العراق وبريطانيا
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس -جامعة الموصل
كتبت مقالة عن حركة مايس -ايار 1941 قبل ايام فعلق الاخ الباحث المعروف الاستاذ عامر سالم حساني قائلا :" شكرا للمعلومات الوافية بارك الله بك وحفظك لدي ملاحظة في كتب التاريخ للمراحل الدراسية للمتوسطة والإعدادية لا نجد اي اشارة الى سنة خروج بريطانيا من العراق وكيفية تمت العملية معلومة يجهلها الكثيرون اتمنى توضيحها " .
وقد علقت بالتالي :" نعم اخي الاستاذ عامر سالم حساني بريطانيا ادخلت العراق عصبة الامم 1932 كدولة مستقلة بعد ان ربطته بمعاهدة 1930 الجائرة وقبل انتهاءها ادخله نوري السعيد في حلف بغداد وبعد الثورة في 14 تموز 1958 ظلت بريطانيا تعمل من وراء ستار والسفير البريطاني هو من خلق الصراع بين قاسم وعارف واخيرا بريطانيا المجال لامريكا وتحالفت معها في غزو العراق 2003 وتتذكر بريمر ممثلا لاميركا وغرينستوك ممثلا لبريطانيا ....بريطانيا تحب العراق والعراقيون يحبون الانكليز و( جاء الانكريزي وجابنا التمغ !!) ههههههههههه قبلاتي لكم وسأكتب مقالا عن الموضوع ان شاء الله علما ان هناك كتب واطروحات عن علاقة العراق ببريطانيا العظمى" .
والان اريد أن اقول - وبإختصار شديد جدا - ان بريطانيا العظمى وضعت العراق في دائرة اهتمامها منذ اواسط القرن التاسع عشر وكانت قبل ذلك وايام ما كانت ولايات العراق الثلاث الموصل وبغداد والبصرة تابعة للامبراطورية العثمانية تمتلك نفوذا في الولايات الثلاث وقصة العلاقة بين المماليك الذين حكموا بغداد والانكليز معروفة وعندما اندلعت الحرب العالمية الاولى 1914 كان قد مضى على العراق زهاء خمسين عاما وهي على هذا الحال . اما قصة منشأ النفوذ البريطاني فهي طويلة ومتشعبة كتب عنها كثيرون منهم استاذي المرحوم الاستاذ الدكتور زكي صالح .
على كل حال احتل الانكليز العراق بين 1914 و1918 احتلوا البصرة 1914 وبغداد 1917 والموصل 1918 واداروا العراق بشكل مباشر وثار عليهم العراقيون سنة 1920 ووضعوا العراق تحت انتدابهم في نيسان 1920 ووافقت عصبة الامم على ادارة بريطانيا للعراق في 27 ايلول 1924 وربطت بريطانيا العراق بعد ان توج فيصل ملكا في اب 1921 بمعاهدات منها معاهدة 1922 ومعاهدة 1926 ومعاهدة 1930 وادخلت العراق عصبة الامم 1932 وقبل انتهاء مدة نفاذ معاهدة 1930 دخل العراق حلف بغداد 1955 وكان لبريطانيا قاعدة الحبانية وقاعدة الشعيبة ومن قبلهما كان لبريطانيا قاعدة الموصل وقاعدة (الهنيدي ) وبموجب معاهدة 1930 يكون انسحاب بريطانيا منهما سنة 1937 والى القواعد الجديدة (الحبانية غرب الفرات ) والشعيبة في البصرة وتم الاتفاق على ما سمي ب( حرس المطارات ) بإدارة بريطانية . وكان السفير البريطاني يتمتع بنفوذ كبير في بغداد .
حين دخل العراق حلف بغداد 1955 مع بريطانيا وتركيا وايران والباكستان والولايات المتحدة الامريكية (في بعض لجان الحلف) تم (جلاء ) القوات البريطانية بعد ان ضمن العراق حق عودتها الى المنطقة في حالة الحرب او التهديد بالحرب في منطقة الشرق الاوسط كما يقول الاخ الاستاذ الدكتور فاروق صالح العمر المؤرخ المعروف في كتابه (المعاهدات العراقية - البريطانية وأثرها في السياسة الداخلية 1922-1948 ) والذي اصدره سنة 1977 .
يقول الاستاذ خالد صبحي احمد الخيرو في كتابه (السياسة الخارجية العراقية 1945-1953 ) والذي اصدره سنة 1968 " ان السلوك الخارجي العراقي ظل - حتى ثورة 14 تموز 1958- في حقيقته لايمس جوهر التحالف مع بريطانيا " .
ولم يكن المزاج الشعبي مع بريطانيا والحكومات العراقية المتعاقبة فقامت حركات وانتفاضات كثيرة ضدهم في 1941 وفي 1948 و1952 و1956 .
احتلت بريطانيا العراق ثانية بعد فشل حركة مايس -ايار التحررية 1941 وانزلت قواتها العسكرية في البصرة واصطدمت بالجيش العراقي الفتي صباح الخميس 2 ايار 1941 وفي اليوم التاسع وسع البريطانيون نطاق هجماتهم ودخلت القوات البريطانية بغداد في اواخر مايس 1941 وعقدت الهدنة في 31 مايس -ايار 1941 وكان للقسوة الشديدة التي اتبعها الوصي على العرش الامير عبد الاله تجاه من قام بالثورة واعدامه قادتها اثر كبير في تفاقم الغضب من الانكليز ومن عاونهم .
وفي 14 تموز 1958 قام الجيش بثورة اسقطت النظام الملكي واسست جمهورية العراق .
وبعد الثورة ظل للسفير البريطاني دور فهو من خرب العلاقة بين قائدي الثورة الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام محمد عارف وظلت بريطانيا تتدخل في شؤون العراق رعاية لمصالحها السياسية والنفطية والاقتصادية والستراتيجية ونافستها الولايات المتحدة الاميركية التي كانت لها اطماعها في العراق ايضا .
بعد الثورة اخلت بريطانيا قواعدها العسكرية في الحبانية والشعيبة وسلمتهما الى الجيش العراقي وكانت هناك نية للتدخل الا ان العراق طمأن الانكليز على مصالحهم وخاصة النفطية منها فإعترفت بريطانيا بالحكومة الجديدة حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم وكان الدكتور عبد الجبار الجومرد وزير الخارجية فيها .
واستمرت العلاقات بين العراق وبريطانيا بين 1958-2003 جيدة ما عدا بعض الاستثناءات في بعض الفترات لكن العلاقات بقيت واستمرت .
وعلى اثر دخول الجيش العراق الكويت واحتلاله لها في 2 من اب 1990 وانسحاب الجيش وفرض الحصار على العراق كانت بريطانيا جنبا الى جنب مع الولايات المتحدة حتى انها تعاونت مع الاميركان في غزو العراق في 9 نيسان 2003 وكان السفير غرينستوك ممثل بريطانيا يعمل مع السفير بول برايمر الامريكي وحتى اليوم بريطانيا لايمكن ان تترك العراق فهي تعده من الدول الصديقة والحليفة وفي 27 حزيران 2019 عقدت اول قمة عراقية بريطانية حيث التقى الدكتور برهم صالح رئيس جمهورية العراق في لندن ملكة بريطانيا اليزابيث الثانية وعدت اول قمة تعقد بين الطرفين منذ 63 سنة اي منذ قيام ثورة 14 تموز 1958 كما ترون في الصورة المرفقة .
وقبل ايام رحبت بريطانيا بحكومة السيد مصطفى الكاظمي كما رحبت الولايات المتحدة الاميركية وتعهد الطرفان بمساعدة العراق ماديا وسياسيا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق