الوعظ في رمضان في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
من بداية رمضان المبارك يظهر تغير واضح في حياة الناس لقدسية الشهر وتمييزه عن باقي الأشهر، يسود الهدوء والسكينة والسمو الروحي والإشعاع الإيماني، إمساك عن الأكل والشرب والمفطرات، فالمطاعم والمقاهي مغلقة خلال النهار ولا تفتح أبوابها إلا قبيل المغرب عدا بعض المطاعم المجازة من البلدية وقد سترت مداخلها وشـرفاتها بقماش سـميك، وعدم المجاهرة بالإفطار سـواء من المفطرين لعذر شـرعي ومن أبناء الطوائف الأخرى . ومن أنجز عماله وله متسع من الوقت يأخذ قسطاً من القيلولة بعد صلاة الظهر خاصة في الصيف لتعينه على صلاة التراويح وقيام الليل وقراءة القرآن الكريم.
في الاربعينات والخمسينات وانا اتحدث عن نفسي وجيلي ممن ولدوا مع انتهاء الحرب العالمية الثانية اقول كان ثمة وعظ في الجامع بين صلاتي العصر والمغرب . وكنت احضر الوعظ اما في جامع الشيخ عبدال او في جامع الباشا وكان ممن يعظ بيننا الشيخ عمر النعمة او الشيخ بشير الصقال رحمهما الله ونعود الى البيت بعد انتهاء الوعظ .
كنت اتمتع بسماع كلمات الوعظ تلك وكان الجامع يمتلئ بمرتاديه وكان الشيخ يجلس على كرسي خاص ونتحلق حوله وغالبا ما كان موضوع الوعظ يدور حول قضية اجتماعية او تفسير لاية قرانية ..
خلال الستينات من القرن الماضي وأبان حكم الرئيس الاسبق اقصد رئيس جمهورية العراق الاسبق المشير الركن عبد السلام محمد عارف كانت الدولة وكما اوعز لها الرئيس عبد السلام محمد عارف تستقدم واعظين من مصر واذكر من هؤلاء الشيخ محمود البرشومي وكان يتنقل بين المساجد والجوامع وكان الناس يتحلقون حوله لاهمية الموضوعات الدينية والاجتماعية التي كان يطرحها .
ان المساجد والجوامع تتحول ما بين صلاتي العصر والمغرب الى مكان للوعظ حيث يعتلي منصة الخطابة العالم الفلاني والشيخ الفلاني وانا ومجايللي ادركنا عددا من الخطباء والواعظين في جامع الشيخ عبدال وفي جامع النبي جرجيس وفي جامع الباشا ومن هؤلاء الشيخ بشير الصقال في جامع الباشا والشيخ عمر النعمة في جامع النبي جرجيس والشيخ عبد الله الحسو في جامع عمر الاسود في شهر سوق والشيخ ذنون البدراني في جامع الشيخ عبدال والشيخ عبد الغني الحبار في الجامع النوري الكبير . والشيخ عبد النافع عبد الله البنا في جامع قبع والشيخ عز الدين خليفة في جامع السلطان ويس وفي جامع الشيخ خالد الشيخ شمس الدين السيد حاتم وكان الشيخ غانم احمد الطائي قارئا في هذا الجامع .
يكتب الاستاذ غانم الحيو عن عادة الوعظ فيقول : " قبيل العصر تدب الحركة بين الناس كل حسب غايته وهدفه، معظم الرجال والفتيان يهرعون للجوامع لأداء صلاة العصر وسماع الدروس الدينية التي كانت تلقى في معظم الجوامع ًيوميا، وبعد الانتهاء من الصلاة والتسبيح، يبدأ القارئ بقراءة عشر من القران الكريم ، ثم يعتلي الشيخ كرسي الوعظ ، ويستمر بدرسه إلى قرابة الغروب ، وبعد انتهاء الدرس يتلو القارئ ما تيسر من القرآن الكريم ، ويخرج المصلين من الجامع وقد استوعبوا الدرس الديني كل حسب ثقافته. ويتأخر الشيخ عن الخروج من المسجد للإجابة على بعض الأسئلة الشرعية ، ويبقى بعضهم لصلاة المغرب"
إذا مجالس الوعظ هذه ، ليست الا محاضرات تربوية وارشادية دينية واجتماعية تقام بعد صلاة العصر حيث يقرأ القرآن الكريم لمدة عشر دقائق من قبل ما يسمى (قارئ المحفل ) ثم يلقي الامام الوعظ والارشاد وهو جالس على اريكة عالية وبعد الوعظ ايضا يقرأ القرآن ولمدة لاتتجاوز ال (10 ) دقائق . وموضوعات الخطب كانت مهمة ومنها موضوعات ذات طابع اخلاقي ومنها ذات طابع سياسي ومنها ذات طابع ديني وهكذا .
في الاربعينات والخمسينات وانا اتحدث عن نفسي كان ثمة وعظ في الجامع عصرا وكنت احضر الوعظ اما في جامع الشيخ عبدال او في جامع الباشا وكان ممن يعظ بيننا الشيخ عمر النعمة او الشيخ بشير الصقال رحمهما الله .كما كان هناك وعاظ مصريون كنا نتابعهم أينما ذهبوا في مساجد وجوامع الموصل منهم الشيخ محمود مصطفى البرشومي والشيخ عبد الرشيد صقر وغيرهما وهما من مصر اعتادت الدولة في عهد الرئيس الاسبق عبد السلام عارف 1963-1966 استقدامهم في رمضان هم وغيرهم يتوزعون للوعظ او قراءة القرآن في المدن العراقية ومنها الموصل ومن القراء المصريين الذين ادركناهم وكانوا من مصر الشيخ راتب الكلحي والشيخ محمود عبد الحكم .. ونعود الى البيت بعد انتهاء الوعظ ..كنت اتمتع بسماع كلمات الوعظ تلك وكان الجامع يمتلئ بمرتاديه وكان الشيخ يجلس على اريكة عالية ونتحلق حوله وغالبا ما كان موضوع الوعظ يدور حول قضية اجتماعية او تفسير لاية قرانية.
اتذكر بأن الشيخ بشير الصقال (رحمه الله ) وهو من علماء الموصل الكبار 1906-1986 كان عالما متمكنا من علوم العقيدة وكان متفتحا واسع الصدر شجاعا وفي وعظه كان يدعو الى العمل الصالح وكان الناس يقصدونه ليحل لهم مشاكلهم الدينية وحتى الاجتماعية وكان اهل الموصل يحبونه ويجلونه ويزورونه في محله بباب السراي حيث كان يعمل قوطجي وكان اديبا شاعرا كاتبا في الصحافة وخطيبا مفوها .
كان يستشهد بقوال العلماء والمفكرين وحتى المستشرقين المنصفين في خطبه ومواعظه الرمضانية وكثيرا ما سمعته يبين عظمة الاسلام ورسوله وكان يعتز بشيخه واستاذه الشيخ عبد الله النعمة وقد تصدر للافتاء في الموصل لسنوات عديدة وكان حاضرا بين الناس وكان رجلا وطنيا يحب العراق وكان يؤكد ايضا على ان الاسلام وشريعته السمحاء هي الاساس والهدف السامي في الوعظ والارشاد والتوجيه ولم ينس يوميا ان يؤكد على القيم النبيلة والروابط الاجتماعية التي تربط بين الناس كالصدق والوفاء والتضحية من اجل الاخرين وكان يبشر بالتسامح وتضافر الجهود الخيرية لايقاظ الهمة وكثيرا ما سمعته في مواعظه الرمضانية يحث على احترام المرأة ويتحدث عن كرامة المرأة في نظر الاسلام وكان يقول ان المرأة بلغت منزلة في الاسلام لم تبلغها المرأة في عصور التاريخ كلها قديمها وحديثها وكان يقول ان الاسلام اخذ بيد المرأة حتى ساوى بينها وبين الرجل في الحقوق والواجبات قبل ان يعرف العالم ما يسمى اليوم بمنظمات المجتمع المدني ومنها منظمات تمكين المرأة والدفاع عن حقوقها وكثيرا ما كان ينشر المقالات في جريدة (فتى العراق ) الموصلية وكلها تدور حول الاخلاق والدعوة اليها ورصد الانحرافات الاخلاقية والاجتماعية وكان يؤكد على دور الشباب وهكذا كان يفعل في زماننا الشيخ عمر النعمة والشيخ عبد الوهاب الشماع والشيخ عبد الله الاربيلي وغيرهم من علماء الدين في الموصل من الذين يحق لنا ان نفخر بذكر سيرهم ونحن في هذه الايام الشريفة في رمضان المبارك وان نستعيد ذكرياتنا عنهم ومعهم رحمهم الله وجزاهم خيرا على ما قدموا لنا في الحقب التاريخية واملنا اليوم ان يواصل الجيل الجديد من بعدهم مسيرتهم وسيرتهم العطرة لكي تظل الموصل منبع القيم الدينية والاخلاقية الرصينة والاصلية .
رمضانكم مبارك ودعاءنا ان يتقبل الله صيامكم وصالح اقوالكم وافعالكم وشكرا لاصغاءكم والى لقاء في حلقة اخرى من برنامج ( رمضانيات موصلية ) .........2018
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق