الدكتور عمر الطالب يدرس العلاقة بين القصة والقارئ في العراق
ابراهيم العلاف
يقول استاذي المرحوم الدكتور عمر الطالب في مقال له * نشره في مجلة " صوت الجامعة " التي كانت تصدرها جامعة البصرة أن القصة فن مهم من الفنون الابداعية ، فقد إستطاعت القصة أن تحتل مكانتها بين قراء العالم العربي ، منذ ظهور رواية (زينب ) لمحمد حسين هيكل عام 1914 وكان قد اصدرها بأسم فلاح مصري ولم يسجل إسمه عليها حتى عام 1929 ، خشية من ان ينتقد لان كتاب القصة كانوا مذمومين ينظر اليهم نظرة ازدراء واحتقار .
وكانت القصة ، قبل ذلك ، قد حظيت بإهتمام القارئ العربي في المجلات التي صدرت في بلاد الشام ومصر وعنيت عناية واضحة بترجمة القصة العربية مثل (البشير) 1870 و(الجنان) 1870 و(الاهرام) 1876 و(لسان الحال) 1877 و(منتخبات الروايات ) 1892 و(الروايات الشعبية) 1903 و( مسامرات الشعب 1905) و( حديقة الحيوانات ) 1909 و ( الروايات الجديدة 1910) و( الروايات الكبرى ) 1914 الى آخر امثال هذه المجلات التي قدمت القصة الى القاهرة وعنيت بترجمتها .
وقد كان القارئ العراقي يلتهم مثل هذه المطبوعات حتى غدت المطبوعات المصرية والشامية تحظى بأهمية كبيرة لديه . ولم يكن الانسان يعد مثقفا اذا لم يقرأ مصطفى لطفي المنفلوطي ، وجبران خليل جبران، ومصطفى صادق الرافعي ، وعباس محمود العقاد ، ومحمود تيمور ، وطه حسين ، وتوفيق الحكيم .
وقد بدأت الصحف والمجلات العراقية تنشر المقالات القصصية او القصص المترجم مثل جريدتي (الرقيب ) و( صدى بابل ) والمجلات العراقية مثل : ( تنوير الافكار ) و( لغة العرب) و( العلوم) و( دار السلام ) .
ومن اوائل القصص العراقية التي نشرتها هذه المجلات قصة " فتاة بغداد " لرزوق عيسى و"الاوهام " ليوسف رزق الله غنيمة عام 1910 حتى ظهرت "الرواية الايقاظية " عام 1919 لسليمان فيضي لتكون البداية الرائدة اعقبها قصتا محمود أحمد السيد الطويلتان "في سبيل الزواج " 1921 و"مصير الضعفاء " 1922 ومحمود أحمد السيد يُعد الرائد الحقيقي للقصة العراقية ..." .
ثم يمضي الاستاذ الدكتور عمر الطالب (رحمه الله ) ليقول :" ولكن الفن القصصي بدأ ينتشر في العراق –سواء أكان ذلك عن طريق اقبال القراء عليه ...ام كان ذلك عن طريق اقبال الادباء على كتابتها .لذلك نعتقد بأن علاقة الادب بالقارئ هي الاساس في ازدهار فن من الفنون فإنحسار القراء عن قراءة فن ادبي يعني موت ذلك الفن وتوقف الاقلام عن الكتابة فيه ومن هنا بدأت هذه المحاولة واعتقدها مجدية لو اكتملت استنادا الى احصائيات دقيقة لمعرفة اقبال القارئ العراقي على قراءة القصة العراقية ومن ثم تأثير ذلك على اصدار القصص في العراق سواء كان ذلك عن طريق المجموعات القصصية ام الروايات من ناحيتي الكم والنوع .
الذي يلفت الانتباه حقا ان عدد قراء القصص من الشباب قد انحسر مما كان عليه في الماضي ولاذكر مثالا على ذلك ..فقد كان اقبال المتعلمين على قراءة قصص ذو النون أيوب في منتصف الثلاثينات وحتى مشارف الخمسينات من القرن الماضي كبيرا جدا ؛فإذا ما ظهرت مجموعة من مجموعاته القصصية في السوق بيعت في وقت قصير جدا وقرئت وتحدث عنها الناس في مجالسهم وقد أجريتُ استفتاءا بين طلبة قسم اللغة العربية في كلية الاداب في جامعة الموصل حول قراءة الادب بصورة عامة والقصة العراقية بصورة خاصة فجاءت نسبة قراء القصة 10 %فقط .
من هذا المنطلق وجدتُ ضرورة لدراسة العراقة بين القصة العراقية والقارئ كمحاولة مبدئية اثيرها لتدرس بدقة ولكي تجري عليها المؤسسات الثقافية والاكاديمية المختصة دراسات وافية لعلها تسهم في تطوير حركة الفن القصصي في العراق .
ويورد الدكتورالطالب احصائيات بما صدر في العراق من مجاميع قصصية في الفترة ما بين ظهو القصة في العراق عام 1919 وقيام الحرب العالمية الثانية 1939 ويربط ذلك بعوامل عديدة منها :
1.التعليم ومستواه
2.الدخل الفردي للمواطن
3. القوة الشرائية للمثقف
4. اسعار الكتب والمجلات
5.المكتبات
6. المطابع
7. اقبال القراء على قراءة الصحف والمجلات
8. الحياة العامة للفرد وظروفه
9.السياسة العامة للدولة
ويجيب على سؤال يتعلق بنسبة قراء القصة العراقية وعدد ما يطبع من المجاميع القصصية وحسب معرفته بأن ما يطبع يتراوح بين 1000و1500 نسخة وهي نسبة ضئيلة جدا الى عدد السكان .
ويعود ليتساءل عن الدور الحقيقي للقصة العراقية في تنمية المجتمع وتنويره وهل قام كتاب القصة بما يجب ان يقوموا به في هذا المجال وكيف ان معظم النتاج القصصي العراقي منذ الستينات قد غرق في الذاتية وسار وراء الاشكال القصصية الغربية مسيرة المقلد لا المبدع وقال لماذا لايقوم كتاب القصة بدورهم في تنوير الشعب ..اليس القاص فردا من افراد المجتمع ولماذا هذا الاسترسال السوداوي وراء خلجات نفوس محطمة بائسة ولماذ هذا الجهد الكبير وراء اقتناص الالفاظ الملونة والجمل الملفوفة والاخيلة الشاعرية والاساليب الغامضة ؟ .
ثم يختم الدكتور عمر الطالب مقالته بالقول ان من نتائج الاستفتاء الذي اجراه ان نسبة كبيرة ممن اجري عليهم الاستفتاء قالوا في الجواب عن سؤال يتعلق بإنصرافهم عن قراءة القصص العراقي انها اي هذه القصص "لاتنسجم مع نفوسنا ..انها غير مفهومة ،غموضها يثير القلق والتعب " .
ولاينسى الدكتور عمر الطالب النقاد فيقول :لعل للنقاد دورا في هذا القصور وخاصة في ان يقوموا بدورهم في توضيح الغموض وبسط ما يرونه غير مفهوم للقارئ العادي ويجيب اننا لانقرأ نقدأ لآثر قصصي عراقي قدر ما نقرأ عرضا وتلخيصا ...لكن النقاد يدافعون عن انفسهم ويقولون ان النقد يتبع الادب فحيثما يرتقي الاول يتبعه الثاني وقد حظيت الاعمال الجادة والجيدة بمقالات نقدية كثيرة ...وعلى سبيل نالت "المملكة السوداء "لمحمد خضير و"الوشم "لعبد الرحمن الربيعي وبعض ما اصدره موفق خضر وموسى كريدي وعبد الاله عبد الرزاق بإهتمام النقاد .
وبعد كل ماقيل –يقول الدكتور الطالب – يجدر بنا ، ونحن في مرحلة التطور ، ان نولي الفن القصصي في العراق عنايتنا ، وان نأخذ بيد كتاب القصة العراقيين ، وعلى النقاد ان لايتوانوا في إداء واجبهم في توضيح أبعاد القصة العراقية ودعم مكانتها بين القصص العربي الحديث .
**********************************************
*دراسة منشورة في مجلة "صوت الجامعة " يصدرها المركز الثقافي لجامعة البصرة ،العدد 13 ،1978 ص ص 19-24 .
**الصورة من اليسار المرحوم الدكتور عمر الطالب ثم الدكتور ابراهيم العلاف فالدكتور ذنون الطائي والدكتور نزار قبع والدكتور سعد الله توفيق والدكتور سالم الحمداني (رحمه الله )
ابراهيم العلاف
يقول استاذي المرحوم الدكتور عمر الطالب في مقال له * نشره في مجلة " صوت الجامعة " التي كانت تصدرها جامعة البصرة أن القصة فن مهم من الفنون الابداعية ، فقد إستطاعت القصة أن تحتل مكانتها بين قراء العالم العربي ، منذ ظهور رواية (زينب ) لمحمد حسين هيكل عام 1914 وكان قد اصدرها بأسم فلاح مصري ولم يسجل إسمه عليها حتى عام 1929 ، خشية من ان ينتقد لان كتاب القصة كانوا مذمومين ينظر اليهم نظرة ازدراء واحتقار .
وكانت القصة ، قبل ذلك ، قد حظيت بإهتمام القارئ العربي في المجلات التي صدرت في بلاد الشام ومصر وعنيت عناية واضحة بترجمة القصة العربية مثل (البشير) 1870 و(الجنان) 1870 و(الاهرام) 1876 و(لسان الحال) 1877 و(منتخبات الروايات ) 1892 و(الروايات الشعبية) 1903 و( مسامرات الشعب 1905) و( حديقة الحيوانات ) 1909 و ( الروايات الجديدة 1910) و( الروايات الكبرى ) 1914 الى آخر امثال هذه المجلات التي قدمت القصة الى القاهرة وعنيت بترجمتها .
وقد كان القارئ العراقي يلتهم مثل هذه المطبوعات حتى غدت المطبوعات المصرية والشامية تحظى بأهمية كبيرة لديه . ولم يكن الانسان يعد مثقفا اذا لم يقرأ مصطفى لطفي المنفلوطي ، وجبران خليل جبران، ومصطفى صادق الرافعي ، وعباس محمود العقاد ، ومحمود تيمور ، وطه حسين ، وتوفيق الحكيم .
وقد بدأت الصحف والمجلات العراقية تنشر المقالات القصصية او القصص المترجم مثل جريدتي (الرقيب ) و( صدى بابل ) والمجلات العراقية مثل : ( تنوير الافكار ) و( لغة العرب) و( العلوم) و( دار السلام ) .
ومن اوائل القصص العراقية التي نشرتها هذه المجلات قصة " فتاة بغداد " لرزوق عيسى و"الاوهام " ليوسف رزق الله غنيمة عام 1910 حتى ظهرت "الرواية الايقاظية " عام 1919 لسليمان فيضي لتكون البداية الرائدة اعقبها قصتا محمود أحمد السيد الطويلتان "في سبيل الزواج " 1921 و"مصير الضعفاء " 1922 ومحمود أحمد السيد يُعد الرائد الحقيقي للقصة العراقية ..." .
ثم يمضي الاستاذ الدكتور عمر الطالب (رحمه الله ) ليقول :" ولكن الفن القصصي بدأ ينتشر في العراق –سواء أكان ذلك عن طريق اقبال القراء عليه ...ام كان ذلك عن طريق اقبال الادباء على كتابتها .لذلك نعتقد بأن علاقة الادب بالقارئ هي الاساس في ازدهار فن من الفنون فإنحسار القراء عن قراءة فن ادبي يعني موت ذلك الفن وتوقف الاقلام عن الكتابة فيه ومن هنا بدأت هذه المحاولة واعتقدها مجدية لو اكتملت استنادا الى احصائيات دقيقة لمعرفة اقبال القارئ العراقي على قراءة القصة العراقية ومن ثم تأثير ذلك على اصدار القصص في العراق سواء كان ذلك عن طريق المجموعات القصصية ام الروايات من ناحيتي الكم والنوع .
الذي يلفت الانتباه حقا ان عدد قراء القصص من الشباب قد انحسر مما كان عليه في الماضي ولاذكر مثالا على ذلك ..فقد كان اقبال المتعلمين على قراءة قصص ذو النون أيوب في منتصف الثلاثينات وحتى مشارف الخمسينات من القرن الماضي كبيرا جدا ؛فإذا ما ظهرت مجموعة من مجموعاته القصصية في السوق بيعت في وقت قصير جدا وقرئت وتحدث عنها الناس في مجالسهم وقد أجريتُ استفتاءا بين طلبة قسم اللغة العربية في كلية الاداب في جامعة الموصل حول قراءة الادب بصورة عامة والقصة العراقية بصورة خاصة فجاءت نسبة قراء القصة 10 %فقط .
من هذا المنطلق وجدتُ ضرورة لدراسة العراقة بين القصة العراقية والقارئ كمحاولة مبدئية اثيرها لتدرس بدقة ولكي تجري عليها المؤسسات الثقافية والاكاديمية المختصة دراسات وافية لعلها تسهم في تطوير حركة الفن القصصي في العراق .
ويورد الدكتورالطالب احصائيات بما صدر في العراق من مجاميع قصصية في الفترة ما بين ظهو القصة في العراق عام 1919 وقيام الحرب العالمية الثانية 1939 ويربط ذلك بعوامل عديدة منها :
1.التعليم ومستواه
2.الدخل الفردي للمواطن
3. القوة الشرائية للمثقف
4. اسعار الكتب والمجلات
5.المكتبات
6. المطابع
7. اقبال القراء على قراءة الصحف والمجلات
8. الحياة العامة للفرد وظروفه
9.السياسة العامة للدولة
ويجيب على سؤال يتعلق بنسبة قراء القصة العراقية وعدد ما يطبع من المجاميع القصصية وحسب معرفته بأن ما يطبع يتراوح بين 1000و1500 نسخة وهي نسبة ضئيلة جدا الى عدد السكان .
ويعود ليتساءل عن الدور الحقيقي للقصة العراقية في تنمية المجتمع وتنويره وهل قام كتاب القصة بما يجب ان يقوموا به في هذا المجال وكيف ان معظم النتاج القصصي العراقي منذ الستينات قد غرق في الذاتية وسار وراء الاشكال القصصية الغربية مسيرة المقلد لا المبدع وقال لماذا لايقوم كتاب القصة بدورهم في تنوير الشعب ..اليس القاص فردا من افراد المجتمع ولماذا هذا الاسترسال السوداوي وراء خلجات نفوس محطمة بائسة ولماذ هذا الجهد الكبير وراء اقتناص الالفاظ الملونة والجمل الملفوفة والاخيلة الشاعرية والاساليب الغامضة ؟ .
ثم يختم الدكتور عمر الطالب مقالته بالقول ان من نتائج الاستفتاء الذي اجراه ان نسبة كبيرة ممن اجري عليهم الاستفتاء قالوا في الجواب عن سؤال يتعلق بإنصرافهم عن قراءة القصص العراقي انها اي هذه القصص "لاتنسجم مع نفوسنا ..انها غير مفهومة ،غموضها يثير القلق والتعب " .
ولاينسى الدكتور عمر الطالب النقاد فيقول :لعل للنقاد دورا في هذا القصور وخاصة في ان يقوموا بدورهم في توضيح الغموض وبسط ما يرونه غير مفهوم للقارئ العادي ويجيب اننا لانقرأ نقدأ لآثر قصصي عراقي قدر ما نقرأ عرضا وتلخيصا ...لكن النقاد يدافعون عن انفسهم ويقولون ان النقد يتبع الادب فحيثما يرتقي الاول يتبعه الثاني وقد حظيت الاعمال الجادة والجيدة بمقالات نقدية كثيرة ...وعلى سبيل نالت "المملكة السوداء "لمحمد خضير و"الوشم "لعبد الرحمن الربيعي وبعض ما اصدره موفق خضر وموسى كريدي وعبد الاله عبد الرزاق بإهتمام النقاد .
وبعد كل ماقيل –يقول الدكتور الطالب – يجدر بنا ، ونحن في مرحلة التطور ، ان نولي الفن القصصي في العراق عنايتنا ، وان نأخذ بيد كتاب القصة العراقيين ، وعلى النقاد ان لايتوانوا في إداء واجبهم في توضيح أبعاد القصة العراقية ودعم مكانتها بين القصص العربي الحديث .
**********************************************
*دراسة منشورة في مجلة "صوت الجامعة " يصدرها المركز الثقافي لجامعة البصرة ،العدد 13 ،1978 ص ص 19-24 .
**الصورة من اليسار المرحوم الدكتور عمر الطالب ثم الدكتور ابراهيم العلاف فالدكتور ذنون الطائي والدكتور نزار قبع والدكتور سعد الله توفيق والدكتور سالم الحمداني (رحمه الله )
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق