الأحد، 14 أبريل 2024

الفلسفة والاخلاق والعلاقة بينهما


 الفلسفة والاخلاق والعلاقة بينهما

-ابراهيم العلاف
واشد ما يؤلمني ، هو تعليق البعض بأن لافائدة من الكلام ، وليس ثمة من يسمع أو يتعلم ، مع ان للكلمة مفعولها ، وتأثيرها ، والعرب في مراحل ازدهار حضارتهم ، وخاصة في العصور العباسية ، اهتموا بتقنين علم الاخلاق ، وربطوه بالفلسفة.
وعلم الاخلاق يتناول موضوعات تتعلق بالخير والشر ، والفضيلة والرذيلة ، وهل ان الانسان مجبول على الخير ام مجبول على الشر ، مع ان الآية الكريمة تقول : "ونفس وما سواها فألهمهما فجورها وتقواها " بمعنى ان في داخلية كل انسان التقوى والفجور ؛ فهو من خلال طبيعته ، وتربيته يُغلّب الشر او يغلب الخير .
وهنا تأتي اهمية (التربية) داخل البيت ، وداخل المدرسة ، وداخل المجتمع ، وقد ابدع العرب و المسلمون من المفكرين والفلاسفة في وضع قواعد الاخلاق واقاموها على اسس دينية وانسانية ، وقالوا ان مصدر الاخلاق القرآن الكريم والسنة النبوية ، والنظام الاخلاقي الفلسفي ومتى ما استطاع الانسان الحصول على المعرفة ، فإنه لابد وان يربط المعرفة التي تسمى اليوم (الابستمولوجيا ) بالفلسفة والاخلاق . وهنا يبتعد عن كل عمل فيه سوء ومن ذلك انسياقه وراء شهواته وانغماسه في الملذات وابتعاده عن الفضائل .
كان العلامة ابو علي احمد بن محمد مسكويه الرازي 932-1030 ميلادية ( 320-421 هجرية) ، هو اول من كتب في علم الاخلاق ، وهو الذي الف كتابه الشهير (تهذيب الاخلاق وتطهير الاعراق ) .
كان مسكويه فيلسوفا ومؤرخا وطبيبا ، وفي كتابه هذا تحدث عن مفهوم (السعادة) ، وقال ان السعادة هي غاية ما يريد ان يصله الانسان السوي . واضاف ان الخير هو ما يبلغ به الانسان كمال وجوده ، واول الفضائل ان على الانسان ان يعمل ، وان يحب غيره ، وان يفعل الخير مع من حوله ، وعندئذ يصل الى لذة السعادة ، وكلما عبر الانسان عن انسانيته تجاه الاخرين احس بالسعادة وشعر بها ومن النصائح التي ينصح فيها مسكويه طلبته ومريديه ومن يريد ان يتعلم منه ان يتحلى الانسان بنوعين من الفضائل اولها الفضائل الكبرى وهي الحكمة ، والشجاعة ، والعفة ، والعدالة كما ان ثمة فضائل صغرى لابد ان يتحلى بها الانسان ومنها الانتصار للحق ، والانتصار للصدق ، والانتصار للخير ، والانتصار على النفس ، ومعنى الانتصار تغليب هذه القيم في حياته وسلوكه .
مسكويه اوصى تلاميذه بوجوب مجاهدة النفس ، وحفظ المواعيد ، وانفاق العمر بما يفيد ، وترك الخوف من الموت ، والتفكير قبل ان يقول الانسان رأيه ، والابتعاد عن المغرضين والجهلة واهل الحسد ، والقناعة ، والثقة بالقضاء والقدر خيره وشره ، وعندئذ يستطيع هذا الانسان ان يعيش عيشة راضية سعيدة بعيدة عن متاعب الحياة ومشاكلها .
بقي ان اقول ان العلامة مسكويه عّمر ( 100) سنة كاملة من 320-421 هجرية . وهو فضلا عن كل ماقلته بشأن كونه احد الفلاسفة ، ومؤسسي علم الاخلاق فهو (مؤرخ متميز ) ، وله كتاب يتألف من ثمانية اجزاء ( الجزء الثامن فهارس) وعنوان الكتاب ( تجارب الامم وتعاقب الهمم) ، وقد حققه الدكتور ابو القاسم إمامي ، وصدر عن دار نشر سروش للطباعة والنشر بالعاصمة الايرانية طهران سنة 2000 و2002 .
وقد وقف المحقق الدكتور ابو القاسم إمامي عند وجهة نظر مسكويه بالتاريخ فقال : التاريخ في رأى مسكويه، يشتمل على أحداث يمكن للإنسان أن يستفيد منها تجربة في حياته الفردية والاجتماعية، في أمور لا تزال يتكرّر مثلها، وينتظر حدوث أشباهها، وإذا عرف الإنسان تلك الأحداث وقيمتها التجريبيّة ثم اتّخذها إماما لنفسه، يقتدى به، فهذا يجعله يحذر ممّا ابتلى به قوم، ويتمسّك بما سعدوا به. والنظرة هذه تبتنى على رأيه القائل: إنّ أمور الدنيا متشابهة، وأحوالها متناسبة. فباستطاعة الإنسان أن يقارن الحاضر بالماضي، ويهتدى بهدى التجارب التي حصلت فيه للأسلاف. ثم إنّ ما يحفظه الإنسان من التاريخ، كأنه تجارب له، باشرها بنفسه، فأصبح خبيرا بالأمور التي لم يجرّبها فعلا في حياته، حتى إنّه يعرفها بعد ذلك قبل وقوعها، فيستقبلها استقبال الخبر، فيفعل في علاجها الأنسب والأجدى، فيحلّ مشاكله، وينجح في مشاريعه نجاح الخبير الواعي" .
رحم الله مسكويه وطيب ثراه .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 ...............أ.د إبراهيم خليل العلاف

                                                            الاستاذ الدكتور ابراهيم خليل العلاف الطبقة البرجوازية في العراق حتى سنة 1964 أ....