صفحة من مذكراتي : "جني العمر : سيرة وذكريات "
كنت طالبا في الإعدادية الشرقية بالموصل :
ابراهيم العلاف
وبعد نيلي الشهادة المتوسطة، دخلتٌ الإعدادية الشرقية . وكانت الموصل آنذاك، اقصد في مطلع الستينات من القرن الماضي ،تموج بالتيارات السياسية والفكرية، وقد بدأت - كمجايلي - في قراءة كتب الوجوديين وتأثرت بما كتبه جان بول سارتر والبير كامو وسيمون دي بوفوار وأخذت، وزملائي، نتحدث بالمقولات الوجودية من قبيل : "أن الإنسان هو المسؤول الأول عن أعماله ، " و "أن الإنسان يولد من دون سبب، ويعيش بدافع من الضعف،ويموت بالمصادفة " "وإذا كان شجاعا فأن عليه وضع حد لحياته " وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن احد زملائنا وهو الأستاذ حاجم سلطان ،وكان مثقفا ثقافة عالية،قد أقدم للأسف الشديد ،بعد فترة قصيرة من تخرجه من الجامعة وتعيينه مديرا لثانوية حمام العليل بالوكالة ،على الانتحار بإلقاء نفسه في نهر دجلة وعند تل يعرف في الموروث الموصلي ب"تل السبت " .وقد استمرت أفكار الفلسفة الوجودية بالانتشار ليس في الموصل والعراق وحسب ،وإنما في الوطن العربي وارتبط بذلك أننا كشباب أخذنا نطلق شعر رأسنا على هيئة شعر البيتلز (الخنافس ) وهم مجموعة من الشباب الانكليز الذين اشتهروا بأغان جماعية تميزهم كما صرنا نوسع بنطلوناتنا وعلى مودة عرفت في حينه ب (الشارلستون ) .كما اخذنا نقرأ اللامنتمي لكولن ولسن والغريب لكامو والوجود والعدم لسارتر والسأم لالبرتو مورافيا . وكنا قبل ذلك نتحاور بالأفكار الماركسية ونقرأ لكارل ماركس ولفلاديمير لينين ولجوزيف ستالين ولبليخانوف وخاصة كتابه حول النظرة الواحدية الى التاريخ . كما وجدت ضالتي في مجلة الثقافة الجديدة ذات الطابع اليساري والتي كانت تصدر في بغداد منذ سنة 1953 ، وتباع بثمن زهيد طريقها الينا .ومن بعد ذلك ،كما هو معروف، اصدر الاستاذ الدكتور صلاح خالص مجلة الثقافة . ومن نافلة القول انني فيما بعد كتبت عن مجلتي "الثقافة الجديدة " و" الثقافة " .وما كتبته متاح على النت وفي كتابي :"تاريخ العراق الثقافي " . وقد اولعنا بروايات تولستوي وبوشكين وديستوفسكي ،وفي حينه ،لم نجد أية غضاضة في أن نكون وجوديين وماركسيين في آن واحد ومما ساعد على ذلك اتساع حركة ترجمة الكتب الوجودية والماركسية الى اللغة العربية ومجيء مجلات مصرية إلى الموصل ذات اتجاه ماركسي وأخرى وجودي منها مجلة " الطليعة " ومجلة " الفكر المعاصر " ومجلة " الكاتب " . وكان عبد الناصر قد أمم الكثير من المشاريع وتوجه بالبلاد في مصر وبالجمهورية العربية المتحدة بعد اندماج مصر وسوريا في دولة الوحدة في شباط 1958 اتجاها اشتراكيا .
كان من المدرسين الذين أعجبتُ بهم ،وتأثرتُ بهم، وأنا طالب في الإعدادية الشرقية مطلع الستينات من القرن الماضي ،الأساتذة عمر محمد الطالب (الاقتصاد ) ، وهاشم سليم الطالب ( الجغرافية )، وحازم عمر(اللغة الانكليزية ) ، وشاكر النعمة( اللغة العربية )، وعبد الله القليه جي(الجبر ) ، وغانم سعد الله حمودات(التربية الدينية ) ،وإدريس عبد المجيد الذنون (الجغرافية )، وحازم الحسو (اللغة الانكليزية ) ، وعبد السلام عبد الهادي(الفيزياء ) وعبد الله النعيمي (الجبروكان معلما منسبا ) ،وهاشم الطيار(الرياضيات ) ،وسعيد قاسم (العلوم )، ومحمد وجيه الشاكر (العلوم )،وعبد الستار احمد (التربية الرياضية ) ومحمود يونس –أبو ليلى (التربية الرياضية ) .وقد ظلت علاقتي مع العديد منهم مستمرة حتى انتقال بعضهم إلى الحياة الآخرة .
كنت في الإعدادية الشرقية من الطلاب المتميزين في الفرع الأدبي ، وقد كان ترتيبي الثاني على المدرسة عند التخرج وكان الأول على المدرسة طالب كنت أكثر تميزا منه أثناء الدوام وبشهادة بعض المدرسين ،هو هشام سالم قاسم أغا ومنذ تخرجنا لم أره ولم أسمع عنه شيئا .وقد سألت عنه الصديق الأستاذ اسعد الحمداني فقال انه سكن بغداد بعد تخرجه من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد . وهنا لابد لي أن أشير إلى أن من ابرز أصدقائي في الإعدادية هاشم شيت الذي أصبح ضابطا ومحمد منيب السراج الذي أصبح مهندسا زراعيا ، وموفق عبد المجيد الذي أصبح مدرسا للتربية الرياضية ، ومحمد يونس الخياط الذي عين مديرا لأوقاف دهوك فترة من الزمن ،وباسل علي السيد حاتم الذي اصبح مدرسا للغة الانكليزية وسافر منذ تخرجه الى أبها في المملكة العربية السعودية للعمل وشاكر محمود الذي تخرج مدرسا للغة الانكليزية .
ومما اذكره في هذه المرحلة انني كنت التقي بعض اصدقائي في مسجد صغير يقع في محلة الثلاث بلاليع وقرب بيتي زميليي هاشم شيت وموفق عبد المجيد الطائي وفي حينه تأثرنا بمقيم المسجد السيد قاسم الحافظ وأحاديثه ومحاوراته الشيقة ، وهناك كنا نؤدي الصلوات ونتناقش في بعض الموضوعات الدينية ، وأعتقد أننا استفدنا من التوجه الديني ذلك فاستقام سلوكنا وتسامينا بغرائزنا وأخذنا نقرأ واشتد عودنا ونحن لم نزل طلابا في الصف الرابع الإعدادي .
ومما قوى علاقتي بتلك المجموعة الطيبة من الأصدقاء أنهم كانوا جميعا منكبين على الدراسة وعاشقين للقراءة . كما ظهر التنافس العلمي الشريف بيننا .وكنا ندرس في " حديقة الشهداء " من الصباح حتى المساء كما كنا نتردد على " المكتبة العامة المركزية" ونذهب في العطلة إلى كازينو النهر وكازينو أشور ولم نهمل فيلما أجنبيا يعرض في دور السينما في الموصل إلا وشاهدناه ، وكان صديقي وزميلي صديق بكر توفيق وقد أصبح أستاذا للغة الانكليزية في كلية آداب الموصل وقد توفي رحمه الله سنة 2014 وكان يعمل قبل وفاته في الدوحة بقطر ، ينصحنا أن لانقرأ ترجمة الفيلم وإنما نسمع الحوار حتى نتعلم اللغة الانكليزية ونتحدث بها بطلاقة . وكنا نتحاور ونتناقش في القضايا السياسية والفكرية .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق