الاكاديمي البروفيسور
باباجان غفوروف بعيون الصحفي والسياسي العربي الدكتور خليل عبد العزيز
بقلم : تاج الدين ماردوني
دكتور في علوم الآداب
ورئيس الباحثين في قسم الشرق الادنى والاوسط لمعهد اسيا واوروبا.
في عام 2018 ، ومن
دار النشر البغدادية (سطور) ، صدرت الطبعة
الأولى لكتاب الصحفي والسياسي العراقي المعروف الدكتور خليل عبد العزيز وبعنوان (
محطات من حياتي سجون اغتراب النضال) . والواضح من عنوان الكتاب ، أن الكاتب عاش
حياة صعبة ، تعرض فيها إلى مشقة كبيرة، في النضال من اجل حرية بلاده، وشارك في
الكثير من النشاطات السياسية لأجل مستقبل الشعب العراقي، ونيل حقوقه وحرياته.
ولد خليل عبد
العزيز عام 1934 في مدينة الموصل العراقية القديمة. وفي عز شبابه ، أنغمر في العمل
السياسي . في عام 1952 استطاع تأسيس (اتحاد الطلبة العراقي العام ) في الموصل، و
شارك في نشاطات وأعمال هذه المنظمة، وبالذات في التظاهرات ضد الحكومة آنذاك في
الموصل. في سنة 1954 أصبح خليل عبد العزيز رئيسا للاتحاد العام للطلبة هناك أي في
الموصل ، وانضم الاتحاد على عهده إلى (جبهة الاتحاد الوطني) سنة 1957 . و قاد وشارك
في نشاطات الجبهة لأجل فوز مرشحيها لعضوية المجلس النيابي، ولهذا السبب قررت
السلطات اعتقاله. لكن رفاقه في النضال سرعان ما أرسلوه إلى بغداد، و هناك انتخب
عضوا في اللجنة العليا لاتحاد الطلبة العام العراقي. وفي الوقت نفسه عمل في اللجنة
الطلابية التابعة للحزب الشيوعي العراقي في بغداد . في عام 1956 اعتقل هذا الشاب
النشيط في بغداد ، وحكم عليه بالسجن لمدة سنة ، ووضع في سجن بعقوبة، ومن ثم تم
إبعاده لمدة سنة إلى مدينة بدرة في لواء الكوت، وبعدها ُرّحل إلى معسكر الشعيبة في
البصرة جنوب العراق بحجة هروبه من الخدمة العسكرية. عام 1958 حدثت في العراق ثورة
14 تموز ، لذا أطلق سراحه بعد فترة ليعود إلى بلدته الموصل. ترأس خليل عبد العزيز فرع اتحاد الطلبة في هذه المدينة ، و[نظرا
لنشاطاته المكثفة ودوره في قمع حركة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف المسلحة 1959 أصدرت
المحاكم العراقية بحقه عام 1959 حكما غيابيا بالإعدام] .
كان الحزب
الشيوعي العراقي في تلك الظروف السائد، وسطوة الرجعية، يعمل بشكل سري. ولكنه
استطاع وبشكل خفي أن يرسل الشاب خليل عبد العزيز إلى موسكو، وهنا تبدأ محطة جديدة في حياته، حيث
درس اللغة الروسية في الكلية التحضيرية التابعة لجامعة موسكو. وأصبح فيما بعد
طالبا في ( كلية الصحافة ) بجامعة موسكو . عندما كان خليل مشغولا بالدراسة ، بدأ
يتعاون مع الوكالة السوفيتية للطباعة والنشر –وكالة نوفستي- فكتب في مطبوعاتهم
مقالات باللغة العربية ، والتي تم طبعها ونشرها في المجلات التي كانت تصدر باللغة
العربية في عدة بلدان عربية . وبعد مناقشة أطروحته للماجستير التي كانت بعنوان : ( ظهور
ونشاطات الحزب الوطني الديمقراطي العراقي لكامل الجادرجي) ، أراد أن يخصص حياته
للعمل في مجال الصحافة الدولية ؛ إلا أن
شغفه بالعلم وتحليله للبحوث واهتمامه بالقضايا السياسية والاجتماعية المعاصرة،
ودراسته للعمليات السياسية والاجتماعية للدول العربية، أدت إلى أن يقترح المجلس
العلمي للكلية عليه ، ممارسة العمل الصحافي وبنفس الوقت يلتحق بدراسة الدكتوراه في
الكلية نفسها ، وبذات الاختصاص ويعمل على
إعداد أطروحته الدكتوراه. ووافق خليل بكل سرور على هذا الاقتراح. في الوقت الذي
كان فيه منهمكا في العمل الصحفي. وخلال عمله الصحفي أستطاع كسب العديد من الأصدقاء
والزملاء، وتعرف على الكثير من الشخصيات العلمية والسياسية والاجتماعية، وخصوصا
ممثلي ومسؤولي الحزب الشيوعي في الأجهزة السوفيتية. مهنة الصافة الدولية هيأ ت له
مقابلة شخصيات سياسية هامة، وكان بدوره يقوم بمقابلات صحفية معهم، خصوصا مع
العاملين في البعثات الدبلوماسية في موسكو، ومع الكثيرين من الرؤساء والشخصيات
القيادية في عواصم بلدان عديدة.
في كتابه ( محطات
من حياتي) ، يقول : كنت شاهدا على الكثير من الأحداث السياسية
الهامة في الاتحاد السوفيتي و بلدان أخرى. ومن ضمن اهتماماته الخاصة ، وفي مذكراته
يركز على ابن الشعب التاجيكي البار ( باباجان غفوروف) الذي لعب دورا مهما ، وحيويا في حياة ومصير خليل
عبد العزيز. أظن أن هذا بالنسبة إلى القاريء الطاجيكي سيكون ممتعا جدا. حيث يتعرف من خلال مذكرات الدكتور خليل عبد العزيز على بعض
جوانب الحياة الخفية لأعمال الأكاديمي باباجان غفوروف، والذي دون من قبل الصحفي
العربي العراقي و السياسي المشهور الدكتور
خليل عبد العزيز، الذي يعيش حاليا في السويد.
في مذكراته (
محطات من حياتي) ، من المنطقي بالنسبة إلى
الشاب خليل عبد العزيز والذي كان يعيش في موسكو، منذ بضعة سنوات أن سمع وعرف عن
العالم السوفيتي البارز باباجان غفوروف رئيس معهد الأستشراق في أكاديمية العلوم
السوفيتية، لكن لم تكن لتتاح له الفرصة أن يلتقي به. كونه مشغولا بإعداد أطروحة
الدكتوراه للمناقشة .حينذاك كان ينعقد في (يريفان) عاصمة جمهورية أرمينيا السوفيتية، مؤتمر دولي
للجنة التضامن مع الأدباء والكتاب في دول آسيا و أفريقيا , وفي ذلك الوقت اقترحت كلية
الصحافة ، ومنظمة التضامن على خليل عبد العزيز العمل ضمن هذه اللجنة للإعداد
للمؤتمر، وأن يكون مسؤولا عن وفود الدول العربية. ووافق خليل على هذا الاقتراح ، وذهب
إلى يريفان بكل حماس وجهد. في احد الأيام الأخيرة للمؤتمر جاء إلى خليل شخص وقال
