جامع الشيخ الخرازي في حي الاندلس في الموصل

جامع الشيخ الخرازي في حي الاندلس في الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ متمرس – جامعة الموصل

في العدد الصادر يوم 21 من شباط سنة 2006 نشرت مقالة في جريدة ( فتى العراق ) الموصلية وكنت مستشارا للتحرير فيها 2003-2010 ، وبتوقيع مستعار وهو (موصلي قديم ) مقالة بعنوان ( جامع الشيخ ابو سعيد احمد بن عيسى الخرازي ) .

والمسجد هذا او الجامع وفيه مرقد الشيخ ابو سعيد احمد بن عيسى الخرازي وهناك من يقول انه الخراز ( والخراز من الخرزة ) ، كان قريبا لداري الذي كنت اسكن فيه وهو تابع لجامعة الموصل وقد دمر المسجد والمرقد من قبل عناصر داعش خلال سيطرتهم على الموصل 2014- 2017 بحجة وجود قبر فيه وانه من مراكز الصوفية .

جاء في كتاب المؤرخ الموصلي أحمد بن الخياط المتوفى 1768 ميلادية والموسوم ( ترجمة الاولياء في الموصل الحدباء ) الذي طبع بمطبعة الجمهورية بالموصل سنة 1966 بعد ان حققه ونشره شيخنا الاستاذ سعيد الديوه جي ان الشيخ الخرازي هو " من كبار الاولياء المتقدمين ،مشهده الشريف رضي الله عنه خارج بلدة (مدينة الموصل مقابلها في الجانب الشرقي على مقدار ميل ) وطبعا كان هذا في القرن 18 الميلادي . والجامع الان بني قبل سنوات وابتدأ بمصلى صغير يقع على ربة (مرتفع) عالية في حي الاندلس الملاصق لمباني جامعة الموصل في منطقة قرية القاضية (الكاضية ) .رحمه الله

وقال المؤرخ الخياط ان على القبر قبر الشيخ الخرازي كان مكتوبا بالخط القديم اللطيف :" هذا قبر الشيخ احمد ين عيسى الخرازي نسيب عمر بن الخطاب ) رضي الله عنه وقد ذكر ذلك صاحب كتاب (منهل الاولياء ومشرب الاصفياء من سادات الموصل الحدباء ) المؤرخ الموصلي محمد امين العمري .

والظاهر ان كلمة منسوب الى الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه تعني اما بتزوجه احدى العمريات اي واحدة من الاسرة العمرية او ان تكون أُمع عمرية رضوان الله تعالى عليهم اجمعين .

كانت وفاة الشيخ الخرازي سنة 279 هجرية -893 ميلادية (القرن التاسع الميلادي) وقد صحب ( السرقسطي ) و(بشر الحافي ) و(ذو النون المصري ) وغيرهم من الائمة الامجاد والسادة والزهاد والعباد وهو من كبارهم رضوان الله تعالى عليهم أجمعين .

وقد قيل انه اول من تكلم بموضوع (الفناء بالذات الالهية ) والبقاء ومن كلامه ( العارف يستعين بكل شيء ،فاذا وصل استغنى بالله تعالى ،وارتفعت همته عن الوقوف الى ماسواه وافتقر الناس اليه " ... وكان يقول ( مثل الناس في الصفات ،كمثل ماء واقف ظاهره صافٍ ،فاذا حركته ظهر ما تحته ،وتلك النفس تظهر مرتبتها عند المحن والفاقة ،ومن لم يعرف ما طوى فيه من الصفات في نفسه ، كيف يدعي معرفة ربه ؟

ومن اقواله :" العارفون خزائن الله تعالى ، اودع فيها علوما غريبة واخبارا عجيبة يتكلمون فيها بلسان الابدية ويخبرون عنها بعبارة الأزلية " .

وكان يقول ان في قول رب العزة والجلال ( لعلمه الذين يستنبطونه منهم ) والمستنبط هو الذي يلاحظ الغيب ابدا ،ولا يغيب عنه شيء " .

وكان يقول في قوله تعالى ( ان في ذلك لآيات المتوسمين ) والمتوسم هو الذي يعرف الوسم وهو العارف بما في سويداء القلوب الاستدلال والعلامات فيميز اولياء الله تعالى من اعدائه وكان يقول :" اذا اراد الله تعالى ان يوالي عبدا من عبيده ،فتح عليه باب ذكره ،فاذا استلذ بذكر الله تعالى ،فتح عليه باب القرب منه ثم رفعه الى مجلس الانس ،ثم اجلسه على كرسي التوحيد ثم رفع عنه الحجب وادخله دار الفردانية وكشف له عن الجلال والعظمة فاذا وقع بصره على الجلال بلا هو فحينئذ صار العبد فانيا فوقع في حفظه وبريء من دعاوي نفسه " .

وكان يقول اول مقام لمن يجيد علم التوحيد ويتحقق فيه فناء ذكر الاشياء عن قلبه وانفراده بالله وحده .

وكان يقول :" ابعد الناس من الله سبحانه وتعالى من يدعي المعرفة " . وكان يقول :" لاتصف عبدا بالشرف حتى تصير الاذكار ديدنه ، والتراب فراشه " ..وقد سأله احد تلاميذه عن سبب معاداة الفقراء لبعضهم كما نقول نحن في الموصل ( فقير ما يحب فقير ) اجاب :" انما قدر الله تعالى ذلك عليهم غيرة منه عليهم ان يسكن بعضهم الى بعض ،ولكن اذا وقع لهم كمال السير ذهبت البغضاء ،لان الكامل لايرى هناك من يرسل غضبه عليه من الخلق " .

وكان يقول ايضا ان اول علامات التوحيد خروج العبد عن كل شيء ورد الاشياء قائما بها متمسكا فيها ثم يخفيهم عن انفسهم في انفسهم ويظهرهم لنفسه "

لقد كان الشيخ الخرازي – بحق – حكيما وعالما زاهدا وذو فلسفة واضحة وصادقة ازاء الحياة والناس والمجتمع لذلك احاط به الناس ورفعوا له ذكره وبنوا لهم مرقدا .

مسجد الشيخ الخرازي اليوم وقد اعيد تعميره يعتبر من المساجد الجميلة وكما قلت آنفا فان الشيخ أبي سعيد أحمد بن عيسى الخرّازي ، أحد أبرز أعلام التصوف في القرن الثالث الهجري – القرن التاسع الميلادي . وصفه أبو عبد الرحمن السلمي بأنه ( من أئمة القوم وجلة مشايخهم) وقال عنه أيضًا ( إمام القوم في كل فن من علومهم، له في مبادئ ، أمره عجائب ، وكرامات مشهورة ظهرت بركته عليه وعلى من صحبه وهو أحسن القوم كلامًا خلا الجنيد فإنه الإمام) ، وقال عنه المرتعش: ( الخلق كلهم عيال على أبي سعيد الخراز إذا تكلم هو في شئ من الحقائق»، وقال عنه ابن الطرسوسي ( أبو سعيد الخراز قمر الصوفية ) .

اخيرا اقول ان مرقده ومسجده في حي الاندلس في الموصل هو من الاماكن التي يقصدها المؤمنون والعباد واتذكر في السبعينات من القرن الماضي كيف انه كان مكانا لبعض الدروس وحلقات الذكر والمحاضرات التي يلقيها عدد من الشيوخ ولا اريد ان اذكر اسماؤهم فهم كثر واذكر منهم الدكتور حازم عبد الله خضر والدكتور ادريس الحاج داؤد ، والشيح نافع عبد الله ، والشيخ صلاح الدين عزيز مجيد ، وكثيرا ما عُمّر المسجد وقد عمر وجدد سنة 2013 وعزل المرقد عن المسجد في غرفة خاصة . وللأسف لم تتيسر لي فرصة زيارته والصلاة فيه منذ سنوات لكني اعرف انه عمر وأُعيدت الصلاة فيه .

*https://www.facebook.com/photo/?fbid=10227181908430514&set=a.166170001932