الاثنين، 29 يونيو 2015

محنة الفكر في العراق ابراهيم العلاف

محنة الفكر في العراق

ابراهيم العلاف

يبدو أن محنة الفكر في العراق ، ليست جديدة بل قديمة . ولانريد ان نرجع الى أيام الامويين والعباسيين وما ساد في تلك الايام من نزعات فكرية عديدة سجل وقائعها تاريخنا الاسلامي بل نعود فقط الى تلك الايام التي اعقبت قيام ثورة 14 تموز 1958 وما نجم عنها من سقوط للنظام الملكي الهاشمي الذي عاش بين سنتي 1921 و1958 .
وكما نعرف فأن الاصطفافات السياسية للاحزاب التي كانت قائمة في العراق أنتجت إستقطابا حادا بين القوميين والشيوعيين . ومن المؤكد ان الاسلاميين وقفوا مع القوميين .. والعلمانيين والليبراليين والديموقراطيين - وطبعا حسب تسميات تلك الايام - وقفوا مع الشيوعيين .
وهكذا بدأنا نرى الصراع متجسدا ليس على صفحات الكتب والصحف والمجلات ووسائل الاعلام المختلفة وانما على مستوى الشارع من قتل وسحل وشتائم وكسر للعظم ولم يتأخر الطرفان من ولوج تلك الاساليب السلمية والقتالية .
في مكتبتي الكثير مما يعكس تلك الايام .. ومن الطرفين وطبعا الطرفان لم يقصرا في الآتيان بما يخدم مصالحهما وتوجهاتهما وكان لكل طرف أنصار .وللاسف لايزال البعض ممن عاش تلك الفترة متشبث بمقولات تلك الايام والانكى من هذا كله انه مستعد لتكرارها ..مهما يكن من أمر فلكل رأيه .
ومن وجهة نظر متابع ومؤرخ فإن كتاب او كتيب "محنة الفكر في العراق " يعكس تلك الصراعات والكتيب من تأليف الاديبين العراقيين الاستاذ هلال ناجي والاستاذ محيي الدين اسماعيل ، وقدم للكتاب الاستاذ يوسف السباعي سكرتير المجلس الاعلى لرعاية الشباب في الجمهورية العربية المتحدة اي مصر وسوريا بعد الوحدة في 22 شباط 1958 والكتاب ضمن سلسلة :"كتب ثقافية "وصدر يوم الخميس 7 ابريل –نيسان سنة 1960 وكان يباع ب5 قروش فقط وهو الكتاب 43 ويقع في 104 صفحة .
يصف الاستاذ يوسف السباعي في تقديم الكتاب كيف ان :" رسالة الادب واهدافه تتحول من الانسانية والرحمة والعدل والدعوة الى التآخي والتآزر الى وحشية وقسوة وتمزيق للاواصر ودعوة سافرة الى سفك الدماء والتكيل بالمواطنين الاحرار على يد اولئك الذين جردوا انفسهم من أخص صفات الاديب "
لااريد ان انكأ الجراح فأتحدث عن ما فُعل بالموصل وكركوك من مجازر .. ولاأريد ان افضح من قال وماذا قال من دعوة الى القتل ؛ فلذلك مكانه في سجل التاريخ . لكن اقول ان الشعراء والادباء العراقيين انقسموا على انفسهم ؛ فمنهم من وقف الى جانب الشيوعيين ومنهم من وقف الى جانب القوميين ومن الذين وقفوا مع القوميين ويذكر الكتاب اسماءهم وماقالوا : نازك الملائكة وبدر شاكر السياب وهلال ناجي ومحيي الدين اسماعيل وشفيق الكمالي وشاذل طاقة ونعمان ماهر ومحمد جميل شلش وحازم سعيد وعبد القادر الناصري وعبد الحسن زلزلة وعدنان الراوي وعاتكة الخزرجي وغربي الحاج احمد وحافظ جميل وخالد الشواف وغيرهم .ومن الشعراء والادباء الذين وقفوا مع الشيوعيين محمد مهدي الجواهري وعبد الرزاق عبد الواحد وكاظم جواد واكرم الوتري واكرم فاضل ورشيد ياسين وعبد الملك نوري وطه العبيدي وباقر سماكة وذو النون ايوب وكاظم السماوي وصفاء الحيدري وحسين مردان وصلاح خالص ولميعة عباس عمارة وبلند الحيدري ويوسف العاني وعبد الكريم الدجيلي ووفية ابو اقلام ونهاد وفؤاد التكرلي وعلي جواد الطاهر وسعدي يوسف وغيرهم .وانتظمت الفئة الاولى في " جمعية الكتاب والمؤلفين العراقيين" في حين انتظمت الفئة الثانية في " إتحاد الادباء العراقيين" .. واجتهدت التكتلات الحزبية وحتى الانتهازية في الاستفادة من هذا الاصطفاف وعد الشعراء والادباء القوميين بين سنتي 1959-1936 "خونة ومتآمرين " واستمر الامر الى سنة 1963 لتنقلب الآية فيصبح الشعراء والادباء الشيوعيين " خونة ومتآمرين " " وتلك الايام نداولها بين الناس ".
تلك هي صفحة من تاريخ العراق الثقافي ، وهي مليئة بالشواهد والامثال لكن هل استقر الامر على هذا الوضع ؟ وهل بقيت الاصطفافات حادة ؟ اقول كلا ؛ فالسياب وجدناه بين الفئتين وكذلك وجدنا البياتي يشيد بعبد الناصر وانجازاته والجواهري شاعر العرب الاكبر لم يتردد في نصرة القضايا العربية وسعدي يوسف انتهى شاعر الكلمة الحرة الصادقة ولميعة عباس عمارة لاتألوا جهدا في كشف من هو العميل ومن هو الجاسوس ضد وطنه وعبد الرزاق عبد الواحد كان ولم يزل شاعر العراق الكبير .
وأنا اقول ان الشاعر والاديب ومهما تبدلت ردود فعله تجاه بعض القضايا فأنه يظل ذو رؤية متنورة وتقدمية ووطنية وانسانية ولايمكن ان تتجمد اللحظة ويتجمد الموقف الادبي مهما كلف الامر .. لكن المؤرخ لتاريخ العراق الثقافي - إذا ما كان موضوعيا - فسوف يؤرخ لماحدث بالضبط مع وجوب تأكيده على كل الركائز والاسس التي تجمع بين شعراء وادباء البلد وفي ذلك يقدم خدمة جلى ليس الى من يكتب عنهم بل للتاريخ وللتاريخ فقط .


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة

  عبد الستار ناصر وطقوس الكتابة -ابراهيم العلاف ولا اكتمكم سرا ، في أنني احب القاص والروائي العراقي الراحل عبدالستار ناصر 1947-2013 ، واقرأ ...