيدت بخمس درجات، من غير متكاملة تماما إلى متكاملة تماما، أن تنظيم مراحل الخوصصة حسب الشكل المبين سابقا، جعل هذه المراحل ذات تكامل جيد وذلك حسب رأي نسبة من المستجوبين بلغت 62.50% ،في الوقت الذي نجد أن 18.75% من المستجوبين يرون أن هذه المراحل متكاملة إلى حد ما فيما بينها، والباقي يرون أن هذه المراحل ضعيفة التكامل وهم يشكلون ما نسبته 18.75%  من إجمالي العينة.

 

أ-2: فيما يخص المقترحات المرتبطة بالمراحل:

أسهم في الإجابة عن هذا السؤال ما نسبتهم 18.75%  من أفراد العينة، باقتراحات تمس المراحل السابقة بحيث انصبت أساسا حول تسهيل تلك المراحل،وجعلها أقل طولا. بينما الباقي من العينة وهو ما نسبته 81.25%  لم يقدموا أي اقتراح.

أ-3: فيما يخص صيغ الخوصصة والتفاضل فيما بينها: فحسب الإجابات المقدمة تباينت ترتيبات المستجوبين لمختلف صيغ الخوصصة،حيث أن هذه الصيغ تدور في الأشكال الأربعة التالية:

 

 

 

 

- صيغة التنازل عن المؤسسة لصالح عمالها.                 - صيغة التنازل الجزئي.

- صيغة التنازل عن الأصول.                                  - صيغة التنازل الكلي.

 

  ويعطينا تحليل نتائج الاستبيان في هذا الصدد، وبحسب كل صيغة النتائج التالية:

* بالنسبة للتنازل عن المؤسسة لصالح عمالها: فقد وجد أن 31.25%  يعتبرون أن ترتيبها يأتي في المرتبة الثالثة من حيث الأهمية في الاستخدام، في حين يرى ما نسبتهم 50%  من المستجوبين أن هذه الصيغة تأتي في المرحلة الرابعة، لينقسم الباقي  إلى 12.5%  يرون أن هذه الصيغة تأتي في المرتبة الثانية في الأهمية، و06.25%  ممن لم يبدوا أي رأي في المسألة.

* بالنسبة لصيغة التنازل عن الأصول: فنجد أن 37.5%  من المستجوبين يرون أنها تأتي في المرتبة الثانية من حيث الأهمية في الاستخدام، في حين يرى ما نسبتهم 31.25%  منهم أن هذه الصيغة تأتي في المرتبة الثالثة ، ويتفرق الباقي بالتساوي وبنسبة 12.25%  لكل رأي ، بين من يعطي هذه الصيغة المرتبة الأولى، ومن يعطيها المرتبة الرابعة في الأهمية.

* بالنسبة لصيغة التنازل الجزئي: فيما يخص هذه الصيغة فقد جعلها ما نسبتهم 37.5%  من المستجوبين في المرتبة الأولى ، بينما يرى 25%  منهم أن صيغة التنازل الجزئي تأتي في المرتبة الرابعة من حيث الأهمية في الاستخدام، في حين ينقسم الباقي بالتساوي في النسبة 18.75%  ،بين من يعطيها المرتبة الثانية ومن يعطيها المرتبة الثالثة في أهمية الاستخدام.

* بالنسبة لصيغة التنازل الكلي: فقد وجد أن 50%  من العينة المستجوبة، ترى أن هذه الصيغة تترتب في المرتبة الأولى من حيث الأمية في الاستخدام ، وذلك أمام انقسام الباقي بين من يرى أنها تأتي في المرتبة الثانية وهو ما نسبته 25%  من المستجوبين ، ومن يرى أنها تأتي في المرتبة الثالثة وذلك بنسبة 12.5%  ، والباقية الباقية التي ترى أن هذه الصيغة تكون في المرتبة الرابعة وذلك بنسبة 06.25% من العينة.

وبالنظر على النسب المختلفة السابقة يمكن أن نستخلص أن ترتيب الصيغ المتبناة في عملية الخوصصة، خاصة إذا أخذنا بالحسبان نسب ترتيب المرتبة الأولى لكل صيغة من حيث الأهمية في الاستخدام، يأتي على عكس العرض المتناول لهذه الصيغ من الأسفل إلى الأعلى، فتكون صيغة التنازل الكلي في المرتبة الأولى، ثم تأتي بعدها صيغة التنازل الجزئي في المرتبة الثانية، ثم صيغة التنازل عن الأصول في المرتبة الثالثة، لتأتي صيغة التنازل عن المؤسسة لصالح عمالها في المرتبة الرابعة .

وتبرر هذه الترتيبات من خلال التبعات المترتبة عادة من وراء كل صيغة يتم تبنيها، حيث من المعروف أن التنازل الكلي يعني كذلك الانسحاب الكلي من طرف شركات تسيير المساهمات من الجانب التسييري للمؤسسة لتبقى تتبع فقط جوانب الالتزامات المتفق عليها، وهكذا بالنسبة لباقي الصيغ حتى تصل أكبر المشاكل المصادفة في واقع التجربة لكل صيغ، بحيث يكاد يجزم الكل بأن صيغة التنازل لصالح العمال هي الصيغة الأكثر غنا بالمشاكل وهو ما يبرر ترتيبها كآخر صيغة.

أ-4: من حيث ترتيب تفضيل العروض المستخدمة: حيث يكون أمام شركات تسيير المساهمات، الخيار في التوجه للإعلان عن خوصصة المؤسسات التي تضمها محفظتها، بناءا على ثلاثة أنواع من العروض، عروض وطنية، عروض مزدوجة التوجه (وطنية ودولية) أو عروض بالتراضي.

وبهذا الصدد نجد أن الأغلبية الساحقة من المستجوبين يميلون إلى استخدام العروض المزدوجة (الوطنية والدولية)، وذلك بنسبة 93.75%  ، بينما يذهب ما نسبتهم 37.5%  من العينة إلى ترتيب العروض الوطنية في المرتبة الثانية، أمام إبقاء العروض بالتراضي في المرتبة الثالثة باعتبار أن نتيجة المقابلات مع الكثير من تلك الإطارات بينت هذا النوع من العروض يتطلب ترخيصا وتوجيها من طرف مجلس مساهمات الدولة.

أ-5:فيما يخص تقييم العروض السابقة: وفيما يخص تقييم العروض فقد قدم ما نسبتهم 25%  من العينة مقترحات، دارت في مجملها حول ضرورة ضبط معايير الانتقاء والتقييم بشكل واضح، حيث يضمن ذلك مجلس مساهمات الدولة مع مراعاة الجوانب الثلاثة ، الاقتصادية والاجتماعية والمالية، مع تكريس المتابعة الفعلية للإجراءات المتخذة، وإشراك خبراء ماليين وقانونيين في مراجعة العروض .

وتجدر الإشارة هنا إلى أن نسبة 75%  من المستجوبين تجنبوا تقديم اقتراحات ، معتبرين في خلال المقابلات المنجزة أن هذا المجال منظم من طرف قانون الصفقات العمومية، مما يجعله في منء عن الاجتهاد، وهو الأمر الذي يرى فيه البعض من المقدمين للمقترحات انه سلبية غير مبررة إلا بطابع الخوف الموروث من طرق التسيير الكلاسيكية.

أ-6: فيما يخص مقترحات تخص سوق المشترين: يمس هذا العنصر العنصر السابق، لأنه في النهاية يمثل المجال الذي تصدر منه مختلف الاهتمامات بالعروض المعلن عنها، فارتأينا أن نستخلص من التجربة الميدانية للهيئات المتكفلة بعملية الخوصصة أهم المقترحات التي قد تثري هذا المجال.

فوجدنا أن 56.25%  من المستجوبين لم يقدموا أي اقتراح أو تعليق، حيث برر بعضهم عند المقابلات أن هذا الجانب ليس له علاقة بمجال تخصصهم ومهامهم، بينما الباقون والذين يشكلون 47.75%  منهم ، قدموا مقترحات تمحورت أساسا حول وضع ترتيب تفضيلي للمستثمرين بين محليين وأجانب، وأن نميز بين الأجانب بين من هم من المستثمرين العرب ومن هم من الدول الأخرى، مشيرين  عند المقابلات في كل ذلك إلى فقدان التحكم في معلومات هذا السوق.

ب- بعد التأطير والتشريع: حيث يعمل هذا البعد على دعم وفهم الجانب التنظيمي من خلال إعطاء صورة متكاملة مع البعد السابق وقد شمل الاهتمامات التالية:

ب-1: مدى كفاية الإطار القانوني: من المسلم به كما سبق الذكر أن الإطار القانوني يعد رافدا جد مهم لإنجاح ملية الخوصصة، فكلما كان الجانب القانوني واضحا وكافيا كلما كانت العملية سهلة وسلسة، حيث يشكل القانون معالم للطريق الموصلة لتحويل المؤسسة العمومية إلى ملكية خاصة، وفي هذا الصدد اعتبر 37.50%  من المستجوبين أن الإطار القانوني للخوصصة في بلادنا كافيا، وذلك بالاختيار من بين خمسة بدائل تتدرج من غير كافي تماما إلى كافي تماما، وذلك أمام 50%  من العينة والذين يرون أن هذا الإطار القانوني كافي إلى حد ما أو قل كافي قليلا، أما الباقي والذين يمثلون 12.50%  فيرون أن هذا الإطار غير كافي تماما.

ب-2: من حيث صعوبة تطبيق الإطار القانوني: وفي نفس السياق  بالرجوع إلى إجابات المستجوبين حول مدى صعوبة تطبيق الإطار القانوني المتبع، حيث يختار المجيب بديلا من بين خمس درجات من الأسئلة، من صعب جدا إلى سهل جدا، فوجد أن 75%  منهم يعتبرون أن تطبيقه متوسط الصعوبة، وهذا أمام 18.75%  من المستجوبين الذين يرون أن الإطار القانوني صعب التطبيق.

 ونرى انه تجدر الإشارة هنا إلى أن كل من الرأيين يتضمن فكرة كون هذا الإطار ممكن التطبيق بما فيه من صعوبة، ولعل أبرز ما يبرر هذا الرأي تعليقهم عند المقابلات بأنه هناك على الرغم من الانتقادات الموجهة للإطار القانوني، عمليات خوصصة لمؤسسات كثيرة تمت إلى نهايتها، فكانت تلك العمليات كاملة ولو من حيث الجانب الإجرائي، وتبقى نسبة 06.25%  من المستجوبين تعتبر أن الإطار القانوني سهل التطبيق.

وتبقى الإشارة إلى أن سهولة وصعوبة تطبيق الإطار القانوني للخوصصة، لا تستمد في رأينا من جهة الجانب الإجرائي فقط، بل ترتبط بجوانب ضبط العلاقة بين هيئات الخوصصة والمستثمرين، وتتبع الالتزامات، ومراقبة المراحل المتبعة.

ب-3: بالنسبة للمقترحات حول النظام القانوني: وبفتح مجال الاقتراح أمام المستجوبين حول تحسين الإطار القانوني، قدم ما نسبتهم 56.25%  من المستجوبين مقترحات، في حين اجتنب الآخرين 43.75%  تقديم أي اقتراح، وقد تمحورت مجمل المقترحات حول جعل الإطار القانوني أكثر مرونة،بحيث يساهم في استقطاب المستثمرين الأقوى في مجال الاستثمارات المعنية بعملية الخوصصة،وجعل الإطار شاملا للجوانب الاقتصادية والتكنولوجية والاجتماعية، إلى جانب ضبط أدق لمهام الهيئات المكلفة بالعملية.

ب-4: من حيث صيغ التسديد المقترحة من مجلس مساهمات الدولة: تشكل هذه الصيغ منطلقا للمستثمرين المهتمين بشراء المؤسسات العمومية ، بحيث يبني على أساسها المشتري تخطيطا لتمويل الاستثمار المزمع الدخول فيه، وقد ذهب 68.75%  من المستجوبين إلى اعتبار هذه الصيغ بسيطة، وذلك لكون البعض يرى من خلال تجربته أن مجلس مساهمات الدولة يميل على الدفع نقدا ومن دون تجزئة في أغلب العمليات، وينقسم رأي البقية إلى من يرى أن تلك الصيغ معقدة نوعا ما بنسبة 12.50%  ، أمام 18.75%  من المستجوبين الذين يعتبرون أن هذه الصيغ معقدة، وحسب المقابلات فإن هذا الانطباع تركته تجربة عانت منها بعض شركات تسيير المساهمات، في صيغ التنازل الكلي أو الجزئي، والتي يبقى فيها على المشتري جملة من الالتزامات الاجتماعية والاستثمارية، تسهم في خلق نوع من الأعذار في حالة تذبذب صيغ التسديد المتبناة.

ب-5: بالنسبة للمقترحات حول صيغ التسديد حسب مجلس المساهمات: ففي هذا الصدد لم يقدم ما نسبتهم 87.50%  من المستجوبين أي اقتراح حول الموضوع، بينما قدم الباقي 12.50%  منهم مقترحات تمحورت حول فرض طريقة التسديد النقدي تدعيما أكثر لصيغة المجلس، ومنهم من يرى بتطبيق نسبة 70%  نقدا، والباقي 30%  يكون لأجل من اجل تقليص مخاطر عدم التسديد أو التأجيل.

ب-6: من حيث معايير اختيار المستفيدين( المشترين ): ولما كان الشخص المشتري يطرح تحديا في مجال الوفاء بالالتزامات كما أشير إليه سابقا، فإن اختيار المستثمر في يقوم على أسس حذرة، تسعى من خلالها الدولة التي تعمل على إنجاح إستراتيجيتها للخوصصة، إلى اختيار أفضل المتقدمين بعروض الاستفادة . وبالرجوع إلى معطيات الاستبيان في هذا الخصوص نجد أن 87.50%  من العينة يعتبرون أن المعايير المتبعة في اختيار المستفيدين هي معايير موضوعية، وذلك باختيار المستجوبين لبديل كمن بين خمسة بدائل متدرجة من –غير موضوعية تماما إلى موضوعية تماما- ،وذلك مقابل الباقي من العينة والذين  ينقسمون بالتساوي وبنسبة 06.25%  ، بين من يعتبر المعايير غير موضوعية تماما، ومن يرى أنها موضوعية نوعا ما.

وقد أبدى المستجوبون المقابلون اتفاقا حول ضرورة تقديم المترشح لعرضين ، الأول مالي والآخر تقني،مع برنامج استثمار وتوضيحات حول الجانب المالي والاجتماعي للعمال مستقبلا،وعلى أساس تلك المقترحات أو الالتزامات الأولية يكون اختيار ملفات المستفيدين المعنيين بالتفاوض قيما بعد، وذلك حتى يثبتوا مدى تحكمهم في مجال التخصص المرتبط بنشاط المؤسسات المعروضة، حيث تعتبر الخبرة والاحترافية معيارين أساسيين في ذلك.

ب-7: بالنسبة مقترحات مدة الخوصصة: وقد ربط هذا العنصر بالجانب التنظيمي ، على اعتبار أن المدة متغير نسبي الأهمية، حيث يتطلب الأمر في بعض الأحيان طول مدة لإتمام عمليات التحويل، ولكن نجد أن طول المدة يعود إلى عوائق تنظيمية وقانونية أكثر منها إجرائية ، وهنا نجد أن 75% من المستجوبين قد تجاوبوا مع طلب تقديم مقترحات بهذا الشأن، وهو الأمر الذي يدل على تفهمهم لأهمية هذا العنصر، وقد انصبت مقترحاتهم حول تقليص طول المدة، حيث أن طولها قد يضر بمصلحة الأطراف المختلفة في أي صفقة من صفقات الخوصصة.

ثانيا: قسم الإجراءات: كما قدمنا، ضم هذا القسم بعدا واحدا نتناول نتائج الأسئلة المرتبطة به فيمايلي:

أ- البعد الإجرائي لعملية الخوصصة: يحتوي هذا البعد على جانب من الإجراءات التي تكتنفها عملية الخوصصة، والتي تتطلب التحكم والتوجيه الحسن.

أ-1: من حيث معايير تأهيل المؤسسات للخوصصة: ونقصد بها معايير الحكم التي يعتمد عليها في اتخاذ فرار تحويل مؤسسة ما إلى الخوصصة، ومدى موضوعية هذه المعايير، وقد اعتبر العديد من المكلفين الذين تمت مقابلتهم ،أن مجرد جعل كل المؤسسات الوطنية قابلة للخوصصة بنص القانون 95-25 ، ينفي وجود معايير ثابتة تتأهل على أساسها المؤسسات للخوصصة، غير أنه من المتعارف عليه وقد يكون من مسلمات الواقع العملي، يمكن لكل شركة تسيير مساهمات أن تضع معايير خاصة بها حسب وجهة نظر الطاقم المسير لها، بحيث تشكل تلك المعايير مرجعية لتأهيل المؤسسات التي في محفظة تلك الشركة لعملية الخوصصة.

وقد بينت نتائج الاستبيان المقدم لتلك الهيئات،من خلال الإجابة على سؤال من خمسة بدائل-من غير موضوعية تماما، إلى موضوعية تماما- أن 56.25%  من المستجوبين تعتبر أن المعايير غير موضوعية، وعند المقابلات برر هذا الرأي عادة بالتبرير السابق المتعلق بعدم ضبط هذه المعايير وتوحيدها قانونيا، مما جعل شركات التسيير السابقة الذكر تعتبر أن البعد الكمي للمؤسسات المخوصصة في محفظة كل منها يعتبر مؤشرا على حسن الأداء، فيدفعها هذا إلى عدم تبني معايير علمية ثابتة وموضوعية. ويبقى رأي الآخرين من المستجوبين والذين يمثلون 43.75%  يعتبر أن هذه المعايير المطبقة من طرفهم موضوعية تماما، وذلك نظرا لما يشترطونه من شروط على المقدمين للعروض ، سواء من حيث أشخاصهم (الخبرة في المجال، الكفاءة ..)، أو من حيث المعطيات الموضوعية التي تمس مضمون العرض( العرض المالي، العرض التقني،مقترحات التسديد...).

أ-2: بالنسبة لصيغ التسديد المقترحة من طرف المشترين: وبالنسبة لهذا العنصر كان السؤال اختيار من بدائل خمسة تتدرج من – معقدة جدا، إلى بسيطة جدا - وقد تبين أن 62.50%  من المستجوبين يعتبرون صيغ التسديد المقترحة من طرف المشترين للمؤسسات العمومية بسيطة، وقد تبين من خلال العمل على فهم هذا الحكم من الاحتكاك المباشر مع إطارات الشركات، أن بساطة الصيغ تعود إلى ميل المشترين بدورهم إلى صيغة التسديد النقدي والكلي، بينما نجد أن 18.75%  من العينة يرون أن تلك الصيغ معقدة نوعا ما،وينقسم الباقي بين من يرى أن تلك الصيغ معقدة وهم بنسبة 12.50%  من المستجوبين، أمام البقية الباقية بنسبة 06.25%  والتي ترى أن تلك الصيغ معقدة جدا.

ولعله تجدر الإشارة هنا إلى أن مكمن التعقيد الذي ذهب إليه الجزء الأخير من العينة، هو المعاناة التي عاشتها الكثير من الشركات، في سبيل الحصول على الالتزامات المالية المتعهد بها من طرف بعض المشترين الذين يدخلون في صفقات حيازة شركات مخوصصة ثم يجدون أنفسهم في وضعيات لا يستطيعون فيها تسديد القيم المستحقة عليهم، مما يعيق العملية ككل وقد يشل عمل المؤسسة ، فتفقد الخوصصة أهم عنصر من وراء تبنيها ألا وهو استمرارية النشاط للمؤسسة .

أ-3: بالنسبة للمقترحات حول صيغ التسديد المقدمة من طرف المشترين: تجنبت الأغلبية الساحقة من المستجوبين تقديم اقتراحات في هذا الشأن وقد بلغت نسبتهم 81.25%  ، هذا مقابل 18.75%  الذين قدموا بعض المقترحات، تمحورت أساسا حول تكريس تحكيم مجلس مساهمات الدولة في هذه المقترحات، والعمل على تحقيق التوافق بين مصلحة المستثمر المستفيد من المؤسسة من جهة، ومصلحة الدولة من جهة أخرى، بما يسهم في بلوغ الأهداف المسطرة لكل طرف.

أ-4: من حيث مناسبة طرق التقييم المستخدمة: توكل عادة عمليات تقييم المؤسسات المخوصصة إلى مكاتب دراسات متخصصة، فحاولنا من خلال هذا السؤال أن نعرف وجهة نظر الهيئات المكلفة بالخوصصة في مدى ملائمة طرق التقييم المتبناة لهدف خوصصة المؤسسات.حيث نعلم أن الطرق المحددة قانونا تتمثل في: ( طريقة قيمة الأصول التاريخية، وطريقة التدفقات المالية المستقبلية ) وقد تبين من خلال الإجابات أن هناك أن الطرق المستخدمة مناسبة تماما وذلك بنسبة 68.75%  من المستجوبين ، في حين يرى25%  منهم أن تلك الطرق مناسبة، أمام 06.25%  ممن يرى أنها طرق غير مناسبة تماما، وفي ما يتعلق بهذا الرأي الأخير فقد ذهب البعض عند المقبلة إليه رفضا لفكرة تحديد طريقتين فقط للتقييم، معتبرين أن ذلك قد يضر ببعض الوضعيات التي تعيشها بعض المؤسسات، كما ينتقدون فكرة القيام بتقييم المؤسسات قبل تحديد صيغة الخوصصة المراد التنازل وفقها، حيث قد تتحكم صيغة خوصصة ووضعية المؤسسة في طريقة تقييمها.

أ-5: وبالنسبة للمقترحات حول طرق التقييم: تجنب مناسبتهم 75%  من المستجوبين تقديم أي اقتراح حول الطرق المتبعة في التقييم، باعتبار أنها محددة بموجب القانون إلى جانب كون تلك الطرق ذات طابع تقني تتكفل مكاتب دراسات متخصصة، في حين قدم 25%  من المستجوبين اقتراحات تدور حول تكريس تطبيق طريقة التدفقات المالية المستقبلية بالنسبة للمؤسسات التي سيستمر نشاطها، إلى جانب فتح المجال إلى تطبيق طرق أخرى، تعمل على التوفيق بين صيغ الخوصصة المتبعة وطريق التقييم المعتمدة، بينما يرى البعض بضرورة الاقتصار على هذه الطريقة ،إلى جانب مراجعة وحل مشكلة تقييم مساحات الأراضي المبنية عليها المؤسسات، والتي قد لا يهتم المشتري بجزء كبير منها، في الوقت الذي تعتبر من أهم الأصول المدرجة في ميزانيات المؤسسات المخوصصة.

 

 الخاتمة:

يتضح من خلال ما رأينا أن التجربة الجزائرية في مجال الخوصصة تتمتع بقدر مقبول جدا سواء من حيث مستوى التنظيم أومن حيث الأدوات والإجراءات المستخدمة، إلا أن هذه التجربة لم تخلو من نقائص معتبرة أعاقت المضي بعملية الخوصصة قدما نحو تحقيق أهدافها المنشودة، كما تداخلت بعض نقائص الجانب التنظيمي والتشريعي لتسهم  في إعاقة بعض الجوانب الإجرائية، ونحن في نهاية هذه الدراسة نخلص إلى جملة من المقترحات ، والتي نرى أنها قد تساهم بشكل فعلي في تحسين أداء عملية الخوصصة، وإنجاحها كإستراتيجية إصلاح وذلك من خلال تبني ما يلي:

- تسهيل إجراءات وشكليات مراحل العملية، والعمل على تكريس التفكير الاقتصادي والتسييري الرشيد في ذهنيات العمال في المؤسسات المتنازل عنها لصالح عمالها.

- وضع نظام موحد لصيغ العروض وطرق تقييمها، وتبني شروط موحدة فيما يخص المؤسسات التي تندرج تحت نفس التخصص أو تتقارب في ذلك فيما بينها.

- تشجيع الإطارات المسيرة لشركات تسيير المساهمات على إبداء آرائهم والعمل على التغلب على طابع الخوف من تقديم تعليقات ومقترحات، ناهيك عن تقديم انتقادات قد تكون بناءة في تحسين واقع عملية الخوصصة.

- فتح مجال المشاركة أكثر لعامل البحث العلمي في هذا المجال،وإدخال خبراء قانونيين لمساعدة الإطارات المسيرة على تجنب الكثير من حالات الغموض التي قد يكتنفها التشريع، والتي قد تعيق تسريع العمليات بشكل سليم.

- ضبط معايير علمية لتقييم عروض المشترين من النواحي التقنية ، والمالية والاستثمارية والاجتماعية، مع ضرورة تكريس مبدأ الخبرة والاحتراف في مجال الاستثمار، ووضع دراسات فعلية لسوق المشترين على المستويين المحلي والدولي.

- فتح مجال أكبر لتدخل البنوك في تمويل عملية الخوصصة، بحيث تبقى الالتزامات بين البنوك والمستفيدين، وتخرج شركات التسيير نهائيا من متابعة التسديد.

- تبني طرق لتقييم المؤسسات توافق بين القيم الحقيقية للمؤسسات وتحفظ مصلحة كل الأطراف، والابتعاد عن تحويل ملكية الأراضي بصفة نهائية للمستفيدين والعمل على تأجيرها.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

تجربة الخصخصة في الجزائر

التنظيم والإجراءات

 

                 أ.د:نصيب رجم/ كلية العلوم الاقتصادية جامعة

                                                                  بو لقصيبات محفوظ/رئيس اللجنة العلمية

                                                                    لقسم علوم التسيير

الملخص

 

    تمثل الخصخصة في الجزائر صورة من صور الإصلاح الاقتصادي والذي تسعى الجزائر إلى تطبيقه وفق دراسة منظمة ومدروسة لكي تساهم في عملية التنمية الاقتصادية ويأتي ذلك من خلال العمل على تهيئة البني التحتية الاقتصادية لكي تلائم عملية الخصخصة وتطبيقها في المجتمع الجزائري.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

Privatization in Algeria : organizing

 and measures

 

Dr.Nasseeb Rijim

Bu – Al- kisibat Mahfooth

 

 

Summary

 

      Privatization in Algeria represents an image of economic reform and the country tries to apply it within an organized study to participate in the process of economic development in the framework of preparing the economic infrastructures so that it suits the Privatization process of the Algerian society.  

 

 

 

 

 

 

نشرت في (متابعات إقليمية -مركز الدراسات الاقليمية - جامعة الموصل ) ،  العدد 24 كانون الأول لسنة 2011

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الآراء الواردة في نشريات المركز تعبر عن وجهة نظر كاتبيها

بالدرجة الأولى وليس بالضرورة أن تعبر

 عن وجهة نظر المركز

 

 

 

 

 

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...