الخميس، 12 أغسطس 2021

أثر العامل النفسي في العلاقات الدولية للعراق المعاصر بقلم : الاستاذ الدكتور أسامة حامد محمد أستاذ علم النفس التربوي المساعد، كلية التربية، جامعة الموصل

                                                   بناية مركز الدراسات الاقليمية - جامعة الموصل 
 

أثر العامل النفسي

في العلاقات الدولية للعراق المعاصر*

الاستاذ الدكتور أسامة حامد محمد

أستاذ علم النفس التربوي المساعد، كلية التربية، جامعة الموصل


مقدمة

      يشكل العامل النفسي مدخلا ومخرجا في تنظيم وتحريك وتوجيه كل أنماط السلوك (الشعوري واللاشعوري) سواء في السياق الفكري والعاطفي والمهاري.. ويقوم على أساسه التثبيت أو التغيير أو التعديل للمتغيرات المحيطة بالفرد والمجتمع. إلى الحد الذي تطور هذا التأثير لأجل بلورت ميدان جديد في علم النفس عُرف بـ(علم النفس السياسي ) الذي يؤكد على أهمية العامل النفسي في التأثير السياسي الداخلي والخارجي.

     ولعل عالم النفس التحليلي (كوستاف يونج  G. Jung) يعد خير من وصف هذا التأثير بقوله: "إن العالم معلق بخيط رفيع وان ذلك الخيط هو النفس الإنسانية "(شلتز ، 1983). وقد تحددت قواعد المنهج العلمي للتأثير النفسي في السياسة الخارجية منذ أن قام عالم النفس السلوكي (سكنرSkinner B.) بإلقاء محاضرات علمية في مجلس الكونكرس الأمريكي لتعليمهم كيفية تفعيل الدور النفسي ( السلوكي) في إعادة تشكيل(shaping) العالم الخارجي بأقل الخسائر المادية والبشرية(Karl,1976) .

     وان واحدة من افرزات هذا الدور الجديد لعلم النفس هو ما أكده (رامز بيري R.Bereh) بقوله :"اذا كانت المملكة المتحدة تستعمر البلدان بدباباتها في العهد القديم فان أمريكا تمكنت من السيطرة على البلدان بأفلامها في العهد الجديد " (R.Bereh,1994) ويمكن تحليل وصف (بيري) لنمط تلك السيطرة بواسطة الأفلام الأمريكية - من خلال الآتي:-

(إن صانعوا الأفلام الأمريكية أبدعوا في تضخيم الصورة المدركة لأمريكا في أذهان مشاهديها في اغلب الدول ولاسيما الفقيرة والنامية منها حينما قدموا صور ومشاهد خيالية ومدن أسطورية لأمريكا تثير الألباب لأجل تصغير قيمة تلك المجتمعات في أذهان مشاهديها إلى الحد الذي يسبب لديهم الشعور بالعجز والضئالة أمام العملاق الأمريكي، فضلا عن إظهار ان البطل الأمريكي يمثل أنموذج القوة الخارقة الذي يستطيع أن يصل إلى أي مكان في العالم وان مواجهته تعد خاسرة وهو بالتالي المنتصر على كل من يعاديه وذلك بفضل قوته الجسدية وضخامة جسده وذكائه وتقنياته الخارقة وسرعة رد فعله وجاذبيته فضلا عن وصفه بالمنقذ للأبرياء والحارس الأمين للحضارة الإنسانية ضد كل الخارجين عن القانون.. ).

   إن الأثر النفسي أصبح (في اغلب الأحيان) ظاهرة عالمية شاذة في فرض السياسات الداخلية والخارجية منذ أن تم توظيفه في قتل غريزة الحياة في نفوس المجتمع لكي تتأجج فيهم غريزة الموت وحينها سيشعرون بالحاجة لأدواته وطرق التعبير عنه وفي مقدمتها (سياسة الإرهاب بالإرهاب) أكثر من حاجتهم  لأدوات التعبير عن الحياة بمعانيها الإنسانية ,ولاسيما:-

- إذا قُدَّر للمجتمع حُكاماً مصابين بجنون العظمة يدفعهم الاستبداد والحقد على الحياة وتمجد للموت ويقودهم الغضب الدائم.

- وإذا سيطر الجهلاء والمهووسين والفاسدين.. على مقدرات المجتمع وبات المثقفون والعقلاء سلالة معرضة للانقراض ,حينذاك سيفقد مثل هكذا مجتمع توازنه وسينتهي به إلى اصعب حالات الصراع الإنساني بـ (حرب الجميع ضد الجميع). ولهذا فإن مثل أولئك الشواذ يمكن من وجهة نظر عالم النفس(فرويد) ان يقودوا المجتمع إلى نهايات متعجلة ومتسارعة للانهيار والدمار لان غريزة القتل متأصلة فيهم نتيجة طغيان المكون النفسي البدائي المسمى بـ ( الهو ID) صاحب الرغبة الجامحة واللذة المباشرة بـ (العدوان وعدم إدراك الواقع والأنانية والحيوانية والطفولية والتدمير والعبثية...) (محمد,2000) و(محمد ، 2002).

    بناء على ما تقدم فان الاهتمام بالنفس من حيث (التشخيص والتحليل وامكانية المعالجة) تعد خير سبيل لتسوية دوافعها.

أهمية البحث

     في الوقت الذي يعد العراق سليل أعظم الحضارات الإنسانية التي مهدت للبشرية طريق ومعنى الحضارة وعلمتهم أولى خطواتها فإن نبض الحياة الخلاقة التي عهدها طول انتظار في ضمائر أجياله (لا بد ) ان تمنحه القدرة على الخروج من شرنقة الظلم والكبت والجهل والخوف والغربة التي عاناها لاجل التواصل الواثق مع الفضاءات العالمية لتذكير العالم بانه لا يزال ابنٌ وابٌ لحضارة خالدة وفاعلة في كل معانيها الانسانية ,وليس وليد أو رهين شبح الارهاب كما يظنه الغرباء عنه والناقمون عليه والحاسدون له والجاهلون به والمتعجلون فيه..

     لكن حقب القهر الطويلة التي مرت بالعراق حأولت ان تنال منه وتحط من شأنه وتجعله أسير خيالاته التاريخية فحسب إلى الحد الذي راهن بعض الغرباء على محو اسم العراق وخارطته من الساحة الدولية .

    و(يعتقد الباحث) ان ارض العراق باتت حُبلى بزخم من المشكلات والازمات القاهرة الأمر الذي يمكن اعتباره أفضل ورشة عالمية للعمل لكافة المتخصصين في العلوم النفسية والاجتماعية ..

    ففي دراسة قام بها الباحث على عينة عشوائية من مدينة الموصل بلغت (328) من مختلف الفئات التي يوضحها الجدول(1) الاتي:-

جدول(1)

عينة عشوائية موزعين وفقا للتخصص المهني والجنس

 

الجنس      

التخصص المهني

اناث

ذكور

المجموع

معلمون

28

40

68

مدرسون

30

34

64

اساتذة جامعة

14

28

42

مربيات حضانة

9

-

9

اطباء

4

10

14

مهندسون

-

38

38

موظفون

42

11

53

مهن حرة

-

40

40

المجموع الكلي

127

201

328

وفقا لدراسة استطلاعية جاءت النتائج على النحو الاتي:-

اتفقت العينة بنسبة (100%) عن ظهور(جيل جديد) كرد فعل لدوامة الصراع العراقي منذ عدة عقود يمكن ان يُعرف (بجيل الازمة), في حين جاءت النتائج الموضحة في الجدول (2) الاتي متباينة في نسبها لكل من الذكور والاناث وفقا لـ:-

أولا : المتغيرات التربوية:-

    وهي جملة المتغيرات التي تعبر عن ميول أواستعداد مكتسب سواء على مستوى فرد أو مجتمع معينين نتيجة تأثرهما بقيم تربوية سلبية ضاغطة, وتعد الظواهر الاتية نماذج من القيم التربوية التي اكتسبها المجتمع العراقي بتأثير عسكرة المجتمع , ويمكن ايضاحها وفق الجدول(2) الآتي:

 

 

 

 

جدول(2)

المتغيرات التربوية الناتجة عن تأثير عسكرة المجتمع العراقي

ت

المتغيرات التربوية

معدل النسبة المئوية في اتفاق الاناث

معدل النسبة المئوية في اتفاق الذكور

المعدل العام

1

فقد الاطفال معاني طفولتهم لانهم خرجوا إلى العمل لأجل اعالة اسرهم ولا سيما من اليتامى الذين فقدوا اباءهم في الحروب,فضلاً عن استغلال بعضهم في المشاركة الفعلية بأعمال العنف..وبهذا اصبح الاطفال أولى ضحايا العنف. 

61,78

53,41

57,59

2

اصبح تعليم استخدام السلاح من انماط التعليم الضرورية للفرد العراقي .

57,89

81,20

69,54

3

انتقل اثر العنف من الشارع إلى البيت حينما بات الاخوة اكثر عنفا بين بعضهم البعض أو مع والديهما أو بين الازواج .

89,23

83.07

86,15

4

اصبح السلاح حاجة ضرورية يتطلب توفيرها في المنازل والبيوت.

60,41

82,93

71,67

5

يعد السلاح من بين (الكماليات) الشخصية التي يعتز الفرد العراقي على إقتنائها.

27,05

68,96

48,00

6

اصبح حمل السلاح الشخصي من الظاهر المألوفة في المجتمع العراقي.

59,08

72,86

65,97

7

بات السلاح واحدا من افضل الوسائل الحاسمة لحل الخلافات الشخصية والجماعية.

21,03

53,55

37,29

8

رغبة الاطفال في تقليد الشخصية العسكرية,و تفضيلهم للبزة العسكرية المصممة للاطفال عن سواها,والعاب السلاح عن غيرها والالعاب الحربية المبرمجة على الحاسوب.. 

64,60

72,52

68,56

9

رغبة الاُسر ولاسيما القروية في امتهان ابناءهم مهنة العسكر وتفضيلها على المهن القروية التقليدية كالزراعة والرعي..

90,31

87,32

88,81

10

تنامي الفكر السياسي على حساب الفكر الثقافي.

81,02

94,58

87,8

11

تناسب كمية العمل والجهد مع كمية الأجر الذي يلقاه الفرد.

86,21

62,05

74,13

12

تنامي ثقافة العنف بمبررات الأخذ بالثأر أو الدفاع عن (الكرامة).

36,10

67,45

51,77

13

هيمنة نزعة السلطة الابوية على جميع مرافق الحياة الاجتماعية الامر الذي ادى إلى تنامي ظاهرة يمكن تسميها بعقدة (القائد الضرورة) .

84,51

92,11

88,31

14

هيمنة القيم والتقاليد والاعراف القروية على القيم الحضارية حتى في اكبر المدن الحضرية.وحينها تنامت ظاهرة التجاوز على النظام والقانون طالما انه ضعيف أو لا يخدم سوى مصالح فئة معينة على غيرها. ومن بين تبعات هذه الظاهرة هو كثرة استخدام الالفاظ النابية والضرب والتخريب وبالنتيجة مهدت هذه الظاهرة إلى ولادة فكر رجعي متطرف على حساب الفكر المعتدل,ولهذا يغلب على المتطرفين انهم لايؤمنون بالحكمة والجدل العقلي بقدر ايمانهم ايقاع القصاص المباشر على منأوئيهم أو الذين لا يوافقونهم الرأي سواء كلياً أو حتى جزءياً.

81,09

87,20

84,14

15

ديمومة لغة الصراع مع الاعداء في ضمير الاجيال .حينما يتم غسيل أدمغتم بـ (عدو) يهدد مستقبلهم ويتجأوز على حقوقهم وينتهك كرامتهم وحرمتهم..! وقد تطورت هذه اللغة إلى مديات انحرفت عن أهدافها لطالما شعر الإنسان أن وجوده مهدد ومطلوب منه أن يصارع الوجود والبقاء بأية وسيلة فتمخضت عنها بالنتيجة تدني واقع العديد من القيم النبيلة ولاسيما :الشفقة والعطف والرحمة والتعاون.. بحيث تجردت من روحها وبقي مجرد ظاهرها الشكلي ولهذا يكثر(اليوم) النصح والقول في مآثرها ولكن (في الغالب) لا يعمل  بها  وان عُمل بها فيكون تحت ضغط أو طائلة:الرياء والنفاق والمِنّة وتبادل المنافع والمصالح الشخصية..

81,52

82,09

81,80

16

ربط القيم الوطنية بالقيم التعبوية وبشخص القائد.

73,66

80,24

76,95

17

شيوع المفاهيم الحربية وغلبة استخدام المصطلحات العسكرية على مسمياتها الحقيقة, فمثلا: قد يُستخدم مصطلح اللون العسكري على اللون (الزيتوني).

89,05

93,36

91,20

18

تنامي التعصب القومي أو الديني أو الطائفي..

93,62

92.88

93,25

19

تمجيد التأريخ والماضي على حساب المستقبل.

80,51

90,21

85,36

20

التلذذ بقيمة الموت وإضفاء صفات مثالية أو خرافية عليها.

28,52

72,86

50,69

21

تنامي تعلم الخوف على حساب تعلم الاحترام.ولهذا (يغلب) احترم الأقوياء أكثر من احترام وتقدير كبار السن والوالدين وأصحاب المقام. 

72,61

64,10

68,35

22

ونتيجة لرهاب الموت من اتون الحروب المتكررة في العراق اُضطر بعض  العراقيين إلى إتباع عدة أساليب كالغش والتسويف والكذب (إلى الحد الذي تعمد فيها بعض الجنود والمدنيين إلى قطع أجزاء من أجسامهم أو يمثّلون الجنون.. بدافع التملص منها). وربما شجعت هذه الأفعال الشاذة عن القيم العراقية الأصيلة  على  ظواهر سلبية كالغش لدى(بعض الطلبة).

60,34

73,52

66,93

23

تعد الحكومات العراقية المتعاقبة هي المسؤولة على تشجيع ظاهرة العنف بكل مظاهره المادية والمعنوية.

63,78

91,27

77,52

24

شيوع ظاهرة رغبة الأطفال  بالتخريب والتكسير.

85,32

81,06

83,19

 

 

ثانياً : المتغيرات النفسية:-

    وهي جملة المتغيرات التي تعبر عن معانات شخصية مكتسبة سواء على مستوى فرد أو مجتمع معينين نتيجة تأثرهما بظروف وأزمات قاهرة ضاغطة, وتعد الظواهر الآتية نماذج من الإشكالات النفسية التي اكتسبها المجتمع العراقي بتأثير عسكرة واقعه الاجتماعي, ويمكن إيضاحها وفق الجدول(3) الآتي:

جدول (3)

المتغيرات النفسية الناتجة عن تأثير عسكرة المجتمع العراقي

ت

المتغيرات النفسية

معدل النسبة المئوية في اتفاق الإناث

معدل النسبة المئوية في اتفاق الذكور

المعدل العام

1

قلق النفسي.

52,87

   60,03

56,45

2

ضعف التحمل النفسي.

74.07

43,45

58.76

3

الخوف من المجهول.

96,49

91,67

94,08

4

التوجس من الغرباء.

84,03

76,24

77,14

5

التوحد النفسي.

68,21

70,26

69,23

6

تضخيم الأمور والمبالغة في وصف الأحداث.

83,34

51,34

67,34

7

سرعة الغضب والانفعال.

69,11

84,51

76,81

8

التشاؤم من المستقبل.

84.09

73,20

78,64

(محمد,2010)

    في خضم هذه الأوضاع يمكن إثارة عدة أسئلة في طبيعة الدور الدولي المتوقع للعراق منها الآتي:-

1- هل سيتمكن العراق من تهيئة ارض آمنة لـ :

أ‌-                الاستثمار الخارجي؟

ب- تنشيط السياحة فيه بكافة أنواعها (الاثارية والدينية والطبيعية والصناعية والفلكلورية...)؟

2- هل سيتمكن العراق في الدخول في توازن في القوى مع الدول الأخرى؟

3-             هل سيتمكن العراق في الدخول في أحلاف عسكرية مع الدول الأخرى؟

4-هل سيوجّه العراق ثرواته الطبيعية لخدمة التنمية والتطور الحضاري؟

5-هل ستدرك الحكومة العراقية أن الدبلوماسية والحوار الحضاري تعد السبيل الأوحد لحل الخلافات المحلية والخارجية؟

6-هل ستتمكن الحكومة العراقية من التمييز بين (واجب الدفاع عن حقوقه الوطنية التي تتعرض لابتزاز بعض الدول الأخرى) أو( التغافل عن حقوقه لخشيته من عقدة الاتهام الدولي بكونه المسبب للازمات الدولية والمبادر للحرب)؟   

7-هل ستتمكن الحكومة العراقية من اعادة تشكيل مظهر الشخصية العراقية العنيفة إلى مظهر الشخصية السلمية؟

8-هل ستتمكن الحكومة العراقية من محو ازمة عسكرة المجتمع العراقي وجلاء كل مظاهرها؟

9-هل ستتمكن الحكومة العراقية من صناعة القرار وطنيا وبعيدا عن التدخلات الخارجية؟

10-هل ستشعر الحكومة العراقية بالتوجس مع الدول التي جرى محاربتها أو التي تعرضت للاختلاف والأزمات السياسية معها؟

11- إلى متى يمكن أن تتغير نظرة بعض الدول تجاه العراقي وتتعامل معه أسوة في تعاملها مع غيره من أبناء الدول الأخرى؟  

12- ما هي المناسبة التي تمكن السياسة العراقية في كسب ود الدول بشكل غير تقليدي ؟ إذ إن المتتبع بدقة لمتغيرات السياسة الدولية يمكن ان (استنتاج برأي الباحث): ان العلاقات الخارجية بين الدول تقوم على نمط السياسة بمفهومها الفني( بوصفها فن الممكن لغير الممكن) وان السياسة الحاذقة هي التي تتمكن من ترويض أو إقناع الآخرين بوجهة نظرها , في حين ان العلاقات القائمة على أساس المصالح المتبادلة(كما يفهم اغلب السياسيين) باتت غير كافية وإلى حد وصفها نمطا للسياسة الساذجة عندما تحوِّل الطرفين المتبادلين للمصالح إلى (مستفيد وخاسر)  ناهيك عن كونها غير مستدامة حينما تنتهي بانتهاء اجل تلك المصلحة.. من هنا أصبح الداعي إلى الانتباه والاهتمام بنوع الدبلوماسية الحاذقة المحترفة بدل الدبلوماسية الطارئة, لاسيما وان عراق اليوم بحاجة إلى عمل دؤوب يتسم بالكفاءة والقدرة النوعية على تصحيح الرؤية والعمل السياسي والدبلوماسي إلى إعادة النظر في سياسة التضحية بالثروات الوطنية لتكون قربانا في كسب ود الدول ولاسيما الإقليمية والمؤثرة في الساحة الدولية والمنظمات الدولية , وعليه نحن بحاجة إلى رجال دولة وحكم .

    فالدور الدبلوماسي المناسب لرجل الدولة يمكنه إيجاد قراءة دقيقة للواقع العراقي الراهن , وفي ضوءه يمكن  تقدير وتشخيص السبل الناجعة في معالجة تراكم سلبياته وتعزيز إيجابياته وتطوير اُفقه.. توخياً في إعادة تشكيل تصور للحياة العراقية القادرة على مواكبة ركب الحضارة الإنسانية وإقامة أفضل العلاقات مع العالم الخارجي.   

     بالتالي هذه بعض التساؤلات التي تنتظر إجابات ملحة سواء من الحكومة العراقية أو من ذات الشخصية العراقية , لكي يمكن أن تتبلور طبيعة ونمط العلاقات الدولية للعراق المعاصر والمستقبل.

    اذ لا بد من وضع حد للنقد اللاذع الذي يوجه الشعب العراقي تجاه سياسة حكوماته من خلال ترديد عبارات من قبيل:

-                  نتقبل أي واحد يحكمنا : شرقي ام غربي .. بس يعرف اشون يتصرف!!

-                  ليش حكومتنا تبقى بوادي ونحن بوادي!!

-                  ليش احنا الوحيدين بالعالم يصير بينا كل هذا البلاء .. وإلى متى؟؟!! 

 -    إلى متى نبقى نحن ضحية تهور وجهل ومغامرات حكوماتنا؟؟!!

اهداف البحث

يهدف البحث الحالي إلى الاتي:-

تحديد طبيعة تأثير العامل النفسي في العلاقات الدولية للعراق المعاصر.

تحديد المصطلحات

1-     العامل النفسي Psychological Factor

يمكن استنتاجه من عدة تعاريف , بأنه :" المتغير المعنوي الثابت نسبيا للشخصية  Personalityفي ضوء استعداداتها(المكتسبة(التعليمية أو المتعلمة) أو الموروثة) ومشاعرها (الوجدانية والانفعالية) ونمط (مدركاتها وتفكيرها) وأسلوب (سلوكها ومهاراتها) ومدى تأثرها (بنمط القيم السائدة في واقعها) , سواء أكان ذلك المتغير قابلا للملاحظة (في الحالة الشعورية) ام غير قابلا للملاحظة (في الحالتين اللاشعورية أو الحدسية). (Senan R.,1989) و (Sharter  W.,1998) و(Williams J.,2007). 

2-     العلاقات الدولية International Politics  Foreign or International  Relations  or  

تعرف بأنها :" نمط العلاقات المتبادلة التي تجرى بين الدول عبر الحدود"(Feree,1961) وتعرف بأنها:" نمط الجهد الدبلوماسي الذي يعبر عن سياسة نظام أو حكومة دولة معينة تجاه أنظمة سياسية أو حكومات لدول أخرى" (معروف,2001).

منهجية البحث

اعتمد البحث على منهجين هما: الملاحظة الوصفية والتحليل الاكلينيكي  

نتائج البحث ومناقشتها

 استنادا إلى ما جاء في هدف البحث يمكن تشخيص النتائج الآتية:-

    يلعب العامل النفسي دورا مؤثرا في تنميط العلاقات الدولية للعراق المعاصر بوصفه متغيراً يجب ان يؤخذ بالحسبان في منهج السياسة والدبلوماسية العراقية الخارجية.ويكمن تجلياتها على النحو الآتي:-

1- إشكالية السمعة الدولية للعراق والعراقيين:

    بالرغم مما يعرف عن العراق (بلاد الرافدين) كحضارة متميزة في تاريخها الإنساني, الاّ ان شهرته اكبر بوصفه نقطة صراع أزلية بين الحضارات المختلفة قديما وحديثا ومعاصرا ناتج عن أزمة موقعه الإقليمي وما يتبعها من دوامة تفاعلات سياسية معقدة فضلاً عن امتلاكه لثروة أو (لعنة)النفط الذي عدّ سببا اكبر في صراع القوى المحلية والخارجية للاستحواذ عليه حتى تمخض عنه عقدة (أغنى حكومة لأفقر شعب)!  

    ويذكر (جابر) أن اسم العراق كحيز إقليمي خلال فترة النصف الأول من القرن العشرين كان شبه مجهول لدى اغلب الدول العالمية , فمثلا كان البريد الوارد إلى عنوان (Iraq) كان غالبا يذهب بالخطأ إلى (Iran) لكون إن إيران كان اسمها معروفا ولهذا كانوا يظنون حصول خطأ بين حرفي (qوn) (جابر,1964).   

    في مقابل تلك الإشكاليات في سمعة العراق يمكن ملاحظة ابرز المؤشرات التي تؤخذ على الشخصية العراقية(بصورة عامة) في تعاملها مع الآخر(الأجنبي) , سواء على المستوى الشخصي أو الدولي أو سواء بوصفه شخصا عادية أو مسؤولاً:-

- مشخص على العراقي انه يتعامل بعاطفية شديدة مع الآخر , فمثلا: بالرغم من الأذى الذي قد يتعرض له منهم فقد يبادر بسرعة إلى مغفرتهم وإبداء علامات التسامح معهم لمجرد أنهم يبتسمون معه أو يقدمون له الحد الأدنى من المساعدة ولهذا قد يُتهم العراقي بالسذاجة وليس بحسن النية.

- يُعرف على العراقي انه يعطي للآخر أكثر مما يأخذه منه.

- ويُعرف عن العراقي انه هو الذي يبادر بحسن النية ومستعد للتضحية قبل غيره.

- ويشاع على العراق(حكومة وشعبا) يبادر إلى الوقوف و مساعدة الغرباء أكثر من أبناء جلدتهم (مواطنيه) ولعل هذا يتناقض تماما مع أوضاع الدول الأخرى ولاسيما الخليجية (كأنموذج) التي تعد مواطنيها بمثابة الأسياد وغيرهم أو الخدم!

- وقد يحمل العراقي انطباعا ان حكومته غير مستعدة للدفاع عنه حينما يتعرض للشدائد والأزمات في الدول الأخرى.

- يعرف عن العراقي انه شديد الانفعال في الدفاع عن حقوقه إلى الحد الذي ينتهي بارتكاب خطأ جسيم يصعب تصحيحه.

-  يشاع على العراقي انه ينتعش بمجرد سماعه كلمة إطراء ويشعر بالانزعاج بسماعه كلمة أو عبارة (لا تعجبه).

- يقال ان العراقي يمكن يكشف سره لمجرد دعوته لوليمة.

- يقال ان العراقي طامع وليس طامح للمناصب القيادية الامر يسبب له عقدة يمكن ان يُطلق عليها بـ(القائد الضرورة).   

     وقد يلاحظ ان العراقي يتنكر (بسهولة)عن هويته بكل معانيها اللغوية والوطنية والقيمية أمام الآخر لضمان التوافق معه في حين يظهر الاعتزاز بهويته أمام مواطنيه. 

وقد يلاحظ ان واحدة من ابرز دوافع تحفظ الآخر تجاه العراقي هو: اهتمام العراقي بالسياسة بشكل مفرط .وفي هذا الصدد (يورد مثل في روسيا) ان الروس اذا لاحظوا إنارة الأقسام الداخلية للطلبة الأجانب في الجامعة بعد منتصف الليل, فيقال: اما ان يكونوا طلبة كوريون يدرسون أو طلبة عراقيون يتناقشون بالسياسة!!

    يشعر العراقي نتيجة حقب الحرمان انه اقل شأنا من الآخرين ولهذا (قد) تضعف كفاءته ومقدرته خلال تنافسه مع الآخر ولاسيما في خارج أرضه ولعل ابرز ما يبدو عليه هو (الخجل).

3-     إشكالية التقبل الدولي للعراقي

   تعرَّض العراق (حكومة وشعبا )إلى إشكالية التقبل والتفاعل الدولي ولاسيما خلال عدة حقب هي الآتية:-

حرب الخليج الأولى والتي تعرف بالحرب العراقية – الإيرانية.

حرب الخليج الثاني نتيجة احتلال العراق للكويت.

حقبة العقوبات الاقتصادية والتي تعرف بالحصار الاقتصادي الدولي.

حقبة الاحتلال الأمريكي للعراق.

حقبة إعادة تشكيل الدولة العراقية ذات السيادة الوطنية.

   ولعل واحدة من ابرز عوامل اضطراب الدور العالمي للعراق خلال هذه الحقب هو نتيجة التباين العالمي في وصف الحكومات العراقية بين ( العمالة أو الوطنية) أو بين (التهور و القومية)...

   وقد تحمّل المواطن العراقي وزر هذا التباين لحكوماته , فمثلا قد يتعرض لشتى أنواع المضايقة من الآخر فضلا عن وصفهم باسوء الأوصاف وفي مقدمتها الإرهاب إذا كان الآخر متحامل على حكومة العراق في حين قد يلاقي العراقي نوعا من التعاطف والشفقة إذا كان الآخر مُعجب بحكومة العراق.

الاّ انه يمكن تمييز نمطين أساسيين في موقف العراق تجاه الآخرين هما:-

1- تحفظ رسمي وتعاطف شعبي:

     إذ يمكن تشخيص سببين في دوافع التحفظ الرسمي لأغلب الدول في تقبل العراق,هما:-

أ- وصف العراق بأنه مثيرا للقلق , لعدة أسباب من أبرزها الآتية:-

لمجرد السمعة الدولية للعراق .

إن الانفتاح عليه قد لا يُرضي أطرافا دوليا رئيسية مؤثرة في الساحة الدولية.

إن التعامل معه يعد خروجا عن قرارات عقوبات الأمم المتحدة له .

في مقابل تعاطف شعبي نتيجة الأوضاع القاهرة التي يمر بها العراقيين من تبعات الحروب والإرهاب ..

ب- الخوف من الدور والتأثير الدولي للعراق:

    فقد بات من المألوف وجود عدة أطراف دولية راغبة ببقاء العراق في دائرة الأزمة الدولية لخشيتهم من لعبه عدة ادوار مؤثرة تتجاوز أدوارهم ولاسيما في المجال الاقتصادي بفعل (النفط والغاز والثروات الطبيعية الأخرى) أو في المجال الوظيفي لخشيتهم من تشكيله مركز استقطاب إقليمي.

    ولهذا لم تبرح تلك الدول في إعاقة انفتاح العراق سواء بواسطة الإعلام الموجه المسيء لسمعة العراق من خلال تضخيم الأحداث فيه وتأجيجها أو افتعالها بواسطة قوى داخلية أو خارجية تجندها أو بواسطة تخويف الدول والشركات التي تحاول الاستثمار في العراق بكونه ارض غير آمنة أو تهديدها بالحرمان من الاستثمار في بلدانها.

    في هذا الشأن إشارة دبلوماسي غربي لصحيفة الغارديان في 18تشرين أول /أكتوبر 1995 :"إن سياستنا هي الإبقاء على العراق في قفصه"(مؤتمر انتهاكات العدوان,2001).    

2- تقبل رسمي في نطاق المصالح الرخيصة فحسب:

    فقد تسارعت بعض الدول والشركات المتعطشة لفتح أسواق جديدة لتصريف بضائعها ولاسيما (اغلبها) الفاسدة والمُستهلَكة منها إلى المبادرة بالانفتاح على العراق, الأمر الذي حولته إلى اكبر مستهلك لتلك الأنواع من البضائع الملوثة والتالفة إلى الحد الذي يمكن نعت العراق بـ (جمهورية البّالة الديمقراطية)!!  

الاستنتاجات

في ضوء ما تقدم يمكن استنتاج النقاط الآتية:-

1-      إن العاطفة هي المؤثر الأبرز في نظرة العراقي تجاه الآخر.

2-  يعد العامل النفسي لدى الشخصية العراقية بمثابة نقطة قوة إذا أحسن استثمارها وفي نفس الوقت نقطة ضعف إذا أحسن استغلالها.

3-      إن تصحيح الوضع الدبلوماسي العراقي يقوم على التذاكي السابقة لتبادل المصالح مع الدول الأخرى.

4-      إن العراق مصاب بجملة أزمات تربوية ونفسية تؤثر في علاقاته الدولية. 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

أثر العامل النفسي

في العلاقات الدولية للعراق المعاصر

الدكتور أسامة حامد محمد

أستاذ علم النفس التربوي المساعد، كلية التربية، جامعة الموصل

 

ملخص البحث

    حاول البحث بلورة وتحديد اثر العامل النفسي في العلاقة الدولية للعراق المعاصر, بوصفه متغيرا يجب أن يؤخذ بالحسبان في منهج السياسة والدبلوماسية العراقية الخارجية.

    وقد استعرض البحث جملة من المتغيرات التربوية والنفسية السلبية المكتسبة بفعل الأوضاع القاهرة التي تعرض ويتعرض لها العراق منذ عدة عقود متتالية, الأمر الذي جعله مثار قلق وتوجس من الآخر سواء على الصعيدين الشخصي والدولي.

  وقد اعتمد البحث في التوصل إلى نتائجه على منهجي الملاحظة الوصفية والتحليل (السريري ) الاكلينيكي ومن ثم توصل إلى عدة استنتاجات من أبرزها الآتي:-

1. إن العاطفة هي المؤثر الأبرز في نظرة العراقي تجاه الآخر.

2. يعد العامل النفسي لدى الشخصية العراقية بمثابة نقطة قوة إذا أحسن استثمارها وفي نفس

   الوقت نقطة ضعف إذا أحسن استغلالها.

3.    إن تصحيح الوضع الدبلوماسي العراقي يقوم على التذاكي السابق لتبادل المصالح مع الدول الأخرى.

 ____________________________________________________

نشرة (أوراق اقليمية ) يصدرها مركز الدراسات الاقليمية - جامعة الموصل - شباط 2011


 

****

 

 

 

 

 

 

 

 

 

   

Psychological Factor Impact

On International Relations of

Contemporary Iraq

Dr.Osama Hamed

College of Education, University of Mosul

     The research tries to limit the psychological factor impact on international relations of contemporary Iraq being an alternative to be taken into consideration in the approach of politics and foreign Iraqi diplomacy.

   The paper shedslight on educational and psychological changes due to current severe conditions took place in Iraq. The paper also depended on the approach of noticing, clinical analysis and reached a number of conclusions.

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

رقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد 1032 لسنة 2008

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...