الثلاثاء، 24 أغسطس 2021

ساسون حسقيل واضع ركائز السياسة المالية في العراق

                                                               ساسون حسقيل وزير مالية العراق


ساسون حسقيل واضع ركائز السياسة المالية في العراق

 

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة  الموصل

 

مما يُفرح حقا ، ان المدرسة التاريخية العراقية المعاصرة،  اهتمت بالتأريخ لهذه الشخصية العراقية اليهودية التي كان لها دورها الفاعل في وضع  ركائز السياسة  المالية للدولة العراقية الحديثة ، والتي مضى على تشكيلها اليوم (100) سنة 1921-2021 . ومما يزيدنا فرحا ان العراقيين جميعا متفقون على عظم قدر هذه الشخصية ، ونزاهتها ، واخلاصها  للبلد ، وامانتها ، وحرصها على كل فلس عراقي .

 

وساسون حسقيل  (    17 آذار – مارس  1860 -  31  آب - أغسطس 1932 )  ،  كان موضوعا لكتاب اصدرته الاخت الدكتورة نور محمود عبد المجيد العبدلي وهو بالأصل رسالتها للماجستير . والكتاب صدر بعنوان (    ساسون  حسقيل  ودوره السياسي  والاقتصادي في العراق 1860-1932 ) ، وقد صدر عن مكتبة النهضة العربية للطباعة والنشر والتوزيع - بيروت – بغداد. وكان المشرف على الرسالة الاخ الاستاذ الدكتور صباح مهدي إرميض ، والذي اكد تميز الكتاب عن غيره في أنه لا يقف عند نشاط الوزير والسياسي العراقي اليهودي الكبير ساسون  حسقيل المالي ، بل تناول كل جوانب حياته وتكوينه الفكري والثقافي وملامح شخصيته والوظائف التي تقلدها في العهد العثماني وبدايات نشاطه السياسي وعضويته في مجلس المبعوثان العثماني (البرلمان ) نائبا عن ولاية بغداد وموقفه من الحركة الصهيونية وموقفه من ثورة 1920 الكبرى ، ودوره وزيرا للمالية في الوزارات النقيبية ( عبد الرحمن النقيب الكيلاني ) الثلاثة ووزارة ياسين الهاشمي (2 اب 1924-21 حزيران 1925 ) ودوره في مفاوضات النفط ، وقبل ذلك موقفه من القضايا الادارية ، والسياسية ، والاجتماعية ، والثقافية العراقية المعاصرة وحتى وفاته -رحمه الله وجزاه خيرا - سنة 1932 .

 

ساسون حسقيل هذا الرجل الوطني الاصلي ، أحد بناة الدولة العراقية الحديثة ، كان مثقفا عضويا بالمفهوم (الغرامشي) ،  مثقفا كانت له بصماته ومواقفه المشرفة ضمن كل المواقع التي تولاها . كان شخصية محبوبة من العراقيين لنزاهته ، ونظافته ، ووطنيته ، واخلاصه للعراق ، وكان حريصا على اموال الشعب العراقي ، وكان مفاوضا بارعا مع شركة النفط العراقية - التركية ، وهي شركة بريطانية ، وكان خبيرا ماليا من الطراز الاول استحق الاحترام والتقدير والذكر الطيب .

 

لقد قرأت المئات من المقالات عن ساسون حسقيل  طوال العقود الخمسة الماضية ، وكنت معجبا بما كتبه صديقي المرحوم الاستاذ نجدت فتحي صفوت .ولعل مما اريد التركيز عليه ، ان لساسون حسقيل مواقف وانجازات حققت للدولة العراقية الكثير من المنافع ومن ذلك على سبيل المثال انه في 13

 آب - أغسطس 1923 ، كلفته الحكومة العراقية آنذاك بمفاوضة البريطانيين حول امتياز شركة النفط العراقية التركية ،  وهي شركة برأسمال بريطاني  ، حيث ثَبّت بأن يكون الدفع بالشلن الذهب سعرا للنفط المباع ، مما أفاد الميزانية العراقية فيما بعد وبفضل اجراءه هذا تمكنت الحكومة العراقية من اعادة  واردات النفط بالباون الذهبي بدلاً من العملة الورقية بعد إصراره على هذه المعاملة في المفاوضات سنة  1925 مع الجانب البريطاني برغم اعتراض بعض  أعضاء الوفد العراقي على ذلك وقد قدر العراقيون في ما بعد أهمية هذا الموقف .

و ساسون  حسقيل – كما هو معروف من خلال المدونات التاريخية ، منظم أول ميزانية مالية في تاريخ العراق الحديث وهو أول من نظم هيكلا للضرائب  على الأسس الحديثة .وكما هو معروف ايضا انه كان ممن اختار الامير فيصل بن الحسين ملكا على العراق فهو من المشاركين  في مؤتمر القاهرة سنة  1921 برئاسة رئيس الوزراء البريطاني السابق  ونستون تشرشل والذي حضره الدبلوماسيون البريطانيون وعدد من السياسيين العراقيين للنظر في مستقبل بناء الدولة العراقية الحديثة .  

ومما يروى عن حكاياته ومواقفه  أنّه عندما طلب منه  الملك فيصل الاول 1921-1933  صرف مبلغ (20 )   دينار عراقي لبناء مدرسة ابتدائية في مدينة الديوانية رفض قائلا للملك "لقد أقرت الميزانية في مجلس النواب  وليس هناك مجال للتلاعب في أي رقم " .

ويعتبر ساسون من الشخصيات العراقية المهمة في تاريخ العراق المعاصر وقد حرص على التقاليد النيابية  الصحيحة وتطبيق النظام الداخلي لمجلس النواب العراقي فوصفته المس بيل بأنه "  أقدر رجل في مجلس الوزراء  نعم هو صلب قليلاً وينظر إلى الأمور من وجهة نظر القانون  الدستوري دون أن يعطي اعتباراً كافياً لأوضاع العراق المتخلفة  ، لكنه حر ونزيه إلى أبعد الحدود".

وشغل ساسون حسقيل منصب وزير المالية خمس مرات في فترة الحكم الملكي حيث اسهم بشكل كبير في وضع الأسس الصحيحة لقيام الاقتصاد العراقي وبناء ماليته على وفق نظام دقيق. وحين عرض على مجلس الوزراء نظام وزارة المالية واراد البعض أن يعارض اقتراحات ساسون غضب وقال لزملائه الوزراء هذا موضوع تخصصي ،  وكما أني لا أعارض  ياسين الهاشمي  في الشؤون العسكرية ولا فلانا في موضوع الإدارة الداخلية فلا أوافق على معارضتي في موضوع هو في تخصصي  والنظام من رأيي فان وافقتم عليه فبها وخيراً والا فلا أعمل معكم وغادر المجلس. ثم ذهب رئيس الوزراء الهاشمي اليه وأرجعه إلى مجلس الوزراء في جلسة أخرى حيث صودق على نظام وزارة المالية وكما اعده  ساسون حسقيل  .

 

وختم ساسون حسقيل حياته وكان قد نال لقب (سير) من ملك بريطانيا أي (فارس) ختم حياته بوضع الاسس لاصدار العملة العراقية الوطنية  وكان معه في هذا  عراقي يهودي آخر هو إبراهيم الكبير مدير عام المحاسبة المالية آنذاك وبالفعل فقد تم ذلك سنة  1932 وأصبحت النقود العراقية هي المتداولة بدلا من الروبية الهندية ، والليرة التركية والباون الانكليزي .

لم يتزوج ساسون حسقيل وكان قارئا نهما يتقن لغات اجنبية عديدة وكان يمتلك  مكتبة ضخمة كانت تعتبر من اكبر المكتبات الشخصية في العراق وقد رأيتها بنفسي تضم كتبا في المالية والفكر والاقتصاد والدين والتاريخ والفلسفة والعلوم  وبمختلف اللغات وقد أُودعت في مكتبة المتحف العراقي ببغداد وعندما كنا طلابا  في  جامعة بغداد سنوات الستينات كنا نفيد منها كثيرا .

تُروى عنه قصص وحكايات نادرة من قبيل ان وزير الداخلية في اول حكومة عراقية السيد طالب النقيب اراد ان يكون راتبه اعلى من راتب كل الوزراء وكان السيد طالب النقيب ووالده نقيب اشراف البصرة قويا ومتنفذا رفض ساسون حسقيل ذلك فسمع رئيس الوزراء السيد عبد الرحمن النقيب وقال لنعرض الامر على مجلس الوزراء وعندما عرض الامر جرى التصويت علنيا ومن خلال اخذ الموافقة فكان رئيس الوزراء يأخذ الآراء وكل وزير يقول ( موافق) وعندما جاء الدور على وزير المالية ساسون حسقيل وجد ان السيد طالب النقيب ينظر اليه شزرا فرد يقول (منافق ) فضحك من في مجلس الوزراء .

رحم الله ساسون حسقيل العراقي الوطني المخلص الامين على خزانة بلده العراق وطيب ثراه وجزاه خيرا على ما قدم .

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...