الأربعاء، 19 يوليو 2023

كاكائية الموصل ا.د. ابراهيم خليل العلاف


                                            سيد فرهاد رفعت رئيس الطائفة الكاكائية في اقليم كردستان  العراق 

                                           الشيخ رشيد فتاح شيخ الكاكائية في محافظة نينوى (في وسط الصورة)








 


كاكائية الموصل

ا.د. ابراهيم خليل العلاف

استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل

من الطبيعي أن لانغفل شعبنا في الموصل ، وان نتحدث عنه وعن شرائحه ، بكل حب وموضوعية ؛ فهذا من حقائق التاريخ الموصلي بكل عصوره . والموصل المدينة ونينوى المحافظة ، تشعر بقوتها ، من خلال تعددية من يسكنون بها منذ الاف السنين . وقد افردت حلقات عن كل هذه الاقوام والعناصر التي يتكون منها المجتمع الموصلي .

واليوم أريد ان اتحدث عن الكاكائيين ، وأركز على كاكائية الموصل ، وهم عنصر عريق ، وأصيل وقديم في محافظة نينوى . وللاسف لانمتلك احصائيات دقيقة عن عدد نفوسهم ، لكن ثمة تقديرات لبعض منظمات الامم المتحدة تشير الى ان عددهم في محافظة نينوى يتراوح بين 20-30 الف نسمة .

 

ولدينا كتابات عن الكاكائيين ، ولكن اهمها  كتاب المؤرخ العراقي الكبير المرحوم الاستاذ عباس العزاوي الموسوم :  ( الكاكائية في التاريخ ) ، والذي اصدره في بغداد سنة 1949 والذي يعد من أدق وأشمل الكتب التي تحدثت عن الكاكائية .كما اصدر الدكتور كريم نجم خضر الشواني كتابا جديدا عن الكاكائية بعنوان ( الكاكائية :اصولها وعقائدها ) .

ويذكر الاستاذ محمد فتحي النادي ، في مقال له عن الكاكائيين ان كلمة الـ ( كاكائية)  هي كلمة كردية مأخوذة من كلمة: (كاكا)  بمعنى: الأخ، والنسبة إليها ( كاكائي)  والنحلة  أو الملة يقال لها: (كاكائية) ، وصار كل واحد في هذا المكون يدعو الآخر من دعوته بـ (أخي) وأضحت  الكاكائية ليست الا رابطة روحية تجمعهم، ويلتفون حولها . وهناك من يسمي الكاكائيين في دول الجوار ب( أهل الحق ) او ( رجال الفتوة ) أو ( اهل السلسلة ) او ( اليارسانية ) واليارسانية معناها في اللغتين الفارسية والكردية (المحبوب ) .

وكانت الكاكائية  - كما يقول الاستاذ عباس العزاوي -  اول الامر تنظيمًا اجتماعيًّا ،يقوم على اساس الفروسية والتربية الروحية  ( الاخوة والاخيان ) ، لكنها تطورت الى فرقة  في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين .

وثمة تكتم في بعض جوانب العقيدة ، وحالتهم  في هذا حالة  غيرهم  من الملل  والنحل . ويبدو ان هذا جزءَ من سيكلوجية الطريقة في ان تظل عقائدها غير معروفة للجميع ، صيانة لها من جهة ، واعتبار ان القضايا العقيدية محصورة بين الانسان وخالقه  وقد جاء هذا بتوصية من الشيخ سلطان البرزنجي والذي يعتبر مؤسسا للطريقة الصوفية التي يتبعها الكاكائيين ، عندما قال لأتباعه ( لاتكشفوا الاسرار )  ، " فالحكمة يتلقاها الأهل برموز؛ لئلا تحترقوا في محرقة أعمالكم " .

 

ورغم الطابع المغلق هذا ، إلا أن الكاكائية  شهدت في العصر الحديث محاولة من داخلها لتحديثها، بشكل يركز على روحانيتها، ويُعيد إدراجها في فضاء التشيع، وهو ما قام به  الحاج  نعمت الله  سنة (1920)، ثم إبنه الاستاذ  نور علي إلهي سنة  (1974) الذي الف  عددا من الكتب والكراريس عن الكاكائية . 

ويُقدر الباحث في شؤون الأقليات في العراق  الاستاذ سعد سلوم في كتابه ( مائة وهم عن الأقليات)  عدد الكاكائيين في العراق بنحو مائتي ألف.

 الذي يهمني من كل هذا ان الكاكائيين  في محافظة نينوى ينتشرون في مناطق متفرقة من المحافظة حيث يسكن حوالي (16 ) ألف منهم في مناطق سهل نينوى والموصل، وينقل لي الصديق  الاستاذ حسين هاشم  كاكائي   انهم يتواجدون في عدة قرى منها (  وردك ، تل اللبن، المجيدية، كزكان، كبرلي، زنكل ) ،  فيما هناك حوالي 9 الاف منهم يسكنون في قرية صفية و الكلك ، فضلا عن الالاف منهم في قرى ومناطق تابعة لبعشيقة والنوران  .ويمتهن الكثير منهم  الزراعة والفلاحة وكذلك صيد الاسماك بحكم طبيعة و موقع قراهم على ضفاف نهر الزاب الأعلى أو الكبير، لكن الزراعة – للاسف الشديد -  تراجعت  وكذلك تربية المواشي لاسباب كثيرة يعود قسم منها الى الصراعات السياسية التي ظهرت بعد الاحتلال الاميركي للعراق في التاسع من نيسان سنة 2003 .  ناهيك عن الوضع المعاشي للكثير منهم والاضرار التي لحقت بهم بعد  الاحداث التي وقعت في الموصل خلال السنوات الاربع الماضية  وعدم تعويضهم من قبل الدولة .

 

ان من الحقائق التي تتعلق بوضع الكاككائيين هي انهم واجهوا الكثير من العنت والتهميش من قبل السلطات التي حكمت العراق حتى انهم تعرضوا للترحيل من قراهم كما صودرت املاك البعض منهم   وهذا اثر على مستقبل القرى التي يسكنون فيها مما يتطلب مراجعة الامر ورفع الحيف عنهم  .

 

ويقينا ان الانتماءات السياسية والعرقية انعكست على  مواقف الدولة منهم  وخاصة اثناء سنوات الحرب العراقية – الايرانية 1980-1988 وما اعقب ذلك من احداث الحصر وحرب الخليج الثانية والاحتلال الاميركي للعراق وحالهم هذا حال الكثيرين من ابناء الشعب العراقي في مناطق مختلفة .

لقد انعكست كل هذه الاحداث على الوضع الاجتماعي والاقتصادي والثقافي والنفسي للكاكائيين وقدموا الكثير من الشهداء ابان سيطرة عناصر داعش على الموصل وما قبل ذلك وحتى ما بعده . ولست  هنا في موضوع ذكر تفاصيل ذلك لكن مما اود قوله ان الكاكائيين في الموصل تعرضوا للتهجير على مرحلتين الاولى  ما بين سنتي 2004 و2005 حيث نزحوا بإتجاه القرى في مناطق سهل نينوى والخازر  . والثانية  بعد إحتلال داعش لمدينة الموصل في العاشر من حزيران 2014 وأجزاء من نينوى والعراق،  حيث نزح الكثير منهم مدينة الموصل وسهل نينوى بإتجاه  اقليم كردستان العراق .

ولاشك ان هذا التهجير وما سبقه ترك اثارا سلبية على حياتهم ومساكنهم التي تعرضت للهدم والتفجير والنهب والحرق وقد وثقت وسائل الإعلام المقرؤة والمرئية والسمعية حجم الخراب والدمار الذي ألحقت بقرى ومناطق الكاكائية واراضيهم الزراعية .كما تعرضت مزاراتهم  في قراهم للتفجير من قبل داعش، والتي  كانوا يزورونها لغرض التبرك وتحقيق الامنيات، حيث تضم تلك المزارات قبورلأناس صالحين عرفوا بتقواهم وأعمالهم الصالحة تعود تاريخها لمئات السنين.

لقد فقد ابناء الكاكائية أكثر من مائة شهيد بسبب أعمال العنف والعمليات الإرهابية منذ العام 2004 في نينوى وحدها، كما سقط البعض منهم خلال عمليات تحرير نينوى وتحديدا خلال إستعادة مناطقهم وقراهم ، وعدد منهم استشهدوا في قواطع تكريت وتلكيف والأنبار وفي مجزرة سبايكر بحكم تواجدهم ضمن صفوف القوات الأمنية ، ولا يزال عدد منهم في عداد المفقودين منذ أحداث  سنة 2014.

 

 فيما يتعلق بالوضع التعليمي في قرى الكاكائية اقول  ان قراهم شهدت أنشاء أول مدرسة فيها سنة 1961،  وقد كان لدخول التعليم الى هذه القرى اثر كبير في بروز نخب مثقفة ومتعلمة منهم  .  واستطيع القول ان من بين الكاكائيين أطباء ومدرسين ومعلمين وأساتذة جامعيين وحقوقيين وكوادر تمريضية ومنهدسين وضباط ومنتسبين في  القوات المسلحة والأجهزة الأمنية.

 

 ان من الحقائق التاريخية  التي اود التأكيدعليها والحديث عنها  ان الكاكائيين  يعيشون  بحب وأمان إلى جانب أخوانهم من العرب والكورد والمسيحيين والشبك والأيزيديين والتركمان في الموصل ومناطق سهل نينوى، وهناك  علاقات جيدة وممتازة بين كل هذه العناصر والقوميات ، وهناك قرى تحتضنهم مع غيرهم مثل قرية كبرلي التي يعيش فيها الكاكائيون مع أخوانهم الشبك و قرية زنكل التي تحتضن الكاكائيين والعرب معا وكذلك في قرى بناحية بعشيقة يعيشون فيها مع العرب والشبك ، وفي قضاء الحمدانية مع الأخوة المسيحيين .

وقد عرفت الكاكائيين اناسا طيبون متسامحون كل هدفهم هو تعزيزعلاقاتهم الانسانية مع اخوانهم والعيش بسلام  وتآخي وتآلف وتعايش سلمي مشترك   وحتى اذا  نشبت  بعض الخلافات فثمة دوما من يتسابق  لأنهائها بالسرعة الممكنة .

لكن هذا لايعني اهمال مطالبهم في العيش  الكريم ولابد لهم من ان يكونوا يدا واحدة وان يعقدوا الاجتماعات التي تتيح لهم ان يحددوا وضعهم ومستقبلهم وما يعانونه منذ سنة 2003 . وللاسف ان الكاكائيين حتى الان لا يمتلكون في طول وعرض  محافظة نينوى سوى مقعد واحد يتيم من مقاعد مجلس قضاء الحمدانية

اعود لاقول وانا اتحدث عن الكاكائيين ان لهم خصوصياتهم الاجتماعية ، والثقافية ، والدينية فأغلبهم مسلمون وقسم منهم لايزال يتمسك  بالتصوف على أعتبار أن الكاكائية بالاصل  طريقة صوفية أسسها قبل مئات السنين المتصوف عمرو بن لهب، الملقب بـ (بهلول) المولود في القرن الثاني للهجرة  الثامن للميلاد في الكوفة، وتوفي ببغداد حدود سنة 190 هجرية  - 805 ميلادية ،  و شاه خوشين في القرن الرابع  الهجري -  العاشر الميلادي ، وقد عرفوا بالزهد والتقوى وفعل الخير والأحسان والطهارة والنقاء والتواضع والوفاء والإخلاص، كما قام  فخر العاشقين سلطان  اسحاق بن السيد عيسى البرزنجي  المولود  سنة 671 هجرية  - 1273 ميلادية بتجديدها  .

 

ويشتهر رجال الكاكائية بشواربهم  الكثيفة – كما ترون في الصورة المرفقة -  كونهم قديما كانوا يقسمون بشواربهم  مثل أخوانهم الشبك والتركمان والايزديين . والشوارب -   كما هو معروف بين ابناء الشرق -  دلالة على الرجولة ولا يزال الكثير منهم يحتفظون بشواربهم كغيرهم من الرجال في بعض دول العالم مثل سوريا وتركيا ولبنان ومصر واليمن وحتى الدول الأجنبية ، والكاكائيون حالهم حال غيرم من السكان  في نينوى تأثروا  بالثقافات الأخرى ومنذ اواخر  الحكم العثماني للعراق والذي استمر اربعة قرون من القرن 16 الى القرن ال20 .

والكاكائيون ينتشرون ايضا  في بغداد وديالى وكركوك ونينوى والسليمانية .فضلا عن وجود البعض منهم في إيران وسوريا ولبنان والدول الأوربية ، فهم يتبعون الجانب الروحي والتصوف من الدين الأسلامي الحنيف وشريعته السمحاء والذي يعتبرونه دينهم الوحيد، فالكثير منهم يجلون أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام و رضي الله عنه" كثيرا، أذ أنهم يعتقدون بأن الله عز وجل شرف نبيه محمد" صلى الله عليه وسلم" وفضله على جميع الأنبياء والمرسلين فيما أختار له علياً (رضى الله عنه ) وفضله على جميع الوصيين، وجعل حبه الإيمان وكمال الدين وعين اليقين.

 ان من حقائق التاريخ التي لابد ان اقف عندها هي ان الكاكائية التي هي طريقة صوفية بالاصل ابتدأت  على شكل تنظيم أجتماعي عفوي قائما على الشباب والفروسية، ثم دخل إليها مزيج من الأفكار والعقائد المستمدة من التشيع ، لذلك فالكاكائية ليست دينا ولامذهبا خاصا وانما هي  طريقة صوفية فيها الكثير من المعتقدات الروحانية  لكم مما ينبغي التذكير به انهم  يجلون الأمام علي " رضي الله عنه" وآل البيت ، وتشير المراجع وكتب التاريخ إلى أن سبب تسميتها  يرجع الى أن مؤسسها وهو السلطان اسحاق بن الشيخ عيسى البرزنجي المولود سنة 671  هجرية – 1273 ميلادية ، اراد بناء تكية في قرية برزنجة وضعت لسقفها العمد من الخشب ، ولكنها قصرت عن جدران البناء فقال لأخيه مدها أيها الأخ "كاكا" (كاكه راكيشه) ومن ثَم مدّها، فطال الخشبُ كرامةً، وصاروا يدعون ب  الكاكائية)  لهذه الحادثة.

ويعتبر الشيخ ابراهيم أغا كاكائي هو شيخ عام الكاكائية في العراق، فيما يعتبر رشيد فتاح أغا شيخ الكاكائية في نينوى.

 برز من الكاكائيين عدد من الشخصيات العراقية والموصلية التي كان لها  دورها في بناء العراق وتكوينه وتسلم بعضهم مناصب سياسية وعلمية وصحفية واقتصادية وتعليمية وعسكرية واعرف بعضا من اصدقائي وتلاميذي من الكاكاكائيين  وقسم من هؤلاء اليوم اساتذة في جامعات العراق ومنها جامعتي الموصل وكركوك  وكويي والحمدانية  منهم   الأستاذ الدكتور اسماعيل صالح كاكائي  في جامعة الموصل، والأستاذ الدكتور نبيل عكيد كاكائي في جامعة كركوك، والأستاذ الدكتور أحمد جليل كاكائي جامعة كويه، كما ان من اصدقائي الصحفيين والاعلاميين الاخ  الاستاذ حسين هاشم كاكائي  ، وهناك من الفنانيين والفنانات  التشكيليين والمطربين من الكاكائيين  منهم   الفنانة التشكيلية آفين عز الدين كاكائي والمطرب سعدون كاكائي .

تحياتي لأحبتي من الكاكائيين وتمنياتي لهم بالعيش الرغيد والتقدم .

 

 


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

صلاة الجمعة في جامع قبع - الزهور -الموصل

                                                                    الشيخ نافع عبد الله أبا معاذ   صلاة الجمعة بسم الله الرحمن الرحيم :...