الاثنين، 19 يوليو 2021

محمد صديق الجليلي (1903 ـ1980 ) الباحث والمؤرخ والفلكي والموسيقار بقلم : ا.د.ابراهيم خليل العلاف

                                                                  الدكتور محمد صديق الجليلي 

                                                   المزولة التي صنعها الدكتور محمد صديق الجليلي

                                                                                1974


محمد صديق الجليلي (1903 ـ1980 ) الباحث والمؤرخ والفلكي والموسيقار

 

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

 

الاستاذ الدكتور محمد صديق الجليلي 1903-1980 ،  واحد من الشخصيات الموصلية التي كان لها دورها في تشكيل المشهد الثقافي والعلمي في مدينة الموصل ، بل وفي العراق كله .. كتبت عنه اكثر من مرة ، وفي اكثر من مكان .. وهو ينتمي الى الاسرة الجليلية التي تولت حكم الموصل بين سنتي 1726 ـ1834 . فضلا عما قدمه عدد من ابناء الاسرة في مجالات الادب والتاريخ والطب والثقافة .. ولد في 20 تشرين الاول سنة 1903 ، واكمل دراسته الابتدائية والثانوية بالموصل والتحق بدائرة البحث والتنقيب في كلية Pepoles في مدينة كنساس بالولايات المتحدة الامريكية ، وهناك اكمل دراسته الجامعية وحصل على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم من هناك .

عاد الجليلي الى الموصل وآثر عدم دخول الوظائف الحكومية متجها الى ادارة املاك اسرته ، والانصراف الى النشاط الاجتماعي والثقافي . وفي سنة 1931 انتخب عضوا في المجلس البلدي ، وبين سنتي 1931 و1977 ترأس جمعية التراث العربي في الموصل . كما كان عضوا في جمعية الكتاب والمؤلفين العراقيين . . وقد ارتبط بصلات علمية مع كتاب ومستشرقين كثيرين . وحرص في كل عمل قام به على ابراز ( شخصية الموصل الحضارية و (دورها الفاعل عبر التاريخ) .

له مؤلفات وتحقيقات كثيرة ، فمن مؤلفاته ( المقامات الموسيقية في الموصل) 1941 و(التراث الموسيقي في الموصل) 1941 و(الاصطياف في حمام العليل) . كما حقق كتاب ( الحجة على من زاد على ابن حجه) لعثمان الحيائي الجليلي 1937 و (غرائب الاثر في حوادث ربع القرن الثالث عشر) لياسين العمري 1940 وكتاب ( حسن عبد الباقي الموصلي 1966) . كما ترك عشرات المقالات والبحوث في التاريخ والفلك والتراث نشر معظمها في مجلات عراقية وعربية

 

الذي يهمنا هنا الاشارة الى انني كثيرا ما التقيته في بيته أو في مكتبة الاهالي بشارع النجفي وقد تحدثت معه كثيرا وحضرت مجلسه ، وكان انسانا نبيلا وباحثا متميزا واول صلة لي به كانت اثناء شروعي بكتابة رسالتي للماجستير عن ولاية الموصل 1908 ـ 1921 منذ اوائل السبعينات من القرن الماضي .. واتذكر انني سعدت بمعرفته ، وافدت منه كثيرا ، فلقد كان رحمه الله موسوعة في تاريخ الموصل وتراثها ، وعلى معرفة عميقة بشخصياتها وقادة الفكر والادب فيها . كما ارتبط برؤساء الاصناف الشعبية الموصلية ، وكان على صلة قوية بهم واحتفظ بذاكرته بمعلومات قيمة عن نشاطاتهم المهنية والاجتماعية وحتى السياسية ..

في الحادي والعشرين من حزيران 1973 زرته عصرا في داره لأول مرة وجرى الحديث حسبما دونت ذلك في اوراقي عن ما يسمى بت( طابور ابو شخاطة) ، وقد قال عن هذا الطابور : ((في 26 آب 1914 ، ووقت صلاة العشاء تجمع الجنود الموصليون في الجانب الايسر عند الجسر القديم لاجل السفر الى حلب والغاية من تجمهرهم هناك حتى لايعلم اقاربهم بموعد سفرهم وحتى لاتحصل ضجة في المدينة ، لكن الخبر سرعان ما وصل فاخذ الناس بالمجيء الى المكان لرؤية ابنائهم ولما كان الوقت ليلا ، فقد اخذ الناس باستعمال الشخاط لتمييز ابنائهم واخوتهم لذلك سميت القوة العسكرية التي خرجت من الموصل للمشاركة في جبهات القتال الغربية مع الجيوش العثمانية بـ ( طابور ابو شخاطة) وهو الطابور الخامس والثلاثين وكان من ضباطه (محمد افندي الخيرو) الموصلي وناطق افندي حفيد الشاعر عبد الغفار الاخرس . وقد رافق اطلاع الناس على اولادهم ضجة وبكاء وعويل النساء وقد تحرك الطابور الى حلب عن طريق فيشخابور .

 

في الزيارة نفسها زودني بسجل مخطوط يتضمن تواريخ وفيات عدد كبير من الشخصيات الموصلية باليوم والشهر والسنة ، والسجل دقيق جدا ومفيد للباحثين في تخصص التاريخ الموصلي الحديث وقد رجعت اليه كثيرا كما افاد منه العديد من طلابي ..

وقد اهداني كذلك كراس بعنوان: ((التقويم الشمسي العثماني المسمى بالسنين المالية الرومية)) والكراس مستل من المجلد الثالث والعشرين من مجلة المجمع العلمي العراقي (1973). وفي هذا البحث يقول بأن الذي كان مستعملا في العهد العثماني هو التقويم الهجري القمري ، الا ان الدولة اتخذت في عصورها الاخيرة نوعا من التقويم الشمسي سمي بالسنين المالية الرومية وفي الحقيقة ان احدا من متخصصي التاريخ العثماني لا يستطيع الاستغناء عن كراس الجليلي . والسبب ان الدولة العثمانية استعملت السنوات المالية الرومية في سائر شؤونها وارخت بموجبها سائر المخابرات الرسمية والوثائق وقيود الطابو وسجلات النفوس والحوادث التاريخية والسالنامات ( الكتب السنوية) التي كانت تصدر في الدولة العثمانية وعلى مستوى الولايات ومنها على سبيل المثال سالنامات ولايات الموصل وبغداد والبصرة وغيرها .

وقد وضع الدكتور الجليلي في هذا الكراس جدولا لجميع السنين المالية الرومية من سنة 1256 مالية رومية أي 1840 ميلادية ، وحتى سنة 1391 ماليو رومية أي 1975 م والتي تقابل سنة 1395هـ 

لقد خرجت من مقابلتي للدكتور محمد صديق الجليلي بعد ساعات وانا سعيد بمعرفتي لهذه الشخصية الفريدة وحينما جاء الموصل استاذي الدكتور فاضل حسين صاحب كتاب (مشكلة الموصل) المعروف ، طلب مني مرافقته لزيارة الدكتور الجليلي وبعد انتهاء الزيارة قال لي الاستاذ الدكتور فاضل حسين ، ان الحضارات كثيرا ما تبنى بمثل هؤلاء الرجال ، فهم مخلصون وجادون وحريصون على ان يقدموا لبلدهم كل ما من شأنه ابراز قيمة هذا البلد وتأكيد دوره الانساني ودون ان ينتظروا أي مقابل لما يقدمونه .. رحم الله الجليلي وجزاه خيرا على ما قدم ونهيب بأبنائنا واحفادنا ان يطلعوا على سير اولئك الرجال ليفيدوا منها.

 

الدكتور محمد صديق الجليلي وعبده الحمولي :

 

وانا اقلب في جذاذاتي وجدت انني قد احتفظت بقصاصة من جريدة (الثورة ) البغدادية عدد 26-2- 1986 وفيها مقال للباحث الاستاذ عبد الوهاب الشيخلي الناقد والباحث والمؤرخ الموسيقي الكبير 1931-2007 بعنوان (الدكتور الجليلي والتسجيلات المفقودة لعبده الحمولي ) . وفي هذا المقال الوثائقي يقول الاستاذ عبد الوهاب الشيخلي انه التقى بالاستاذ احمد شفيق ابو عوف مدير معهد الموسيقى العربية في القاهرة سنة 1982 والحديث دار عن الثقافة الموسيقية العربية كما التقى به مرة اخرى سنة 1985 وجرى الحديث عن صوت الفنان الكبير عبده الحامولي المطرب المصري الكبير 1836-1901 وعن التسجيلات النادرة العديدة لهذا الفنان المطرب التي حصلوا عليها من الدكتور محمد صديق الجليلي 1903-1980 في الموصل وانه اهدى معهد الموسيقى العربية في القاهرة مجموعة من اغاني عبده الحامولي التي ورثها عن والده .

يقول الاستاذ عبد الوهاب الشيخلي انه تذكر ان الاستاذ عبد الرحمن فوزي الذي قال ان الدكتور محمد صديق الجليلي الموصلي الباحث والمؤرخ والكاتب والخبير في الفلك والموسيقى قدم تسجيلات نادرة للفنان عبده الحامولي الى مؤتمر الموسيقى العربية الذي عقد في بغداد في الستينات من القرن الماضي برئاسة المرحوم الاستاذ زكريا يوسف وان الدكتور محمد صديق الجليلي اخبر الاستاذ عبد الوهاب الشيخلي بعد ان اهداه نسخة مسجلة على شريط كاسيت انه بالإمكان التعرف على صوت عبده الحامولي من خلال الاغاني التي يغنيها وانه نقلها عن اسطوانات كتب على وجهها اسم (عبدو ) فقط .

لقد كان صوت عبده الحامولي من الاصوات العربية التي ظهرت في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وانه كان - كما قال الاستاذ الشيخلي-

من الاصوات المؤثرة التي تعتمد على (التطريب) وتتلاعب بالألفاظ وتعنى بغناء الليالي والموال .

رحم الله الفنان عبده الحامولي ورحم الله الدكتور محمد صديق الجليلي ورحم الله الاستاذ عبد الوهاب الشيخلي لقد خدموا الموسيقى العربية خدمة جُلى .

 

إزالة المزولة الشمسية في الموصل

والمزولة الشمسية  عبارة عن ساعة تستخدم لتحديد مواقيت الصلاة وذلك عن طريق انعكاس اشعة الشمس عليها لمعرفة اتجاه الظل وقد انجز الدكتور محمد صديق الجليلي عدة (مزاول ) عمودية ومنها مقابل جامع النبي يونس وهي باقية حتى يومنا هذا وافقية ومنها مقابل بناية المحافظة التي هدمت  والرجل متخصص بالفلك وبصنع المزاول الشمسية ومن المزاول ما هو موجود اليوم في المسجد الاقصى ايضا وفي مسجد محمد بك ابو الدهب بجوار الجامع الأزهر من عمل بن محمود بن حسن الينشي سنة 1776 ميلادية -  1188 هجرية .

وما أحزنني ان احد الاصدقاء ارسل لي  قبل فترة صورا لتدمير بعض عمال المقاولين (المزولة الشمسية) من أمام بناية المحافظة السابقة في الموصل والتي سبق ان صنعها الباحث والمهندس والكاتب التراثي وأحد سدنة التراث الموصلي الاستاذ الدكتور محمد صديق الجليلي ( 1903-1980 ) ،ووضع نماذج منها سنة 1973 في بعض ساحات ومواقع مختلفة منها في الساحة المقابلة لبناية محافظة نينوى في باب لكش ومنها في الساحة المقابلة لجامع النبي يونس ومنها في حديقة الشهداء ومنها في جامع النعمانية في محلة السراجخانة وكانت الساعات على نوعين النوع الاول عمودية والنوع الثاني أُفقية وكما ترون في الصورة فإن معول الهدم طال بقاياها حيث كانت قد تعرضت للتشوية والتخريب قليلا خلال سيطرة عناصر داعش وعمليات تحرير الموصل .

احد الاصدقاء سأل من يهدمها فقال له " انها ليست الا حجارة" وهذه مصيبة كبيرة وكان الاولى بالأخوة في البلدية الاستعانة بخبير في التراث والاثار قبل ان يفعلوا شيئا بهذا الارث ....فقط اقول انه أمر محزن ، وما اكثر ما دمرنا من مبان تحدثت عن بعضها في واحدة من حلقات برنامجي (موصليات ) ، وتحت عنوان ( مبان سادت ثم بادت ) ومنها (البريد القديم ) و(البلدية القديمة ) و(قصر ناظم العمري ) و(قصر الدكتور كريكور استارجيان) ومن قبل ذلك في الثلاثينات من القرن الماضي ( ابواب الموصل ) و(سور الموصل ) ...انه الجهل بالتاريخ والتراث ...إنه عدم الاحساس بالعمارة ومما يفرح ان بلدية الموصل انتهت الى ما كتبته وقامت بترميم المزولة واعادتها الى مكانها كما علمت .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...