الأربعاء، 10 مايو 2023

كتاتيب الموصل ومدارسها الدينية في الموصل

                                                                       مسجد ومدرسة الحاج زكريا 




كتاتيب الموصل ومدارسها الدينية في الموصل

ا.د.ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

وقد يسأل البعض عن ماهي المؤسسات التعليمية التي كانت تلبي احتياجات المجتمع الموصلي من الموظفين والمستخدمين قبل تأسيس المدرسة الحكومية (الرسمية) المعروفة سنة 1869 ميلادية والجواب هو (الكتاتيب ثم المدارس الدينية ) .

وفي كتاب الدكتور ابراهيم خليل العلاف الموسوم (تطور التعليم الوطني في العراق ) ونشرته جامعة البصرة سنة 1983 تفصيل لذلك . والكتاتيب جمع ( كُتّاب ) والكُتّاب هو (الملا ) والملا بفتح الميم وهناك (الملاية ) فالملا ، يعلم الصبيان والملاية تعلم الفتيات وما يتعلمونه هو اجزاء من القرآن الكريم وشيئا من الحساب وكاتب هذه السطور داوم في الملا عند الشيخ اسماعيل مصطفى في جامع عبد الله المكي بمحلة المكاوي بالجانب الايمن من مدينة الموصل وكان رجلا شيخا له لحية بيضاء طويلة وكان يعلم الاولاد القرآن الكريم والاخلاق القويمة وكان منضبطا شديدا حازما يقرأ فنردد وراءه الآيات البينات ونعيدها ونكررها ونتعلم .

والكتاتيب او الملا كانت منتشرة ليس في الموصل وانما في كل المدن والقرى والقصبات العراقية انتشارا كبيرا ومما ساعد على ذلك ان الدولة العثمانية والعراق كان يخضع لها لم تكن تعتبر الخدمات التعليمية من مسؤولياتها واختصاصها وانما من اختصاص الافراد والجماعات وكان التعليم في الكتاتيب يتم داخل المساجد ومجاني الا ان الاباء عادة كانوا يسهمون في تقديم بعض الاموال والهدايا للملا والحكومة لم تكن تقدم اية مساعدات للكتاتيب بل يعتمد الملالي على ما يقدمه اولياء الامور كل يوم خميس من اموال تسمى (خميسية)  وهو مبلغ  ضئيل من المال .

والكتاتيب في الموصل كانت كثيرة ففي كل محلة ملا اي كتاب وكان للمسيحيين واليهود مؤسسات تعليمية دينية تشبه في الهدف الذي من اجله تأسست كتاتيب المسلمين ومدارسهم  .فكان لليهود مدارس تسمى (مدراش) وللمسيحيين مدارس دينية في الكنائس والاديرة  يُدرّس فيها القسس والرهبان والشمامسة وتدرس باللغتين العربية والكلدانية .

وبعد ان يتخرج التلميذ من الكتاتيب يلتحق بالمدارس الدينية التي كانت امتدادا للمدارس العربية الاسلامية في العصور الوسطى الاسلامية وقد كان الولاة والاغنياء في انشاء المدارس الدينية بدافع الاخلاص للدين الاسلامي فكانوا يوقفون لها ما يلزمها ويُسهلون للناس تلقي العلوم الدينية ومنها علوم اللغة والكلام والفقه والتفسير والنحو والصرف واصول علم الحديث والبلاغة والفلك والفلسفة وكان في كل مدرسة دينية خزانة كتب اي مكتبة تضم الكتب والمخطوطات التي يحتاجها الطلبة كما كان المسؤولون في هذه المدارس وعادة ما كانت موجودة الى جانب المساجد والجوامع او في داخلها التسهيلات للطلبة وخاصة من حيث توفير الكتب وغرف النوم .

ومما يجب ذكره ان الكتاتيب والمدارس الدينية كانت تخلوا من المواد العلمية التي تفيد صاحبها في مواجهة الحياة كالكيمياء والفيزياء والرياضيات ولم يكن لهذه المدارس اساتذة دائميون ولا اجور دراسية ولا موازنة مالية والاهم من هذا انه لم تكن هناك مدة محددة للتخرج والتعليم فيها يمتاز بالحرية الواسعة النطاق فالطالب حر في اختيار الاستاذ الذي يريد ان يتلقى عليه موضوعا من المواضيع والدراسة فيها تستمر طول السنة والهدف منها هو تعلم الدين والحصول على موقع داخل المجتمع فعلماء الدين كانوا يحتلون مركزا اجتماعيا مرموقا وتأثيرا في توجيه الحكم واستمر هذا حتى دخلت المدرسة الحديثة الى الموصل سنة 1869 فكان هناك منهج ودوام وكتب منهجية ومعلمين يسمون الافندية ورواتب تصرف لهم من الحكومة وهكذا اعادت الدولة العثمانية التعليم اليها واصبح من مسؤوليتها .ومع هذا ظلت الكتاتيب والمدارس الدينية تمارس عملها حتى يومنا هذا لكن بأعداد قليلة وتأثير محدود وكان عددها في سنة 1914 يصل الى 150 مدرسة فقط .

ومن المناسب القول ان الاخ الدكتور علي نجم عيسى ألف كتابا عن (مدارس الموصل ) صدر سنة 2017  تحدث فيه عن مدارس الموصل الدينية ومن اشهر المدارس الدينية في الموصل (المدرسة الزينية الكمالية) التي شيدها زين الدين ابو الحسن علي بن كوجك بن بكتكين المتوفى سنة 1167 ميلادية ودرس فيها كمال الدين بن يونس بن منعة 1241 ميلادية فترة طويلة وتقع في محلة الشهوان على نهر دجلة وهي نفسها جامع شيخ الشط المعروف .وهناك مدرسة جامع العمرية التي تأسست سن 1562 ميلادية في باب الجديد .كما ان هناك المدرسة الخزامية في جامع خزام في محلة جامع خزام شيدها  محمد خزام الثاني الصيادي الرفاعي وهناك المدرسة المحمدية في جامع الزيواني في محلة باب البيض شيدها سليمان باشا الجليلي سنة 1779 .ولا ننسى مدرسة الحاج زكريا التاجر في محلة شهر سوق شيدها الحاج زكريا بن الحاج احمد التاجر سنة 1786 ميلادية وفي جامع الباشا في باب السراي  كان هناك المدرسة الامينية اسسها الوزير محمد امين بن حسين باشا الجليلي سنة 1755 ميلادية .ومن مدارس الموصل الدينية  المدرسة الاحمدية في محلة باب السراي قرب جامع العباس في شارع النجفي شيدها احمد افندي بن بكر افندي الموصلي سنة 1786  والمدرسة الاسلامية التي ادارها الشيخ عبد الله النعمة سنة 1919 وكان موقعها في الجامع النوري الكبير والمدرسة الفيصلية قرب جامع الرابعية في محلة الرابعية وكانت تابعة للأوقاف وخرجت الكثير من علماء الدين  وسبق ان تولى ادارتها الاستاذ سالم عبدالرزاق .ولم تكن يخلو جامع في الموصل من مدرسة دينية فيها خزانة للكتب اي مكتبة .

قل الاهتمام بالمدارس الدينية بعد تأسيس المدارس الحكومية وضعف تأثيرها وانعدم الاقبال عليها واليوم لدينا مدارس ومعاهد وكليات وجامعات دينية تشرف عليها الحكومة ومنها مثلا في الموصل كلية الامام الاعظم في الحي الزراعي قرب جامع الموصل الكبير .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...