له بأن احد قادة المؤتمر، يريد الالتقاء به في فترة الاستراحة ، وعندما سأل خليل من هو هذا
القائد ،قالوا له انه غفوروف أحد قيادي المؤتمر. في فترة الاستراحة ذهب إليه خليل
وسلم عليه بحرارة ، وبدوره أخبره القائد ،
بانه باباجان غفوروف رئيس معهد الأستشراق في موسكو ونائب رئيس لجنة التضامن
الأسيوي - الأفريقي . وساله غفوروف: من إي جمهورية في الاتحاد السوفيتي أنت ؟ فأجاب خليل أنا عراقي من العراق ,كان الحوار
باللغة الروسية، إلا إن غفوروف تعجب ، ونظر إلى خليل وقال له ماذا تفعل في
المؤتمر؟ من الجائز أن غفوروف أعتقد بان خليل من اوزبكستان لقرب سحنته وشبهها
بأبناء تلك الجمهورية. وقال له خليل انه عضو إعداد المؤتمر ، ومهمته مساعدة وفود
الدول العربية ، ومرافقتهم. بعد ذلك بدأ غفوروف يسأل خليل عن أصل عمله ومهنته ، وعن الدراسة والدكتوراه ، مستوى إعداد أطروحته ، والمشاكل التي يواجهها في
إعداد الأطروحة للمناقشة الى آخره من المواضيع. وانتهز خليل هذه الفرصة ، وزوده
بتفاصيل المشاكل التي كان يواجهها لمناقشة أطروحته ، وعلاقته مع ( بريماكوف) الذي كان يعمل آنذاك في معهد الاقتصاد العالمي
والعلاقات الدولية، والذي كان على خلاف معه حول موضوعة الأطروحة، لان الخلاف كان
نظريا يدور حول الحركة الوطنية في الدول العربية. كان غفوروف مهتما بهذا الخلاف
بين خليل و بريماكوف ، حينها عبر خليل عن
موقفه عندما كان يلتقي مع بريماكوف في مصر، ذلك الوقت الذي كان فيه يجمع المواد
لأطروحة الدكتوراه. نصح بريماكوف خليل ، ان يغير عنوان أطروحته، كونه يتناقض
وسياسة أو مبادئ الحزب الشيوعي السوفيتي و علاقته مع الشيوعيون و الحركة العمالية
في بلدان العالم الثالث. لكن خليل لم يتفق مع ذلك ، وقال بان رأي بريماكوف لايعني
بالضرورة رأي الحزب والحكومة السوفيتية. وأخبر خليل عبد العزيز ، غفوروف ، بان أطروحته
أرسلت إلى المعهد الماركسي اللينيني التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي
السوفيتي، لغرض دراستها والموافقة عليها. حينها عبر غفورف من جانبه عن الاستعداد
للتعاون معه وبذل قصارى جهده، كي يرسلوا الأطروحة إلى معهد الاستشراق والى اللجنة
العلمية بغية مناقشتها. بعد انتهاء مؤتمر التضامن الأسيوي الأفريقي للكتاب، رجع
خليل الى موسكو وعلم بان المعهد الماركسي اللينيني قد ناقشوا أطروحته بشكل ايجابي،
بالرغم من وجود وجهات نظر مختلفة عما موجود في الاطروحة والتي لم تتطابق مع سياسات
الاتحاد السوفيتي، خصوصا من الناحية الأيديولوجية , وكان رأي المعهد بان ليس هناك
مشكلة في مضمون الأطروحة، بل هناك رأي قابل للمناقشة , والقرارات التي تصدر ستكون
مبنية على الناحية العلمية، والإطار الأكاديمي والمضمون العلمي للأطروحة. وقرر
المعهد أن تكون المناقشة سرية، وان تكون لجنة المناقشة محدودة، ومنع وسائل الإعلام
من تغطيتها. صوت 15 عالما من مجموع 16 من أعضاء المجلس العلمي بشكل ايجابي، وتمت
الموافقة بنجاح , وترحيب من قبل معهد الأستشراق، وفي اليوم التالي استقبل خليل من
قبل غفوروف وهنأه الأخير بدوره , واعتبر خليل عبد العزيز بان هذا اللقاء مع رئيس
معهد الأستشراق ، بمثابة سيرة جديدة في حياته. وكان غفوروف في الماضي يشغل منصب
السكرتير الاول للحزب الشيوعي الطاجيكي، وشارك بشكل فعال لإنجاز الكثير من المهام
الاشتراكية والثورية في طاجكستان، ولذا حاز على خمسة أوسمة من القيادة السوفيتية
في عهد ستالين. ويروي خليل في مذكراته كيف كان يحضر لليوم التالي للقاء غفوروف،
ويقول عن معهد الاستشراق لأكاديمية العلوم السوفيتية، الذي كانوا يسمونه (قصر
العلوم المعرفية) ، وعن غفوروف : عندما
دخلت المبنى ذهبت إلى الاستعلامات وقلت، لدي موعد مع رئيس المعهد، عندها طلب منه
الموظف أن يعرف بنفسه , وبعد ذلك بلحظات أوصلني إلى غرفة الرئيس ,دخلت الغرفة و
نهض غفوروف من مكانه وجاء لصافحني بحرارة، و هنئني بمناسبة نجاح أطروحتي وقال –
أظن انك تمكنت أن تجتاز حاجزا كبيرا، وأظن إني قمت بواجبي – في هذه اللحظة لم يدر
في بالي إي شيء لتفسير ما قاله غفوروف. عندما باشرت بالعمل في المعهد آنذاك أدركت
أي دور لعب غفوروف لإبعاد الحواجز
والمشاكل التي كانت تواجه مناقشة أطروحتي. وبعد ذلك سالني غفوروف ماذا أريد أن
أعمل بعدما حصلت على شهادة الدكتوراه، وما هي خطط مستقبلي ؟ قلت كل هذا يتعلق
بموقف الحزب الشيوعي العراقي الذي يرفع شعار
التحصيل العلمي والعودة للوطن . وفجأة قال غفوروف عليك العمل معنا في المعهد ما هو
رأيك هل أنت موافق؟ ذهلت بهذا الاقتراح
وشعرت بسرور. بالرغم من الارتباك الذي كان بداخلي، مع هذا قلت لغفوروف لم استلم
الشهادة بعد وكيف اعمل معكم ؟وقال غفوروف : بإمكانك ألا تقلق على هذا، بالنسبة لي
لايهم ولا يعني لي شيئا - , غدا صباحا بإمكانك أن تأتي إلى هنا وتباشر بعملك معنا.
بعد حوار طويل تعجب خليل كثيراً عندما عينه غفوروف ، كباحث أقدم , وكان مهنة الباحث العلمي بالنسبة
لخليل الذي لم يستلم بعد شهادته، مفاجئة :" إن تعييني في هذا المنصب كان يتطلب سنين من
الخدمة. وبعد حواري معه تبين لي السبب , كي استلم راتبا مقداره 180 روبل وليس 150
وكان ذلك مساعدة منه لي" . اللقاء مع غفوروف والحوار معه بالنسبة إلى خليل عبد
العزيز لم يكن عليه سوى الموافقة على الاقتراح ، وان يباشر العمل في هذه المنظمة
العلمية البحثية الرصينة في الاتحاد السوفيتي. رأى غفوروف في هذا الشاب جهدا علميا
ناضجا وصاحب كفاءة سياسية، وبذل جهدا كثيرا ليصبح مثاليا ، وإنسانا علميا ومتواضعا
وفي الوقت نفسه شخصا حاسما وثابتا والذي يتمتع بخبرة ثورية ضد الاستعمار والرجعية
العربية. باشر خليل في العمل واخذ هوية المعهد كباحث أقدم ، وأتاحت له الفرصة
الحصول على شقة متواضعة للعيش فيه. وبدأ بالعمل بطاقة اكبر، إلا إن رفاقه في الحزب
مازالوا يطلبونه بالعودة إلى العراق ، بالرغم من إنهم كانوا يعرفون انه يواجه حكم
الإعدام. لكن بعد لقاءه مع قادة الحزب الشيوعي العراقي، ومناقشة الموضوع معهم
والتلويح بان بقاءه في المعهد سيكون من مصلحة الحزب , لم يبقى شيئا لدى القيادة ، إلا
أن يوافقوا على رأي خليل والتصالح معه. عمل خليل عبد العزيز بكل أخلاص وغيرة ، ومن
خلال عمله وبمرور الزمن أتيحت له الفرصة للتعرف على قيادات كبيرة وكثيرة في
الاتحاد السوفيتي ، ومع الدبلوماسيين وكبار مسؤولي الحزب. وغالبا ما كان يسافر
وبإيفاد إلى بلدان أخرى وأتيحت له الفرص للالتقاء بممثلي السلطات ، وأعضاء الحكومة
في تلك البلدان، ومع الشخصيات الاجتماعية و السياسية الثقافية والفنية ومع رؤساء
الوزراء والشخصيات الحكومية.
إن معهد الاستشراق ، هيأ جوا مناسبا لخليل عبد
العزيز وأتاح له الإمكانية للكتابة ، ونشر مواضيع حول المؤامرات السرية ، والأحداث
التي كانت تجري وراء الكواليس، والمناورات السياسية، وعن اللعبة السياسية في ممرات
السلطات في بعض البلدان. كل هذه الأحداث مسجلة في ذاكرته، وكأنها حدثت في الأمس القريب. ولهذا أراد بشكل
سريع أن يكتبها على شكل صفحات وبما جرى من أحداث، وكل ما سمع ورأى في حياته، بشرط
ان يحكم أصدقاؤه على هذه السطور ويحكم التاريخ عليها أيضا بشكل عادل.
في اليوم الأول
في معهد الاستشراق جرى حوار بين خليل عبد العزيز ، وبابا جان غفوروف ، حول طبيعة
عمله والتزاماته الوظيفية وجدول عمله اليومي. وشرح له غفوروف أصول و طبيعة عمله،
وقال له : يجب أن لا تكون لك إي علاقة مع الأقسام الأخرى إلا إذا ما اقترحوا عليك
التعاون معهم. بجانب عمله أصبح خليل مساعدا لغفوروف في بعض متطلبات العمل، ولم يوضع له جدول
لأوقات العمل مثلما كان مطلوبا من باقي الباحثين والموظفين في المعهد والذي حدد
عملهم بالتواجد في العمل ليومين في الأسبوع ، لكن كما يقول خليل : كان من المفروض تواجدي
يوميا في المعهد، بالإضافة إلى ذلك تنفيذ كل مايطلب مني غفوروف يجب في أي مكان وأي وقت. في
اليوم الثالث طلب غفوروف من خليل أن يعد له تقريرا حول الأوضاع في اليمن الجنوبية ،
وأوضح غفوروف بان الموضوع ضروري للمعهد، كي يكون على علم بما يجري من الاحداث
هناك، ومساعي السلطة للتمسك إيديولوجيا الدولة بنهج الاشتراكية العلمية. وبناءٍ
على ذلك تتم إدارة شؤون الدولة. لكن في البداية أعطى غفوروف معلومات إلى خليل
عبدالعزيز حول موقف الاتحاد السوفيتي إزاء الأحداث الجارية في اليمن الجنوبية،
وحدد له صفة العلاقات بين البلدين. بعدها سأل غفوروف خليل هل لديه اية معلومات عما
يجري في اليمن ؟ فأجابه خليل: إن لديه
علاقات مع ممثلي الحزب الاشتراكي اليمني في موسكو، وهو مراسل لجريدة يمنية باسم (
14 أكتوبر ) ، وجاء ذلك بناءً على طلب
طلاب و أعضاء هذا الحزب بأن يكون هو مراسلا. فرح غفوروف عندما سمع هذا من خليل، و
طلب منه أن يطور علاقاته معهم ، بصورة واسعة. بالفعل كان لدى خليل معلومات كثيرة
عن الأحداث في اليمن الجنوبية، وذلك بفضل علاقاته مع الطلاب اليمنيين اللذين كانوا
يدرسون في موسكو، وكان قسم منهم أعضاء في الحزب الاشتراكي , والقسم الأخر من
معلوماته كان قد حصل عليها من وسائل الإعلام السوفيتية عندما كان يتابعها.
أول موضوع قدمه
خليل كان يتعلق بالنضال السياسي في اليمن، ومعلومات عن قادته المعروفين وعن
الرؤساء السياسيين الذين يترأسون ذلك النضال، وأشار لكون جميع السياسيين كانوا
شبابا قليلي الخبرة السياسية و النضالية، وكتب عن ماضيهم السياسي وارتباطاتهم
بالحركة القومية العربية. وضع خليل ووضح صورة متكاملة لتطورات هذا النضال، وأشار
إلى انه من الممكن أن تنفجر الصراعات فيما بينهم في أي لحظة بسبب النعرة القبلية .
وبين في تقريره صعوبة بناء الاشتراكية في هذا البلد الفقير، وفي ظل هذا الظروف
خصوصا في ظل القيادات الغير كفوءه ومن الذين يفتقرون الخبرة السياسية، ويتميزون
بثقافة واطئة . وضع خليل تقريره هذا على طاولة غفوروف , وبعد ذلك طلب غفوروف من
سعيد كاميلوف الذي كان يعرف اللغة العربية جيدا، أن يترجم هذا التقرير إلى اللغة
الروسية , وكان سعيد حبيب الله كاميلوف رئيس المركز الثقافي السوفيتي سابقا في
المغرب، وهو الآن احد زملاء معهد الاستشراق و باحث علمي وكان يساعده في العمل فتاة
روسية تعرف اللغة العربية بشكل ممتاز. وقال غفوروف لخليل بعد انتهاء الترجمة أنا
اقرأه وأناقش معك هذا الموضوع. وبعد يومين التقى غفوروف بخليل ، وقال له قرأت ما
كتبته وأنا أتوافق وجميع آراءك واستنتاجاتك, لكن لا تنسى هناك قادة لمنظمات
سوفيتية، ليسوا موافقين مع آراءك واستنتاجاتك. وبعد مرور عدة أشهر على عمل خليل في
المعهد تبين له انه توجد صراعات عميقة وتنافس سياسي قوي بين مجموعات داخل المؤسسات
وسلطات الدولة السوفيتية خصوصا في صفوف اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي.
لكن كل هذه الصراعات كانت سرية ومخفية عن الشعب خصوصا في مؤتمر أو بلينوم الحزب،
كل ذلك كان بعيدا عن أنظار الكادحين والشعب. بعد مدة أخرى سلم غفوروف لخليل اضبارة
تحتوي على مواضيع تخص أفغانستان , واقترح على خليل أن يقوم بدراسة تلك المواضيع،
التي يعرفها الناس العاديون عن طرق وسائل الإعلام. كانت الإضبارة معدة من قبل أجهزة المخابرات
وبالأخص من قبل سفارة الاتحاد السوفيتي، ومن قبل الجرائد والصحفيين حول مواقف
الولايات المتحدة الأمريكية و بريطانيا وغيرها. وكان في هذا الوقت قسم من الجيش
السوفيتي متمركزاً في أفغانستان. لذا قال خليل ماذا افعل بكل هذه الاضبارة، خاصة
عندما كل محتوياتها تخص هذا البلد ؟ قال
غفوروف انه لا يريد أن يتكلم كثيرا عن هذا الموضوع، ولا يريد منه الآن أن يعبر عن
وجهة نظره أو التكلم عن هذه الأحداث أو يعبر عن رؤيته المستقبلية لهذا الحدث بل
المهم عند غفوروف هو المعلومات التي تؤكد أو تكذب هذه الآراء المتنافرة في فهم أو
تفسير المسألة الافغانية، وخصوصا بيننا و بينهم. وطلب من خليل أن يقرأ ويكتب رأيه
ويجلس مع كاميلوف كي يترجم الموضوع إلى اللغة الروسية. وفجأةً فكر خليل في هذه
الجملة – الخلافات بيننا و بينهم – وأحس أنه
أصبح جزأ من هذه المجموعة التي يترأسها غفوروف.
تطور الأحداث في
مصر واضطراب الحالة إلى أبعد من المنظور , وهذا الوضع المتأزم بات لا يمكن إخفائه
عن أنظار الناس , لأنه ظهر في القيادة، خصوصا بعد طرد الأخصائيين الفنيين السوفيت
من مصر، وأصبح التقارب المصري – الإسرائيلي واضحا. يقول خليل في هذه الفترة طلب
مني غفوروف أن اكتب تصوراتي عن أحداث مصر، والتي كان كاملوف بدوره يترجمها إلى اللغة الروسية , ومن
ثم دمجها مع بقية المواد الأخرى ورفعها
باسم معهد الاستشراق إلى اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي , لكن بدون ذكر
اسم ولقب الكاتب لهذا التقرير , لكن في
احد الأيام طلب مني غفوروف أن أوقع واكتب اسمي في التقرير كأحد المشاركين بإعداده ,أحس خليل بان شيئا ما تغير في هذا
الموضوع، وتوجه بسؤاله الى باباجان غفوروف عن سبب هذه التغيرات ؟ وأجاب غفوروف بان
المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي، قرروا بان جميع من يشارك بإعداد هذا
التقرير يجب أن توضع أسمائهم وألقابهم.
وشعر خليل بداخله بان هذا القرار جاء فقط بسببه , يتعلق شخصيا به ولا احد غيره، وكان هذا
محاولة جديدة من يفغيني بريماكوف وجماعته اللذين حاولوا بمؤامرة أخرى علي _ أي على
خليل _ وبعد مرور الزمن شارك خليل في إعداد بعض التقارير، لم يكن كثيرا لايتجاوز أربعة أو خمسة حتى طلب منه غفوروف ان
يلتقي به , وقال له غفوروف أن شخصا ما مسؤول في العلاقات الخارجية للجنة المركزية
للحزب كان مهتما به، وسأل من هو الدكتور خليل عبد العزيز وقلت له انه شيوعي عراقي
محكوم بالإعدام في بلده , وسأل بأي سبب وافقتم على تعينه في معهد الاستشراق , وقال
غفوروف بان له الحق ان يعينه في العمل كزميل باختياره ومعرفته عنه، وسال من غفوروف
اخذ موافقة وصلاحية اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي ؟ وأجاب غفوروف ليس من
الضروري اخذ الموافقة ؛ لان المكتب السياسي هو الذي اعطاني هذه الصلاحية. كان
زملاء خليل عبد العزيز في معهد الاستشراق التي يترأسه غفوروف ومعهد التاريخ
لأكاديمية العلوم السوفيتية مهتمون بأطروحة الدكتوراه التي كان يعدها خليل عبد
العزيز ، وفرحوا عندما اطلعوا على محتوى الأطروحة التي كان تخص (قانون تأميم
الصحافة في مصر) ، وعن الظروف السياسية لهذا البلد، وتم إرسال
مختصر الأطروحة إلى جميع مراكز العلمية والبحوث. في اليوم الأول عندما باشر خليل
بالعمل، سأله غفوروف هل ينوي أن يطبع أطروحته في كتاب ؟ بكل سرور وافق خليل عن
الطبع وسال: إي مؤسسة بامكانها طباعتها ؟
اجاب غفوروف : معهدنا يأخذ على عاتقه طبع الأطروحة إلا إننا لا نتمكن طبعه بهذه
الصورة والمضمون التي وافق عليها ( كلية الصحافة) في جامعة موسكو، لأنه سيخلق لنا بعض المشاكل
وخصوصا مع بعض الجهات، وأنت تعرف هذه الجهات وهؤلاء كانوا في الماضي ضد مناقشة
الأطروحة . لذلك نحن نشكل لجنة كي يختصر
عدد صفحات الأطروحة من ( 400 ) صفحة إلى اقل من ( 200 ) دون التأثير على الفكرة الأساسية للموضوع. كان
خليل راضيا ومسرورا بذلك ,وكان فرحا عندما رأى أطروحته مطبوعة في كتاب وبيع الكتاب في أيام
معدودة، ولم يبق منه إي نسخة على
رفوف المكتبات ودور النشر , بالرغم من أن الكتاب كان أكاديميا مخصص للأخصائيين و
الباحثين في مجال العلوم، وللسياسيين وليس لعموم القراء.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق