"الشوارع "
---------- عبد المنعم حمندي
تنامُ الشوارعُ ، تصحو باوجاعها
والسماواتُ تهبطُ نحو بنيها
هبطنا معاً وارتفعنا ..
ولم يبرق الرعدُ .. كيف يحنُّ المطرْ ؟
تنامُ العصافير بين الغصون،
وأعشاشها من دموع الشجرْ
وبين أوان الغروب
ووقع نعيق الغراب
تطلُّ على شرفةٍ في النشيج
وجوهٌ من الغمّ مغسولةٌ
بالنواح الذي ما انكسرْ
تنام الشوارع .. تغفو المصابيح ،
إنا نبلسم أحزاننا بالغناء،
ويبقى الأنين يدوّي ،
من العصر حتى زوال السحَرْ
*
للشوارع روحٌ وشمسٌ،
وضوضاؤها حين يدخلها الناس
نهرٌ تشبّث بالمستحيل لكي تستمر الحياةْ
ملتقىً ورؤىً، وضجيجٌ تعالى من الطرقاتْ
لا نراها .. ولما رأتنا..
صحونا من الحلم .. تهنا..
وفي التيهِ لا بّد أن نلتقي في السباتْ
أرأيت الشوارع يوماً تنام على الذكرياتْ؟.
ربما أنجبت غير أبنائها
ربما غيّرت سحنة العابرين
فكيف تنام وفيها حشودٌ من العاطلين ؟
وفيها جيوش من الجائعين
وفيها اللصوصُ وفيها الحواةْ
ودرابين مسحورةٌ بالوشاةْ
وفيها العطاشى وفيها السقاةْ
وفيها التراتيل محفوفةٌ بالصلاةْ
فكيف تنام ؟
وهل تستطيع المسير بهذا الزحام ؟
.....
أحب الشوارع ..أمشي عليها ،
وفيها نشأتُ ومنها ابتدأتُ ،
وحين كبوتُ نهضتُ ،
ولما سكرتُ صحوتُ
لعل الشوارعَ أُمّي
التي انجبتني على دكةٍ في الرصيف
بفصل الخريف
لماذا الخريف ؟
وإني أجوب الشوارع كل الفصول ..
فلا الخوف يمنع عني التسكع فيها
ولا يستطيع الحظَرْ
ولا غقغقات الصقور
ومما أخاف..
وهذا الشعاع خطاي بلا قدمين
و روحي التي صعدت ما تزال هنا
تقتفي أثراً في الأثرْ
....
لم أزل قابعاً تحت جلد الترابْ
سارحاَ بالعذاب المخبّأِ بين الضبابْ
قد زرعتُ من الهم نخلاً تمدد في الأرض ،
في دمنا المتيبّس فوق رؤوس الحرابْ
كيف يحيا الذي ليلهُ عقربٌ والصباح غرابْ ؟
......
ألملمُ كل الشوارع ..
أقضمها شارعاً شارعاً
ثم اودعها في جروحي
تعبتُ من المشيّ فيها..
فكيف ألملمُ روحي؟
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق