هذه هي الديالكتيكية
- ابراهيم العلاف
أقولها لكم ، وبصراحة وبشجاعة جيلنا جيل ما بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية 1945 وما بعد ذلك الى ايام الحرب العراقية -الايرانية كان يقرأ بجد واخلاص .
وثقافته ثقافة جيلنا وما بعده بجيل كانت ثقافة علمية مدنية عصرية واكثر ما كان يقرأ الفلسفة والرواية .. واليوم ومن مكتبة المرحوم الاستاذ طارق فضل أُذكر بهذا الكتاب الموسوم (هذه هي الديالكتيكية ) والكتاب من تأليف بول فولكييه وترجمة الاستاذ تيسير شيخ الارض وصدر عند دار بيروت للطباعة والنشر ودار صادر ببيروت 1959 ، ويتناول تفكير الفيلسوف الالماني هيكل (هيغل و هيجل كما يكتب في بعض المصادر) والفيلسوف الالماني ماركس ) وقد ترجمت كلمة الديالكتيك ب (الجدل) والديالكتيك يعني الفكرة ونقيضها ونقيض النقيض بمعنى ان ثمة فكرة ونقيض لهذه الفكرة ونقيض للنقيض ، وهو الجدل الذي تقوم عليه الحياة .
ومبدأ التناقض، يعد الركيزة الاساسية في المنطق وخاصة المنطق المدرسي والجدل Dialectique قديم .. الكتاب يناقش ذلك ويعود للفلسفة اليونانية والجدل بالمفهوم اليوناني تبادل الكلام أو تبادل الحجج والذرائع .. انت تعرض حجة والاخر يعرض حجة ثم يأتي من يوفق بين الحجتين .. بين الكلامين .. بين الخطابين وثمة جدل قبل سقراط وبعد سقراط والى ان تقوم الساعة ، وكان هناك جدل في العصور الوسطى ، وفي العصور الحديثة وهيكل لم يصنع فلسفة التناقض وانما أبرز الافكار ، واقام مذهبا يفسر بموجبه الحياة ؛ فالطبيعة تحب الاضداد ، لا بل تعتمد على الاضداد دون الاشباه ثم تحدث الانسجام وعلى هذا النحو نراها تجمع بين الذكر والانثى مثلا ولاتجمع بين الموجود وشبيهه ، والفن ينهج النهج نفسه بصورة جلية حينما يقلد الطبيعة فالتصوير مثلا يمزج بين الالوان البيضاء بالالوان السوداء والالوان الصفراء بالالوان الحمراء فيحصل بذلك على احداث الشبه بين الصورة واصلها وهكذا الموسيقى تجمع بين النبرات الحادة والنبرات المنخفضة وتحدث الاصوات المختلفة في هارموني منسجم فريد في نوعه .
وفي العلوم الانسانية ومنها علم التاريخ ندرس البواعث الانسانية فتتداخل بواعث او دوافع الباحث مع ما يدرسه وقراءة الجريدة تظهر لنا كل يوم ان الحوادث التي تقع نفسها يمكن ان تقص بصورة مختلفة كل الاختلاف من قبل متفرجين ذوي اراء متعارضة حتى اننا لنعتقد ان ما يقص علينا انما يختص بحوادث مختلفة .وهكذا فالصحفي يكتب للاعلام اكثر مما يكتب للتاريخ وكليهما الصحفي والمؤرخ يحتاجان الى ان يطلقا حكما موضوعيا على ما يكتبان عنه وهكذا فالتاريخ لايمكن ان نفصله عن المؤرخ والتاريخ تفاعل بين المؤرخ ووقائعه واي تدخل من قبل المؤرخ اقصد اي تدخل ذاتي من قبله وهو يعيد بناء الماضي يعد تزويرا ويضر بالعمل التاريخي وهنا ان نظرتنا الى التاريخ بفضل الديالكتيك تتجدد بتجدد افكار كل جيل وبتجدد افكار الاجيال يتجدد الانسان .
باختصار الجدل والجدل المعاصر عبارة عن عملية تنقية مستمرة للمعرفة في سبيل تكييفها مع الواقع فجميع الناس يجادلون وطالما كانوا يجادلون فهم موجودون وفي الاخير ليس هناك كما يقول مؤلف هذا الكتاب ليس هناك من حكم علمي يمكننا ان نتأكد في يوم من الايام من انه ليس بحاجة الى التعديل والتنقيح بمعنى ليست هناك حقيقة مطلقة ابدا ، والتناقضات في الفكر موجودة طالما هناك تناقضات في الحياة كما يقول هيغل الاختلاف هو الاساس والتغير هو الاساس امس كانت تمطر نعم هذا صحيح واقول اليوم انها ليست تمطر واذا كان في احدى هاتين القضيتين ما يناقض الاخرى فليس في التفكير الذي يتعلق بموضوعين مختلفين من تناقض .
17 تموز 2021
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق