الدكتور فيصل الوائلي ودراسات التاريخ القديم في
العراق
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث العراق
مؤرخ وآثاري بارز , ولد في النجف سنة 1922 وقد ظهرت لديه ميول أدبية
وشعرية منذ أن كان تلميذا في المدرسة الثانوية . أسهم في النضال السياسي القومي
وهو في مرحلة الدراسة الجامعية الأولى .. كما اشترك وخطط لمؤتمرات ثقافية وآثارية
عديدة وخاصة في منتصف الستينات من القرن الماضي
رأس تحرير مجلة سومر الآثارية الرائدة وكتب لها افتتاحياتها للمدة من 1963 وحتى 1965 . طبع من كتبه (من أدب العراق القديم) طبعتين في بغداد الأولى سنة 1964 والثانية سنة 1967 . كما أن له كتاب (آثار العراق ومشاريع الري) طبعه في القاهرة سنة 1965 وله أيضا (الكاشيون في العراق) ولم يظهر عليه تاريخ النشر .. ذكره الأستاذ المعجمي كور كيس عواد في ( معجم المؤرخين العراقيين) الذي نشره بعدة أجزاء سنة 1969 . وقد قام الوائلي بترجمة ملحمة كالكامش من النص البابلي وقارن الترجمة بثلاث ترجمات في اللغة الإنكليزية وقد ترك هذا النص مخطوطا .. وكانت ترجمة فريدة ورائدة وأصيلة .كما ترجم كتاب(السومريون : تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم) ، تأليف عالم السومريات المعروف صموئيل نوح كريمر ، وقد طبعته دار غريب للطباعة في القاهرة سنة 1973 .
ومن دراساته المنشورة :
1. تاريخ العراق القديم في النصوص الآشورية 853 ـ630 ق.م : الذكرى والتاريخ ، 1978 .
2. منطقة الدلتا في بلاد ما بين النهرين : إعادة النظر في (دراسة ليس وفالكون) تأليف كيرتس أي لارسين ، وقد نشرته مجلة الآداب والتربية ، الكويت ، 1979 .
في مجلة الأقلام ، والتي صدر عددها الأول في سبتمبر 1964 من قبل وزارة الثقافة والإرشاد (الثقافة حاليا) ولا تزال تصدر حتى يومنا هذا ، شارك الدكتور فيصل الوائلي خلال العقد الأول من عمرها والممتد من 1964 حتى 1975 في هيئة تحريرها وإدارتها مع نخبة من الأساتذة والباحثين أمثال الأستاذ الدكتور احمد مطلوب والأستاذ الدكتور جميل سعيد والأستاذ سعدي يوسف والأستاذ الباحث عامر رشيد السامرائي والأستاذ الموسوعي عبد الحميد العلوجي والدكتور عبدالرحمن خالد القيسي والفنان مدحت الجادر والأستاذ عبد الكريم فرحان والشاعر عبدالوهاب البياتي والقاص عبدالرحمن مجيد الربيعي والعلامة الدكتور مصطفى جواد وآخرين .. ومما كتبه فيها على سبيل المثال مقالتين مهمتين عن الأدب العراقي القديم (1964) وفيهما قدم نماذج من هذا الأدب وقام بتحليلها بعمق ومعرفة تنم عن قدرة عالية جدا في فهم خبايا التاريخ الثقافي العراقي القديم .
كان للدكتور الوائلي آراء في التاريخ العربي القديم وخاصة تاريخ العراق وتاريخ مصر وكثيرا ما كان يقارن بين أحداث هذين التاريخين وتأثيرات تلك الأحداث وانعكاساتها على شخصية الفرد العراقي والفرد المصري .. ومن تلك الآراء إن العلاقة بين العراقي والسلطة كانت تقوم على (الخوف) بينما العلاقة بين المصري والسلطة كانت تقوم على (الاحترام) .. ولهذا سبب يرجع إلى البيئة والمناخ ، فمناخ العراق عنيف ودجلة والفرات يفيضان في أوقات لا يحتاجها الفلاح وهما يضران الزرع والضرع بينما النيل يفيض بهدوء وفي أوقات يحتاجها الفلاح ومن هنا نشأت عادة تكريم النيل بفتاة جميلة تلقى فيه أيام الفراعنة وبعيد شم النسيم الذي يحتفل به المصريون اليوم .
كان يقول إن التاريخ المصري ارتبط وتأثر إلى حد كبير بطبيعة مصر الجغرافية فمصر تقع في الزاوية الشمالية من القارة الأفريقية وتتصل بالبحر المتوسط شمالا وتمتد على طول البحر الأحمر شرقا ولها قسم صغير يقع في آسيا وهو شبه جزيرة سيناء وكانت متصلة بأرض مصر قبل حفر قناة السويس سنة 1869 . وهذا الموقع مهم من الناحية الإستراتيجية فمصر تسيطر على طرق المواصلات التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط ، وقد دفع الموقع الكثير من الغزاة إلى محاولة الاستيلاء على مصر .. وكان الدكتور الوائلي يقول أن العامل الجغرافي المهم لمصر مكن الناس هناك من الحياة والناس هم الذين يصنعون التاريخ وهكذا نجد ارتباط مصر بهذه الظاهرة الجغرافية .. كما أن هذا الموقع في الوقت نفسه وحدود مصر المغلقة أعطت للمصريين منذ العصور القديمة شعورا بالثقة والاطمئنان والاعتزاز بالنفس فإذا نظر المصري غربا فانه لا يجد إلا الصحراء أما إذا نظر إلى الشمال والشرق ، فسوف لا يجد إلا البحر، وهذا ما جعل المصريين يعتقدون منذ القدم إن بلدهم مركز الكون .. وإذا ما قارنا ذلك بالعراق فسوف نرى إن حدود العراق مفتوحة وهو دائما عرضة للغزو .. ومن هنا فالعراقي لا يخشى السلطة فحسب بل يخشى الطبيعة ووجد ذلك سبيله إلى قصص أدب العراقيين المتأثر بروح الحزن ، فهو دائما يتلقى الصدمات ويواجه التحديات الخارجية .
وعن تاريخ سوريا قال إن سوريا هي الوحدة الجغرافية التي عرفت ببلاد الشام وتاريخ هذه المنطقة معقد ومتشابك وللجغرافية كذلك اثر واضح ، ويقصد بالجغرافية الموقع والمناخ والحدود والتقسيمات الطبيعية ومما قاله إن سوريا تشهد عندما تظهر في المنطقة دولة قوية أو دول قوية صراعا بين هذه القوى فسوريا "ميدان لالتقاء تلك القوى المختلفة" ولهذا نتائج مهمة على تاريخها فعلى أرضها مثلا التقت حضارة العراق مع حضارة مصر فكانت سوريا البوتقة التي انصهرت فيها تلك الحضارات ، لهذا فإننا لم نجد في سوريا حضارة سورية أصيلة بالمعنى الضيق ، بل إن حضارتها متأثرة بهذا المزيج ، وقد أصبحت حضارتها تعكس طابع الحضارات المختلفة ، لكن السوريين استطاعوا بسبب ذكائهم وقدراتهم وحذقهم التجاري في أن يصبغوا تلك الحضارات بصبغتهم .. كما أن موقع سوريا القريب من ثلاث قارات مكنها من أن تكون جسرا وحلقة وصل بين القارات أوربا وأفريقيا واسيا .
كما وقف عند الأموريين والكنعانيين والفينيقيين والآراميين والعبرانيين والفلسطينيين واثر الفينيقيين في ما اسماه (تحضير) العالم الغربي .. وهكذا بدا الدكتور الوائلي مؤرخا من الطراز الأول مع انه لم يكن متخصصا بالتاريخ بل بالآثار .
كان منهج الدكتور الوائلي التاريخي لا يختلف كثيرا عن منهج زملائه المؤرخين العراقيين المعاصرين أمثال عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي وطه باقر وزكي صالح وجعفر خصباك وغيرهم .. فهو يعتمد التهميش والتنصيص والعودة إلى الأصول .. يحلل ويعلل ويفسر ويصل إلى نتائج مهمة دون أن يكون متأثرا برؤية مسبقة أو نظرية جاهزة .. فهو يغوص في الوقائع ليستخلص القواعد التاريخية .
لقد تعرض الدكتور الوائلي للاعتقال مرات عديدة في تاريخه وخاصة في العهد الملكي (1921 ـ 1958) ، وتدل الأدبيات التاريخية العراقية المعاصرة انه كان يشارك زملائه من الأساتذة في تقديم مذكرات الاحتجاج والانتقاد للسلطة آنذاك . ومنها على سبيل المثال لا الحصر عرائض الاحتجاج التي تقدم بها الدكتور فيصل الوائلي و54 من زملائه أساتذة الجامعة في 10 نوفمبر 1956 احتجاجا على موقف الحكومة العراقية من حوادث السويس في مصر .. وقد فصل مع ثمانية من زملائه من وظائفهم كما أحيلوا إلى المجلس العرفي وحكم على الآخرين بالنفي والنقل وكان من نتائج موقف الأساتذة ذلك ، أن تعاظم الوعي الوطني وتشكلت جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 ومهد ذلك كله لسقوط النظام الملكي يوم 14 تموز 1958 .
توفي الدكتور فيصل الوائلي عام 1982 عن 60 عاما
رأس تحرير مجلة سومر الآثارية الرائدة وكتب لها افتتاحياتها للمدة من 1963 وحتى 1965 . طبع من كتبه (من أدب العراق القديم) طبعتين في بغداد الأولى سنة 1964 والثانية سنة 1967 . كما أن له كتاب (آثار العراق ومشاريع الري) طبعه في القاهرة سنة 1965 وله أيضا (الكاشيون في العراق) ولم يظهر عليه تاريخ النشر .. ذكره الأستاذ المعجمي كور كيس عواد في ( معجم المؤرخين العراقيين) الذي نشره بعدة أجزاء سنة 1969 . وقد قام الوائلي بترجمة ملحمة كالكامش من النص البابلي وقارن الترجمة بثلاث ترجمات في اللغة الإنكليزية وقد ترك هذا النص مخطوطا .. وكانت ترجمة فريدة ورائدة وأصيلة .كما ترجم كتاب(السومريون : تاريخهم وحضارتهم وخصائصهم) ، تأليف عالم السومريات المعروف صموئيل نوح كريمر ، وقد طبعته دار غريب للطباعة في القاهرة سنة 1973 .
ومن دراساته المنشورة :
1. تاريخ العراق القديم في النصوص الآشورية 853 ـ630 ق.م : الذكرى والتاريخ ، 1978 .
2. منطقة الدلتا في بلاد ما بين النهرين : إعادة النظر في (دراسة ليس وفالكون) تأليف كيرتس أي لارسين ، وقد نشرته مجلة الآداب والتربية ، الكويت ، 1979 .
في مجلة الأقلام ، والتي صدر عددها الأول في سبتمبر 1964 من قبل وزارة الثقافة والإرشاد (الثقافة حاليا) ولا تزال تصدر حتى يومنا هذا ، شارك الدكتور فيصل الوائلي خلال العقد الأول من عمرها والممتد من 1964 حتى 1975 في هيئة تحريرها وإدارتها مع نخبة من الأساتذة والباحثين أمثال الأستاذ الدكتور احمد مطلوب والأستاذ الدكتور جميل سعيد والأستاذ سعدي يوسف والأستاذ الباحث عامر رشيد السامرائي والأستاذ الموسوعي عبد الحميد العلوجي والدكتور عبدالرحمن خالد القيسي والفنان مدحت الجادر والأستاذ عبد الكريم فرحان والشاعر عبدالوهاب البياتي والقاص عبدالرحمن مجيد الربيعي والعلامة الدكتور مصطفى جواد وآخرين .. ومما كتبه فيها على سبيل المثال مقالتين مهمتين عن الأدب العراقي القديم (1964) وفيهما قدم نماذج من هذا الأدب وقام بتحليلها بعمق ومعرفة تنم عن قدرة عالية جدا في فهم خبايا التاريخ الثقافي العراقي القديم .
كان للدكتور الوائلي آراء في التاريخ العربي القديم وخاصة تاريخ العراق وتاريخ مصر وكثيرا ما كان يقارن بين أحداث هذين التاريخين وتأثيرات تلك الأحداث وانعكاساتها على شخصية الفرد العراقي والفرد المصري .. ومن تلك الآراء إن العلاقة بين العراقي والسلطة كانت تقوم على (الخوف) بينما العلاقة بين المصري والسلطة كانت تقوم على (الاحترام) .. ولهذا سبب يرجع إلى البيئة والمناخ ، فمناخ العراق عنيف ودجلة والفرات يفيضان في أوقات لا يحتاجها الفلاح وهما يضران الزرع والضرع بينما النيل يفيض بهدوء وفي أوقات يحتاجها الفلاح ومن هنا نشأت عادة تكريم النيل بفتاة جميلة تلقى فيه أيام الفراعنة وبعيد شم النسيم الذي يحتفل به المصريون اليوم .
كان يقول إن التاريخ المصري ارتبط وتأثر إلى حد كبير بطبيعة مصر الجغرافية فمصر تقع في الزاوية الشمالية من القارة الأفريقية وتتصل بالبحر المتوسط شمالا وتمتد على طول البحر الأحمر شرقا ولها قسم صغير يقع في آسيا وهو شبه جزيرة سيناء وكانت متصلة بأرض مصر قبل حفر قناة السويس سنة 1869 . وهذا الموقع مهم من الناحية الإستراتيجية فمصر تسيطر على طرق المواصلات التي تربط البحر الأحمر بالبحر المتوسط ، وقد دفع الموقع الكثير من الغزاة إلى محاولة الاستيلاء على مصر .. وكان الدكتور الوائلي يقول أن العامل الجغرافي المهم لمصر مكن الناس هناك من الحياة والناس هم الذين يصنعون التاريخ وهكذا نجد ارتباط مصر بهذه الظاهرة الجغرافية .. كما أن هذا الموقع في الوقت نفسه وحدود مصر المغلقة أعطت للمصريين منذ العصور القديمة شعورا بالثقة والاطمئنان والاعتزاز بالنفس فإذا نظر المصري غربا فانه لا يجد إلا الصحراء أما إذا نظر إلى الشمال والشرق ، فسوف لا يجد إلا البحر، وهذا ما جعل المصريين يعتقدون منذ القدم إن بلدهم مركز الكون .. وإذا ما قارنا ذلك بالعراق فسوف نرى إن حدود العراق مفتوحة وهو دائما عرضة للغزو .. ومن هنا فالعراقي لا يخشى السلطة فحسب بل يخشى الطبيعة ووجد ذلك سبيله إلى قصص أدب العراقيين المتأثر بروح الحزن ، فهو دائما يتلقى الصدمات ويواجه التحديات الخارجية .
وعن تاريخ سوريا قال إن سوريا هي الوحدة الجغرافية التي عرفت ببلاد الشام وتاريخ هذه المنطقة معقد ومتشابك وللجغرافية كذلك اثر واضح ، ويقصد بالجغرافية الموقع والمناخ والحدود والتقسيمات الطبيعية ومما قاله إن سوريا تشهد عندما تظهر في المنطقة دولة قوية أو دول قوية صراعا بين هذه القوى فسوريا "ميدان لالتقاء تلك القوى المختلفة" ولهذا نتائج مهمة على تاريخها فعلى أرضها مثلا التقت حضارة العراق مع حضارة مصر فكانت سوريا البوتقة التي انصهرت فيها تلك الحضارات ، لهذا فإننا لم نجد في سوريا حضارة سورية أصيلة بالمعنى الضيق ، بل إن حضارتها متأثرة بهذا المزيج ، وقد أصبحت حضارتها تعكس طابع الحضارات المختلفة ، لكن السوريين استطاعوا بسبب ذكائهم وقدراتهم وحذقهم التجاري في أن يصبغوا تلك الحضارات بصبغتهم .. كما أن موقع سوريا القريب من ثلاث قارات مكنها من أن تكون جسرا وحلقة وصل بين القارات أوربا وأفريقيا واسيا .
كما وقف عند الأموريين والكنعانيين والفينيقيين والآراميين والعبرانيين والفلسطينيين واثر الفينيقيين في ما اسماه (تحضير) العالم الغربي .. وهكذا بدا الدكتور الوائلي مؤرخا من الطراز الأول مع انه لم يكن متخصصا بالتاريخ بل بالآثار .
كان منهج الدكتور الوائلي التاريخي لا يختلف كثيرا عن منهج زملائه المؤرخين العراقيين المعاصرين أمثال عبد العزيز الدوري وصالح احمد العلي وطه باقر وزكي صالح وجعفر خصباك وغيرهم .. فهو يعتمد التهميش والتنصيص والعودة إلى الأصول .. يحلل ويعلل ويفسر ويصل إلى نتائج مهمة دون أن يكون متأثرا برؤية مسبقة أو نظرية جاهزة .. فهو يغوص في الوقائع ليستخلص القواعد التاريخية .
لقد تعرض الدكتور الوائلي للاعتقال مرات عديدة في تاريخه وخاصة في العهد الملكي (1921 ـ 1958) ، وتدل الأدبيات التاريخية العراقية المعاصرة انه كان يشارك زملائه من الأساتذة في تقديم مذكرات الاحتجاج والانتقاد للسلطة آنذاك . ومنها على سبيل المثال لا الحصر عرائض الاحتجاج التي تقدم بها الدكتور فيصل الوائلي و54 من زملائه أساتذة الجامعة في 10 نوفمبر 1956 احتجاجا على موقف الحكومة العراقية من حوادث السويس في مصر .. وقد فصل مع ثمانية من زملائه من وظائفهم كما أحيلوا إلى المجلس العرفي وحكم على الآخرين بالنفي والنقل وكان من نتائج موقف الأساتذة ذلك ، أن تعاظم الوعي الوطني وتشكلت جبهة الاتحاد الوطني سنة 1957 ومهد ذلك كله لسقوط النظام الملكي يوم 14 تموز 1958 .
توفي الدكتور فيصل الوائلي عام 1982 عن 60 عاما
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق