مالم يدونه المؤرخون العراقيون المعاصرون !
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
في تاريخ أي بلد ، وفي ذاكرته التاريخية روايات تُحكى لكنها لاتؤخذ مأخذ الجد بمعنى لا يعول عليها في تثبيت حقائق تاريخية محددة... وقد يعرفها القلة من المؤرخين ، لكن الكثيرين من الناس يجهلونها، لابل يجهلون من قالها أو من كان وراءها أو لماذا قيلت ولأي سبب.
•الشريف حسين شريف مكة وقائد الثورة العربية الكبرى 1916 ضد العثمانيين بدعم الانكليز، والذي خانه الانكليز واسقطوا مملكته( مملكة الحجاز ) والتي تشكلت بعد الحرب العالمية الاولى..ونفوه الى قبرص فمات كمدا وحزنا .. كان يقف أمام صور ولديه فيصل الاول الذي رضي بعرش العراق وعبد الله الذي رضي بعرش الاردن ويبصق عليهما ويقول انهما خائنين .حدثني بذلك استاذي الدكتور فاضل حسين رحمة الله عليه .•عبد الرحمن النقيب أول رئيس للوزراء في العراق بعد الاحتلال البريطاني ونشوب ثورة 1920 الكبرى كان يميل الى الاتراك العثمانيين ، وقد كان يردد لخاصته قولا مفاده:"كل يوم أكول اليوم باجر يبينون" بمعنى انه كان يحلم بعودة العثمانيين مع انه وضع يده بيد المحتلين الانكليز ووافق على ان يترأس أول مجلس للوزراء.
•بعد ان عقدت معاهدة 1922 فوجئ السيد عبد الرحمن النقيب رئيس الوزراء بجمهور من الغاضبين على باب داره فقال لهم ماذا تريدون ؟ قالوا اننا نحتج على المعاهدة فرد عليهم وبإسم من تتكلمون ؟ قالوا بإسم البلاد فرد عليهم :"بابا روحوا أنا صاحب البلاد " ، فإنسحبوا خجلين احتراما لشيبته .
•محمد جعفر أبو التمن رئيس الحزب الوطني رفض ان يرافق الوفد الذي ذهب الى القاهرة لمقابلة الامير فيصل واعلامه برغبة العراقيين في ان يكون ملكا عليهم قائلا لهم :"ارجو ان تعفوني من أن أكون من زفافة هذا العرس ! " .
•الملك فيصل الاول ملك العراق الاسبق 1921-1933 ومؤسس الدولة العراقية الحديثة كان يزور ياسين الهاشمي زعيم المعارضة العراقية ليلا في بيته متخفيا ويحثه على رفع سقف المطالب حتى يكسب من الانكليز أقصى ما يريده ، ويهدد بوجود معارضة قوية في البلاد .
•عبد المحسن السعدون رئيس وزراء العراق الذي انتحر سنة 1929 بسبب اتهامات النواب له بالتقصير في طلب الاستقلال من الانكليز كان يعاني من تصرفات زوجته التركية واستنكافها من اهله وقيل انها قامت بتكسير الصحون التي تناول فيها اقرباءه طعامهم في بيته فإحتدم النقاش بينه وبينها وصعد الى غرفته وافرغ رصاصات مسدسه في رأسه وانتحر .
•ساسون حسقيل اول وزير للمالية في العراق الملكي وواضع أسس النظام المالي في العراق له قصة في مجلس الوزراء وملخصها ان السيد طالب النقيب وزير الداخلية في أول وزارة عراقية طالب ان يكون راتبه أعلى من راتب الوزراء بحكم انه مسؤول عن الامن فعرض رئيس الوزراء السيد عبد الرحمن النقيب الامر على مجلس الوزراء واحدا واحدا لاخذ موافقتهم فردد كل واحد منهم عندما جاءه الدور للجواب : (موافق ) إلا ساسون حسقيل الذي حدجه السيد طالب النقيب بنظرة قاسية في حينها فما كان منه إلا ان قال : (منافق ) !! .
•نوري السعيد انزعج من علاقات الملك غازي 1933-1939 بإبنة ياسين الهاشمي واحتمال ان يقوم بخطبتها فخطط لمنع ذلك والحيلولة دون ذلك وقال قولته الشهيرة :" أجمالة ياسين يصير عم الملك ! " .
•الملك غازي ملك العراق الاسبق 1933-1939 هو من إجتمع بالضباط وبالفريق بكر صدقي قائد انقلاب 1936 وحرضهم على الانقلاب على حكومة ياسين الهاشمي التي قيدت تصرفاته بموجب قانون الاسرة المالكة بعد هروب اخته الاميرة عزة مع خادم يوناني في فندق بجزيرة رودس واقترنت به في اثينا 1936 واتخذت اسم ( انستاسيا ) .
•ان الشريف شرف بن الشريف راجح بن فواز بن ناصر بن فواز بن عون الذي اختير ليكون وصيا على فيصل الثاني بدلا من العراق ابان ثورة مايس 1941 لم يقبل أول الامر ، واجبر على تولي الوصاية ودفع ثمنا لذلك بعد فشل الثورة اذ اهين وسجن اربع سنوات وطرد بعد ذلك الى الاردن .
•نوري السعيد رئيس وزراء العراق المزمن والذي شكل خلال العهد الملكي 1921-1958 (14 ) وزارة اختلى ببعض الضباط الاحرار الذين سمع انهم يخططون لاسقاط النظام الملكي وقال لهم دوني أظل غطاء (سبتتنك ) على العراق ، واذا ما نجحتم في خططكم ، فإن الروائح الكريهة ستفوح وانكم سوف تقتلون بعضكم البعض .
•نوري السعيد الذي قلنا عنه انه رئيس وزراء العراق المزمن الذي شكل 14 وزارة كان وراء الكثير من الوزراء يديرها من وراء ستار حتى وان لم يكن هو نفسه رئيسا للوزراء وكان يختار الوزراء من ابناء الاغنياء والاسر الثرية وقد اجاب على من سأله عن السبب فقال مشبها الامر بإستكان (قدح ) الشاي والطبق تحته فإذا كان الاستكان مملوء فإن ما يفيض سيكون في الطبق نفسه في حين ان ابن الفقير سيحتاج مدة طويلة حتى يملأ قدحه !
•كان في نيه الامير عبد الاله ولي العهد ونوري السعيد رئيس الوزراء المزمن وهدفهما الحقيقي غير المعلن من ارسال جيش الى الاردن قبيل ثورة 14 تموز 1958 هو ان يتحرك الى سوريا عبر الاردن للقضاء على الوحدة مع مصر وسحق الثورة في لبنان 1958 لكن اللواء 19 واللواء ال20 اللذين كان من المقرر ان يذهبا الى الاردن هما من نفذا الثورة واسقطا الحكم الملكي الهاشمي وقتل عبد الاله ونوري السعيد واقامة النظام الجمهوري .
•عبد الكريم قاسم رئيس وزراء العراق والقائد العام للقوات المسلحة العراقية 1958-1963 لم يكن في باله ان يعدم الشهيد الزعيم الركن ناظم الطبقجلي ورفاقه بتهمة الاشتراك في حركة الشواف في الموصل لكن ( اذاعة صوت العرب) المصرية تحدته ولاكثر من مرة ان يفعل ذلك الامر الذي جعله يغضب ويقرر المصادقة على احكام الاعدام والله اعلم .
•العقيد الركن عبد السلام محمد عارف الرئيس العراقي الاسبق 1963-1966 واحد قادة ثورة 14 تموز 1958 لم يكن في الستينات جادا في تحقيق الوحدة مع الجمهورية العربية المتحدة وقد غمز من قناة عبد الناصر أكثر من مرة واجاب من هتف للقائد الاسمر جمال عبد الناصر :" ليش مو نحن سمر " . وقد لمست ذلك بنفسي عندما كنتُ طالبا في كلية التربية –جامعة بغداد 1964 -1968 وزارنا الرئيس عبد السلام محمد عارف ، والقى محاضرة في قاعة الكلية ، وضمن نشاط الكلية الاسبوعي .
•العقيد الركن عبد السلام محمد عارف الرئيس العراقي الاسبق 1963-1966 واحد قادة ثورة 14 تموز 1958 كان يخطب مرة فأزعجه أحد الجنود بكثرة هتافاته ومقطعته فالتقط حجرا من الارض وضرب بها الجندي قائلا له :"ما تخلينا ناكل خرا " .
•الفريق طاهر يحيى رئيس وزراء العراق الاسبق في العهد الجمهوري سمع ان السيد محسن الحكيم المرجع الاعلي زعلان عليه فزاره وجلسا معا فقال :" سمعنا مولانا انك زعلان علينا".. قال نعم عبد القدر "يتعين " وعبد الزهرة "ما يتعين " فضحك طاهر يحيى ، وقال وكيف الامر اذا كان التعيين بيد عبد الزهرة .قال السيد محسن الحكيم كيف ؟ أجاب طاهر يحيى ان الدكتور محمد حسين ال ياسين هو رئيس مجلس الخدمة وهو المسؤول عن تعيينات العراق كلها عندئذ قال السيد محسن الحكيم لعنة الله على المنافقين الكذابين الذين نقلوا لي الخبر خطأ .
•روى يونس بحري الرحالة والمذيع والصحفي المشهور وكان معتقلا في بغداد بعد ثورة 14 تموز 1958 ان العقيد طه الشيخ احمد زار المعتقل الذي يضم عددا من رجال النظام الملكي ومنهم توفيق السويدي وسأله عن رأيه في ثورة 14 تموز .اجاب السويدي :"انني معتقل الان وقد تقاعدت عن السياسة " فرد العقيد طه الشيخ احمد انك تتهرب من الاجابة فقال السويدي هل تقصد ثورة 14 تموز الفرنسية وسقوط الباستيل ؟ فإستشاط العقيد طه الشيخ احمد غضبا وقال اعني ثورة 14 تموز العراقية .. عندئذ اجاب السويدي وما قيمة رأينا نحن المعتقلين ؟ .
•حدثني المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ عبد الرزاق الحسني عن انه كان يروم تأليف كتاب عن تاريخ الاحزاب السياسية في العراق فعلم الدكتور فاضل البراك مدير المخابرات العامة بذلك فقال له وهل ستكتب عن حزب البعث ؟ فرد الحسني انه سيقتصر على الاحزاب في العهد الملكي فقط .. كما انه لايمتلك مصادر عن تاريخ مابعد سقوط النظام الملكي فقال البراك سأرسل اليك المصادر وفي اليوم التالي جاءت سيارة تحمل كارتونات من المصادر وفتش الحسني بينها فعثر على كراس صغير يتحدث عن تاريخ حزب البعث العربي الاشتراكي فنقله بالكامل وضمنه كتابه عن تاريخ الاحزاب العراقية ولم تكن له يد في كتابة أي شيء عن تاريخ الحزب .
•تحدث عدد من الكتاب والمؤرخين عن مقتل نوري السعيد رئيس وزراء العراق المزمن يوم 15 تموز 1958 ولم يرجح احدهم انه انتحر بمدسه الشخصي وقد حدث هذا بالضبط
وهذا ماقاله توفيق السويدي في مذكراته ونقله مير بصري في كتابه :"أعلام السياسة في العراق المعاصر " ويعلق مير بصري على ذلك يقول ان نوري السعيد قال مرة لمجلة "تايم " الاميركية يوم 17 حزيران 1957 انه تعلم من ضابط الماني اسمه فون لوسو كان يدرب الجيش العثماني عندما كان نوري السعيد ضابطا صغيرا انه تعلم ان يكون واقعيا وان يستخدم عقله ونشاطه للافادة مما تحت يده ولو ان البلدة التي يحميها ستسقط بعد نصف ساعة فيحاكم ويرمى بالرصاص واضاف انه ليس مثاليا ولايؤمن بالمبدأ المثالي بل هو مستعد لان يستخدم من الوسائل التي بيده ولاينتظر ان يكون كل شيء على مايرام فتضيع الفرصة .
•كان هناك تعاون بين جبهة الاتحاد الوطني التي تأسست سنة 1957 وتنظيم الضباط الاحرار قبل تفجير ثورة 14 تموز 1958 من خلال عدد من الضباط ذوي الصلة بالحزب الشيوعي وحزب البعث وحزب الاستقلال والحزب الوطني الدمقراطي وكثيرا ما قدمت هذه الاحزاب الاستشارات لتنظيم الضباط الاحرار في قضايا كثيرة ومنها على سبيل المثال مصير العائلة المالكة والعلاقات مع الغرب والنفط وماشاكل .
•ظهرت تفسيرات لاسباب اهتمام نظام الرئيس السابق صدام حسينبالنظام الملكي وتشجيعه على تأليف الكتب حول الاسرة المالكة العراقية ، والاهتمام بالمقبرة الملكية وتعميرها واعادة الاعتبار لملوك العراق بالرغبة في الغاء النظام الجمهوري واستبداله بنظام ملكي .لكن ثمة سبب آخر لذلك وهو ان ماجرى كان تكريما للملك حسين ملك الاردن في مواقفه الداعمة للعراق خلال الحرب العراقية –الايرانية .
•لم يكن للمعارضة التي تشكلت خارج العراق أي تأثير وكانت ضعيفة ومهلهة ولاقيمة لها داخل العراق وكانت منقسمة على نفسها وقد اتاحت جريدة (بابل ) البغدادية للناس داخل العراق الاطلاع على كل ما كانت تفعله قوى المعارضة المعتمدة على الغرب والولايات المتحدة الاميركية من نشاطات او تعقده من مؤتمرات وتقدمه من دراسات من خلال باب ينشر في (بابل ) بعنوان :"على ذمة الوكالات الاجنبية " وحرفيا وبدون أي تدخل .
•واخيرا فإن مما لم يتناوله الكثيرون في كتاباتهم لكن الناس تتداوله سرا وعلنا أن المزاج الشعبي والفطري العام في العراق هو ضد الغرب وضد مؤامراته وضد تدخلاته وضد مؤسساته التي يحاول ان يزينها بالكثير من الاغطية. ويظل العراق في قرارة نفسه كارها لكل من آذاه ونكل به وظلمه واستحوذ على خيراته مهما بعد الزمن .. وليس لذلك علاقة بحزب معين أو تيار محدد بل ان العراقي يعتز بنفسه وببلده ولايقبل الانحناء لاي سبب كان الا لله رب العالمين وتلك سيكلوجية عريقة الجذور فالعراقيون يعرفون انهم مركز التوحيد في العالم وانهم ورثة إبراهيم ابو الانبياء عليهم السلام .
*مقال منشور في مجلة (الكاردينيا )الالكترونية
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق