جني العمر :
********************
ذكريات من حياتي في مطلع الستينات من القرن العشرين
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
قبل انتقالنا من محلة رأس الكور إلى محلة شهر سوق سنة 1959 ، داومت في "المتوسطة الجمهورية للبنين "في باب سنجار لبضعة أشهر وكانت هذه المتوسطة قد فتحت حديثا وتداوم بشكل مزدوج مع المتوسطة الغربية ، والتي هدمت في وقت كتابة هذه السطور ،فبعد امتحانات نصف السنة دخل مدير المدرسة وللاسف لااعرف اسمه ، الصف الاول المتوسط الذي كنت أداوم فيه وقال من يريد أن ينتقل إلى مدرسة قريبة من بيته ؟ فقلت أنا حيث أن اقرب مدرسة متوسطة لنا كانت المتوسطة المركزية في محلة النبي شيت عليه السلام وهكذا تم النقل ولابد لي أن أقول بأن المدرس الوحيد في "المتوسطة الجمهورية " الذي ترك أثره في نفسي هو الأستاذ عبد الرزاق الشماع مدرس الجغرافية وقد تشرفت بالكتابة عنه في كتابي :" شخصيات موصلية " .
قضيت سنوات الدراسة المتوسطة في المتوسطة المركزية وتقع بنايتها وراء جامع النبي شيت (عليه السلام ) ، وكانت من أشهر المتوسطات في الموصل من حيث أساتذتها ومديرها وحتى سمت طلبتها .ولاازال اذكر المدير الأستاذ محمود عطار باشي والمدرسون : عزالدين السردار(الجبر ) وعبد الله ألنعيمي وعبد الجبار هبرايا وعبد الحميد التحافي(الرسم ) وعامر حمدي نادر(اللغة العربية ) وسالم أحمد الحمداني(التاريخ ) وغانم يونس (الهندسة ) . كما ان من المدرسين الذين لازلت اتذكرهم ودرسوني في المرحلة المتوسطة الاساتذة جاسم الحاج محمد ومحمد خليل وحازم سعيد ونذير حنون ومحمد أمين حياوي(الكيمياء ) وعبد المجيد التحافي وتيودور كريكور وعبد الستار المصري وعبد الحميد الحيالي الفنان التشكيلي ومؤيد حسين (اللغة الانكليزية ) وحكمت خيري وعبد الرزاق عنبر ومعاذ عمر النعمة . وكان من زملائي في الدراسة زكريا عبد الستار الحبال، وقيس صبري الوتار، ونبيل عبد الجبار، ونبيل إبراهيم ألجلبي، ومحمد شريف العناز .وأريد أن اذكر أن جماعة الإخوان المسلمين أرادوا اجتذابي للعمل معهم وكنت معجبا ببعض قياداتهم وأبرزهم الأستاذ غانم سعد الله حمودات والأستاذ عبد الحافظ سليمان ، لكني لم اشعر بالميل إليهم مع انني ذهبت معهم مرة أو مرتين الى مقهى خاص بهم في باب الجسر يسميها الناس "مقهى مصطفى الاعرج " ، واتجهت نحو حركة القوميين العرب وخاصة من ذوي الاتجاهات الناصرية وقد ازداد حبي لعبد الناصر وكنت ولاازال أعلق صورته في مسكني . كما تضم مكتبتي العديد من الكتب عنه وقد كتبتُ اكثر من مقال عنه وأشرفت على اطروحة دكتوراه قدمها تلميذي الدكتور محمد وليد في جامعة الموصل بعنوان : "التجربة الناصرية وتأثيرها في العراق 1952-1970 ". كما بكيت بحرارة عند وفاته في 28 ايلول 1970 وقبلها خرجت في مظاهرة في مدينتي الموصل تطالب بعودته عن استقالته الشهيرة اثر هزيمة حزيران سنة 1967 ، ومع هذا لم انتمِ رسميا إلى أية حركة سياسية منظمة خلال تلك المرحلة.
الإعدادية الشرقية :
وبعد نيلي الشهادة المتوسطة، دخلتٌ الإعدادية الشرقية . وكانت الموصل آنذاك، اقصد في مطلع الستينات من القرن الماضي ،تموج بالتيارات السياسية والفكرية، وقد بدأت - كمجايلي - في قراءة كتب الوجوديين وتأثرت بما كتبه جان بول سارتر والبير كامو وسيمون دي بوفوار وأخذت، وزملائي، نتحدث بالمقولات الوجودية من قبيل : "أن الإنسان هو المسؤول الأول عن أعماله ، " و "أن الإنسان يولد من دون سبب، ويعيش بدافع من الضعف،ويموت بالمصادفة " "وإذا كان شجاعا فأن عليه وضع حد لحياته " وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن احد زملائنا وهو الأستاذ حاجم سلطان ،وكان مثقفا ثقافة عالية،قد أقدم للأسف الشديد ،بعد فترة قصيرة من تخرجه من الجامعة وتعيينه مديرا لثانوية حمام العليل بالوكالة ،على الانتحار بإلقاء نفسه في نهر دجلة وهند تل يعرف في الموروث الموصلي ب"تل السبت " .وقد استمرت أفكار الفلسفة الوجودية بالانتشار ليس في الموصل والعراق وحسب ،وإنما في الوطن العربي وارتبط بذلك أننا كشباب أخذنا نطلق شعر رأسنا على هيئة شعر البيتلز (الخنافس ) وهم مجموعة من الشباب الانكليز الذين اشتهروا بأغان جماعية تميزهم كما صرنا نوسع بنطلوناتنا وعلى مودة عرفت في حينه ب (الشارلستون ) .كما اخذنا نقرأ اللامنتمي لكولن ولسن والغريب لكامو والوجود والعدم لسارتر والسأم لالبرتو مورافيا . وكنا قبل ذلك نتحاور بالأفكار الماركسية ونقرأ لكارل ماركس ولفلاديمير لينين ولجوزيف ستالين ولبليخانوف وخاصة كتابه حول النظرة الواحدية الى التاريخ . كما وجدت ضالتي في مجلة الثقافة الجديدة ذات الطابع اليساري والتي كانت تصدر في بغداد منذ سنة 1953 ، وتباع بثمن زهيد طريقها الينا .ومن بعد ذلك ،كما هو معروف، اصدر الاستاذ الدكتور صلاح خالص مجلة الثقافة . ومن نافلة القول انني فيما بعد كتبت عن مجلتي "الثقافة الجديدة " و" الثقافة " .وما كتبته متاح على النت وفي كتابي :"تاريخ العراق الثقافي " . وقد اولعنا بروايات تولستوي وبوشكين وديستوفسكي ،وفي حينه ،لم نجد أية غضاضة في أن نكون وجوديين وماركسيين في آن واحد ومما ساعد على ذلك اتساع حركة ترجمة الكتب الوجودية والماركسية الى اللغة العربية ومجيء مجلات مصرية إلى الموصل ذات اتجاه ماركسي وأخرى وجودي منها مجلة " الطليعة " ومجلة " الفكر المعاصر " ومجلة " الكاتب " . وكان عبد الناصر قد أمم الكثير من المشاريع وتوجه بالبلاد في مصر وبالجمهورية العربية المتحدة بعد اندماج مصر وسوريا في دولة الوحدة في شباط 1958 اتجاها اشتراكيا .
كان من المدرسين الذين أعجبتُ بهم ،وتأثرتُ بهم، وأنا طالب في الإعدادية الشرقية مطلع الستينات من القرن الماضي ،الأساتذة عمر محمد الطالب (الاقتصاد ) ، وهاشم سليم( الجغرافية )، وحازم عمر(اللغة الانكليزية ) ، وشاكر النعمة( اللغة العربية )، وعبد الله القليه جي(الجبر ) ، وغانم سعد الله حمودات(التربية الدينية ) ،وإدريس عبد المجيد الذنون (الجغرافية )، وحازم الحسو (اللغة الانكليزية ) ، وعبد السلام عبد الهادي(الفيزياء ) وعبد الله النعيمي (الجبروكان معلما منسبا ) ،وهاشم الطيار(الرياضيات ) ،وسعيد قاسم (العلوم )، ومحمد وجيه الشاكر (العلوم )،وعبد الستار احمد (التربية الرياضية ) ومحمود يونس –أبو ليلى (التربية الرياضية ) .وقد ظلت علاقتي مع العديد منهم مستمرة حتى انتقال بعضهم إلى الحياة الآخرة .
كنت في الإعدادية الشرقية من الطلاب المتميزين في الفرع الأدبي وقد كان ترتيبي الثاني على المدرسة وكان الأول على المدرسة طالب كنت أكثر تميزا منه أثناء الدوام وبشهادة بعض المدرسين ،هو هشام سالم قاسم أغا ومنذ تخرجنا لم أره ولم أسمع عنه شيئا .وقد سألت عنه الصديق الأستاذ اسعد الحمداني فقال انه سكن بغداد بعد تخرجه من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد . وهنا لابد لي أن أشير إلى أن من ابرز أصدقائي في الإعدادية هاشم شيت الذي أصبح ضابطا ومحمد منيب السراج الذي أصبح مهندسا زراعيا وموفق عبد المجيد الذي أصبح مدرسا للتربية الرياضية ومحمد يونس الخياط الذي عين مديرا لأوقاف دهوك فترة من الزمن ،وباسل علي السيد حاتم الذي اصبح مدرسا للغة الانكليزية وسافر منذ تخرجه الى ابها في المملكة العربية السعودية للعمل وشاكر محمود الذي تخرج مدرسا للغة الانكليزية . ومما اذكره في هذه المرحلة انني كنت التقي بعض اصدقائي في مسجد صغير يقع في محلة الثلاث بلاليع وقرب بيتي زميليي هاشم شيت وموفق عبد المجيد الطائي وفي حينه تأثرنا بمقيم المسجد السيد قاسم الحافظ وأحاديثه ومحاوراته الشيقة ، وهناك كنا نؤدي الصلوات ونتناقش في بعض الموضوعات الدينية واعتقد أننا استفدنا من التوجه الديني ذلك فاستقام سلوكنا وتسامينا بغرائزنا وأخذنا نقرأ واشتد عودنا ونحن لم نزل طلابا في الصف الرابع الإعدادي ومما قوى علاقتي بتلك المجموعة الطيبة من الأصدقاء أنهم كانوا جميعا منكبين على الدراسة وعاشقين للقراءة . كما ظهر التنافس العلمي الشريف بيننا .وكنا ندرس في حديقة الشهداء من الصباح حتى المساء كما كنا نتردد على المكتبة العامة المركزية ونذهب في العطلة إلى كازينو النهر وكازينو أشور ولم نهمل فيلما أجنبيا يعرض في دور السينما في الموصل إلا وشاهدناه ، وكان صديقي وزميلي صديق بكر توفيق آل أغوان (رحمه الله ) وقد أصبح أستاذا للغة الانكليزية في كلية آداب الموصل وقد توفي رحمه الله سنة 2014 وكان يعمل قبل وفاته في الدوحة بقطر ، ينصحنا أن لانقرأ ترجمة الفيلم وإنما نسمع الحوار حتى نتعلم اللغة الانكليزية ونتحدث بها بطلاقة . وكنا نتحاور ونتناقش في القضايا السياسية والفكرية .
نشاطي السياسي الناصري :
وفي هذه المرحلة والمرحلة التي تلتها ارتبطت بصداقة وثيقة مع أصدقاء زوج أختي وابن خالتي الأستاذ عبد الحافظ طه (أبو جمال ) ، وكان معلما في مدرسة الثورة وأصدقاءه مؤيد الشيخ حسين (أبو زغلول )، وفخري السيد علي (أبو ناصر ) وحازم (أبو أياد ) ومحمد عوني الصراف وقد اصبح ضابطا في الشرطة وهو عم الشاعر الموصلي الكبير الدكتور وليد الصراف ، وكان أبو زغلول ضابطا في الجيش . أما أبو ناصر فكان اسكافيا نجلس عنده في دكانه بشارع العدالة كما كنا نجلس في دكان أبو أياد وكان خياطا وراء بناية مصرف الرافدين بجوار خان حمو القدو ،ثم نذهب إلى المقاهي الصيفية في الجانب الايسر وخاصة في أشهر الصيف وخلال العطلة الصيفية . وقد اتفقنا على أن يكون لنا تنظيما سياسيا مستقلا بأسم (الشباب الناصري ) وقد كنا نكتب المنشورات ونستنسخها بأيدينا ونعلقها سرا في الليل على جدران الموصل وفيها دعوة للوحدة مع عبد الناصر ومقاومة الحكم ألعارفي الذي تردد في إقامة الوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة بين سنتي 1963 و1968 .وأود القول أن السنوات التي قضيتها في الإعدادية تميزت بأحداث خطيرة على مستوى العراق والوطن العربي، فلقد وقع الانفصال وانفرطت الوحدة بين مصر وسوريا في 28 أيلول 1961 وحدثت هزيمة حزيران 1967 وقتل المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس جمهورية العراق في حادث سقوط طائرته في إطراف البصرة سنة 1965 وتولى السلطة شقيقه اللواء عبد الرحمن محمد عارف عارف واستمر في الحكم حتى تموز 1968 وقد اتسم حكمه بالضعف وطغيان القوى السياسية المعارضة وتنظيمها المظاهرات المضادة وإصدارها الصحف والمنشورات والمذكرات السياسية المعارضة للحكم، وسرعان ما أصبح الجو السياسي في العراق مهيئا للتغيير وباسط ما يمكن من الإجراءات .
********************
ذكريات من حياتي في مطلع الستينات من القرن العشرين
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
قبل انتقالنا من محلة رأس الكور إلى محلة شهر سوق سنة 1959 ، داومت في "المتوسطة الجمهورية للبنين "في باب سنجار لبضعة أشهر وكانت هذه المتوسطة قد فتحت حديثا وتداوم بشكل مزدوج مع المتوسطة الغربية ، والتي هدمت في وقت كتابة هذه السطور ،فبعد امتحانات نصف السنة دخل مدير المدرسة وللاسف لااعرف اسمه ، الصف الاول المتوسط الذي كنت أداوم فيه وقال من يريد أن ينتقل إلى مدرسة قريبة من بيته ؟ فقلت أنا حيث أن اقرب مدرسة متوسطة لنا كانت المتوسطة المركزية في محلة النبي شيت عليه السلام وهكذا تم النقل ولابد لي أن أقول بأن المدرس الوحيد في "المتوسطة الجمهورية " الذي ترك أثره في نفسي هو الأستاذ عبد الرزاق الشماع مدرس الجغرافية وقد تشرفت بالكتابة عنه في كتابي :" شخصيات موصلية " .
قضيت سنوات الدراسة المتوسطة في المتوسطة المركزية وتقع بنايتها وراء جامع النبي شيت (عليه السلام ) ، وكانت من أشهر المتوسطات في الموصل من حيث أساتذتها ومديرها وحتى سمت طلبتها .ولاازال اذكر المدير الأستاذ محمود عطار باشي والمدرسون : عزالدين السردار(الجبر ) وعبد الله ألنعيمي وعبد الجبار هبرايا وعبد الحميد التحافي(الرسم ) وعامر حمدي نادر(اللغة العربية ) وسالم أحمد الحمداني(التاريخ ) وغانم يونس (الهندسة ) . كما ان من المدرسين الذين لازلت اتذكرهم ودرسوني في المرحلة المتوسطة الاساتذة جاسم الحاج محمد ومحمد خليل وحازم سعيد ونذير حنون ومحمد أمين حياوي(الكيمياء ) وعبد المجيد التحافي وتيودور كريكور وعبد الستار المصري وعبد الحميد الحيالي الفنان التشكيلي ومؤيد حسين (اللغة الانكليزية ) وحكمت خيري وعبد الرزاق عنبر ومعاذ عمر النعمة . وكان من زملائي في الدراسة زكريا عبد الستار الحبال، وقيس صبري الوتار، ونبيل عبد الجبار، ونبيل إبراهيم ألجلبي، ومحمد شريف العناز .وأريد أن اذكر أن جماعة الإخوان المسلمين أرادوا اجتذابي للعمل معهم وكنت معجبا ببعض قياداتهم وأبرزهم الأستاذ غانم سعد الله حمودات والأستاذ عبد الحافظ سليمان ، لكني لم اشعر بالميل إليهم مع انني ذهبت معهم مرة أو مرتين الى مقهى خاص بهم في باب الجسر يسميها الناس "مقهى مصطفى الاعرج " ، واتجهت نحو حركة القوميين العرب وخاصة من ذوي الاتجاهات الناصرية وقد ازداد حبي لعبد الناصر وكنت ولاازال أعلق صورته في مسكني . كما تضم مكتبتي العديد من الكتب عنه وقد كتبتُ اكثر من مقال عنه وأشرفت على اطروحة دكتوراه قدمها تلميذي الدكتور محمد وليد في جامعة الموصل بعنوان : "التجربة الناصرية وتأثيرها في العراق 1952-1970 ". كما بكيت بحرارة عند وفاته في 28 ايلول 1970 وقبلها خرجت في مظاهرة في مدينتي الموصل تطالب بعودته عن استقالته الشهيرة اثر هزيمة حزيران سنة 1967 ، ومع هذا لم انتمِ رسميا إلى أية حركة سياسية منظمة خلال تلك المرحلة.
الإعدادية الشرقية :
وبعد نيلي الشهادة المتوسطة، دخلتٌ الإعدادية الشرقية . وكانت الموصل آنذاك، اقصد في مطلع الستينات من القرن الماضي ،تموج بالتيارات السياسية والفكرية، وقد بدأت - كمجايلي - في قراءة كتب الوجوديين وتأثرت بما كتبه جان بول سارتر والبير كامو وسيمون دي بوفوار وأخذت، وزملائي، نتحدث بالمقولات الوجودية من قبيل : "أن الإنسان هو المسؤول الأول عن أعماله ، " و "أن الإنسان يولد من دون سبب، ويعيش بدافع من الضعف،ويموت بالمصادفة " "وإذا كان شجاعا فأن عليه وضع حد لحياته " وقد يكون من المناسب الإشارة إلى أن احد زملائنا وهو الأستاذ حاجم سلطان ،وكان مثقفا ثقافة عالية،قد أقدم للأسف الشديد ،بعد فترة قصيرة من تخرجه من الجامعة وتعيينه مديرا لثانوية حمام العليل بالوكالة ،على الانتحار بإلقاء نفسه في نهر دجلة وهند تل يعرف في الموروث الموصلي ب"تل السبت " .وقد استمرت أفكار الفلسفة الوجودية بالانتشار ليس في الموصل والعراق وحسب ،وإنما في الوطن العربي وارتبط بذلك أننا كشباب أخذنا نطلق شعر رأسنا على هيئة شعر البيتلز (الخنافس ) وهم مجموعة من الشباب الانكليز الذين اشتهروا بأغان جماعية تميزهم كما صرنا نوسع بنطلوناتنا وعلى مودة عرفت في حينه ب (الشارلستون ) .كما اخذنا نقرأ اللامنتمي لكولن ولسن والغريب لكامو والوجود والعدم لسارتر والسأم لالبرتو مورافيا . وكنا قبل ذلك نتحاور بالأفكار الماركسية ونقرأ لكارل ماركس ولفلاديمير لينين ولجوزيف ستالين ولبليخانوف وخاصة كتابه حول النظرة الواحدية الى التاريخ . كما وجدت ضالتي في مجلة الثقافة الجديدة ذات الطابع اليساري والتي كانت تصدر في بغداد منذ سنة 1953 ، وتباع بثمن زهيد طريقها الينا .ومن بعد ذلك ،كما هو معروف، اصدر الاستاذ الدكتور صلاح خالص مجلة الثقافة . ومن نافلة القول انني فيما بعد كتبت عن مجلتي "الثقافة الجديدة " و" الثقافة " .وما كتبته متاح على النت وفي كتابي :"تاريخ العراق الثقافي " . وقد اولعنا بروايات تولستوي وبوشكين وديستوفسكي ،وفي حينه ،لم نجد أية غضاضة في أن نكون وجوديين وماركسيين في آن واحد ومما ساعد على ذلك اتساع حركة ترجمة الكتب الوجودية والماركسية الى اللغة العربية ومجيء مجلات مصرية إلى الموصل ذات اتجاه ماركسي وأخرى وجودي منها مجلة " الطليعة " ومجلة " الفكر المعاصر " ومجلة " الكاتب " . وكان عبد الناصر قد أمم الكثير من المشاريع وتوجه بالبلاد في مصر وبالجمهورية العربية المتحدة بعد اندماج مصر وسوريا في دولة الوحدة في شباط 1958 اتجاها اشتراكيا .
كان من المدرسين الذين أعجبتُ بهم ،وتأثرتُ بهم، وأنا طالب في الإعدادية الشرقية مطلع الستينات من القرن الماضي ،الأساتذة عمر محمد الطالب (الاقتصاد ) ، وهاشم سليم( الجغرافية )، وحازم عمر(اللغة الانكليزية ) ، وشاكر النعمة( اللغة العربية )، وعبد الله القليه جي(الجبر ) ، وغانم سعد الله حمودات(التربية الدينية ) ،وإدريس عبد المجيد الذنون (الجغرافية )، وحازم الحسو (اللغة الانكليزية ) ، وعبد السلام عبد الهادي(الفيزياء ) وعبد الله النعيمي (الجبروكان معلما منسبا ) ،وهاشم الطيار(الرياضيات ) ،وسعيد قاسم (العلوم )، ومحمد وجيه الشاكر (العلوم )،وعبد الستار احمد (التربية الرياضية ) ومحمود يونس –أبو ليلى (التربية الرياضية ) .وقد ظلت علاقتي مع العديد منهم مستمرة حتى انتقال بعضهم إلى الحياة الآخرة .
كنت في الإعدادية الشرقية من الطلاب المتميزين في الفرع الأدبي وقد كان ترتيبي الثاني على المدرسة وكان الأول على المدرسة طالب كنت أكثر تميزا منه أثناء الدوام وبشهادة بعض المدرسين ،هو هشام سالم قاسم أغا ومنذ تخرجنا لم أره ولم أسمع عنه شيئا .وقد سألت عنه الصديق الأستاذ اسعد الحمداني فقال انه سكن بغداد بعد تخرجه من كلية الإدارة والاقتصاد بجامعة بغداد . وهنا لابد لي أن أشير إلى أن من ابرز أصدقائي في الإعدادية هاشم شيت الذي أصبح ضابطا ومحمد منيب السراج الذي أصبح مهندسا زراعيا وموفق عبد المجيد الذي أصبح مدرسا للتربية الرياضية ومحمد يونس الخياط الذي عين مديرا لأوقاف دهوك فترة من الزمن ،وباسل علي السيد حاتم الذي اصبح مدرسا للغة الانكليزية وسافر منذ تخرجه الى ابها في المملكة العربية السعودية للعمل وشاكر محمود الذي تخرج مدرسا للغة الانكليزية . ومما اذكره في هذه المرحلة انني كنت التقي بعض اصدقائي في مسجد صغير يقع في محلة الثلاث بلاليع وقرب بيتي زميليي هاشم شيت وموفق عبد المجيد الطائي وفي حينه تأثرنا بمقيم المسجد السيد قاسم الحافظ وأحاديثه ومحاوراته الشيقة ، وهناك كنا نؤدي الصلوات ونتناقش في بعض الموضوعات الدينية واعتقد أننا استفدنا من التوجه الديني ذلك فاستقام سلوكنا وتسامينا بغرائزنا وأخذنا نقرأ واشتد عودنا ونحن لم نزل طلابا في الصف الرابع الإعدادي ومما قوى علاقتي بتلك المجموعة الطيبة من الأصدقاء أنهم كانوا جميعا منكبين على الدراسة وعاشقين للقراءة . كما ظهر التنافس العلمي الشريف بيننا .وكنا ندرس في حديقة الشهداء من الصباح حتى المساء كما كنا نتردد على المكتبة العامة المركزية ونذهب في العطلة إلى كازينو النهر وكازينو أشور ولم نهمل فيلما أجنبيا يعرض في دور السينما في الموصل إلا وشاهدناه ، وكان صديقي وزميلي صديق بكر توفيق آل أغوان (رحمه الله ) وقد أصبح أستاذا للغة الانكليزية في كلية آداب الموصل وقد توفي رحمه الله سنة 2014 وكان يعمل قبل وفاته في الدوحة بقطر ، ينصحنا أن لانقرأ ترجمة الفيلم وإنما نسمع الحوار حتى نتعلم اللغة الانكليزية ونتحدث بها بطلاقة . وكنا نتحاور ونتناقش في القضايا السياسية والفكرية .
نشاطي السياسي الناصري :
وفي هذه المرحلة والمرحلة التي تلتها ارتبطت بصداقة وثيقة مع أصدقاء زوج أختي وابن خالتي الأستاذ عبد الحافظ طه (أبو جمال ) ، وكان معلما في مدرسة الثورة وأصدقاءه مؤيد الشيخ حسين (أبو زغلول )، وفخري السيد علي (أبو ناصر ) وحازم (أبو أياد ) ومحمد عوني الصراف وقد اصبح ضابطا في الشرطة وهو عم الشاعر الموصلي الكبير الدكتور وليد الصراف ، وكان أبو زغلول ضابطا في الجيش . أما أبو ناصر فكان اسكافيا نجلس عنده في دكانه بشارع العدالة كما كنا نجلس في دكان أبو أياد وكان خياطا وراء بناية مصرف الرافدين بجوار خان حمو القدو ،ثم نذهب إلى المقاهي الصيفية في الجانب الايسر وخاصة في أشهر الصيف وخلال العطلة الصيفية . وقد اتفقنا على أن يكون لنا تنظيما سياسيا مستقلا بأسم (الشباب الناصري ) وقد كنا نكتب المنشورات ونستنسخها بأيدينا ونعلقها سرا في الليل على جدران الموصل وفيها دعوة للوحدة مع عبد الناصر ومقاومة الحكم ألعارفي الذي تردد في إقامة الوحدة بين العراق والجمهورية العربية المتحدة بين سنتي 1963 و1968 .وأود القول أن السنوات التي قضيتها في الإعدادية تميزت بأحداث خطيرة على مستوى العراق والوطن العربي، فلقد وقع الانفصال وانفرطت الوحدة بين مصر وسوريا في 28 أيلول 1961 وحدثت هزيمة حزيران 1967 وقتل المشير الركن عبد السلام محمد عارف رئيس جمهورية العراق في حادث سقوط طائرته في إطراف البصرة سنة 1965 وتولى السلطة شقيقه اللواء عبد الرحمن محمد عارف عارف واستمر في الحكم حتى تموز 1968 وقد اتسم حكمه بالضعف وطغيان القوى السياسية المعارضة وتنظيمها المظاهرات المضادة وإصدارها الصحف والمنشورات والمذكرات السياسية المعارضة للحكم، وسرعان ما أصبح الجو السياسي في العراق مهيئا للتغيير وباسط ما يمكن من الإجراءات .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق