الحرية
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
والحرية ، قيمة انسانية نبيلة ..والانسان يعرف ما للحرية من دور مؤثر في الحياة ، والكون ، والمجتمع . لهذا فهو يناضل من أجلها فليس شيء في العالم أجمل من الحرية ، وليس في الكون أفضل من الحرية . وفي ثراثنا الكثير من الاقوال التي تدل على قيمة ( الحرية ) فالخليفة عمر بن ابي طالب رضي الله عنه وأرضاه يجهر بالقول المأثور : ( متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا ؟ ) .
الحرية ، كانت ، ولاتزال هدفا للشعوب المظلومة والمستعبدة .. وعبر التاريخ ، كان هدف الانسان الكبير هو الوصول الى الحرية ، والحرية هي هدف كل الثورات العالمية التي عرفناها ، وقرأنا عنها الكثير ومنها الثورة الفرنسية والثورة الانكليزية والثورة الامريكية والثورة الروسية والثورة العراقية الكبرى سنة 1920 .
الحرية في واحدة من تعريفاتها ، انها تعني ان الفرد يستطيع اتخاذ قرار أو تحديد خيار ، وبدون ان يتعرض الى ضغط ، أو اكراه ، أو قسر .
والحرية تعني التخلص من عبودية الانسان للانسان . وهي اي الحرية تعني من حيث اللغة التخلص من الشوائب والمصدر حر ، نقول هذا انسان حر أي قد تخلص من الرق والعبودية .. والحرية اصطلاحا تعني الانسان غير الخاضع للقهر ، ومشيئة غيره فمن الطبيعي ان يولد المرء حرا ومن غير الطبيعي ان ُيقيد ويُقسر ويَخضع لغيره .
والحرية اليوم انواع فهناك الحرية السياسية ، والحرية الدينية ، والحرية الاقتصادية ، والحرية الفكرية وهكذا . وفي كل حالات الحرية المرء هوسيد نفسه لايحكمه أحد ولايخضع لإحد .... وآراءه مستقلة ، يعيش حياته بإستقلالية .
وليس لدي متسع من الوقت لإتحدث عن النظرة الفلسفية لقيمة الحرية . ولكن اقول ان الحرية اليوم ترتبط بما يسمى في الغرب ب( الليبرالية ) و(الليبرالية ) أي الفلسفة التحررية كما جاء في احد القواميس اللغوية ، تعني الاعتقاد ، بأن هدف السياسة يكمن في الحفاظ على الحقوق الفردية ، وتحقيق اقصى قدر ممكن من حرية الاختيار .
وقد ترتبط الحرية بمذاهب اقتصادية تعني افساح الجال للاقتصاد ان يسير حسب الاسلوب المعروف بالعرض والطلب ، ودون ان تتدخل الدولة في تحديد الاسعار وما شاكل ، وكما تقول النظرية الاقتصادية الليبرالية دعه يمر أي لاتضع أي قيود على حركة الاقتصاد ، ولكن في بعض البلدان تدخل الاشتراكية كنمط من الاقتصاد الذي يستهدف خلق نوع من التوازن ، والتقريب بين طبقات المجتمع .
كل البشر مؤهلين للحرية ، وكل البشر يستحقون الحرية وهذا خلاف ما قاله البعض من الفلاسفة ؛ فالله سبحانه وتعالى خلق البشر أحرارا وجعلهم أحرارا ، وهم يبحثون عن الرزق والعيش الكريم ، وعلى الدول ان تساعدهم في أن يحققوا اهدافهم ومن خلال إتاحة الحرية لهم لكي يعملوا، ولكي يمارسوا دورهم الانساني .
والحرية لاتعني الانفلات ، والاستهتار بحقوق وحريات الاخرين ... حرية أيا منا تقف عندما تبدأ حرية الاخرين أي ان حريتنا مقترنة بما يساعد المجتمع على ان يكون مجتمعا آمنا ، مستقرا ، منضبطا بمجموعة من القوانين والاعراف التي اتفق ويتفق عليها المجتمع .
وهنا المجتمع يحتاج الى الثقافة ؛ فالثقافة هي من تقنن الحرية ، وتمنع التداخل بين حريات الناس .
نعم من حق الناس إبداء الرأي بحرية ، لكن لابد ان يكون هذا ضمن الضوابط التي تعارف عليها المجتمع .
الذي اريد ان اقوله ان الحرية لها أبعاد عامة وخاصة ؛ ففي بعدها الخارجي تكون مرتبطة بالمجتمع .. وفي بعدها الداخلي تكون مرتبطة بالفرد . والتوازن بين حرية الفرد ، وحرية المجتمع مطلوبة ، والدولة هي من تحقق ذلك ، لذلك فوجود الدولة مهم ، وغياب الدولة معناه الفوضى .
الانسان ، وهو يبحث عن الحرية عبر القرون وضع أُسسا ، وفلسفات لشكل النظم السياسية المتنوعة ، لكنه كثيرا ما كان يصطدم بالنظم المستبدة التي تصادر حرية الناس بدعاوى دينية ، أوعرقية أومذهبية أو قومية . وهذا لايتوافق مع سنن التاريخ وأحكامه ، فضلا عن انه لايتوافق مع طبيعة الانسان الحرة .
من هنا كان على الانسان ان ينشد الحرية ، ويناضل من اجل حقوقه وحريته .وقد يكون النضال من خلال الاحزاب السياسية ، أو البرلمانات ، أو قد يكون من خلال الثورة التي تقلب هذه النظم المستبدة ، وتعاقب حكامها الذين صادروا حريات الناس بدعاوى ، وحجج كثيرة ما انزل الله بها من سلطان .
الذي اريد ان اقوله ، وانا اتحدث عن الحرية وضرورتها ، طبيعة انسانية اصيلة ؛ فالفطرة البشرية خلقت على مبدأ الحرية وان هناك الكثير من النظريات والفلسفات التي تساعدنا على فهم مبدأ الحرية الذي اراه انا مترافقا مع التقدم ؛ فالحرية والتقدم ، فكرتان ساميتان تدفعان الانسان الى الامام الى البناء الى المستقبل .
نعم لدينا في الاسلام فلسفات تؤمن بالحرية ، وتفسرها وفي الفكر الانساني عموما كتابات وآراء وافكار تتحدث عن الحرية ، ونحتاج الى وقت طويل لنتحدث عنها لكن ما يميزها انها تتناول في كثير من مفاصلها الاختيار الانساني ، وميله ، نحو الحرية ، والاهم في كل هذا أن الانسان الحر ، هو الانسان المتسامح ، المتزن ، المنسجم مع نفسه والحرية تتناقض مع التعصب ، وتتناقض مع الاستبداد .
واخيرا فإن الانسان لايستطيع ان يعيش الا في أجواء الحرية ، وهذا هو الجو الذي اراد الله سبحانه وتعالى ان يعيش ضمنه الانسان (ولقد كرمنا بني آدم ) صدق رب العزة والجلال ..الله سبحانه وتعالى وهب الانسان عندما خلقه ، وهب له الحرية (وهديناه النجدين ) أي أمامه طريقان وله الحرية في الاختيار بسم الله الرحمن الرحيم ( إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا ) ..هل هناك أثمن من هذه الحرية .. لاقسر ، ولا استبداد ، ولاتعصب والاسلام يؤكد ان لاقيمة للحياة بدون الحرية .. الحرية هي الاصل (لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ) صدق رب العزة والجلال .
المجتمع الحر هو المجتمع المنتج ، وهو المجتمع الصالح وهو المجتمع السليم ، والانسان عندما وضع القوانين واتفق على الاعراف والتقاليد ، فهو كان ومايزال يهدف الى ان يحقق حريته كإنسان خلقه الله ، ودعاه الى الايمان والاستقامة فلنكن احرارا مؤمنين رمضانكم كريم ، وصيامكم مقبول ، ودعائكم مستجاب والى حلقة اخرى من برنامج ( ماقل ودل ) والسلام عليكم ورحم الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق