الثلاثاء، 6 أغسطس 2024

ديوان محمد بن مصطفى الغلامي ............يُبعث من جديد

                                                   الدكتور شريف بشير احمد والدكتور ابراهيم العلاف


ديوان محمد بن مصطفى الغلامي ............يُبعث من جديد
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
أستاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
أقول ، وأنا متأكد من قولي من أن ما أراه كان حُلما ، والحُلم تحقق من خلال الأخ والصديق الأستاذ الدكتور شريف بشير أحمد . والحلم ، كان ان يكون بيننا ديوان محمد بن مصطفى الغلامي صاحب كتاب ( شُمامة العنبر والزهر المعنبر ) .أرخ لأكثر من ستين كاتبا وشاعرا ، وهو نفسه كان شاعرا لكننا كنا نفتقد ديوانه وتيسرت فرصة ان نرى الديوان بين أيدينا مجموعا ، ومحققا ، ومنشورا .
الديوان ظهر بحلة قشيبة ، وبإخراج متميز، وبجلد سميك وبواقع (515) صفحة من القطع الوزيري . صدر عن دار كفاءة المعرفة للنشر والتوزيع 2024 بالعاصمة الأردنية عمان ، فرحة لا تعادلها فرحة ، وانا اتسلم النسخة الأولى المهداة من الأخ والصديق الأستاذ الدكتور شريف بشير احمد أستاذ الادب العراقي في العهد العثماني في كلية الآداب – جامعة الموصل ، وعليها عبارات الاهداء الانيقة التي اعتدتها منه ، فاليه الشكر ، والعرفان ، والتقدير لما قام به ، وأنجزه ؛ فما أنجزه إضافة قيمة للتراث المعرفي ، ولتاريخ الادب العراقي الحديث في عصوره المبكرة .
عندما كنا نقرأ عن الشعر العراقي في القرن الثاني عشر الهجري - الثامن عشر الميلادي نجد شعرا لمحمد بن مصطفى الغلامي المتوفى سنة 1186 هجرية – 1772 ميلادية ، وكنا نأمل ان نرى ديوانا لهذا الشاعر؛ ديوانا خاصا به فالمؤرخين ينقلون منه ، ويسجلون في مصادرهم ومراجعهم ما يأخذونه عنه ، ولكن اين الديوان ؟ .وكنا نسمع عن وجود مخطوطة الديوان محفوظة في أرشيف الاسرة الغلامية الكريمة والعريقة .كان شاعرا مكثرا غزير الإنتاج ، وكان شاعرا معروفا يملأ شعره اشتاتا من المصادر والمراجع المطبوعة والمخطوطة .
كان على المحقق الكريم ان يجمع تلك القصائد في مجلد واحد لتشكل ( الديوان ) ، ولو كان الديوان موجودا مخطوطا بنسخ عدة فمهمة المحقق ستكون ايسر لأنه سوف يقابل النسخ ببعضها ، ويعتمد أساليب التحقيق وقواعده ويصل الى نتيجة ترضيه ، ولكن ان يصنع ديوانا ، فهذا مما يعقد المهمة خاصة وان ثمة تباين بين المرجعيات الثقافية والمنظومة الشعرية لمحمد بن مصطفى الغلامي ، وبعد رحلة علمية استغرت ثلاث سنوات تم انجاز الديوان الذي يعد – بحق – إضافة أدبية إبداعية للتراث الشعري العراقي في العهد العثماني الذي استغرق من القرون اربعا 1516-1918ميلادية .الديوان أيضا يُعد كما قال المحقق " تاريخا مشرقا للمنظومة الأدبية الموصلية في القرن الثاني عشر للهجرة –الثامن عشر للميلاد ، وكشفا تراثيا اصيلا للأسرة الغلامية الموصلية العريقة " .
شيء جميل ، ومفرح ان يكون شعر محمد بن مصطفى الغلامي بين ايدي القراء ، والمهتمين ، والمتخصصين ، وطلبة الدراسات العليا . والمحقق لم يتوقف على إظهار الديوان ، بل قدم مباحثا تتعلق بالانساق الثقافية في القرن ال 12 الهجري ال 18 الميلادي ، ووقف عند سيرة الشاعر وحياته ، وآراء الدارسين فيه .وجاء الديوان وفيه أولا القصائد ، وثانيا المقطوعات ، والابيات المتفرقات ، والموشحات ، والبديعيات ، والشعر المحبوك الطرفين ، والتاريخ الشعري ( بحساب الجُمّل) ، والمواليا ، وتخميس الابيات ، والمقطوعات .
قدم المحقق والمعد في خاتمة هذا المنجز المعرفي التراثي الادبي الأصيل رؤيته بشأن التحقيق ، والتأويل ، وتحليل النصوص وهذه الخاتمة تعد درسا لمن يروم التحقيق وفيها يقول ان تحقيق هذا الديوان وجمعه ودراسته وتوثيقه تعد رحلة اكاديمية ماتعة ( لايعرف الشوق الا من يكابده) ؛ فالشاعر محمد بن مصطفى الغلامي يمتلك كفاءة شعرية ، ومهارة لغوية تركيبية في البناء الشعري ، وانماط التعبير عنده متعددة ، بحيث تضطر المتلقي الى ان يتحسس مواطن الجمال والرؤى الشعرية في تلك القصائد ، ونسقها الايقاعي ، والتشكيلي .كما تجعل المتلقي على يقين بأن (المرجعية الإسلامية ) بمبادئها وافكارها ، هي ما تظهر في شعره وتتمازج مع رؤاه وقناعاته . والمرجعية الإسلامية ، والثقافة الشعرية عنده هي من اسبغت على شعره كل هذا الجمال في التعبير ، والقوة في التشكيل ؛ فهو يمتلك خزينا لغويا ، معجميا ، موسوعيا أتاح له توظيف الالفاظ توظيفا متقنا ، وزوده بمغذيات متتالية من الالفاظ التي تحمل الكثير من الدلالات ، والموضوعية .
واخيرا والقارئ ، والمتتبع ، والمهتم عندما يستغرق في قراءة الديوان سيقف عند التحولات التاريخية الزمنية المتعلقة ليس بالأحداث وحسب ، بل حتى في الشخصيات السياسية ، والاجتماعية ، والثقافية مما يجعل هذا الديوان أيضا مصدرا من مصادر التاريخ الحديث للعراق عامة وللموصل خاصة في عهد حكم الجليليين 1726-1834 ميلادية .
الشاعر محمد بن مصطفى الغلامي ، شاعر مبهر ولا استطيع في هكذا عجالة ان اقف عند شعره في هذا الديوان ، وادعو لاقتنائه ، والإفادة منه ، والتمتع بقراءته كما تمتعت انا .مثلا قال في صديقه الاديب الموصلي صالح المعمار توفي بعد سنة 1160 هجرية – 1747 ميلادية حين وافته المنية وكان مولعا بكتابة التاريخ على شواهد القبور :
مازلت َ تلهج بالتاريخ تكتبهُ *** حتى رأيتك بالتاريخِ مكتوبا
وفي احدى بديعياته يقول :
مادمتُ ابغي وصالا منهم ُ ابدا *** (والمفلسون التمني رأس مالهمُ)
وذكر الشاعر الموصل مدينة الحدباء في ابيات محبوكات قال :
هل انت يابارقَ الحدباء تخبرنا ***عمن اطلت نواحي في نواحيها
جادت به الموصل الحدباء في زمن *** به لمرقى التهاني أي مُنعرج
لابثُ في العراق يهدي شذاه ُ *** كلما هبت النسيم ُشمالا
نشره ُ فاح بالعراق ،ولكن *** افقدوني الى الوصول معيني
أبارك لأخي وصديقي الأستاذ الدكتور شريف بشير أحمد عمله الجليل ، جعله الله في ميزان حسناته ، والى مزيد من التقدم والنجاح وانا دوما أقول ان الأستاذ الدكتور شريف بشير احمد – بما انجزه وينجزه – يُعد رمزا من رموز العلم والثقافة في عراقنا الحبيب .



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...