الجمال ......الحلقة الثامنة من برنامجي التلفزيوني (ماقل ودل) من قناة (الموصلية) بُثت الساعة 30و4 من عصر اليوم : الجمعة 8 من رمضان 1441 هجرية الاول من ايار - مايس 2020) واليكم نص الحلقة :
الجمال
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
والجمال ، صفة انسانية ؛ فنقول هذا الانسان جميل ، وهذه اللوحة جميلة ، وهذا الكلام جميل ، ونردد في المأثور الشعبي (الله جميل ويحب الجمال ) ..والجمال في جانب من جوانبه يعني التناسق ويعنى الانسجام .
واليوم ، ونحن في هذا الشهر الفضيل شهر الطاعة والغفران شهر القرآن أريد أن أحدثكم عن هذه الصفة (الجمال) التي هي معاكسة لصفة ( القبح ) ؛ فالجمال هو الشيء الذي يبحث عنه الانسان ، والانسان المؤمن هو من يبحث عن الجمال في الروح ، والجمال في الخلق ، والجمال في الكلام ، والجمال في الشكل . ويحاول ان يبتعد عن كل ما سيئ ، وقبيح قدر الامكان .
وفي حياتنا يوجد الجمال ، كما يوجد القبح والتضاد هو ما تقوم عليه الحياة ، وهو ما يسميه الفلاسفة بالجدل – الديالكتيك ، ومعناه ان الحياة تقوم على الفكرة ونقيضها ونحن لانستطيع ان نقف على معاني الجمال واشكاله إلا من خلال القبح .وهكذا فالحياة فيها الجمال كما فيها القبح .
والجمال صفة الحسن في الاشكال ، والاخلاق والجمال اولا وآخرا ، وحسبما يقول الفلاسفة يبعث في الانسان الرضى والاعجاب والسرور . وليس ثمة مقاييس واحدة للجمال ، فما تراه أنت جميل أراه انا قبيح ، وهكذا الالوان تختلف والاشكال تتنوع لكن مقياس الجمال يظل نسبيا .
والجمال صفة تستحسنها النفوس ، وترتاح اليها ويوجد هناك علم يسمى (علم الجمال) ، وعلم الجمال هو جانب من جوانب الفلسفة ، ويهتم علم الجمال بالبحث عن ماهية الجمال ، ونظرياته ، ومقاييسه.
لقد تناول موضوع الجمال عدد من الكتاب والفلاسفة والعلماء ، وكل تناوله من الجانب الذي يريده ، ويحتاجه ؛ فالنظرة الى الجمال - كما قلت قبل قليل - نسبية ، ومتغيرة لعوامل وظروف تتعلق بالثقافة ، والدين ، والقيم ، والعادات الاجتماعية ، والان دخلت وسائل التواصل الاجتماعي وما يسمى اليوم بعلم التسويق والترويج .
واليوم هناك من يتحدث عن الجمال الداخلي ، والجمال الخارجي ؛ فالجمال الداخلي يتعلق بالروح والجمال الخارجي يتعلق بالشكل واحيانا يجد الانسان ومن خلال احتكاكه بالاخرين ان هناك اناسا ليسوا على درجة عالية من الجمال ، لكنهم مقبولون من الناس وبالعكس لذلك يجب ان لانهتم بالمظهر الخارجي للانسان بل نركز على اخلاقه وطبعه وسلوكيته وبالاحرى نتعامل مع روحه .
كثير من الفلاسفة يدعون الانسان الى ان يهتم بثقافته ، واخلاقه ، وطيبته لكي يقدم نفسه للاخرين بطريقة تجعلهم يتغاضون عن جماله أو شكله الخارجي وهكذا ، فالاهتمام بالثفافة والادب واتباع اساليب الكياسة والرقة في التعامل اليومي مع الاخرين تجعل مقبولية الانسان في المجتمع كبيرة وتتسع دائرة محبيه والمتعاملين معه .
يتحدث علماء النفس وعلماء الاجتماع وعلماء الجمال اليوم ، وفي ضوء ما نشهده من ثورة في وسائل التواصل الاجتماعي عن القيم والعادات التي تجعل الانسان جميلا ، ومنها الاخلاق الطيبة ومراعاة مشاعر الاخرين ، والتعامل معهم بإيجابية وامتداحهم اذا قدموا شيئا للمجتمع والتعود على القاء التحية وتقديم كلمات الشكر ، والابتسامة ، والرقة في التعامل ، وترك التدخل في شؤون الناس ، واحترام خصوصياتهم وتشجعيهم على الاتيان بكل ما هو جميل في الفعل والسلوك .
وفي القرآن الكريم وردت الكثير من الالفاظ التي تدل على الجمال منها البهجة والنظرة والُحسن في القول والعمل ، ومفهوم الجمال يدل على الخلق القويم .
وفي فقه اللغة للثعالبي كلمات وتعابير تدل على ان الجمال يعني الحسن ، وهذا الحُسن يظهر من خلال الوضاءة في البشرة ، والدقة في الانف، والصباحة في الوجه ، والرشاقة في القد ، والملاحة في الفم ، والحلاوة في العينين ، واللباقة في الشمائل ، والظرف في اللسان .
ويقترن الجمال كثيرا بجمال المرأة .. والمرأة الجميلة في المنظور الاسلامي هي المرأة الصالحة المؤمنة الصابرة التي تسعى من اجل القيام بواجباتها تجاه زوجها واولادها وبطريقة تساعد في توفير قيم الرحمة والسعادة والمودة والرحمة .
وهكذا التركيز في الفقه الاسلامي ، يكون حول جمال الاخلاق وحسن السلوك ؛ فالانسان الجميل لايمكن ان يأتي بما هو قبيح وكثيرا ما يقترن الجمال بالصبر الجميل قال رب العزة والجلال ( والله المستعان على ما تصفون ) .كما يقترن الجمال بالصفح الجميل أي بالعفو والمغفرة .
واخيرا لابد ان اقول بأن الجمال لايرتبط بشكل الانسان او شكل الطبيعة او بشكل اللوحة فقط وانما يرتبط في حياتنا اليوم بجمال العقل ، وجمال العلم ، وجمال الصورة ، وجمال السلوك ، وجمال التصرف ، والجمال في جانب منه يعني الطهارة ، والتناسق وحسن الهندام والتصرف القويم لذلك دعا الله سبحانه وتعالى عبده ان يتجمل ، ويأخذ زينته عند كل مسجد اي عندما يذهب الى الصلاة في المسجد . والى شيء من هذا القبيل قال الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إن المسلم يُبعث على الهيئة التي كان عليها في الدنيا من حيث نظافة البدن ، ووضاءة الوجه .
وقد يكون من المناسب وانا اتحدث عن الجمال ان اقول ان ما قال به الاسلام يتوافق كثيرا مع ماقاله الفلاسفة والمفكرين ؛ فالفيلسوف اليوناني سقراط لم يؤكد في نظريته الجمالية على ما نسميه بالجمال الحسي بل كان يعول كثيرا على جمال النفس ، وجمال الاخلاق والجمال عنده هو ما يتحقق عند الانسان في ما يقدمه من فائدة وخير لمجتمعه . أما الفيلسوف أفلاطون فنراه في جمهوريته يربط بين الجمال والحب ويقول ان الفنون تأخذ جماليتها من محاكاتها للطبيعة ، وإن كانت هذه المحاكاة قاصرة وناقصة .
رمضانكم جميل ، وصبركم جميل ، والله المستعان والى حلقة اخرى من برنامج ( ما قل ودل ) والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق