الأحد، 17 يونيو 2012

التلاعب بالذاكرة : السياسة والتأريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث عرض لكتاب اريك ديفز بقلم الاستاذ يوسف محسن


 



 التلاعب بالذاكرة : السياسة والتأريخ والهوية الجماعية في العراق الحديث*
 بقلم : الاستاذ يوسف محسن
يقول ريتشار لونثال: (ما الذي يدفعنا او يدفعهم الى التلاعب بالماضي؟ ، اننا نغير الماضي لكي نصبح جزءا منه ولكي نجعله ايضا ملكا لنا.وغالبا ما نغير الماضي من اجل (تحسينه) او تضخيم الجوانب التي نجدها ناجحة او فاضلة او حسنة وبالاحتفاء بما نفخر به وباهمال كل ما هو وضيع وقبيح ومخجل فيه ) .
من هذا القول تنطلق تساؤلات اريك دافيس في كتابه (مذكرات دولة : السياسة والتاريخ والهوية الجماعية في العراق) .حيث ان هذا الكتاب يسرد اليات النظام البعثي العراقي في انشاء ذاكرة تاريخية وتراث مختلق نقيض للرؤية التاريخية المهيمنة على المجتمع السياسي والاهلي والمدني والاجابة على سلسلة من الاسئلة كيف استطاعت الدولة العراقية البعثية توظيف تصورات معينة عن الماضي وتعبئة العراقيين لخوض حربين كارثيتين والهيمنة على المجتمع ثم محاولة هذه الدولة في صياغة هوية احادية مركبة.ينقسم الكتاب الى مجموعة من العناوين الداخلية الرئيسة وهي صياغة فكرية وتاريخية حيث يستخدم اريك دافيس الوثائق والادبيات السياسية وعناصر الفنون التشكيلية والحكايات لتوثيق عمله والذي يعد من الاعمال المهمة في النقد الثقافي الحديث تحت عنوان (تشكيل النخبة الثقافية العراقية والذاكرة التاريخية الحديثة ) يحدد اريك ان جميع الدول والامم بحاجة الى الاساطير التأسيسية والتي تساعد على خلق شعور بالهوية الجماعية عن طريق تفسيرها لاصول المجتمع في حين يتناول في (النزعة الوطنية والذاكرة وانحدار الدولة الملكية) النزاع الحادث بين الوطنية العراقوية والنزعات القومية العروبية بصدد تعريف المجتمع السياسي بين عامي 1921 – 1958 اما في (الذاكرةوالنخبة الثقافية وتناقضات المجتمع المدني 1945 – 1958) وهي المرحلة الموسومة بالمشاركة والنشاط المجتمعي في الحياة السياسية والاجتماعية والثقافية كما شهد العراق تجمعات للفنانين والنحاتين والابتكار في فن العمارة والاهتمام بالاثار الما قبل الاسلامية ويرى المؤلف ان هذه المرحلة شهدت تصدعاً في العلاقة بين المجتمع والدولة .
يعد الباحث ان مرحلة ما بعد 14 تموز 1958 تمثل بداية الصراع على الذاكرة التاريخية والمجتمعية حيث شهدت هذه المرحلة نتاجات فكرية وثقافية وسياسية وظهور ممثلين سياسيين فاعلين للجماعات المقصية من حقل السلطة السياسية (الاكراد ، الشيعة ، النساء ، الاقليات الاخرى في المجتمع العراقي) مع انقلاب 1968 يقول المؤلف (سطع نجم ذاكرة الدولة العراقية البعثية) وسعى الى  السيطرة والتلاعب بالهويات واعادة ابتكار ذاكرة مختلفة للمجتمع العراقي المتنوع والمتعدد الطوائف والقوميات والاثنيات هذه الذاكرة مزيج غرائبي من النزعات القومية العروبية وحضارات بابل وسومر والحقبة العباسية فضلا عن ذلك تطوير نزعة معادية للغرب كان الغرض من انتاج هذه النسخة من الذاكرة التاريخية هي خلق الانسان البعثي الجديد وفق المنظومة الايديولوجية القومية البعثية اثبتت هذه النسخة من الذاكرة فشلها بعد العام 1991 حيث استخدمت الدولة البعثية اقصى درجات العنف الوحشي ضد الجماعات المنتفضة توجت بالمقابر الجماعية ومعسكرات الاعتقال  
اريك دافيس برفسور ومتخصص في العلوم السياسية ومدير مركز دراسات الشرق الاوسط في جامعة رتجرز ومؤلف كتاب (اصول الحكم في الشرق الاوسط : النفط والذاكرة التاريخية والثقافة الشعبية) وله كتاب (تحدي النزعة الاستعمارية : البنك المصري والصناعات المصرية 1920 – 1942) .

الدولة وسلطة
 الذاكرة التاريخية
يبين الباحث ان الذاكرة التاريخية مكون اساسي في انشاء اساطير الاصل واستدعاء الماضي وتكون هذه المسألة ضرورية في فترات الازمات التاريخية التي تتناقض مع الوضع الطبيعي فمن دون هذا الشعور المشترك بالهوية سيفتقر المجتمع الى اداة اساسية لتحديد طبيعية المجتمع السياسي ويرى الباحث ان اندماج العراق بالسوق العالمية الذي بدأ في اواسط القرن التاسع عشر وانهيار الحكم العثماني للعراق العام 1918 كانتا لحظتين تاريخيتين بارزتين في تطور النظام السياسي الحديث.
حيث ان اندماج العراق بالسوق العالمية حمل تضمينات تتعلق بالذاكرة التاريخية والهوية الجماعية فقد جرى توطين العشائر البدوية خلال القرن التاسع عشر والتحول الى الانتاج الزراعي هذا التوطين اعاد تركيب نمط العلاقات المادية والثقافية بين الشيوخ وافراد العشيرة وتم تحويل الفلاحين الى اجراء في حين اصبح شيوخ العشائر مالكي الارض هذا التحول الداخلي افقد شيوخ العشائر التماسك القبلي والذاكرة التاريخية القائمة على الانساب والاساطير الجماعية والتركيبة الاجتماعية التراتبية ، ادت الى هجرة الفلاحين الى المناطق الحضرية فضلا عن ذلك ان هذا الاندماج ولد انتشار الافكار القومية الاوروبية وحفز الضباط العراقيين في الجيش العثماني على التساؤل عن هويتهم السياسية وبروز هوية عربية او عراقية تضمنت اهتماماً شديداً بالتاريخ العربي لدى الضباط العراقيين في مقابل الهوية السياسية والثقافية الاسلامية او العثمانية في حين وفر انهيار الدولة العثمانية العام 1918 نخبة سياسية وادارية محلية احتفظت بامتيازاتها وروجت لمجتمع سياسي تعددي فضلا عن انتشار وانتاج هويات اثنية وعشائرية ومناطقية في حقبة الثلاثينيات من القرن الماضي اذ مهد كما يقول الباحث توسع التعليم والاتصال المتزايد بالغرب المسرح السياسي العراقي لظهور ايديولوجيات جديدة واساليب جديدة وكذلك تصورات عن الماضي ارتسمت بين توصيفين احدهما وطني عراقي بينما الاخر توصيف قومي عروبي للهيمنة على الدولة وتحديد هويتها.

النزعة الوطنية
يتفحص الباحث اربعة من المجالات الحيوية المتعلقة بالنزعة الوطنية انشاء الدولة، التعبئة السياسية والاجتماعية ،الانتاج الثقافي، الاقتصاد السياسي عبر سلسلة من الاسئلة ماهو تأثير عمليات بناء الدولة على المجتمع المدني وعلى التبصرات بالهوية الجماعية للمجتمع العراقي؟ وماهو تأثير التعبئة المتزايد للجمهور وخصوصا من الطبقتين الوسطى والعمالية الناميتين على مفاهيم المجتمع السياسي؟ وكيف خطط المثقفون لمستقبل المجتمع العراقي في الفكر السياسي وفي استخدام الذاكرة التاريخية وفي الاداب والفنون؟ واخيرا كيف اثرت مؤشرات الاقتصاد السياسي العراقي وخصوصا ما يتعلق منها بتوزيع الثروة على طبقات العراق الاجتماعية؟
وبين الباحث ان المخططين البريطانيين والنخبة السياسية العراقية المدنية صمموا الدولة العراقية وفق مذكرة العام 1921 والتي تنص على ضمان انشاء الملكية الهاشمية وتأسيس الجيش العراقي على اسس طائفية ونظام انتخابي يضمن سيطرة الطبقة المجتمعية المهيمنة وتكوين جهاز الدولة الاداري على اسس اثنية وايديولوجية واقصاء نفوذ المدنيين الوطنيين العراقيين.
يحدد الباحث ان حقبة الاربعينيات والخمسينيات من تاريخ العراق شهدت ركوداً بنيوياً في اوساط النخبة السياسية على المستويين التنظيمي والايديولوجي ما اعطى للطبقات الوسطى القدرة على شن سلسلة من الهجمات ذات دوافع ايديولوجية على النظام السياسي حيث تكاثرت في تلك الفترة النقابات العمالية والروابط التضامنية وكان لاتحاد الصنائع العراقية دور مركز في تنظيم الاضرابات العامة في بغداد فضلا عن ظهور تنظيم واضح في التعليم العالي ، وقد حفز ذلك على نمو نزعة وطنية واشتمل على انشاء المنظمات الطلابية والمهنية والنوادي السياسية وتوسع في الصحافة وتأسيس جماعة المفكرين اليساريين لصحيفة الاهالي وصحيفة كفاح الشعب للحزب الشيوعي العراقي في العام 1935 ، والتي وفرت ملتقى للافكار الجديدة حول النمو الاجتماعي والسياسي في العراق فضلاً عن ذلك تخطت المجموعات الوطنية العراقية لحدود الطائفية والاثنية والقومية للمجتمع العراقي في حين كان القوميون العروبيون يركزون على النقاء الاثني والحط في قدر الأخر الذي كان مكوناً رئيساً من مكونات النزع القومية العروبية المتطرفة وهو انعكاس لمفهوم الامة في الفكر القومي الالماني وظهر ذلك في افكار ساطع الحصري ومذكرات صلاح الدين الصباغ.

النخب الثقافية
والذاكرة الجماعية
يوضح الباحث ان العراق شهد بين العام 1946 والعام 1958 ثلاثة صدوع في علاقة الدولة بالمجتمع اولهما موقف الحكم الملكي في الحركة الوطنية حيث ان وثبة كانون وانتفاضة 1952 وقيام حلف بغداد في العام 1955 افقدت الدولة الملكية المشروعية ومهدت الطريق لصعود العسكرتارية العام 1958.
ثانياً : زيادة قوة الاجنحة المتطرفة في الحركتين الوطنية العراقية حيث نجد العناصر الاكثر تطرفاً من كلا المنظورين الايديولوجيين وقد مثلهم الحزب الشوعي العراقي وحزب البعث العربي الاشتراكي.
ثالثاً : تركز حول الذاكرة التاريخية محرضاً الفنانين والمثقفين لخوض التساؤل بشأن التراث في المجتمع العراقي حيث ان التواصلات الثقافية في شعر بدر شاكر السياب والملائكة والبياتي وسعدي يوسف وفائق حسن وجواد سليم وعبد الفتاح ابراهيم وابراهيم كبة ، شكلت مصادر رئيسة لبناء أمة سياسية ومجتمع جديدين في حين ظلت السياسية الثقافية للدولة الملكية جامدة وقصيرة النظر وبعيدة كل البعد عن خطاب العراق الثقافي، سعت النخبة الثقافية في تلك الفترة الحاسمة من تأسيس الذاكرة بتقصي التراث العربي للعراق فضلاً عن استلهام التراث الرافديني الما قبل الاسلام وكان الغرض ضمن ذلك الحاجة لتوفير هوية ذاكرة عراقية تتسم بوحدة مجتمعية متعددة اللغات.
ورغم الافتقار لما يسميه غرامشي بـ خنادق المجتمع المدني والتي يعني بها المنظومات  التربوية والتشريعية والدينية فان النظام الملكي اقدم على اتخاذ بعض الخطوات في بناء وعي سياسي وذاكرة تاريخية اي ان الدولة الملكية 1921 -1958 سعت الى نشر اشكال من التفكير ذات الطابع الهيمني في العام 1939 كما يقول الباحث كانت المديرية العامة للدعاية انشطة متعددة في وزارة الداخلية كما تم تأسيس مجلة الجيش لنشر فضائل القوات المسلحة ودورها في الدفاع والتنمية الاجتماعية فضلاً عن ذلك تم تعديل قوانين العمل والسماح للعمال بحق في التنظيم كان ذلك محاولة امتصاص الحركة الوطنية والتي كانت تشكل تهديداً ملحوظاً للدولة.

ذاكرة الفوضى
في صباح اليوم الرابع عشر من تموز العام 1958 وصلت دبابات اللواء العشرين داخل بغداد وحاصرت العائلة الملكية قرر عبدالاله ان يستسلم وذلك بتوفير ممر امن الى خارج البلاد وعند خروج العائلة الملكية انبرى احد الضباط الى فتح النار من سلاحه الرشاش ادى هذا الحادث الى مصرع جميع افراد العائلة الملكية وسحلت جثتا الوصي عبدالاله والملك فيصل الثاني في شوارع بغداد ونبش قبر نوري سعيد بعد ايام من هذا الاضطراب الحضري تدخل الجيش لاستعادة النظام الداخلي.
يقول الباحث اريك ان ثورة تموز 1958 وعلى الرغم من الاحداث الدموية ولكنها كانت تمثل طموحات واسعة للمجتمع العراقي، خلال بضعة اشهر دب الشقاق والصراعات السياسية فضلاً عن ذلك ان النظام السياسي لم يستطع مأسسة شكل ديمقراطي تشاركي في اشكال الحكم في حين تم تطويع الانتاج الثقافي وتأويلات الماضي من اجل غايات سياسية حيث جرى تطويع متبادل بين جهاز الدولة والمثقفين وذلك لترابط عاملين بارزين العامل الاول : جرى ضم الكثير من المثقفين الى جهاز الدولة بعد الثورة ما زاد من تأثير اليسار على القضايا الثقافية فقد عمد النظام السياسي الجديد الى انشاء وزارة الارشاد التي طورت بدورها بنيتها التحتية بما تتضمنه من شبكة واسعة للتلفزيون والاذاعة ومديرية جديدة للتراث الشعبي العامل الثاني كان القصد من جهود الدولة لتنظيم الانتاج الثقافي هو مواجهة التحديات القومية والتي كانت محلية خصوصاً من العناصر المعادية في الجيش ودولية من الجمهورية العربية المتحدة ومؤيديها الناصرين في العراق وتهديدات عبد السلام عارف وانتفاضة الموصل القومية العروبية ومحاولة قوى بعثية اغتيال عبد الكريم قاسم فقد سعت الثورة كما يقول الباحث دافيس الى التأكيد على تراث العراق ما قبل العربي والاسلامي الذي تمثل باختيار الشمس البابلية لعلم الثورة واستخدام التصاميم الرافدينية القديمة لرمزها الرسمي كما تجنبت الثوره الرموز القومية العروبية بألوانها الثلاثة : الاحمر والاخضر والاسود واشارة النسر كما وظفت الموضوعات المزدوجة من خلال التأكيد على موقع العراق كمهد للحضارات كما تم توظيف التراث الشعبي لتجسير الهوة الاثنية بين الشيعة والسنة العرب والاكراد وذلك عبر التأكيد على المشتركات الثقافية كالعادات الغذائية والطقوس والرياضة والانشطة الترفيهية وبات بامكان الاكراد وفقا لتلك الذاكرة التاريخية الجديدة ان يكونوا اكثر صلة بالعراق الذي يرمز بحضاراته القديمة اكثر مما يتمثل بايديولوجية قومية عروبية.

مشروع اعادة كتاية التاريخ
يبين الباحث ان جوهر المحاولات البعثية بعد عودتهم الى السلطة في العراق العام 1968 انشاء مجال عام جديد للذاكرة التاريخية يدخل في نطاق اعادة تشكيل الهوية السياسية وعلاقة المواطن بالدولة وبالتصورات المتعلقة بالتراث كما سعى هذا المشروع الى الاغفال التام لوجود التركة الاستيعابية للحركة الوطنية العراقية ان بعض المحللين السياسيين لاحظوا تحولا في النظره الايديولوجية للبعث العراقي اتجاه المجتمع السياسي والذاكرة التاريخية حيث كان البعث العراقي يدمج بين التوجهات القومية العروبية والنزعات الوطنية التي تتمحور حول العراق وقد حاول البعث العراقي انتحال واختلاق ذاكرة تاريخية من خلال الانتاج الثقافي حيث تم تنظيم الاصدارات الدورية من المجلات والكتب مجلة التراث الشعبي مجلة المثقف العربي 1969 مجلة المورد 1971 مجلة الخليج العربي 1970 مجلة افاق عربية 1975  مجلة المؤرخ العربي 1975 ومن خلال استضافته المثقفين العرب في مؤتمرات ومهرجانات تقام في مواقع تبرز التراث الحضاري الفريد للعراق كانت هذه المؤتمرات تسعى الى تقويض الذاكرة الوطنية العراقية وتقويض سلطة المرجعية الشيعية الدينية عبر احياء الرموز الوثنية (مهرجان بابل، مهرجان المربد) والسعي الى ربط صدام حسين بحكام بلاد الرافدين القدامي كنبوخذ نصر.

افول ذاكرة
تمثل مرحلة 1979-1990 بدءاً بخلع احمد حسن البكر واعلان الحرب على ايران ومن ثم غزو الكويت قد اكلت من الدعم الشعبي الذي حصل عليه النظام وخلال هذه الفترة تحولت الدولة والحزب والاجهزة السياسية الى (دولة الاسرة فضلا عن ذلك التحول من السياسيات الاشتراكية الى الخصخصة الاقتصادية في تلك الفترة من تاريخية الذاكرة الثقافية تم الافراط في تبجيل شخصية (صدام) واصبح منبع كل معرفة اقتصادية او سياسية او اجتماعية مع ابتكار الالقاب واصبح النظام السياسي يبحث عن شرعية وواقع تحت غواياته البلاغية وكذلك فان النظام البعثي في تلك الفترة كان قائماً على قاعدة طبقية اجتماعية طائفية اعطت الافضلية لنخبة غير شرعية ونهمة.


الأرخنة البعثية
 ويبين الباحث ان الايديولجية البعثية كانت تعمل كيوتوبيا وليس كبرنامج لحزب سياسي وكان على ايديولوجية هذا الحزب ان تظل غامضة وتجريدية وجرى تحول في طبيعة حزب البعث العراقي من تنظيم يهيمن عليه ضباط الجيش والحزبيون المتمرسون والمثقفون الى تنظيم تتربع على قمته طبقة ريفية وعشائرية بعد قمع انتفاضة 1991 اظهرت في صفحة الثورة سلسلة من المقالات بعنوان ماذا حصل في اوخر عام 1990 ولماذا حصل ؟ وهذه السلسلة من المقالات تبين على فشل بناء ذاكرة جماعية في العراق ذاكرة مثالية تقوم الى التغايرية الثقافية والتعددية للمجتمع العراقي.

خلاصات
في العام 1933 طرح الملك فيصل الاول مؤسس الدولة العراقية الحديثة، فكرة تداولية تنص على (في العراق لا يوجد شعب عراقي يعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من اية فكرة وطنية، مشبعة بتقاليد واباطيل دينية لاتجمع بينهم جامعة) وقد حاولت النخب السياسية في فترة الملكية ان تتجاوز هذه المشكلة عبر اشراك العناصر غير العربية في قيادة الدولة العراقية، الا انها فشلت في خلق هوية مشتركة للجماعات القومية والاثنية والطائفية، وظلت الدولة العراقية طوال تاريخها السياسي تسعى الى التلاعب بالتاريخ والذاكرة المجتمعية فضلا عن ذلك اقصاء السرديات الثقافية للجماعات المقصية من السلطة وتم فرض سردية كلية شاملة جوهرية تعيد انتاج وتملك ما هو مشترك بين الجماعات العراقية، هذا الوضع ادى الى خلل في العلاقة التي تحكم الفاعلين السياسيين والاجتماعيين في بلد متعدد الثقافات والقيم والرأسمال الرمزي، وكانت الحقبة البعثية (1963-2003) تمثل اقصى درجات العنف في التهميش والاقصاء والاذلال وهي محاولة لخلق التوازن بين القمع الداخلي والقمع الخارجي، حيث تم تخصيص موارد مالية ضخمة لنشر الكتب والمقالات واحياء التراث وتشييد النصب واقامة المؤتمرات الدولية في اعادة كتابة التاريخ والذاكرة وخلق اساطير تأسيسية كوسيلة للهيمنة السياسية وقد باءت تلك المحاولة الضخمة بالفشل بعد العام 2003 حيث ظهر المجتمع العراقي، بتصدعه وانشقاقاته الانثربولوجية والثقافية وتمت شيطنة الاخر العراقي وانتاج العصبويات الاقوامية التي تحولت الى بنية مؤسساتية داخل المجتمع والدولة.
ان اعادة بناء سرديات الذاكرة العراقية مشروع سياسي تأسيسي مرهون بتغيير الحقل السياسي وتجاوز العناصر الاسطورية في تاريخ الثقافة العراقية وتحديث المؤسسات الاقتصادية والاجتماعية وفتح حوار عقلاني تنويري يسعى الى استيعاب الاخر التعددي الديني والقومي والاثني للخروج التام من دين الشمولية.


*جريدة الصباح (البغدادية ) 4-4-2011
**لدينا ملاحظات على كتاب الدكتور اريك ديفز وسوف نفرد لها مقالا خاصا كما ان في مقالته بعض الاخطاء من قبيل ان جثة الملك فيصل الثاني قد سحلت في شوارع بغداد صبيحة يوم ثورة 14 تموز 1958 وهذا مما لم يحصل فجثمانه نقل بأحترام ودفن في المقبرة الملكية حيث لم تسجل على الملك اية ملاحظة سلبية من الناس في العراق فالسلطة الحقيقية كانت بيد نوري السعيد والامير عبد الاله .ابرااهيم العلاف







ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف

  بديع الزمان الهمذاني ومقاماته - ابراهيم العلاف وكما وعدتكم في ان اتحدث لكم في كل يوم عن شاعر ، واقول انني اعود الى كتب تاريخ الادب العربي ...