صورة تاريخية وثائقية تجمع عددا من المدرسين في دار المعلمين الابتدائية -المجموعة الثقافية خلال احتفال في الدار يوم 28 شباط سنة 1959 . وهم من اليمين المدرسون : الاستاذ نجيب يونس الفنان التشكيلي والاستاذ المؤرخ فيصل محمد الارحيم والاستاذ المربي نزار محمد المختار والاستاذ ياسين نجم والاستاذ عبد الرحمن عبد الله التوتنجي
الاستاذ فيصل محمد الارحيم مؤرخا
1924-1995
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث –جامعة الموصل
لم أكن أعرفٌ
الاستاذ فيصل محمد الارحيم ، الا عندما بدأت اولى خطوات عملي الاكاديمي بالتحضير
لرسالتي للماجستير عن "ولاية الموصل " سنة 1972 .إلا أني سمعت عنه من زميلي انذاك الاستاذ الدكتور جاسم محمد حسن العدول وماكان
يربطنا نحن الثلاثة ان الاستاذ فيصل محمد
الارحيم كان قد انجز رسالته للماجستير عن "العراق في عهد حكومة الاتحاديين 1908-1918
" وان الاستاذ الدكتور جاسم محمد حسن العدول كان قد انجز رسالته للماجستير عن
"العراق في العهد الحميدي 1876 -1909 ". أما انا فكنت قد انجزت رسالتي
للماجستير عن " ولاية الموصل 1908-1922 :دراسة في تطوراتها السياسية "
وهكذا قدر لنا جميعا ان نكتب عن العراق
بين 1876و1922 وهي فترة ليست مهمة فحسب بل وحساسة جرت خلالها عملية الانتقال من "العهد
العثماني " الى "العهد الفيصلي" الوطني .
وعندما عينت
في قسم التاريخ بكلية الاداب –جامعة الموصل سنة 1975 وأصبحت مٌقررا للقسم اطلعت
على طلب قدمه الاستاذ فيصل محمد الارحيم لنقل خدماته بأعتباره حاصلا على شهادة
الماجستير في التاريخ الحديث من وزارة التربية الى وزارة التعليم العالي والبحث
العلمي ، الا ان طلبه رفض لاعتبارات تتعلق بتوجهه السياسي حيث انه كان - كما قيل في حينها - ينتمي الى حركة القوميين
العرب وفي حينه لم اتأكد من حقيقة الموضوع لكنني عرفت فيما بعد ان عددا من
المسؤولين في جامعة الموصل لم يكونوا يرتاحون للرجل واعتقد ان الموضوع انتهى وبقي
الاستاذ فيصل محمد الارحيم على ملاك وزارة التربية . كما انه لم يتشبث ثانية ولم
يكن متحمسا للعمل الاكاديمي بدليل توقفه عن البحث العلمي وعدم اكماله الدكتوراه .
عندما أصدرت الجزأين الاول والثاني من "موسوعة
المؤرخين العراقيين المعاصرين " اتصل بي صديقي الاستاذ نزار محمد المختار
وقال لي لماذا لم تكتب عن زميلي في دار المعلمين العالية ، ويقصد الاستاذ فيصل محمد الارحيم فقلت له
انني حاولت الكتابة ولم احصل من ابناءه إلا على النزر اليسير مما لايساعدني في ان
اكتب عنه بموضوعية وتوسع، فتعهد بأن يعمل
على استكمال ما لدي من معلومات عنه وفعل مشكورا .
ولد الاستاذ
فيصل محمد الارحيم في مدينة الموصل سنة 1924 ،ودرس الابتدائية
والمتوسطة في مدارسها ، ثم دار المعلمين الابتدائية في بغداد وتخرج فيها سنة 1944
وعمل معلماً في مدرسة رواندوز ، ثم في مدرسة أربيل الثانية في مديرية معارف أربيل ،
ونقل الى مديرية معارف (التربية ) الموصل
حيث عمل في مدرسة زاخو الثانية ثم في مدرسة الوطن الابتدائية في مركز مدينة الموصل
. وقد حصل على إجازة دراسية ودخل دار
المعلمين العالية في بغداد سنة 1954-1955 وتخرج فيها في 16 حزيران 1958 حاملاً
شهادة الليسانس في الآداب –قسم العلوم الاجتماعية بمرتبة الشرف.
نُقلت خدماته إلى الملاك الثانوي وعين مدرساً
على ملاك المتوسطة الغربية في الموصل ثم نقل للتدريس في دار المعلمين الابتدائية وبعدها في المجموعة الثقافية في 14 كانون الاول
سنة 1958 وفي 3 كانون الثاني سنة 1962 أصبح مديرا للمجموعة الثقافية التي كانت تضم دار
المعلمين الابتدائية ،ومدرستي الصناعة والزراعة.ثم نقل إلى التدريس في الثانوية
الغربية ، وأعيد في 31 تشرين الثاني سنة
1963 للتدريس في متوسطة الوثبة في الموصل
.
منذ تخرجه في
دار المعلمين العالية ، كانت تراوده فكرة الدراسة العليا للتخصص في التاريخ الحديث
، وتبلورت الفكرة بعد إجراءات نقله
الأخيرة.وقد وفق في الحصول على إجازة دراسية لمدة سنتين للدراسة خارج العراق
واختار " معهد الدراسات العربية العالية " التابع لجامعة الدول العربية
في القاهرة وبدأ دراسته فيه في بداية السنة
1964 . كما انتسب في الوقت نفسه إلى قسم التاريخ بكلية الآداب في جامعة عين شمس-القاهرة
لدراسة التاريخ الحديث بهدف الحصول على شهادة
الماجستير .وفي نهاية السنة 1964 نجح
في كل من معهد الدراسات العربية العالية وكلية الآداب للدراسات العليا ووافق مجلس
الأساتذة في قسم التاريخ في كلية الآداب ومجلس الجامعة على تسجيل رسالته للماجستير
بعنوان : ((تطور العراق تحت حكم الاتحاديين من سنة 1908الى سنة 1914)) وبإشراف
الأستاذ الدكتور أحمد عزت عبد الكريم .كما حصل انذاك على دبلوم معهد الدراسات
العربية العالية في قسم الدراسات التاريخية بتقدير جيد ، ومنح الشهادة في 28 شباط سنة 1966.وقد عاد بعد ذلك الى الموصل
ليعين مدرسا في معهد المعلمين يوم 17 ايلول سنة 1966 .
أٌعيرت
خدماته الى المملكة العربية السعودية في 2
تشرين الاول سنة 1966 وعمل في التفتيش الفني في مناطق تعليمية عدة منها الرياض، وجدة ، ومكة
المكرمة ،ونال تقدير إدارات تلك المناطق التي عمل فيها بجد وإخلاص..
خلال
العطلات الصيفية لسنوات انتدابه الى السعودية (التي استمرت ثلاث سنوات) سافر الى
القاهرة مرات عدة ، والى دمشق لوجود بعض المصادر والدوريات في مكتباتها التي أعانته
في استكمال رسالته للماجستير والتي تمت
مناقشتها في 10اب 1969 والتي تقدم بها الى
كلية الاداب-جامعة عين شمس وحصل على درجة الماجستير في التاريخ الحديث بتقدير امتياز
.
انتهت مدة
اعارته الى المملكة العربية السعودية ، وعاد إلى العراق ليلتحق مدرسا في اعدادية الرسالة في الموصل ثم
مدرسا في دار المعلمين الابتدائية ثم مدرسا في معهد اعداد المعلمين.وفي السنة
1970-1971 أعد العدة للحصول على شهادة الدكتوراه في التاريخ الحديث في كلية
الاداب-جامعة عين شمس في القاهرة ، ولكن ظروفه الشخصية والعائلية لم تساعده على
السفر وتحقيق أمنيته ،ولم يمض وقت طويل الا وأحيل على التقاعد في الاول من تموز
سنة 1978 لبلوغه السن القانونية وهو ال63 سنة .
من بحوثه
التي انجزها ولم يستطع نشرها بحثه عن : "
مشكلة طابا "، وبحثه عن "الشيخ
عبد الحميد بن باديس رحمه الله في ذكرى ولادته المائة " ، وبحثه عن " فلسطين
مأساة القرن العشرين" ، وبحثه عن "
السيطرة العثمانية على البلاد العربية أهدافها ونتائجها" ،وبحثه عن " مشاكل السكان في بغداد وقد قدمه الى معهد الدراسات العربية العليا – جامعة الدول
العربية (1965) .
تمكن من
نشر رسالته الموسومة : " تطور العراق تحت حكم الاتحاديين من سنة 1908الى سنة
1914" في كتاب بمساعدة وزارة التربية
في العراق سنة 1975 .وللأسف فالكتاب طبع في " مطابع الجمهورية" في الموصل ، وخرج بأسوأ حلة .. حيث الاخطاء
المطبعية والإملائية والنحوية التي اضعفت من قيمة الكتاب مع انه كان كتابا متميزا
في حينه بذل فيه مؤلفه جهدا كبيرا فالموضوع كان يعد –في حينه بكرا –والمشرف على الرسالة
معروف ليس في مصر وإنما في العالم بكونه مؤرخا فذا ، وهو الاستاذ الدكتور احمد عزت
عبد الكريم . لقد ناقش الاستاذ الارحيم اوضاع العراق السياسية والحزبية في الفترة
من 1908 وحتى الحرب العالمية الاولى ووقف عن نشأة الحياة الحزبية في العراق ، وظهور
الوعي الدستوري وتنامي الشعور القومي ، واستعداد العراقيين للمقاومة وإخراج العراق
من تحت السيطرة العثمانية التي استمرت اكثر من اربعة قرون .ويقينا انه التزم
بالمنهج العلمي التاريخي من حيث العودة الى المصادر الاصلية ، وتحليل ألمعلومات ومن ثم اعادة تركيبها وعرضها بحيادية وموضوعية .
يقول الاستاذ نزار محمد
المختار وهو من مجايليه : " إن خدمة التعليم الابتدائي سابقاً ، وتجربته فيها
أمدت الاستاذ فيصل محمد الارحيم بوافر من
الخبرات أفاد بها طلابه في دار المعلمين الابتدائية ومعهد اعداد المعلمين . فكثيرا
ما كان يترأس لجان فحص الدفاتر الامتحانية
لمادة التاريخ لطلبة الدراسة الإعدادية – الفرع الأدبي – في مركز فحص
الدراسة الإعدادية في الموصل في الثمانينات من القرن الماضي وذلك بسبب كتمانه ، ونظافته ، وموضوعيته
، والتزامه .
وللأسف فانه ، وان كان نشيطا في عمله
التربوي والمهني الا انه كان قليل الحماسة للبحث العلمي وللنشر الاكاديمي .عمل في
نقابة المعلمين ، وكان عضوا فاعلا فيها منذ تأسيسها . كما كان عاملاً في جمعية
التراث العربي في الموصل منذ سنة 1973 . ويؤكد المقربون منه انه كان قارئا نهما ، وكان
شغوفاً بالمطالعة والتتبع في مجالات عدة فضلا عن اختصاصه في التاريخ الحديث .. وكثيرا ما دعيناه
للمشاركة في الندوات والمؤتمرات العلمية في جامعة الموصل إلا انه كان يعتذر عن
المشاركة ولعل ذلك يرجع الى موقف الجامعة من قضية نقل خدماته الذي اشرنا اليها . ومن
المناسبات التي دعي فيها للكتابة ولم يستجب دعوته للمشاركة في المؤتمر الاول
للدراسات التركية الذي نظمه مركز الدراسات التركية (الاقليمية حاليا ) سنة 1989 ، ودعوته
للمشاركة في الكتابة ل"موسوعة الموصل
الحضارية " التي اصدرتها جامعة الموصل بعدئذ في سنة 1992 ومن الطريف انني كنت
شاهدا على ذلك من خلال عملي في الموسوعة والمركز . واتذكر بأنني زرته في بيته لهذا
الغرض .لقد كنت اعرف مكانته العلمية وتميزه بالخلق القويم والاستقامة والطيبة وقد
اطلعت على العديد من كتب الشكر والتقدير التي حصل عليها - طيلة حياته العلمية والتربوية-
لنشاطه وحسن قيامه بواجبه وإخلاصه في عمله
سواء من المديرية العامة للتربية في
محافظة نينوى أو من ادارات المناطق التعليمية في المملكة العربية السعودية ..كان
مدرساً محبوباً لدى طلابه ومحترماً لدى اصدقائه وزملائه ومرجعاً لهم في تخصصه الذي
أحبه وتميز به وهو: التاريخ الحديث .
ولعل مما يذكر في هذا الصدد ان خزانة كتبه أُهديت الى مكتبة جامعة الموصل المركزية بعد
وفاته . كما سبق أن أهدى -في حياته - مجموعة
من الكتب الى مكتبة الاوقاف في الموصل له من الاولاد اثنان هما فراس ومصعب ومن البنات أربع .
توفي الاستاذ فيصل محمد الارحيم يوم 6
كانون الاول سنة 1995 رحمه وجزاه خيرا على ما قدم
لمدينته ووطنه وامته . ويقينا ان ماتركه من جهد علمي وتربوي وولد صالح ،كفيل بأن تتذكره الاجيال القادمة .
الاستاذ الاخ والصديق الاستاذ المرحوم فيصل الارحيم رجل يحتل مكانة كبيرة في القلب وله من التقدير عند احبائه وانا منهم ما يليق برجل مثله .كان اول تعرفي عليه عند التحاقي بدار المعلمين العالية وكنت قد سمعت عنه الكثير من طلبته الذين كانوا يشيدون به ومنهم اخي المهندس سالم الحسو . ثم ترافقنا في مرحلة دراستنا للماجستير في مصر ولقد وجدت فيه الرجل الرصين والباحث الامين والصديق الوفي . كان عالمه الكتاب وحياته العلم الى جانب دماثة خلقه وسماحة نفسه . لا اقول ان الجامعة ظلمته اذ لم تقبله في صفوفها ولكني اقول انها خسرته .وانني اذ اقرأ هذا المقال القيم اشكر الاخ الدكتور ابراهيم خليل على مبادرته وعلى انه اتاح لي ان اقول كلمة حق في اخ عزيز غال لم تمكنا ظروف الزمن وتشتتنا عن الوطن ان نؤدي واجبنا معه ومع كثير من الاعزة الراحلين.
ردحذف