الاستقامة ا.د. ابراهيم خليل العلاف

الاستقامة

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

والاستقامة ايضا ، واحدة من أبرز القيم والصفات الانسانية التي يجب ان يلتزم بها الانسان . ولعل من اولى الوصايا التي اوصى بها رب العزة والجلال رسوله الكريم هي الاستقامة عندما قال له  : ( فإستقم كما أُمرت ) .

نعم الاستقامة فضيلة اخلاقية وانسانية ، فالانسان المستقيم هو الانسان الناجح في حياته ، وعكس (الاستقامة)   (الاعوجاج)  أي  السير في طريق معوج لايؤدي الى نتيجة سوى الاساءة  لهذا الانسان ، ومتى ما كان الانسان مستقيما في قوله ومستقيما في عمله متى ما وجد نفسه محبوبا من الله والبشر .

الاستقامة كانت دائما وابدا ، موضوعا تحدث فيه الكتاب والمفكرون والفلاسفة ورجال الدين . وممن كتب في موضوع الاستقامة الاستاذ علي عبد العزيز الراجحي في مقالة له يقول فيها ان الاستقامة اولا وآخرا (سلوك الصراط المستقيم ) والصراط المستقيم هو الدين القيم الصحيح . وفي صلاتنا نردد ( إهدنا الصراط المستقيم ) ، ففي سورة الفاتحة أم الكتاب دعوة الى الاهتداء بالصراط المستقيم صراط الذين انعمت عليهم ولا الضالين .

الاستقامة ، تساعد الانسان على ان يكون في حياته ناجحا ، وكلنا يعرف انسان استقاموا في حياتهم ، وكان النجاح والتوفيق حليفهم ...قد يخرج الانسان في مرحلة من مراحل حياته،  أو في ظرف معين عن الاستقامة أي قد يقصر في فعل المأمور، واجتناب المحظور وهذا خروج عن الاستقامة لهذا فرب العزة والجلال يدعو مثل هذا الانسان الى الاستقامة ، والاستغفار بسم الله الرحمن الرحيم ( فإستقيموا اليه واستغفروه ) .

عندما يريد الانسان ان يبدأ بمشروع اقتصادي عليه اولا التفكير ، والسعي بإتجاه الاستقامة ، فعندما يكون مستقيما سيجد ان الناس تقترب منه ، وتشجعه ، وتتعاون معه لكي ينجح ، وبعكس ذلك سيجد نفسه مكروها من الناس ،  ينفض الجميع من حوله وهنا فإن عدم استقامته ستجعله انسانا فاشلا ، خائبا .

كلمة الاستقامة وردت في آيات قرآنية ، واحاديث نبوية كثيرة .كما تناولها المفكرون والفلاسفة بالبحث والدراسة .والاستقامة تتصل بالاخلاق وتتصل بالدين  فعندما  جاء سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله عنه الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم يسأله ان يُعلًمه كلمات لايسأل احدا بعده  ابدا  قال الرسول الكريم له ( قل آمنت بالله واستقم ) ، وهنا عندما يكون الانسان مؤمنا ، ومستقيما فسوف لن يحتاج الى احد طيلة حياته .أي يستغني عن سؤال الناس .

الذي اريد ان اقوله -  أحبتي الكرام -  ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر رمضان شهر القرآن شهر الجهاد جهاد النفس : ان الاستقامة ميزة يجب على كل واحد منا ان يُفكر بقيمتها الاجتماعية  والنفسية  ؛ فالانسان المستقيم لابد ان يكون مؤمنا ، ولابد ان يكون نزيها ، ولابد ان يكون وطنيا يحب وطنه ، ولابد ان يكون انسانيا فكل الصفات الحميدة ترتبط بالاستقامة وتتوافق معها .

التقوى وجه من وجوه الاستقامة ، فالانسان الذي يتقي الله يخاف ان يفعل ما لا يرضى عنه الله والناس .

والانسان المستقيم يحاسب نفسه إن اخطأ أو آذى انسانا ..هو دائم المراجعة .. مراجعة نفسه والتوبة إن اقتضى ذلك وهذا يكون مصداقا لقول رب  العزة والجلال عندما يدعو الانسان الى التوبة في قوله : بسم الله الرحمن الرحيم : ( يأيها الذين آمنوا أتقوا الله ، ولتنظر نفسٌ ما قدمت لغدٍ وأتقوا الله إن الله خبير بما تعملون).

واخيرا فإن الاستقامة تجعل الانسان راضيا عن نفسه ، مطمئنا الى ماقدره الله له .. صابرا محتسبا وسوف يجد ان للاستقامة فوائد كثيرة له ولمن حوله .

 له على الصعيد الشخصي حيث سيشعر بالراحة والامان    ، ولغيره أي الناس من حوله يكونون في حالة من الاطمئنان اليه  .بسم الله الرحمن الرحيم : (  إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) .

نعم الاستقامة مهمة ، وضرورية في الحياة العامة فهي تأديب للنفس على ان تسير بخط مستقيم يؤدي الى نتائج مثمرة .. والاستقامة تهذيب للنفس تساعد على تخليص النفس من أدران  الطمع والجشع والفساد والاعوجاج والروغان.

والاستقامة كلام وعمل وسلوك ، فلا يكفي ان يدعي احدنا الاستقامة وهو لايُحًول الاستقامة الى عمل وسلوك يومي من خلال تعامله مع الناس ، ومع اهل بيته .

 وواجبنا – احبتي الكرام – ونحن ندعُ الى الاستقامة ان نكون انفسنا مستقيمين ، وان نكون مثالا لغيرنا في الكلمة والفعل ، وعندما يتم الالتزام من الجميع بمبادئ الاستقامة فسنجد مجتمعنا  مجتمعا خيرا فاضلا آمنا .

هدانا الله للصراط المستقيم ، ووفقنا الى الاستقامة ، والاستقامة الدائمة ....  صيامكم مقبول ودعائكم مستجاب والى حلقة اخرى من برنامج (  ما قل ودل ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركانه .

.