شخصية الباحث في الدراسات العليا
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
دائما ، وأبدا أقول لطلبتي وزملائي ، وانا اناقش هذه الرسالة ، أو تلك الاطروحة ان اهم ما ينبغي ان نقف عنده (شخصية الباحث) . نعم هل كانت شخصية الباحث واضحة في الرسالة اقصد رسالة الماجستير وفي الاطروحة اقصد اطروحة الدكتوراه .وتظهر شخصية الباحث في عرضه لموضوعه في كلمته التي يقدم عمله للمناقشين وتظهر شخصية الباحث في طريقة جلوسه وهندامه واسلوب رده على الاستفسارات وشجاعته في الثبات على مواقفه واراءه واظهار احترامه وتقديره لأساتذته .
وقبل هذا تظهر شخصية الباحث في سلوكه خلال السنة التحضيرية ومواظبته والتزامه بالخلق القويم وبالمنطق السليم والذكاء الحاد والاطلاع الواسع وحسن توجيه السؤال لأستاذه وتظهر شخصية الباحث في اختيار الموضوع الذي سيكتب فيه وتمسكه به ودفاعه عنه والقراءة الواسعة له .
وتظهر شخصية الباحث في طريقة تناوله للنصوص واسلوبه في معالجتها تفكيكها وتحليلها والافادة منها في الموضع الصحيح وبلغة سليمة وهذا طبعا يعكس مدى استيعاب الباحث لأساسيات المنهج العلمي وخطواته ابتداء من جمع النصوص وتحليلها وانتهاءَ بعرضها .
تعلمت من ممارستي للبحث ان البحث عملية ابداعية وموهبة قد تتيسر للبعض وقد لا تتيسر فالرسالة او الاطروحة ليست عملية ميكانيكية تقتصر على الجمع والتنسيق ... لا أنها عملية ابتكار للجديد وطريقة لعرض الموضوع جديدة وقد تكون مبتكرة واصيلة .لابد ان يتعلم الباحث (اصول المنهج العلمي) وان يتدرب عليه كما يتدرب كل صاحب مهنة وقد وجدت طلابا ليست لديهم القدرة على الكتابة لكنهم ماهرون في الجمع والاتيان بالمصادر لكن تقول له حلل يقول لك لا استطيع وتقول له اربط بين الافكار فيقول لك لا استطيع لهذا يظل هكذا انموذجا (علة) على التعليم العالي والبحث العلمي واحيانا الاستاذ المشرف هو من يحلل له وهو من يكتب له مقدماته وهو من يربط له بين الاحداث ويستنتج .
كلنا يعرف ان المصادر موجودة ولكن كيف تستطيع ان تقتنص منها ما يفيد رسالتك او اطروحتك ولماذا يصبح هذا النص مهما وهذا النص غير مهم والاجتهاد ضروري ولكن يجب ان لا يجتهد الباحث الا في موضع النص ولا يجتهد من عندياته .
وعلى الباحث وهو يجتهد ويقتنص النصوص ان يكون واعيا حذرا وان يقارن بين النصوص ويقدم الاقدم ويناقش الافكار لتظهر شخصيته في العمل الذي ينجزه .
الرسالة او الاطروحة تجربة جديدة في حياة الباحث فمن انجز اطروحة الدكتوراه اصبح مشروعا لأستاذ (بروفيسور) يشار اليه بالبنان وفي الغرب من يزين الجامعات ليس رؤساء الجامعات وليس العمداء وليست الابنية وانما (الاستاذ ) فثمة من يقول انا اريد ان ادرس في جامعة درم مثلا لان فيها الاستاذ المتخصص الفلاني ويكفيني هذا شرفا ان اكون من تلاميذه .
اضع هذه الملاحظات أمام بناتي وابنائي ، وزميلاتي وزملائي لكي يضعوها في الحسبان ، فهي تجربتي الشخصية في مجال البحث العلمي والتدريس على مدى عقود خمسة .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق