عماد الدين زنكي والي الموصل وأميرها
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
من أبرز حكام الموصل في العصور الاسلامية واكثرهم
شجاعة وادارة واقتدارا وبطولة وتأثيرا في كل ميادين الحياة السياسية والاقتصادية
والادارية والاجتماعية والثقافية . له اسم واسمه محفور في التاريخ وله بصمة وبصمته
واضحة وبينة في سجلات التاريخ العربي والاسلامي وقد كتب عنه المؤرخون العرب
والاجانب ، ووقفوا عند فترته كثيرا وخاصة من حيث تأسيسه للدولة الاتابكية في
الموصل .
ويكفي ان نقول ان المؤرخ الموصلي الكبير عز الدين
بن الاثير كتب عنه ، وكتب عنه شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي ، وكتب عنهم الاخ
الاستاذ الدكتور عماد الدين خليل وكتب عنه الاستاذ الدكتور رشيد الجميلي ، واحتاج
الى صفحات كثيرة لكي اسرد لكم فقط اسماء وعناوين الكتب التي تناولته
.
عماد الدين زنكي 1087-1146 ميلادية)
قائد عسكري ، واداري كان معروفا بالشجاعة ،
والذكاء ، وحسن التدبير . كان رجل دولة بحق وحقيق ،
رباه امير الموصل وصاحبها ابو سعيد كربوغا وتعهده
بالعناية والرعاية وتعليمه فنون الفروسية والقيادة والقتال.
تولى السلطة في الموصل ( بين
سنتي 521-541 هجرية - 1127-1146 ميلادية ) ، بعد
والده ( الامير آقسنقر الحاجب بن عبد الله البرسقي الغازي الملقب قسيم الدولة سيف
الدين ) ، والذي فوضه حكم الموصل هو السلطان محمود السلجوقي .
وكان لقاضي الموصل الشيخ بهاء الدين الشهرزورى دور
كبير في توليه السلطة ، واسناد الحكم اليه
فقد ذهب إلى السلطان محمود السلجوقي وطلب منه تعيين أمير قوي وكفء للموصل ، وهي
الولاية التي تقع على حدود الشام حيث الوجود الصليبى الكثيف في سواحل الشام منذ
ثلاثين سنة ، والذي أسفر عن قيام أربع ممالك صليبية هي أنطاكية ـ الرها ـ طرابلس ـ بيت المقدس في
الشام .
وكان عماد الدين زنكي الذي تدرب على يد ابو سعيد
كربوغا حاكم الموصل وهو اول حاكم موصلي تنبه للخطر الصليبي ولي بحث عنه مفصل منشور
في العدد الخامس من مجلة (المؤرخ العربي) ،
مؤدبا ( أتابكا لولديه الب ارسلان وفروخشاه المعروف بالخفاجي ) ، وقد
عمل قبل توليه الموصل ادارة (مدينة واسط وشحنكية -ولاية - البصرة ) ، وهناك اظهر
كفاءته وحسن ادارته في توطيد الامور ، واستدعاه السلطان محمود السلجوقي الى بغداد
، وعينه مستشارا للشؤون العسكرية ، وبعد اغتيال والده اقسنقر سنة 1126 في الجامع
العتيق بالموصل ، ولاه السلطان محمود الموصل واعمالها ، وجاء ذلك بعد اشتداد خطر
الصليبيين في بلاد الشام وتوسعاتهم وكما تشير المصادر فان الخليفة العباسي
المسترشد بالله نفسه كان يحب عماد الدين ويرى فيه المقدرة والحنكة وله مواقف شجاعة
مع الخليفة في صراعه مع السلاجقة .والخليفة العباسي المسترشد بالله .هو أبو منصور
الفضل بن المستظهر بالله. من خلفاء الدولة العباسية. بويع بالخلافة في اليوم الذي
توفي فيه والده 16 ربيع الآخر سنة 513 هجرية - 1120 ميلادية و استمر خليفة إلى أن
استشهد في يوم الأحد 17 ذو القعدة سنة 529 هجرية - 30 آب سنة 1135ميلادية . كان
السلطان محمود السلجوقي قد استشار الرأي فيمن يوليه أمر الموصل وكانت هي القاعدة
الامامية في الدفاع عن الامة انذاك ضد الغزو الصليبي فأشاروا عليه بأن يولي عماد
الدين زنكي وقالوا له :" لانقدر على رقع هذا الخرق واعادة ناموس هذه الولاية
ولاتقوى نفس أحد على ركوب هذا الخطر غير عماد الدين فولاه في ربيع الاخر سنة 519
هجرية -1125 ميلادية فقام بعمله خير قيام بحيث أرضى الخليفة العباسي والسلطان
السلجوقي في آن واحد وازال ما كان بينهما من جفاء وخلاف فازدادت مكانته عندهما
وصار الخليفة والسلطان يثقان به ويعتمدان عليه .
وقد نظم عماد الدين ادارة الموصل ووحدها واشار
الاستاذ سعيد الديوه جي الى ان عماد الدين كان يدرك مخاطر الصليبيين في الشام لذلك
بدأ يصانع امراء الاطراف من الامراء واستولى على جزيرة ابن عمر وسار الى نصيبين
وتسلمها من اهلها بدون مقاومة ثم تسلم سنجار واربل ودانت له الخابور وحران وحلب
واستبشر به اهل حلب التي دخلها ورتب امورها سنة 522 هجرية - 1128 ميلادية وبذلك
كما يقول الاستاذ الدكتور عبد المنعم رشاد في مقال له في (موسوعة الموصل الحضارية
) حقق الارتباط بين الموصل وشمالي بلاد الشام مكونا بذلك جبهة قتالية موحدة وكما
هو معروف فان الموصل وحلب ، صنوان كما سار الى حماة وشن الغارات على بعض قلاع
الصليبيين في تل باشر وحصن الاثارب 1130 ميلادية
-524 هجرية وفتحهما . وكانت اكبر انجازاته العسكرية هي القضاء على (امارة الرها
الصليبية ) ،
وبالنظر للاهمية الاستراتيجية لمدينة دمشق حاول فتحها وضمها الى ممتلكاته حتى يحقق
توحيد بلاد الشام تحت سيطرته الا ان اهلها لم يتعاونوا معه لذلك عاد الى الموصل
سنة 525 هجرية - 1231 ميلادية .
شعر السلطان السلجوقي بقيمة ما انجزه عماد الدين
زنكي فأضاف اليه أمر العراق فضلا عن ما كان بيده من الشام والموصل والجزيرتين . ثم
التفت الى الشمال والشرق فاستولى على قلاع الكورد الهكارية في العمادية ثم في عقرة
وشوش سنة 528 هجرية - 1134 ميلادية وتوجه نحو الغرب ونازل الصليبيين واستولى على
قلعة بارين سنة 534 هجرية - 1140 ميلادية وحرر المعرة وكفر طاب وكسر شوكة
الصليبيين وقد هابوه وارسلوا وفودا الى القسطنطينية يستغيثون واستمر عماد الدين
زنكي في توسيع سيطرته فاستولى على بعلبك وآمد وحصنكيفا والبيرة وكتب المؤرخون ان
سيطرته امتدت من شهرزور شرقا الى قرب سواحل الشام غربا ومن آمد وديار بكر وجبال
الكورد الهكارية والحميدية شمالا الى حديثة في الانبار وتكريت جنوبا .وقد ذكر
المؤرخون ان الدولة التي اقامها عماد الدين زنكي في العراق والشام كانت من اقوى دول
المشرق انذاك .
وقف المؤرخ عز الدين بن الاثير عند عظمة عماد
الدين وقوة دولته وتنظيم جيشه وحسن ادارته واختياره للقادة واجتمعت بين يديه كل
عناصر الادارة والقيادة والسياسة فضلا عن العلم والدين مالم يجتمع عند غيره من
معاصريه وكان ديوانه يقاس بدواوين السلاطين من ال سلجوق وكان من اسلوبه في الادارة
انه يجزل العطاء لمن يعمل معه وكان يقول ان ذلك يكف ايديهم عن اموال الناس قال ابن
الاثير في كتابه (الكامل في التاريخ ) ان عماد الدين كان "قليل التلون
والتنقل بطيء الملل والتغير شديد العزم لم يتغير على احد من اصحابه منذ ملك الى ان
استشهد الا بذنب يوجب التغير " . وكان يمنع اصحابه من التملك وكان يمنع
اصحابه من مفارقة البلاد والاتصال بغيرهم من الملوك ويشدد عليهم حتى لا يستفيد
الاعداء من تحركاتهم واتصالاتهم وكان يراقب عماله وكان كريما لكنه لايثقل على احد وكان
يدرب ابنه نور الدين زنكي على الحكم ويصطحبه معه لهذا استمر ابنه نور الدين محمود
وهو من بنى الجامع النوري الكبير في الموصل ومنارته الحدباء في مشروعه التحريري
فسيطر على مناطق جديدة منها الرها وحران وسروج وحمص وحلب وحماة واستقر له الحكم
وجعل حلب قاعدته المتقدمة لمواجهة الغزو والتمدد الصليبيين ولتلك قصة اخرى قد
ارويها لكم في مقال اخر ان شاء الله .
اهتم عماد الدين بتنظيم القضاء وجعل على رأسه
مرجعا يدعى قاضي القضاة كما اهتم بضرب النقود والتدقيق في نقاوة معدنها من الذهب
والفضة وسار احفاده على نهجه ونظم الجيش وجعله قويا ورتب ديوانه واعتمد السيف اي
القوة العسكرية الفيصل الوحيد في سياسة الدولة واستراتيجيتها واولى البريد عناية
واعتمد الالتزامات الاقطاعية في التعامل مع الاراضي وكانت هذه الالتزامات هي ما
تربطه بالسلاطين السلاجقة .واهتم بدواوين الحكم وتنظيم شؤون الموظفين وقرر رواتبهم
اعتمادا على مؤهلاتهم وكفاءتهم .وكان له وزراء تقليدا للإدارة السلجوقية وكان
الوزير مسؤولا عن الادارة المالية والمدنية للإمارة كما كان له نواب على المدن
والقلاع التي يفتحها فهم من يديرونها بسمه كما اهتم بشؤون الثقافة والصناعات
والتاريخ والادب والشعر وفي مؤلفات المؤرخ عز الدين بن الاثير ما يساعدنا على فهم
سيرته ومميزات عصره ومواقفه .
كانت نهاية عماد الدين زنكي سنة 541 هجرية -1146
ميلادية وهو يحاصر قلعة جعبر اذ وثب عليه احد الذين تخصصوا في الاغتيالات آنذاك
وقتلوه غيلة وهو نائم في خيمته كان عمره اذ ذاك (64) سنة ، وهربوا ويبدو ان القوى السياسية
التي كانت لا تريد للموصل ان توحد الجهد الاسلامي ضد الصليبيين لم تكن مرتاحة لما
حققه عماد الدين ولم يكن عماد الدين هو الوحيد الذي اغتيل فقد اغتيل من قبله مودود
ووالده اقسنقر واغتيل نور الدين الشهيد .
كان عماد الدين زنكي من القادة العظام وتمكن بفضل
ذكائه وحنكته وحسن تدبيره من اقامة امارة مهابة الجانب عاشت بعده قرابة قرن من
الزمن وازدهرت الموصل في عهده وتوسعت وسادها الهدوء وعم فيها الرخاء الاقتصادي
.
تحدث عنه المؤرخون كثيرا ، فهذا المؤرخ الموصلي عز
الدين بن الاثير يقول عنه :" كان شديد الهيبة في عسكره ، ورعيته ، عظيم
السياسة لا يقدر القوى على ظلم الضعيف ، وكانت البلاد قبل أن يملكها خراباً من
الظلم ، وتنقل الولاة ومجاورة الفرنجةً ، فعمرها ، وامتلأت أهلاً وسكاناً، وكان
أشجع خلق الله " .
أما
المؤرخ الدمشقي ابن كثير فيقول عنه :" وقد كان زنكى من خيار الملوك ، وأحسنهم
سيرة ، وشكلاً ، وكان شجاعاً مقداماً حازماً خضعت له ملوك الأطراف ، وكان من أشد
الناس غيرة على نساء الرعية ، وأجود الملوك معاملة ، وأرفقهم بالعامة"
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق