كنيسة أم الاحزان في بغداد ...تحفة معمارية عراقية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
لعل من ابرز ما يمكن ان نصف فيه الحضارة العربية الاسلامية انها كانت انسانية ولم يأخذ التعصب الى جنباتها دوره ومكانته لذلك نجد ان ثمة وحدة ضمن التنوع وهذا مما قوى اللحمة بين العراقيين وشد ازرهم ومنحهم حيوية وديناميكية منقطعة النظير وتكاد ترى هذا الانسجام وذلك التنوع ليس في بغداد بل في المدن العراقية الاخرى .فأنت ترى الجامع الى جانب الكنيسة الى جانب المندي والكنيس والمعبد ، وترى ابناء العراق وهم يحتفلون مع بعضهم البعض في الاعياد والمناسبات الدينية ، ولا تكاد تفرق بينهم .
وفي العراق ، وفي بغداد كنائس ، وكنائس تاريخية وطالما نحن بصدد الحديث عن (كنيسة أُم الاحزان ) في بغداد والتي تعد - بحق – تحفة معمارية في هندستها ، وجمالها ، وروحانيتها ، فإننا نقول انها من الكنائس التاريخية ، وهي اقرب الى الكاتدرائية وتاريخها يعود الى القرن التاسع عشر وبالتحديد الى سنة 1843 . وقد بنيت في عهد محمد نجيب باشا والي بغداد 1258-1265 هجرية (1843-1849 ميلادية ) ، وموقع هذه الكنيسة في منطقة الشورجة أي في قلب بغداد والشورجة كانت ولاتزال تعد مركزا للحركة التجارية في بغداد ، وكانت ثمة اسر كلدانية كثيرة تسكن هذه المنطقة التي كانت تضم الخانات ، والاسواق ، والدروب ، والازقة ، والشوارع .
كان مما يميز هذا الكنيسة ، أنها كانت مبنية بطراز معماري فذ ؛ فهي تضم (المذبح) ، و(المنبر) ، و(القبة) ، والاواوين ، والاعمدة المعمارية فضلا عن الكتابات ، وتشبه كنيسة أم الاحزان في بغداد ، كنيسة الطاهرة في بخديدا أي قرقوش في سهل نينوى بالموصل .وللأسف الكنيسة واجهت مشكلة المياه الجوفية بسبب قربها من ضفة نهر دجلة اليسرى . فضلا عن انها اصبحت محاصرة بالمحلات التجارية . وقد شهدت الكنيسة حركة ترميمات في فترات تاريخية مختلفة وآخرها حركة الترميم التي جرت في السنة الماضية .
كنيسة أم الاحزان تضم رفات البطريارك مار بولص شيخو ، وكان له دور كبير في ربط الكنيسة بما يجاورها من الاحياء ، وابرز هذه الاحياء ما يعرف في بغداد رسميا ب(عكد النصارى ) والعكد ليس الا (المحلة ) او بلغة يومنا هذا (حي) وتعلو الكنيسة قبة يميزها الصليب الذي يظل شاهدا على ما قدمه المسيحيون للعراق بلدهم من خدمات في كل مجالات الحياة السياسية الاقتصادية ، والسياسية والثقافية والاجتماعية .
تحدث الاستاذ نضال حكيم في مقالة له عن كنيسة أم الاحزان فقال ان جده كان ساعورا في هذه الكنيسة ، كما كان والده وأعمامه وأخواله كانوا شمامسة لسنوات عديدة هناك. كما ان جزءَ من هذه الكنيسة استعمل كمقبرة لرجال الدين بما في ذلك الكهنة والأساقفة ، وكذلك الراهبات الذين دفنوا هناك.
وبالإضافة الى ذلك ، كانت هناك مدرسة للبنات كانت هناك مدرسة الطاهرة المشهورة للذكور فقط ، وقد تخرج فيها عدد لابأس به من الذين لازالوا على قيد الحياة أو انتقلوا الى رحمة الله تعالى . كانت هذه الكنيسة فضلا عن ما ذكر مركزا ترفيهيا ايضا لكافة أولاد وبنات المنطقة أيام العطل الأسبوعية والصيفية ، حيث كانوا يتلقون دروسا دينية ويمارسون العابا رياضية وحتى انهم كانوا يشاهدون افلاما دينية واجتماعية .
وقال ايضا ان الذين صمموا هذه الكنيسة استخدموا ملامح رئيسية مشابهة للكنائس الرومانية مثل استعمال القوس وقبو السقف ، كما كان منبر الكنيسة و النحت على الحيطان والألوان المستخدمة مماثلة او شبيهة لما هو موجود في الكنائس باوربا .
قد يكون من المناسب القول انه اثيرت قبل فترة اشاعة تقول بهدم الكنيسة ، واقامة محلات تجارية مكانها ، لكن الكنيسة الكلدانية نفت ذلك نفيا قاطعا وقالت في بيان صدر في مطلع سنة 2019 ، إن “الرئاسة العليا للكنيسة الكلدانية المتمثلة بنيافة الكردينال لويس روفائيل ساكو تعلن عن حرصها في صيانة كافة الكنائس التابعة لها والحفاظ عليها كونها جزء أساسي من التراث العراقي المتنوع”، مؤكدة بانه " لا كنائس لها للبيع أو للهدم" . وأضافت، أنه “فيما يخص كنيسة ام الاحزان في الشورجة ، فقد قامت البطريركية قبل عام بصيانتها وترميمها ، والحفاظ على ريازتها ، وهندستها التي تمثل الهندسة المعمارية العراقية العريقة، وتُعدُ كنيسة (أم الأحزان) من اقدم كنائس بغداد الموجودة لحد هذا اليوم، فقد انشأت سنة 1843، ثم جرى توسيعها لتأخذ شكلها الموجود الآن ابتداءا من السنة 1887 وانتهى العمل بها سنة 1898.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق