جسور الموصل
ا.د.ابراهيم خليل
العلاف
أستاذ التاريخ
الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وللجسور في الموصل
، قصة ، وقصة طويلة ، وجميلة لابد ان أرويها ، وقد رويتُ قسما منها من قبل، في بعض مقالاتي عن جسر القوارب والجسر القديم ، وجسر
الحرية ، والجسور الأخرى التي امتدت بين ضفتي نهر دجلة اليمنى واليسرى حيث تقع
مدينتنا الخالدة والعريقة مدينة الموصل.
وحكايتنا مع
الجسور ؛ تبتدئ بما كان الناس يسمونه جسر القوارب ، وهو الذي أدركه اجدادنا قبل
اكثر من 100 سنة . وطبعا الموصل خلال العصور الإسلامية الأولى وبعد فتحها سنة 16
هجرية -637 ميلادية كان فيها جسر يربط جانبها الأيمن بالايسر ومحله هو نفس محل
الجسر القديم في الميدان حاليا .
وقد ارتبطت قصة
الجسور في الموصل أيضا بقصة (جسر القوارب)
، وبما يسمى (قناطر الموصل ) ، والتي
كانت مشيدة من حجر الحلان . وكما هو معروف فإن الموصل في جانبها الأيمن تتميز
بالارتفاع ، فهي في مأمن من الفيضان فيضان
دجلة ، لكن الجانب الايسر من مدينة الموصل كان معرضا للفيضان لأنه يتألف من ارض
سهلية منبسطة ، وكلنا يتذكر فيضان سنة 1963 والذي امتدت مياهه لتغمر منطقة
الفيصلية ووصلت الى حافة تل النبي يونس عليه السلام . ومن الطريف اننا نمتلك صورا
لهذه المنطقة التي راح أهلها يتنقلون بين الشوارع والازقة بالقوارب .
و(جسر القوارب) ، أُسس سنة 1854 ميلادية في أواخر العهد العثماني
وكان الجسر يتشكل من قناطر حجرية طولها كيلومترا واحدا وعرضها
ثمانية امتار تقريبا و ارتفاعها عشرة امتار .يمتد هذا الجسر الى نقطة
عالية بعيدة عن متناول الفيضان في الضفة اليسرى ، وقد تم تأسيس جسر خشبي من النوع العائم لكي يصل بين الضفتين وكثيرا ما كان ينقطع عند اشتداد الفيضان
فكان الناس يضطرون الى العبور من طرف الجسر الحجري بواسطة القوارب .
وبعد
الاحتلال البريطاني للموصل سنة 1918 أنشأت الهندسة العسكرية البريطانية في 21 اذار
1921 جسرا عائما افتتحه الجنرال البريطاني (ساندرس) رُبط بعوامات ثقيلة ، واسلاك فولاذية عائمة فوق
العوامات الخشبية لمقاومة مياه الفيضان عند اشتداده . كان الناس يسمونه الجسر
الخشبي لأنه من الخشب وتحته قوارب تسمى ( قايغات ) وكان يربط بالحبال من الجانب
الايسر من نهر دجلة ويفك رباطه اثناء الفيضان فيرتمي الجسر على
الضفة اليمنى من نهر دجلة وموقع هذا الجسر هو
في نفس موقع جسر الملك غازي . وقد ظل هذا الجسر يقاوم الامواج وشدة جريان
المياه لعدة سنوات بعد تأسيس الحكم الوطني في البلاد حتى جرفه النهر الطاغي لتعود
عملية النقل بالقوارب الى ما كانت عليه في العهد العثماني .
وفي
مطلع الثلاثينات من القرن العشرين أي القرن الماضي ، وجدت الحكومة العراقية ان
الضرورة تقتضي انشاء جسر جديد فكان الجسر الحديدي او ما نسميه جسر الملك غازي او
الجسر القديم في الميدان. وقد تكفلت بتنفيذه (مديرية الاشغال العامة) بكلفة
اجمالية بلغت (665515) دينارا وبأشراف المهندس البريطاني ( المستر ماتيك ) ومساعده المهندس
السيد فخري جميل الفخري ( 1908-1995) ، وبعض
المهندسين العراقيين ، وبوشر بالعمل في اوائل سنة 1932 وانجز في يوم 6
من شهر حزيران 1934 حيث تم افتتاحه من قبل الملك غازي ملك العراق السابق 1933-1939 وقد رفع الجسر العائم القديم وبقيت القناطر الحجرية
على حالتها اذ كانت تبعد عن الجسر نحوا من نصف كيلومتر لكن هذه القناطر هدمت لأنها
كانت تعيق تدفق المياه خلال موسم الفيضان .
طبعا
حكومة الموصل المحلية أنشأت مؤخرا الى جانب الجسر الحديدي جسرا حديدا موازيا له واصبح
هناك ممرين للذهاب والاياب .
بعد
سنة 1935 قررت ( مديرية الاشغال العامة) انشاء قناطر حجرية على نهر الخوصر الذي يصب في
نهر دجلة في مكان قريب من الجسر الحديدي ولا يبعد إلا (150 ) مترا عن مدخل الجسر
الحديدي . كما قامت بإنشاء سدة على ضفة نهر الخوصر اليسرى لتمنع تدفق المياه وظل
الوضع هكذا حتى تقرر وضمن مشاريع مجلس الاعمار انشاء جسر ثانٍ وهو (جسر الملك فيصل
الثاني) والذي سمي بعد ثورة 14 تموز 1958 وسقوط النظام الملكي (جسر الحرية) .
أتذكر يوم افتتاح جسر الملك فيصل الثاني ، وكان معه الأمير
عبد الاله ولي العهد يوم 28 نيسان سنة 1958 وكنت تلميذا في مدرسة ابي تمام
الابتدائية للبنين وكنت مع عدد كبير من تلاميذ وطلبة المدارس الذين جاؤوا ليشهدوا
افتتاح الجسر ورؤية الملك وولي عهده وجسر الملك فيصل الثاني او جسر الحرية أسس مكان
جسر قديم كان في الموصل جنوب جسر القوارب بقليل وعند منطقة جوبة البكارة في باب
الطوب يسمى الجسر المجاهدي ويقع قرب الجامع المجاهدي او جامع الخضر عليه السلام وتذكر
المدونات التاريخية ان الجسر المجاهدي شيد في أواخر القرن السادس الهجري سنة 576
هجرية أي أواخر القرن 12 سنة 1180 ميلادية .
بالمناسبة والملك فيصل الثاني يفتتح هذا الجسر اتجه موكبه
لافتتاح جسر آخر على نهر الخوصر هو (جسر الأمير عبد الاله) والذي سمي بعد ثورة 14
تموز 1958 (جسر السويس) ويؤدي الى
المجموعة الثقافية .وهناك اليوم عدة جسور على الخوصر انشأتها الجمعية التعاونية لإسكان
موظفي ومستخدمي محافظة نينوى منها ( جسر المثنى )
وقد بني جسر
الملك فيصل الثاني من خلال مشاريع مجلس الاعمار وطول الجسر 750 مترا وعرضه 9 أمتار
وكنا نشاهد الى جانبه ناد جميل وفسيح هو نادي الضباط. ومن الطريف ان الناس تسمي
هذا الجسر (الجسر الثاني) .
اما (الجسر الثالث) ، فهو الجسر الذي يربط منطقة المستشفى العام
بالمجموعة الثقافية واسمه الرسمي ( جسر ابي تمام الطائي) وابي تمام الشاعر الموصلي
الكبير وله تمثال في الموصل وهو الذي قال
:
السيف اصدق انباء ً من الكتب **في حده الحد بين الجدِ
واللعبِ
وهناك (الجسر الرابع) الذي افتتح في الثمانينات من القرن
الماضي وهو الذي يربط بين منطقة الجوسق وحي الضباط .
اما (الجسر الخامس) ، فهو الذي يربط بين شمال الموصل
وبين الغابات وقد نفذته شركة صينية.
وعند
كتابة هذه السطور تجري عملية بناء (الجسر السادس) من قبل شركة مقاولات مصرية. وقد
جاء في موقع وزارة الاعمار والإسكان والبلديات والاشغال العامة ان كلفة هذا الجسر
ومقترباته تتجاوز ال (74) مليار دينار وبمدة تنفيذ تبلغ
550 يوما وطول الجسر (500) مترا وهو جزء من الطريق الحولي لمدينة الموصل حيث يربط
جانبها الايسر عند منطقة ( الكبة) بجانبها الأيمن عند منطقة (حليلة ) ويعد هذا
الجسر من الجسور الحيوية والمهمة في مدينة الموصل حيث سيسهم في تخفيف الزخم
المروري وانسيابية حركة المركبات داخل المدينة .
وأخيرا
لابد لي من القول ان مدينة الموصل كما يقول خبراء الهندسة المرورية بحاجة في
المستقبل الى جسرين آخرين إضافيين بهدف انهاء الزخم المروري واخذ توسع مدينة
الموصل ومن كل أطرافها بنظر الاعتبار.
.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق