تمثال الملا عثمان الموصلي 1854 - 1923 في الموصل
ا.د. ابراهيم خليل
العلاف
استاذ التاريخ الحديث
المتمرس - جامعة الموصل
اتحدث اولا عن الملا
عثمان الموصلي ، واقف عند بعض محطات حياته واقول ان الملا عثمان الموصلي ( 1854 -
1923 م) ، واحد ممن يفخر بهم الموصليون وغير الموصليين .. كان شاعرا ، وموسيقارا ،
وكاتبا ، وصحفيا ، وخطيبا سياسيا مفوها وبارعا .كان قارئا للقرآن الكريم ..
كان بصيرا فقد البصر
منذ ان كان طفلا حيث اصيب وهو في الموصل بالجدري ..كان والده سقاءَ واسم والده
الحاج عبد الله وقد توفي والده فكفله محمود سليمان العمري وهو من وجهاء الموصل وأغنياها
واعيانها وكان جارا لبيت الملا عثمان في محلة (باب العراق ) .وقد اعجب بصوت الملا
عثمان وهو يسمعه فخصص له معلما يعلمه الموسيقى والالحان كما يقول الاستاذ الدكتور
عمر الطالب في موسوعته (موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين ) .
وسع الملا عثمان
ثقافته الموسيقية وذهب الى بغداد واستنبول والقاهرة ودرس على ايدي علماء بارزون
منهم الشيخ محمود شكري الالوسي في بغداد والشيخ يوسف عجور امام الشافعية في
القاهرة اخذ عنه القراءات العشر وفي جامع ايا صوفيا باستنبول استمع الناس اليه وهو
يتلو آيات القرآن الكريم فاعجبوا به .والناس في استانبول لحد اليوم تعرفه وتتداول
أسطوانات تنزيلاته الموصلية ويسمونه (موصلي عثمان) .
له مؤلفات عديدة ..
منها كتابه (سعادة الدارين ) الذي اعتنى به وقدم له الدكتور عادل البكري ونشره سنة
2012 وهذا الكتاب يضم الغريب والمتميز من النظم والنثر ومن ذلك تضمين اسماء الله
الحسنى مع اسماء الرسول محمد صلى الله عليه وسلم في ابيات القصائد .
في الحقيقة لا يمكننا
ان نتغافل عن ماقدمه الاديب والموسيقار الشهير الملا عثمان الموصلي المتوفي سنة
1923م (1341هـ) ويمكن الرجوع الى الدكتور عادل البكري الذي ألف كتابا قيما عنه .
وللملا عثمان ما يزيد على الخمسين موشحا جميعها من الالحان النفيسة واشهرها موشح
(يا آل طه فيكم قد هام المضني) من مقام الرست والحان هذا الموشح , كما يقول
الدكتور محمد صديق الجليلي رحمه الله على جانب عظيم من الفخامة. والمــلا عثمان
كان من احد اساتذة سيد درويش الذي التقى به في الشام سنة 1909 .
كما كان ملحنا لما
يسمى عندنا في الموصل (التنزيلات الموصلية ) وفي حلب (القدود الحلبية ) ..
كان خبيرا في
الموسيقى العربية بألوانها المختلفة ومقاماتها العديدة .
قد لا يعرف كثيرون
انه صاحب الاغاني الشهيرة ومنها ما غنته فيروز ونسبت لتلميذه سيد درويش الموسيقار
المصري الكبير .. ومنها ماغناه صباح فخري وكاظم الساهر .
من أغانيه :
1.فوق النخل
2.زوروني في السنة مرة
3. فوك النا خل (فوق
النخل )
4.قدك المياس
5. . طلعت يا محلا نورها
6. . يا ام العيون السود
قال لي دكتور، الملا
عثمان الموصلي (توفي سنة 1923 ) لم يكن مغنيا ولم يكتب اغان فقلت له الملا عثمان
كان كاتبا واديبا ومتصوفا وصحفيا وموسيقارا وكثيرا من الاغاني التي غناها سيد
درويش وغنتها فيروز هي له
وهذه الاغنية ( أشكر
بشامة ) غناها الدكتور فاضل عواد واليك بعض كلماتها :
أغنية "أشقر
بشامة"
كلمات : الملا عثمان
الموصلي
غناء الدكتور فاضل
عواد
أشقر بشامة يابو
ابتسامة ليلي ما نامه بعيوني السهرْ
عيونك شذر وجهك بدر
دوم أنتظر عالفركة الفركة آنه ما آكدر
شفنه جمالك جمالك
تهنه بوصالك وصالك يكفي دلالك مو قلبي انفطرْ
عيونك شذر وجهك بدر
دوم أنتظر عالفركة الفركة آنه ما آكدرْ
حيرت فكري فكري وانت
ما تدري ما تدري مو خلص صبري كل ساعة بشهرْ
عيونك شذر وجهك بدر
دوم أنتظر عالفركة الفركة آنه ما آكدرْ
الصورة التي ترافق
كلامنا هذا نشرتها قبل عشرين سنة أهداني إياها
الاستاذ توفيق الفخري
..نشرتها في جريدة (الحدباء ) الموصلية وهي ليست بزيه المعروف عندما أسس في الموصل
(التكية المولوية) واسس
(الفرقة المولوية ) ، وانما بشكله الذي كان يلبسه عندما يزور استنبول أو القاهرة .
وفي القاهرة اصدر
جريدة كتبت عنها مرة مقالة نشرتها في جريدة (فتى العراق ) الموصلية .
في سنة 2005 اسس
الاستاذ نبيل الشعار فرقة باسم (فرقة الملا عثمان الموسيقية ) ، والاستاذ نبيل الشعار استاذ في قسم
الموسيقى بمعهد الفنون الجميلة في الموصل .
ولابد من القول ، ان
المطرب وقارئ المقام الاستاذ عامر يونس يحرص دوما في حفلاته على اعادة أدوار الملا
عثمان الموصلي وتنزيلاته .
رحم الله الملا عثمان
الموصلي وجزاه خيرا على ما قدم ..كان من خطباء ثورة العشرين الكبرى 1920 .. وكان
يخطب في المتظاهرين في جامع الحيدرخانة وبينما كان يخطب حدث ان وقع شيء على سطح
الجامع ، فهرب البعض من المتظاهرين خوفا ، فردد كلامه المعروف (لا والله حصلنا
استقلال
!! )
الان نقف عند تمثال
الملا عثمان الموصلي امام محطة قطار الموصل وفي الدورة المقابلة لمدخل المحطة
واقول ان من صمم التمثال ونحته أي نفذه هو النحات الموصلي الكبير الفنان والنحات
فوزي إسماعيل 1935-1986 ولي مقال
عنه اقول في المقال : من منا
لا يتذكر الفنان والنحات الأستاذ فوزي إسماعيل رحمه الله ..اعماله كثيرة منها (
تمثال الملا عثمان الموصلي ) ونصب
حاملات الجرار ونصب ام الربيعين تذكرنا به ..كان فنانا أصيلا وإنسانا صادقا أسهم
في تنشيط الحركة الفنية والتشكيلية في الموصل خلال سنوات الستينات والسبعينات من
القرن الماضي ..كان يمزج في أعماله بين التراث والمعاصرة وكان مسكونا بالإبداع
والتميز وكنت معجبا بطيبته وميله للصمت .درس في مدارس الموصل الابتدائية والمتوسطة
والإعدادية وسافر إلى بغداد ودخل معهد الفنون الجميلة وتخرج فيه سنة 1961 وعاد إلى
الموصل ليعمل معلما في مدارسها .وقد
تيسرت له الفرصة فأكمل دراسته الأكاديمية متخصصا بالسيراميك في أكاديمية النحت
بإيطاليا سنة 1967 وقد عمل في متحف التراث الشعبي وكان آنذاك مرتبطا بمركز البحوث
الحضارية والاثارية في كلية الآداب قبل أن ينتقل إلى مركز دراسات الموصل وقد
زاملته لفترة قبل أن ينتقل للعمل في متحف الجامعة للفنون التشكيلية ، ويعمل مدرسا
للرسم في المركز الطلابي .
قال الأستاذ غانم
رشيد في حوار أجراه معه ونشر قبل سنوات طويلة في مجلة الجامعة (الموصلية ) أن فوزي
إسماعيل نفذ سلسلة من الأعمال الفنية في الموصل تعد كفيلة بتخليده أبرزها تمثال
الملا عثمان الموصلي وأنجزه سنة 1969 . كان فوزي إسماعيل يطمح لتجسيد آمال مدينته ،ووطنه، وأمته في أعمال
فنية ويرى " أن النحت
من الأعمال التي تخلد في ذاكرة الشعب لعظم تأثيرها المتواصل وتسجيلها الدقيق
للحدث" .وحول تدريبه للطلبة على فن النحت في الجامعة يقول : "أن أملي
وطموحي هو أن يتم تدريب الطلبة على ممارسة النحت من اجل اكتشاف قابلياتهم الفنية
وصقل مواهبهم بالشكل الجيد والسليم " . وقد حرص على أن يرافقه الطلبة الذين
كان يدربهم في رحلته العملية مع العمل الفني الذي ينفذه منذ البداية حتى انتهائه
من العمل وبذلك يكتسب الطلبة خبرة جيدة وعملية .
كتب عنه أستاذنا
الكبير الدكتور عمر الطالب في "موسوعة أعلام الموصل في القرن العشرين "
فقال انه عرفه تلميذا له في ثانوية الشعب ، وزامله في الجامعة ،وكان رئيسه عندما
شغل الطالب إدارة قسم الفنون في جامعة الموصل للسنوات 1978-1982 وقال انه كان يميل
الى العزلة ،مجدا ،سريع الغضب واضاف :" أن الفنان فوزي إسماعيل عندما نفذ
تمثاله (الملا عثمان الموصلي ) استشار الدكتور محمد صديق ألجليلي والدكتور عادل
البكري واستفاد من معلوماتهما عن الملا عثمان الموصلي . " وينتصب التمثال
اليوم قرب محطة قطار الموصل.
عندما دخلت عناصر
داعش الى الموصل في حزيران 2014 قامت بهدم وازالة كل التماثيل ومنها تمثال الملا
عثمان الموصلي الذي ازيل يوم 19 حزيران سنة 2014 اي بعد تسعة ايام فقط من دخولهم
مدينة الموصل بحجة انه من ادوات الشرك في حين انه عمل فني جميل لا علاقة له
بالعبادة لا من قريب ولا من بعيد .
وبعد تحرير الموصل
سنة 2017 أبى الموصل الا ان يعيدوا التمثال الى مكانه فكان لهم ما اراداه وهو
اليوم ينتصب في المكان نفسه ولكن ليس هو التمثال الذي انجزه الفنان والنحات
الاستاذ فوزي اسماعيل وانما من خلال الفنان النحات الاستاذ عمر قيس وبالتعاون مع
مديرية بلدية الموصل وقد استغرق العمل شهرين من الزمان وتم تنفيذه من مادة الاسمنت
المسلح والمطلي بالطلاء الابيض .التمثال ينتصب على قاعدة ووضع ضمن حوض من
السيراميك يمتلئ بالماء وبما يُضفي على المكان جمالا وزهوا .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق