كمال بن يونس بن
منعة فيلسوف الموصل ورياضييها
ا.د. ابراهيم
خليل العلاف
استاذ التاريخ
الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وأنا اكتب عن
المدرسة الكمالية ، في جامع شيخ الشط في محلة الميدان في الجانب الايمن من مدينة
الموصل القديمة ، قلت ان من أبرز عمدائها واساتذتها هو الشيخ كمال الدين بن يونس
بن منعة العقيلي .
ومن المؤكد ان
هذا الفيلسوف ، واستاذ الرياضيات والفلك والكيمياء معروف في العالم الاسلامي ، وشهرته
تجاوزت مدينة الموصل ، وانه كان يجيب على اسئلة في الرياضيات والفلسفة تأتيه من
اجزاء مختلفة من العالم الاسلامي.
وسيرته كانت في
متناول المؤرخين ، ومنها انه كمال الدين أبو عمران موسي بن يونس بن محمد بن منعة
بن مالك العقيلي من مواليد الموصل (1156 هجرية -1242 ميلادية ) .هذا فضلا عن تضلعه
في جوانب مهمة من العلوم الفقهية والشرعية .
درس في الجامعة
النظامية في بغداد على يد عدد من علماء عصره منهم السلماني والقزويني والشيرازي.
وكان على درجة عالية من الذكاء والتميز وخاصة في الرياضيات والفلك علم الفلك .
عاد الى الموصل ،
وأسس المدرسة الكمالية ، وقد عرف بالتميز العلمي ، وبالتواضع وكان حريصا على
الوصول من خلال بحوثه الى الحقيقة العلمية حتى انه كان يرد على ما كان يأتيه من
مسائل الحساب ، والجبر ، والمساحة ، والفلك من جميع أقطار الدنيا .
وله مؤلفات عديدة
منها كتابه ( كتاب في الاصول ) ، و(كتاب عيون المنطق) ، و(كتاب لغز في الحكمة ) ، و(كتاب
مفردات ألفاظ القانون ) ، و(كتاب الأسرار السلطانية) . وله أيضا ( شرح كتاب
التنبيه في الفقه ) ، و(رسالة في المخروطات ) .
كتب عنه كثيرون من القدامى
والمحدثين وقد كنت أعرف ان الصديق الدكتور عادل البكري الطبيب ، والباحث ، والشاعر،
والفيلسوف رحمة الله عليه ، كان معجبا به ..
ومرة قرأت له مقالة في جريدة (فتى العراق ) الموصلية العدد الصادر في 23 شباط 2008
، وبعنوان (الفلسفة في الموصل وأصحابها )
.
ومما قاله ان الفلاسفة لابد وان
يكونوا متضلعين في الرياضيات كما يقول ارسطو في كتابه (ما بعد الطبيعة ) . لذلك كان كمال الدين بن يونس بن منعة ( كبير
فلاسفة الموصل) من ابرز علماء الحساب
والرياضيات الى جانب علمه بالفلسفة .
لذلك لم يكن ابن ابي اصيبعة مخطئا
عندما قال عنه انه "علامة زمانه ، وأوحد أوانه ، وقدوة العلماء ، وسيد
الحكماء .قد أتقن الحكمة ، وتميز في سائر العلوم " .
كان الشيخ كمال الدين بن يونس بن منعة ، فقيها في الكتب المقدسة التوراة والانجيل
والقرآن وكان من تلاميذه مسلمون ومسيحيون ويهود يدرسهم كتبهم المقدسة ويشرحها لهم شرحا
يعجز علمائهم عنه .
وممن درس على يديه سويروس يعقوب
الاول ، قرأ عليه الفلسفة والمنطق ايضا ، ويعقوب البرطلي وهو ثيودور الانطاكي الذي
قدم الموصل من انطاكية ليدرس الفلسفة عند كمال الدين بن يونس واصبح فيما بعد
فيلسوف البلاط للملك فردريك .كما درس عليه
القاضي جلال الدين البغدادي ، وكان يقيم عنده في المدرسة ، كما درس عنده اثير
الدين بن عمر الابهري العالم الفيلسوف صاحب المؤلفات الكثيرة ، وكان يجلس امامه
ويقول :" ما تركت بلادي وقصدت الموصل الا للدراسة على الشيخ كمال الدين
" .
ودرس عليه نصير الدين الطوسي ، وعلم
الدين قبصر المهندس الموسيقار المتوفى بدمشق سنة 1251 ميلادية .
لم يكن الشيخ كمال الدين بن منعة
العقيلي يدرس في المدرسة الكمالية فقط ، بل كان يحاضر في مدارس عدة منها المدرسة
البدرية والمدرسة العلائية والمدرسة القاهرية . وعندما كان يحاضر يجتمع عليه
العلماء ، ويطلبون منه حل ما اشكل عليهم من الاسئلة ، وخاصة في الرياضيات .
ذكر صاحب كتاب (عيون الانباء ) انه
ورد الى السلطان بدر الدين لؤلؤ صاحب الموصل رسول من امبراطور الفرنجة يحمل اسئلة
في الفلسفة والرياضيات يلتمس من كمال الدين بن يونس بن منعة حلها وعندئذ طلب
السلطان بدر الدين لؤلؤ من الشيخ كمال الدين ان يقابل رسول الامبراطور ؛ فاستقبله
في مدرسة وحل له كل المسائل التي استعصت على علماء الفرنجة وكانت في الرياضيات .
ونجد في ما لدينا من المصادر
المتوفرة ان كمال الدين كان يجيب على الاسئلة التي ترد اليه من بغداد وبلاد الشام
وبلاد الروم ، والى شيء من هذا القبيل اشارت البروفيسورة الالمانية سيجفريد هونكه
في كتابها (شمس العرب تسطع على الغرب )ان قيصر الروم ارسل الى الشام في زمن الملك
الايوبي اسئلة مختلفة ، فأجاب علماء الشام على بعضها وعجزوا عن حل أسئلة في
الرياضيات لذلك بعث الملك الكامل بقية الاسئلة الى الموصل لعرضها على الشيخ كمال
الدين بن منعة فاطلع عليها وكتب الاجابة عنها وارسلها الى الملك الكامل . ومنها
المسألة الاتية التي ترون صورتها الى جانب هذه السطور : اذا اعطينا قوسا ، ووصلنا
طرفي القوس بوتر ومددناه فالمطلوب رسم مربع على امتداد الوتر تكون مساحته مساوية
للمساحة المحصورة بين القوس والوتر .
توفي الشيخ كمال الدين بن يونس بن
منعة العقيلي في الموصل سنة 639 هجرية - 1241 ميلادية بعد أن ترك علما ينتفع به لهذا
ظل ذكره قائما حتى يومنا هذا بالرغم من مرور (779) سنة على وفاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق