تزحيف الطلبة في عهد الزعيم عبد الكريم قاسم*
- ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
كثيرون من جيلي ، ومن الجيل الذي جاء بعدي يتحدثون عن حادثة وقعت في عهد حكم الزعيم عبد الكريم قاسم رئيس الوزراء والقائد العام للقوات المسلحة 1958-1963 ، ويقولون انها هي من كانت وراء تدني مستوى التعليم الرسمي الحديث في العراق .
وقد سألني احد الاخوان مرة عن هذه الحادثة ؛ فقلت له انها حادثة مشهورة موجودة في (مدونات تاريخ العراق المعاصر ) ، وفي سجلات تاريخه وخاصة سجلات التربية والتعليم بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي وتأسيس (الجمهورية العراقية ).
وتبدأ القصة قصة ( زحف الطلاب في العراق ) والاصح ان نقول زحف الطلبة في العراق لانها شملت البنين والبنات من ان العديد من الطلبة الراسبين والمفصولين في السنة الدراسية 1957-1958 وهي السنة التي وقعت فيها احداث الثورة وما قبلها من انتفاضات طلابية وشعبية ، كانت نتائجها تختم بفصل الطلاب وتسويقهم للخدمة العسكرية ، قد تقدموا بطللبات استرحام الى (وزارة التربية والتعليم ) للنظر في موضوعهم ومعالجة وضعهم وكيف ان ظروفهم الصعبة هي من كانت وراء رسوبهم ونشرت الصحف هذه الطلبات ومنها جريدة (الجمهورية ) في عدد 24 اب و5 ايلول 1958 ، كما جاء ذلك في الجزء الاول من موسوعة (تاريخ الوزارات العراقية في العهد الجمهوري ) تحرير عدد من المؤرخين العراقيين منهم الدكتور جعفر عباس حميدي والدكتور نوري عبد الحميد والدكتور علاء جاسم محمد الحربي ، والذي صدر عن بيت الحكمة ببغداد وبأكثر من طبعة .
النقطة المهمة ان الزعيم عبد الكريم قاسم ، اطلع على ما كان ينشر في الصحف . ويقينا انه تألم لوضعهم ، واحس بشعورهم هذا فضلا عن انه شعر بضرورة كسبهم الى جانب الثورة وجانبه في تلك الايام المبكرة فأصدر توجيهاته لايجاد حلول للموضوع ، وفي الرابع من ايلول 1958 قررت وزارة التربية والتعليم وهكذا صارت تسمى وزارة المعارف امتحان الطلبة الراسبين وفي 2 من اب 1958 قرر عمداء الكليات اعادة امتحان الراسبين واعادة امتحان المفصولين على ان لايشمل الطلبة الذين فصلوا بسبب الغش او لاسباب اخلاقية وقرر مجلس الوزراء في 29 من تشرين الاول 1958 اعتبار الطلبة المكملين بدرس واحد او درسين من الناجحين على ان لاتقل درجتهم عن 30 درجة وان يقتصر ذلك على السنة 1957-1958 .
ولم يقتصر الامر على ذلك بل تقرر (تزحيف ) الطلبة الراسبين الى مرحلة اعلى واقترن القرار بموافقة مجلس السيادة كما جاء ذلك في جريدة (الزمان ) البغدادية في 2 تشرين الثاني 1958 .
التبرير كان هو الظروف القاسية والاحوال غير الطبيعية التي (لاقاها ابناؤنا الطلاب خلال دراستهم في العهد البائد مما اثر على نفسيتهم وصرفهم عن واجباتهم العلمية وبالتالي ادى الى رسوبهم وحرمانهم من ان يأخذوا مكانهم الطبيعي في السير المدرسي ) . ومجلس الوزراء ارتأى رفع الغبن عنهم وما لحق بهم من حيف
اذا القرار كان ( تزحيف )الطلاب الراسبون والطالبات الراسبات في جميع الصفوف ، وفي مختلف المراحل الدراسية الابتدائية والمتوسطة والاعدادية الرسمية منها والاهلية ودور المعلمين والمعلمات والمدارس المهنية كافة والكليات في السنة الدراسية 1957-1958 واعتبارهم ناجحين الى صف اعلى ) .كما تقرر اعادة جميع الطلبة المفصولين لأسباب سياسية في العهد البائد [العهد الملكي هكذا اصبح يسمى ] الى مدارسهم ومعاهدهم .
فرح الطلبة الراسبون بالقرار ، وهللوا له ، وابتهجوا ، واحتفلوا وشكروا القيادة والزعيم ، لكن كانت للقرار اثار سلبية على مستوى التعليم في العراق وسمعته الدولية فقد تم تزحيف طلبة غير مؤهلين وضعفاء علميا .وقد ظل العراق يدفع ثمن هذا القرار لسنين طويلة واصبح مثار استغراب ودهشة رجالات التعليم والغيورين على مستقبل البلد .. تلك هي قصة تزحيف الطلبة في العراق .
طبعا ثمة مسألة لابد ان اذكرها وهي ان طغيان (الجوانب السياسية) على (الجوانب العلمية ) ، خلل كبير لايزال يعاني منه النظام التعليمي والتربوي في العراق والاحداث التي شهدها العراق ، ومنذ سنوات طويلة وحتى لحظة كتابة هذه السطور وانا ممن كتب اطروحته عن التعليم في العراق 1914-1932 ، كانت لها انعكاسات سلبية كبيرة على وضع التعليم في العراق وللاسف اصبحنا اليوم نواجهه مما يستدعي ان نقف طويلا ؛ فالبلد في (خطر ) ، ولابد من ان يتداعي المخلصون والشرفاء ويجلسوا ليدرسوا ما الذي يجب علينا ان نفعله لنُقيل التعليم من عثراته .
*https://www.facebook.com/photo/?fbid=10225348961927997&set=a.1661700019326
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق