تحسين مصطفى العسكري 1892-1947 جوانب من سيرته ودوره في بناء العراق الحديث
ا.د. ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة الموصل
وسألتني عنه احدى الطالبات ، وتكتب عنه وعن دوره في تاريخ العراق المعاصر رسالة ماجستير فقلت لها ان للرجل دور اداري وعسكري وسياسي ودبلوماسي ثر ، وليس من السهولة رصد كل ما قدمه ، لكن انا على يقين انك سوف تخرجين بدراسة قيمة عنه ، واعطيتها عناوين بعض المصادر والوثائق والكتب التي تساعد في الكتابة عنه وقلت ان ملفته التقاعدية مهمة ولابد من الحصول عليها، إما من وزارة الدفاع ، وإما من وزارة الداخلية وإما من وزارة الخارجية وسوف اكتب مقالة عنه مختصرة ، واشرت الى ان له علاقة بعائلة نوري السعيد رئيس وزراء العراق المزمن والذي الف خلال العهد الملكي ومنذ 1930 وحتى 1958 (14) وزارة ، وتحسين العسكري هو شقيق الشهيد الفريق الاول الركن جعفر العسكري مؤسس الجيش العراقي واول وزير للدفاع وهو وشقيقة من ( آل العسكري) الاسرة المعروفة بانخراط الكثيرين من ابنائها في الخدمة العسكرية وهناك من يذكر انها اسرة كردية وهناك من يقول انها اسرة عربية الاصل . كان والده مصطفى عبد الرحمن العسكري ضابطا في الجيش العثماني ، وقد حدثني شيخي واستاذي الدكتور فاضل حسين عنهما عن جعفر وتحسين وقال انهما من قرية عسكر على الطريق بين كركوك وبغداد .
ممن اشار اليه وكتب عنه الاخ الاستاذميسر محمد الذنون في كتابه القيم والمهم ( متصرفي لواء الموصل في العهد الملكي 1920-1958)، وصدر عن مكتبة حسام الدين في الموصل سنة 2021 . كما ان الاستاذ عبد الرزاق الحسني في كتابه (تاريخ الوزارات العراقية) اشار اليه وذكره في الكثير من صفحات مجلداته العشر ووجدت ترجمة له في ( الدليل الرسمي العراقي) لسنة 1936 جاء فيها ان "تحسين مصطفى العسكري ينتمي الى العائلة العسكرية المعروفة ، ولد في الاول من حزيران سنة 1892 ، واتم دراسته في المدرسة الحربية ، وبعد تخرجه اصبح ضابطا في الجيش العثماني ، وقد التحق بالثورة العربية الكبرى التي قادها الشريف الحسين بن علي شريف مكة 1916 ، وشهد وقائعها وحركاتها ، وابلى فيها احسن البلاء ، وله مذكرات قيمة عنها بعنوان( مذكراتي عن الثورة العربية الكبرى والثورة العراقية ) وتقع بجزئين طبعا بين سنتي 1936-1938 .
وقد عاد الى العراق بعد تشكيل الدولة الحديثة سنة 1921وتقلد العديد من المناصب ويعتبر بحق احد مؤسسي الدولة العراقية الحديثة .عمل مديرا او قائدا للشرطة وقائمقاما لعدد من الاقضية ومتصرفا لكركوك والموصل ثم نقل الى التفتيش الاداري واسندت اليه بعد ذلك مديرية الري العامة .
وقد قدم خلال كل هذه الاعمال منجزات يعتد بها ومنها مشاريع مهمة واصلاحات جمة ، وتحسين العسكري هو من اوائل الساعين لإنشاء المصايف العراقية وتطويرها وله افكار في هذا الشأن وقد اصلح الكثير فيها أبان وجوده متصرفا في الموصل ، وقد تطرق الدليل الرسمي العراقي لسنة 1936 في (مبحث المصايف العراقية ) الى ذلك .ومما جاء في الصفحة (706) ان المتصرف تحسين العسكري ، كانت له جهود مثمرة مشكورة في تأسيس فنادق ، ومساكن وبيوت سياحية ومطاعم في مصايف الموصل ومنهاالسولاف وسرسنك وسواره توكه واتروش وارادن وبامرني وسنجاروشرانش وزاويته وناويلة وبيزني وسر عمادية .
عندما كان تحسين العسكري متصرفا للواء الموصل 1931-1934 تولى رئاسة بلدية الموصل اول الامر الاستاذ أحمد بك الجليلي 1931-1932 ثم اعقبه الاستاذ خيرالدين حسن العمري 1932-1949 وهو من اعظم رؤساء البلدية في الموصل حيث جرت في عهده عملية لتحديث مدينة الموصل وتطويرها وفتح شوارع جديدة فيها .في عهد احمد بك الجليلي فتح شارع خزرج وهدم باب البيض وهو احد ابواب الموصل من اجل فتح هذا الشارع كما تمت عملية توسيع ساحة باب الطوب وفي عهد رئيس البلدية خير الدين العمري وهو كاتب ومؤرخ وصحفي معروف ومن الاسرة العمرية المعروفة وله مؤلفات عديدة فتحت الكثير من الشوارع الجديدة منها شارع الدواسة في الجانب الايمن من الموصل وشارع خير الدين في الجانب الايسر من الموصل وقام بردم الخندق القديم وبناء بناية لكل قسم بلدي وهدم الباب الجديد وباشر بفتح شارع الفاروق وقام بإنشاء بناية البنك الشرقي القديم على عرصة تابعة للبلدية في باب الطوب وكانت بناية رائعة وانشأ حديقة الشهداء وبنى دار الضيافة والبهو الملكي في المتحف القديم بجوار المتحف الحالي وقام بتوسيع مشروع الماءوبادر بتقديم مشروع جديد للكهرباء ومنع اشغال الطرق والارصفة وبذل جهودا لتشجير الساحات وتزيين المدينة وتنظيفها وبدت الموصل في عهدة بافضل حال ويمكن متابعة كل ذلك عبر مقالي عنه وهو منشور في الانترنت ومن المؤكد ان ثمة تعاون وانسجام كبيرين تما بين المتصرف تحسين العسكري ورئيس البلدية خير الدين العمري فكليهما من جيل واحد يعرف بعضهما بعضا وعاشا وعملا في اواخر العهد العثماني .
وتحسين العسكري يتقن العديد من اللغات منها التركية والفرنسية والكردية والانكليزية فضلا عن لغته العربية .كان تحسين العسكري من رجالات الحركة العربية القومية ناضل ضد التخلص من الحكم العثماني وكان عضوا في جمعية العهد العسكرية السرية التي تأسست سنة 1913ؤكما انتمى الى جمعيات عروبية منها النادي الادبي الذي رفع العلم العربي وهو نفسه اليوم علم فلسطين وعانى ما عانى بسبب نشاطه السياسي وقد التحق بالجيش العربي وعمل مع فيصل واسس معه (المملكة السورية المتحدة) ، وكان ضابطا برتبة نقيب وهي التي كانت تسمى رتبة رئيس ، وتحسين العسكري اسهم مع اخيه جعفر في وضع لبنات الجيش العراقي في 6 كانون الثاني 1921 ، وفي آب 1921 نقل الى جهاز الشرطة لحاجة هذا االجهاز الى ضباط كفوئين لتأسيسه وتطويره ومن المناصب التي شغلها مدير شرطة سامراء في 20 كانون الثاني 1922 ومدير شرطة لواء ديالى في الاول من تموز سنة 1922 ومن نقله الى الشرطة للعمل معه قريبه نوري السعيد اول مدير عام للشرطة في العراق 9 كانون الثاني 1921 . وفي شهر ايار 1924 اصبح مديرا لشرطة بغداد وبعد ذلك تولى منصب مدير شرطة لواء الموصل في الخامس من شباط سنة 1925 وكانت فترة حرجة شهدت ذروة مطالبة تركيا بولاية الموصل والاستفتاء في ولاية الموصل وصدور قرار عصبة الامم سنة 1926 بتأكيد صيرورة ولاية الموصل جزءا من المملة العراقية .
الاخ الاستاذميسر محمد الذنون في كتابه (متصرفي لواء الموصل في العهد الملكي 1920-1958) تابع اعماله في الموصل فقال ان من اهم اعماله في مديرية الشرطة قام في اطار توسيع التشكيلات الادارية للشرطة بمخاطبة وزارة الداخلية على انشاء شعبة في دائرة التحقيقات الجنائية المركزية في بغداد تسمى (ادارة السفر والاقامة ) .كما استحدث سنة 1926 دوريات السيارات المسلحة لتقوم بواجباتها على الحدود الغربية مع سوريا .
عمل تحسين العسكري قائمقاما في عدد من الاقضية منها قضاء الجربوعية في 4 اب سنة 1928 وقائمقام الهاشمية في 12 كانون الثاني 1929 وقضاء المحمودية في 4 كانون الاول 1929 ووكيل متصرف بغداد من 5 كانون الثاني 1930 وحتى الثامن من نيسان 1930 وبعدها عين متصرفا للواء كركوك في 8 من نيسان سنة 1930 ومتصرفا للواء الموصل في 19 تشرين الثاني سنة 1931 .
من محطات حياته الوظيفية حضوره مفاوضات الحدود مع وفد فرنسي ووفد سوري واعتبارا من الاول من ايار 1933 باشر مع اللجنة المختصة بتحديد الحدود بين العراق وسوريا وفي 3 ايار 1934 عين مفتشا اداريا في وزارة الداخلية ورئيسا للهيئة التفتيشية للمنطقة الثالثة في 22 كانون الثاني 1935 ومديرا للري العام في الثالث من تشرين الاول 1935.
وتسلم مهام ادارية كثيرة منهالا انه اصبح مديرا للري مرة ثانية في 7 تشرين الاول 1937 .انتخب نائبا في مجلس النواب عن لواء الحلة في 12 حزيران 1939 وبعدها نقل الى السلك الدبلوماسي وزيرا مفوضا للعراق في كابل (14 ايلول 1941 ) ووزيرا مفوضا للعراق في القاهرة في 21 تشرين الاول 1941 واختاره نوري السعيد وزيرا للداخلية بين 8 تشرين الاول 1942و23 حزيران 1943 كما تسلم منصب وزير الخارجية وكالة في 6 تشرين الاول 1943 وانتخب ثانية عن بغداد في مجلس النواب في 9 تشرين الاول 1943 وعاد ليصبح وزيرا مفوضا في القاهرة ثانية في 17 كانون الثاني 1944 بعد ان قدم استقالته من مجلس النواب وله دور في تأسيس جامعة الدول العربية مع الوفد العراقي وكان برئاسة نوري السعيد سنة 1945.
زوجته هي السيدة ابنة الاستاذ توفيق برتو وقد كان والدها عضوا في البرلمان توفيت رحمها الله في الخامس من حزيران سنة 1974 .
المرحوم الاستاذ تحسين مصطفى العسكري عمل بجد ومهنية واخلاص في خدمة الدولة العراقية وقد توفي في مقر عمله في القاهرة حيث كان يعمل وزيرا مفوضا بتاريخ 13 ايلول سنة 1947 ، ودفن فيها رحمة الله عليه وجزاه خيرا على ماقدم .واليوم ونحن نذكره نقول انه كرم عدة مرات بالعديد من الاوسمة منها وسام الرافدين 1931 ونيشان النيل من الحكومة المصرية 1941 ووسام النهضة من امارة شرقي الاردن 1945 ونوط الهلال الاحمر العراقي من النوع الذهبي سنة 1946 ، وهكذا هم الرجال ممن ترك بصمة في جدار بنيان وطنه لاينساهم الشعب ، وتذكرهم الاجيال .
في (موسوعة اعلام وعلماء العراق) للاستاذ حميد المطبعي الطبعة الموسعة طبعة مؤسسة الزمان ببغداد2011 ورد ذكر تحسين العسكري ومما قاله مؤلف الموسوعة ان تحسين العسكري 1892-1947 سياسي ،ووزير سابق تخرج في المدرسة الحربية في استانبول وعين ضابطا واشترك في وقائع الثورة العربية الكبرى 1916 ثم عاد الى العراق وتولى عددا من المناصب منها مدير شرطة ومتصرف في كل من لواء كركوك ثم لواء الموصل .واسندت اليه مديرية الري العامة واثناء خدمته في السلك الاداري كان اول الساعين الى انشاء المصايف العراقية في الموصل ودهوك .كان كاتبا له مقالات في عدد من الصحف وكان يجيد عدة لغات وفي سنة 1942 عين وزيرا للداخلية ثم نقل الى السلك الدبلوماسي وتولى مهام وزير مفوض للعراق في القاهرة .طبع من كتبه مذكراته عن (الثورة العربية الكبرى والثورة العراقية ) طبع مرتين 1936 و1938 وفي وثيقة خاصة حصل عليها المؤلف ورد ان : " تحسين مصطفى عبد الرحمن العسكري ،شقيق جعفر العسكري "
*في الصورة تحسين العسكري وشقيقه جعفر العسكري عندما كانا في الكلية الحربية باستانبول
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق