الخميس، 27 ديسمبر 2012

الشاعر فاروق مصطفى ، نديم الزمان والمكان في كركوك



  1. الشاعر فاروق مصطفى ، نديم الزمان والمكان في كركوك
    حاوره : نصرت مردان
    يجد المتتبع في جميع دواوين الشاعر فاروق مصطفى بلا استثناء ،وفي خرائط صباه وكهولته في مساءات كركوك وصباحاته الحزينة ، شوقا لا ينتهي إلى استذكاراته وأحلامه التي احترقت مع الزمن ، ولم يبق له من سلوى سوى منادماته مع صحبه في أمكنة مدينته المختلفة : جرت ميدان ، بساتين ومقبرة كاوورباغي ، ساحة الطيران ،محطة سكك كركوك ، مقبرة سيد علاوي ، القشلة ، ونهر خاصة ، الذي تهجره المياه صيفا بعد أن تغذيه بالمياه والحركة والصخب في موسم الشتاء.
    فاروق مصطفى ، يعيش من خلال دواوينه الشعرية ونصوصه : قمصان الغيوم المتدلية 2003، أرصفة الدفلى 2004 ، جماعة كركوك والاستذكارات الناقصة 2005 ، ولجيد كركوك باقة من أزهار الخٌبّاز 2005 ، طريق الدفلى إلى كركوك 2006، هديل الغمام بين يدي كركوك 2006 ، تسكعات الفقير الكركوكي 2006 ، بريد كركوك الذاهب عشقا 2007 ، الثمل بعشق كركوك 2008 ,قراءات في الادب القصصي ,ذاكرة جرت ميدان2008,ماقاله الاصدقاء لكركوك الهاطلة في القلب2009,كركوك بيت للدفلى وحديقةللغمام2009,ادباء وشعراء ومقاه في مذكورات كركوك اناس من كركوك 2010, ذاكرة كركوك2011,يعيش منادماته الكركوكية مع الزمان والمكان بوله جواني عاصف ، ملفت للنظر ، في شوارع ومقاهي كركوك التي يصفها بالمستسلمة لدغدغات النسيان .
    في تصوري ليس ثمة شاعر آخر متوله بالأزمنة والأمكنة مثل فاروق مصطفى الذي يحتفظ بكل هذا الدفق الإنساني ، والدفء والألفة والحنين إلى أمكنة عايشها وعايشته ، حتى الذين غادروا قطار الحياة من بشر وأمكنة ، لا يزالون ينبضون ويتنفسون في استذكاراته بشكل دائم. كيف لا وقد قال ردا على سؤال أحد خلانه عن الجامعة التي تخرج منها. فكان رده مفعما بالحنين إلى المكان الأول حين قال ، بأنه من خريجي أكاديمية ( جرت ميدان) ، وهو الحي الذي ينتمي إليه الشاعر.
    حتى حياة الأمكنة والأزمنة تنتهي إلى زوال ، وأمام مرارة هذا الواقع ، احتفظ فاروق مصطفى في ذاكرته ووعيه بوجع هذا الموت .فقد انهال معول الزمن على الأمكنة التي كانت مثار إعجابه كسينما الحمراء ، والعلمين ، وأطلس ، وصلاح الدين التي ذهبت لالسنة النيران ، وحل وباء مطلسم على البيوت والمقاهي والأحياء الجميلة ، وشاهد بمرارة رحيل ( فلاش كوردن ) و( الملاك الأبيض ) و ( طرزان ) أولا ، ولحق بهم أبطال السينما من الزمن الجميل .
    في طقوس كركوك الضاربة أطنابها في الأساطير والحكايات والرؤى ، يحمل فاروق مصطفى في مخياله الشعري قاموسه الإبداعي لينسج قمصانا بيضاء لكركوك تنادم رياح الشتاء ، وقمصانا أخرى لأمكنة أحبها في مرتع طفولته وصباه مكانه الأول (جرت ميدان) ، وقميصا لقيلولة (كاوور باغي ) ودراويش المحلة ، وأناس هم أمراء في الطيبة ونبلاء في البساطة والوفاء . والشاعر في نصوصه الشعرية والنثرية في رحلة لا تنتهي يتذكر خلالها شعراء كركوك الذين أحبهم وأحبوه ، ومن النادر أن لايمر على ذكر جان دمو وسركون بولص ومؤيد الراوي وفاضل العزاوي وجليل القيسي وأنور الغساني ، والسائرين بعدهم على نفس الدرب.

    سيرة الشاعر متداخلة مع سيرة مدينته التي وثق حبه ووده الكبير لها بحيث أن الفصل بينهما في نثره وشعره لا يمكن الفصل بينهما لا بجدار حقيقي ، ولا بجدار مصطنع .

    مخياله يجمع سحر الأمكنة والأزمنة في كركوك ليفتح بذلك لنفسه طريقا لم يسر عليه شاعر . وهو بذلك سيبقى الأبهى شعر ، ليكون شاعرا مقتدرا في قصائده ، ولتبقى سيرة كركوك كمادة ثابتة في نصوصه الشعرية ، بحيث تبدو سيرة كركوك وكأنها سيرة الشاعر نفسه . ولعل هذا اللقاء مع الشاعر فاروق مصطفى سيكشف للقارئ أسرار ولعه بمدينته ؟

    - لا أتصور أن ثمة كاتبا أو شاعرا عراقيا يحتفظ بكل هذا الدفق والدفء والألفة والولع تجاه الأمكنة والأزمنة في مدينته ، ما سر هذه الأيقونات المبهرة ، التي تربط حياتك كشاعر ومبدع بسيرة كركوك ؟

    - انا ابن مدينة درجت في بيت كان بمثابة مشغل حكائي تروى الحكايات فيه مشافهة أو تلقى علينا قراءة من كتب مثل (ألف ليلة وليلة) والكل يتبارون في إلقاء هذه الحكايات ، فعندما كنت أتحرك في أرجاء الدار أتعثر بها ومرات التقطها من تحت البسط والزوالي.

    هذه الحكايات أخصبت مخيلتي ومنحتني القدرة على الحلم وصناعته، وصدف أن مدرستي الابتدائية التي تعلمت فيها كانت واقعة في أحضان بستان مطلسم الا وهو بستان (كاوورباغي) فكنت أعانق كل صباح أشجار الزيتون وأتغطى بتغاريد الطيور واستاف ضوعات مختلف الأشجار ، وخلف البستان كانت تستلقي محطة قطار كركوك والطريق الذي اسلكه اليه طريق مفروش بشجيرات الدفلى والتي كانت تصدح ازهارها وتتموسق معي، وانا اقطع هذا الطريق المدفل وقد تأبطت كتبي بحثا عن دفء عربة قطار للقراءة وتحضير الواجبات، ومن مقهى والدي الذي عشقت تخوته واسطواناته الغنائية القديمة وأظلال نعاساته الحزينة، ومن عشق هذه التخوت انتقلت إلى عشق المصاطب في المتنزهات فأحب مكان لي أن اقتعد مصطبة وأتأمل الأشجار وأنظر الطيور وهي تحلق في رفرفاتها المنغمة، ولا تنسى التلول الحزينة التي تحيط بكركوك فتراها دائما مجللة بأسى لا تفهم مكنوناته ، والآن مع الكهولة التي تطوقني من الجهات جميعها، الكثير من المشاهد التي تعودت عليها في طفولتي وصباي اضمحلت وتلاشت فأنا أريد أن امسك بتلابيب هذه الأشياء الجميلة التي تنزلق من بين الأصابع . أريد أن اقبض عليها وأحسها وأشمها وأعيد بناءها في أخيلتي المبتدعة وأخلق لها شكلا جديدا، وفي كل هذا عزاء لي لأقي نفسي من الأيام القادمة المدججة بزمهريرها القارس.

    - ضمن الارتباط بالمكان والزمان الكركوكيين ، عشت وتعيش لصق المقاهي مع صحبك ، إلى حد أنك جعلت مقهى (شاكر) محطة انتظار للذي يأتي و لايأتي من خلانك ؟

    - من مقاهي (جرت ميدان) التي فتحت عيني عليها وأحببتها وعددتها بيوتا تغوي المرء باستسرار المودة والألفة ، وعبرها انتقل ولعي إلى مقاهي المدينة الأخرى، مقهى (المجيدية) الذي كنت أجالس فيه (مؤيد الراوي) ومقهى (المدورة) وقد تعرفت فيه على (جليل القيسي) و (يوسف الحيدري) ومقهى المحطة القديمة ، ومقهى (جليل) الذي عرف تجمعا خصبا من أدباء كركوك وفنانيه التشكيليين : صلاح فائق – جان دمو – حمزة حمامجي اوغلو – خاجيك كربيت – ناصر خلف ومحمد جلال (ممادي)، إلا أن كل هذه المقاهي فقدت بهجتها وديمومتها ،إما بالهدم أو تحويلها الى مآرب أخرى وكذلك بمغادرة الكثير من الصحب لكركوك فوجدت نفسي أواخر السبعينيات أفتقر الى مقهى يأويني ويأوي أحلامي فعثرت على مقهى (شاكر) وظللت ملتصقا به حتى انقلب الى عنوان "لي يصله بريد رسائلي وكتبي وصار بمرور الأيام ملتقى لصحبتي: الأستاذ محمد صابر محمود ، إسماعيل إبراهيم ، الشاعر المرحوم رعد مطشر ، المرحوم عباس عسكر، د. فؤاد قادر وعندما زار الشاعر (صلاح فائق) كركوك عائدا من بلاد الفليبين ظللنا نلتقي أكثر من شهر في المقهى المذكور يوميا ، ومع رجوعه ثانية الى مهجره البعيد تواعدنا في المكان عينه والى الآن هو مقهاي أجالس فيه صحبتي الذين يأتون والذين مازلت احرق أحلامي في انتظار مجيئهم.

    - عند ذكر الأمكنة التي أصبحتَ جزءا لا يتجزأ من خصوصيتها ، لم تهمل المرور على سينمات كركوك . كيف ترى،كركوك بعد اختفاء تلك الدور التي أبهجت حياتنا سنوات طويلة.

    - فتحت عيني على دور السينما منذ صغري، أذهب إليها برفقة أشقائي الكبار وبمرور الأيام أصبحت جزءً من حياتي واقتحمت شخصيات الأفلام مخيلتي أتنفسها وأتقمصها ، كنا نذهب الى تلك الدور البهيجة في طقوس خاصة نتهيأ ونتهندم بأبهى حللنا ونستأجر عربة من تلك العربات التي تجرها الخيول، نصل صالة السينما كأننا نعانق صديقا أثيرا على القلب، والألفة التي استغورتني تجاهها كانت ألفة حميمة ، كبرت وأنا أعد هاتيك الصالات الزوايا الأكثر إنارة والابهج إضاءة والأحلام توقا الى احتضان ما نبصر وما لا نبصر ، فهي ترينا ما خلف الجدران وتدخلنا الى الغرف الحميمة ، وتجوب بنا خفايا المكنونات ، كانت كركوك تملك خمس صالات شتوية تضاف اليها ثماني صالات صيفية مما كانت تضفي على المدينة معلما من الرونق ومشهدا من الطلاوة الفخمة. ان السينمات والأندية والمقاهي مجتمعة كانت تؤسس عوالم البهجة الكركوكية، وبذهاب هذه الأماكن الجميلة برسم الانقراض والتلاشي انطفأت في المدينة عيون جذلها وشحت ينابيع مسراتها. وبالرغم انه تم تشييد دارين للعرض السينمائي في السنوات الأخيرة حيث أقيمت صالة (القلعة) مكان سينما أطلس الصيفي وشيدت صالة جديدة لسينما العلمين بعد أن هدمت صالتها القديمة ، وقامت الصالة الجديدة في شارع الزجاجين الذي يخرج من شارع الأوقاف وينتهي بشارع اطلس إلا أن التوفيق لم يكتب لهاتين الدارين فصمتتا وانطفأت أضواؤها.

    - لقد رحلت كركوك في حقائب الأسماء اللامعة التي غادرتها : العزاوي ، مؤيد الراوي ، أنور الغساني ، سركون بولص ، ورغم انك طفت الجزائر ومعظم أقطار الشمال الإفريقي ، وأدمنت السياحة في أسبانيا وبلاد الجيك ، لسنوات طويلة من حياتك إلا انك لم تغادر مدينتك، ما سر بقائك ملتصقا بكركوك؟

    ـ تعلم أنني مكثت في الجزائر ما يقارب ستة أعوام بين 1968 – 1974 وعند انتهاء إيفادي عدت إلى كركوك حاولت ثانية مغادرة العراق والخروج الى العالم الفسيح في صائفة 75 شددت الرحال إلى مصر ونزلت القاهرة ومكثت فيها أكثر من شهرين وانتسبت الى جامعة عين شمس لدراسة الماجستير، عدت للعراق للحصول على إجازة دراسية واجهتني تعقيدات كثيرة فلم أكن منتميا حزبيا فلهذا رفض طلبي ولم استطع التخلي عن عملي فهو رزقي الوحيد ، في صائفة 76 ذهبت الى بيروت راجعت السفارة الليبية من أجل الحصول على عقد عمل هناك ، أخبرت بأن اللجنة المسؤولة عن منح عقود العمل لا تأتي بيروت الا في أوائل أيلول ونحن كنا في تموز ولم يكن في مكنتي الانتظار طوال شهرين ببيروت، ظللت اسافر خارج القطر مرتين سنويا مرة في عطلة الربيع وثانية في العطلة الصيفية واستمرت الحال الى عام 82 حيث فرض حظر تام على السفر الى الخارج بسبب إشكاليات الحرب العراقية الإيرانية. في عام 90 فتحت أبواب السفر وقمت بأخر سفرة في حياتي الى الخارج ، كان في نيتي التوجه الى بلاد الجيك التي أحببتها في إسفاري السابقة . وصلت استانبول وبدأت أتهيأ للحصول على تأشيرات الدول التي سأمر فيها، واجهتني تعقيدات جديدة لم تكن معروفة لي سابقا والغلاء هو الآخر فتح أشداقه، ألفيت حياة الخارج تغيرت تماما عن العقد السبعيني ، في هذه الفترة وأنا في تركيا دخل العراق الكويت مما أدى الى تكهرب الجو وتوتر كل شيء وتناهى الي بأن الحدود سوف تغلق وخوفا من بقائي وتشردي ولا أملك المال الكافي للمعيشة فاضطررت للعودة الى العراق ولم اغادره ثانية وأصبح عزائي قصيدة (المدينة) لـ (قسطنطين كفافي) شاعر الإسكندرية هذه القصيدة التي أحببتها وغدوت ارددها مع نفسي دائما:

    "ولسوف تتبعك المدينة

    في هذه الشوارع نفسها ستتسكع

    وفي هذه الأحياء نفسها ستهرم

    وتحت هذه السقوف سيبيض شعرك

    والى هذه المدينة ستنتهي دائما خطاك"

    - هل ستطل من نوافذ أعمالك الشعرية والنثرية المقبلة على الأمكنة والأزمنة في كركوك أيضا ؟ هل سنجد متنا آخر تؤسس عليه شعرك ؟

    ـ في الآونة الأخيرة كانت كتاباتي منصرفة الى موضوعة (جماعة كركوك) فلدي خزين هائل من الاستذكارات حول اولئك الصحب الذين عرفتهم ابان الستينيات والموضوعة الثانية التي استقطبتني : ذاكرة الامكنة الكركوكية ، وفي كلتا الحالتين كانت الموضوعات تنعجنان بكركوك وتتأثثان بها في دخيلائي أمتح من كهاريزها التي لا تنتهي فهي تغويني بضفائرها السوداء التي تلتف حول رقبتي ولأنها موطن افتتاني الأول فهي معي تسقيني غواياتها الماطرة ، وربما أجد لي مأوى آمنا تحت أفاريز النصوص المفتوحة أزاوج فيها الشعر بالسرد والسيرة بالذاكرة كما صنعت في نص لي كتبته تحت عنوان (مصطبة وحيدة أمام القلعة) وكتبت مقالا عن (أجاثا كريستي) وأنا اقتفي آثارها التي تركتها في العراق فأوصلتها الى محطة قطار كركوك القديمة التي هبطت فيها من القطار القادم من بغداد ولكن تلك البناية الجميلة التي كانت واحة ظليلة امتدت إليها معاول الهدم فأزيلت هي الأخرى من خرائط المدينة وأظن ان كتابتي تلك كانت بمثابة مرثاة مكرسة لها.

    - تعرفك مدينتك كشاعر منذ زمن طويل ، ما السر في اختفائك عن عالم النشر حتى عام 2003 ، لتبدأ بعده بنشر دواوينك ومؤلفاتك بنشاط ملحوظ ؟.

    ـ بدأت النشر مبكرا ، وظهرت لي أولى محاولاتي الشعرية في مجلة / الآخاء / قارداشلق العدد الخامس لشهر أيلول عام 1961 ثم انتقلت محاولاتي الكتابية الخجولة الى جريدة (الأخبار) البغدادية ، ومن زاوية بريد القراء ,والقراء يكتبون انتقلت الى الصفحة الأدبية وصفحة أخرى تحت عنوان (من جرح القلب) وكلتا الصفحتين كانتا بإشراف الإعلامي زهير أحمد القيسي ثم تحولت الى جريدة (البلد) ونشرت فيها مواد عدة وعندما بدأت أتتلمذ ببغداد في كلية الآداب صدرت جريدة (الأنباء الجديدة) وصفحتها الثقافية بإشراف عبد الرحمن مجيد الربيعي وهناك ظهرت لي قصائد وكنت انقل قصائد لصحبتي من كركوك وأقدمها لتنشر هناك وعرفت النشر في جريدة أخرى هي (المنار) . في فترة إيفادي الى الجزائر كانت هناك صحيفة وحيدة مركزيه تصدر في العاصمة وهي باللغة العربية، وأما في (قسنطينة) المدينة التي كنت أعيش فيها هناك جريدة باللغة الفرنسية ثم عربت تحت اسم (النصر) فبدأت انشر فيها بكثافة نصوصا شعرية وسردية وأذكر مرة كتبت قصيدة عن كركوك وضمنتها رباعية من رباعيات القوريات التركمانية، رفض رئيس التحرير نشرها ولكن المحرر الثقافي في الجريدة واسمه (علاوة وهبي) تحداه وظل الاثنان في سجال بين نشرها أو, حجبها الى أن استطاعت القصيدة ان تعانق النور ونشرت الجريدة لي دراسة حول (رامبو وحسين مردان) احتلت صفحة كاملة - والجريدة من القطع الكبير – وعندما انتهى إيفادي بدأت أراسل الجريدة كمراسل أدبي وثقافي لها من العراق في أوائل الثمانينيات انتقلت نصوصي ومقالاتي الى جريدة (الحدباء) ومجلة (الجامعة) الموصليتين ، وقد نشرت فيهما ما يقارب عشرين مادة ، توقفت لفترة عن النشر ثم عدت الى جريدة (العراق) البغدادية وظهرت لي على صفحاتها نصوص شعرية عديدة ومقالات ودراسات أدبية فأنا لم أكن بعيدا عن النشر الا إنني لم أكن مكثرا . بعد إحالتي على المعاش عام 98 صار لي متسع من الوقت . لم اختر لي عملا آخر وإنما غرقت في عالمي الأثير القراءة والكتابة وصدف ان جهاز الحاسوب شاع وانتشر في المكاتب لطبع المقالات والكتب وبعد عام التغيير في 2003 رفع نيل الموافقة لإجازة المطبوعات فأصبح الطريق سالكا لطبع المزيد من الكتب، والآن تجمع لي ستة عشر إصدارا وفي نيتي أن يكون إصداري القادم كتابا اجمع فيه كل ما دونته عن جماعة كركوك وربما أتفرغ أيضا لجمع كل نصوصي الشعرية المنتثرة هنا وهناك.

    نماذج من قصائده

    طريق الدفلى إلى كركوك

    كركوك نهر يدور

    يسنبل الأشجار , يملأ الأكواب

    ببقايا حزن يغلف الأسفار

    لشاعر يلقي أطمار عشقهِ القديم

    وأفياض وجدهِ المؤجج بالحنين

    قمر يمن برغفان آساه

    على شاعر لا يكف عن الصراخ

    كركوك دفلى وأطفال من طرقٍ بيضاء

    تزحم القلب بالغوايات الماطرة

    وهاهو الآن يعرج في دفاتر السنين

    يتأبط الخريف

    يولم للكهولة القانطة

    على موائدِ الفقراء
    مقامات القلعة بين وردة الصباح وجمرة المساء

    تستطيع القلعة الآن أن تهبط من بيوتاتها البيضاء

    وتلاعب ثياب الأحجار

    وأشجار الذاكرة

    وتمنح الحلوى لأطفال الصباح

    وتولم للنهر موائدها الأليفة

    تؤجج للأنس نهارات تتدلى

    مدججة بدراويش ومجاذيب وصعاليك صغار

    يداعبون الحمد ينادمون الضباب

    ويتركون عند بوابة الذكر مرثية العمر الحزين

    تستطيع القلعة الآن أن تلاحس النساء

    حلماتهن المخضبات بزبد الأمطار

    وأنوثة الحناء

    وتنثر الأوراد

    لكركوك في ذِكرها

    زهد الارتياد ونجابة الغناء

    وتنقر بإصبعين قمراً من السلال

    يضيء بصدرها حيرتها الداهشة

    وإذا مادبّ إلى خطوها الأمير

    خضاب الكلال , ثياب الملام

    فلا عكاكيز عند جروف المساء

    تصعد سلالمها إلى كنف من الحلم

    يرتاد خاصرة الليل

    وتترك في مخيلته

    شعراء يدحرجون الأسى لأعشاب النوم وأدغال الكلام

    ولجيد (( تعليم تبة)) باقة من أزهار الخباز

    طفولتي المدحرجة على تضاريس الزمان والمكان

    تلولب لحمي العابس

    أمي التي عانقت رياح الموت

    تقاسم التلّ خبزه اليومي

    تجالسه قمرا" من الحيرة القادمة

    هذي قصائد كتاب الحلم

    تدمي تلال الجسد

    تلبس " الآن "ثياب الأشجار

    وتمضي الأزهار

    أزهار زهدي في قوارب المودة العائمة

    وتمضي سيدة السنبل والتلِ

    في ذاكرة العصافير

    تمنح دفلايَ معاطف الماء

    تلبسها قبعة الحجر

    امرأة تفتت الرغيف

    لعذابٍ خرافي يفترش الأهداب

    سيدةَ السنبل والتلِ

    أهذا الشتاءُ يعلمُ مظنةَ التراب

    قبْلَ أن يُضّببَ أبو ابنا الحزينة

    امنحيهِ غيمةً من أنين , اقحوانة الضباب
    قمصان الغيوم المتدلية



    1- قميصا ((الخاصة)) و((القلعة))

    أعْصُرُ ضِلعَيْ (( الخاصة )) بأعشابِ الخبز و الماءْ

    قدما القلعة تغتسلانِ

    في البللِ الحجري

    أعصر حنجرتي على الحصى ، أرميها

    مرثياتٍ طائرة

    أطفالاً يُدَحْرجون رِئاتهم

    في عرباتٍ من الهواء

    عانقتُ ((الخضرَ)) في أسواقِ القلعة

    و إذ تتحممُّ القلعة في (( الخاصة ))

    تزهر الأحجار قمصاناً

    تُهدى لِسَير الدراويش السعداء

    2- قميص لطريق محطة كركوك

    الدفلى أيتها الأمهار العادية نحو القطار

    الدفلى , الدفلى , الدفلى

    كركوك شتاء أخر يكوم الأجراس

    في بوابات العمر الحزين

    الدفلى و القطار

    والمراثي الأخر

    3- قميص لأقاحي الأزقة

    أمسك الكركوك ، أحشرها

    في أنفاس الناس

    فتخرج الكركوك

    أزقة تنادم الغبار

    ونهراً يسيل بالأحجار

    اقحوانة لكركوك العادية في ممرات السحاب

    تسرعين يا كركوك في ممرات السحاب

    ألِئنّ الثلج غطى طرقاتك الغبراء ؟

    الِئنّ الطيور ما عادت تولم لأكمام النهار

    تشربين يا كركوك أنهار العيون

    لتِسفحيها جراراً من البكاء

    تختفين يا كركوك في معاطف النيران

    الِئنّ الشتاء

    صار يهتف في عربات الأمطار ؟

    ما الجدوى من اللهاث خلف أساطير الرياح ؟

    تحتضر الأشجار فالقحط يعشب في أقمصة الدفلى

    وقطارك مر فالمناديل تموج

    حفيفها الحزين

    ينداح عبر الحوائط المهدمة

    تسرعين يا كركوك في ممرات السحاب

    فالقلب ضاع

    وصوتك البعيد

    لِذكرهِ آسايَ يتوج الآه الصديع

    أميراً مهرهُ يضيع

    بين معارج العذاب وأدغال الشجن

    كركوك في طريق البحر

    أيتها الكركوك التي لا تعني غير كركوك

    أعود مختبئاً في الغبار

    تحت قبعة الأيام المهجورة

    أيتها الكركوك المدينة

    آه ياكركوكي المهومة في ثياب الأشجار
    *http://www.alturkmani.com/makalaat/2011/26032011/1.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية بقلم : الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف

  فاروق عمر فوزي وكتابه : تجربتي في الكتابة التاريخية الأستاذ الدكتور إبراهيم خليل العلاف أستاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل أجا...