الموصل :الماضي والحاضر والمستقبل *
ا.د.
ابراهيم خليل العلاف
استاذ
التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
حمدتُ الله ، عندما كلفني الاخوة في بيت الحكمة العتيد للحديث عن الموصل
الحدباء – أم الربيعين . وقد اخترتُ موضوع الموصل وشخصيتها ، ودورها الحضاري، وتطلعاتها المستقبلية ، موضوعا للحديث.. وتلك فرصة لنا لأن نقف عند مدينتنا العزيزة ، ومحافظة نينوى
العراقية لنُذكر بوجوب إقالتها من
عثرتها ، والإرتفاع بها من المستوى الذي وصلت إليه ، وإعادتها إلى ألقها
الذي عرفناه عنها .وسأقف عن التاريخ
الماضي ، والتاريخ الحاضر ، والتاريخ المستقبل .. وابدأ بالتاريخ الماضي .
اولا : التاريخ الماضي
الموصل
ليست مدينة فحسب؛ إنها حضارة ،وهي
تاريخ ، وتراث وموقف ، ودور . ولقد إنتبه إلى ذلك البلدانيون ، والجغرافيون العرب
وغيرهم ، وأكدوا على أن الموصل ، " مِصْرُ إقليم الجزيرة ..بلد جليل ..حسن
البناء.. طيب الهواء ، كثير الملوك والمشايخ ، لا يخلو من إسناد وفقيه مذكور"
..هكذا قال عنها شمس الدين أبو عبد الله البناء المقدسي البشاري
390 هجرية - 1000 ميلادية . أما أبو
القاسم محمد علي الموصلي البغدادي المعروف ب " ابن حوقل " (367 هجرية
-977 ميلادية ) ، فقد وصف الموصل بأنها : " من أكابر
البلدان.. عظيمة الشأن بها لكل جنس من الأسواق الاثنان والأربعة والثلاثة مما يكون
في السوق المائة حانوت وزائد . وفيها من
الفنادق ، والمحال ، والحمامات ، والرحاب ، والساحات ، والعمارات ما دعت إليها
سكان البلاد النائية فقطنوها وجذبتهم إليها برخص أسعارها " .
وعني
الموصليون بمدينتهم ، فشيدوا الأبنية الفخمة ، وزينوها بزخارف جميلة ، وغرسوا في
دورهم وقصورهم الرياحين ، والأزهار ، والأشجار المثمرة .ينساب الماء في جداول إلى
برك وأحواض يخرج منها نافورات ، وبين
أشجارها الحيوانات الجميلة وعلى أشجارها الطيور المغردة ووصف السري الرفاء
المتوفى سنة 360 هجرية -971 ميلادية مدينته بقصائد جميلة صورت لنا ما كانت عليه
الموصل من جمال التنسيق..ودقة الفن .هذه هي الموصل كما أدركتها أنا على الأقل ومجايليي من أبناء ما بعد الحرب العالمية
الثانية . واستطيع أن أقول أنها كانت في
الخمسينات والستينات من القرن الماضي أجمل وأرقى مما هي عليه الآن بالرغم من مرور
أكثر من ( 50 ) سنة على تلك الفترة ....إذا لننهض بالموصل ، ولتتضافر
جهودنا من اجل هذا الهدف النبيل .
والموصل
مركز محافظة نينوى، مدينة قديمة.. لها تاريخ عريق.وقد إرتبط تاريخها بتاريخ مدينة
نينوى، عاصمة الإمبراطورية الأشورية، مدينة يونس صاحب الحوت عليه السلام. ولا يتسع هنا المجال للغور في
تاريخ الموصل القديم أو الإسلامي ، وحتى الحديث، فذلك
معروف ،ولكن الأمر الذي نود هنا أن نؤكده بان
الموصل كمحافظة، وكمدينة، اكتسبت عبر
العصور التاريخية "شخصية حضارية". وقد
ارتفع شأنها منذ أن تمكن العرب المسلمون من
فتحها سنة 16 هجرية - 637
ميلادية وذلك في عهد خلافة أمير المؤمنين
عمر بن الخطاب رضي الله عنه بعد
انتصارهم على الفرس الساسانيين في معركة القادسية
المشهورة.
وعظم
شأن الموصل منذ
ذلك الوقت، وغدت قاعدة بارزة من قواعد العرب والمسلمين ، فجاهدت ، وأمدت الجيوش العربية
بعدد كبير من قادة الفتح وجنوده .ومنها انطلقت الجيوش لحمل الرسالة الإسلامية
لفتح أذربيجان والجزيرة .كما أُتخذت مرات عديدة مقرا للإدارة وعاصمة لإقليم
الجزيرة ، ومركزا عسكريا للدفاع عن حدود الدولة العربية الإسلامية الشمالية الشرقية .
ومن
الطبيعي، والموصل ، تتميز بهذا الموقع الجغرافي ، والاستراتيجي المهم على طريق التجارة
وقوافلها . فضلاً عن اعتدال مناخها ،وخصوبة تربتها ،وكثرة قراها ومزارعها ، أن يكون
لها الدور الكبير في كل عصور التاريخ اللاحقة.. وقد زارها الرحالة العرب والأجانب
وأشادوا بها وبأهلها . فهذا ابن بطوطة الرحالة المغربي المعروف يصف الموصليين
" بان لهم مكارم الأخلاق ،ولين كلام،
وفضيلة وحب للغريب،وإقبال عليه." أما
ياقوت الحموي فقال عن أهلها : " أنهم أصحاب مروءة واعتدال"
.
عندما
جاء العرب فاتحين
للموصل وجدوا إخوانهم ومنهم النصارى ،في
استقبالهم حتى أن أحياء الموصل ومحلاتها لا تزال
تحمل أسماء القبائل التي وفدت إلى الموصل أيامئذ
ومنها خزرج ، والأوس، والمشاهدة،وثقيف
والخواتنة ،والعكيدات.
وقد
حظيت الموصل باهتمام المؤرخين ،ولدينا
كتب ومصنفات كثيرة تتناول تاريخ الموصل السياسي
والاقتصادي والاجتماعي والثقافي سواء
في عهد حكومة الراشدين، أو الأمويين ، أو
العباسيين، أو الحمدانيين ، أو العقليين، أو
الاتابكيين ، أو العثمانيين.
وحين
ضعفت الحكومة المركزية ببغداد، أقدم أهل الموصل
على تنظيم أنفسهم، وإقامة كيانهم السياسي الخاص
بهم . وقد تكرر ذلك مرات عديدة لعل آخرها
انفرادهم بحكم أنفسهم بأنفسهم خلال عهد الجليليين وقد استمر ذلك بين سنتي
1726-1834 . وقد تصدت الموصل للغزاة ، وأسهمت في مقاومة الصليبيين الذين
هددوا العالمين
العربي والإسلامي منذ القرن الحادي عشر الميلادي (الخامس الهجري) حتى القرن
الثالث عشر الميلادي (السابع الهجري).
من
منا لا يتذكر عماد الدين زنكي ،
ونور الدين زنكي، والجامع النوري الكبير ومنارته الحدباء شاهد على ذلك العصر الذي
تحملت الموصل عبره مسؤولية الجهاد ضد التجزئة .. وضد الغزاة الصليبيين القادمين من
الغرب والذين هددوا المسجد الأقصى ثالث الحرمين الشريفين ومدينة القدس.. مدينة الإسراء
والمعراج .. مدينة السلام.. والموصل هي موطن الحضارات، وحضارة الأشوريين معروفة
وإضافتهم للحضارة الإنسانية تقف اليوم لتعلن بان الموصل - نينوى قدمت للإنسانية
الكثير إبتداء من الزراعة وانتهاء بالعلوم والرياضيات مروراًَ بالعجلة والمعمار.
لقد
قاومت الموصل الغزاة المغول 1260م .كما قاومت أيام حصار نادر شاه 1743م والذي يعد
من أبرز الأحداث التي وقعت في العالم الإسلامي خلال القرن الثامن عشر
الميلادي.. وقصة دفاع الموصل ، ومقاومة
الغزاة الفرس بقيادة الحاج حسين باشا
الجليلي (1703-1757) قصة متداولة .وقد فشل نادر
شاه في اقتحام المدينة .. ويقول المؤرخون
أن حصار الموصل استغرق أربعين يوما بدا يوم 14 أيلول 1743 وانتهى يوم 23 تشرين
الأول 1743 . ولم يشهد العالم حصار أية مدينة بمثل تلك القوة (ربع مليون مقاتل)
إلا إذا استثنينا حصار نابليون لمدينة موسكو في القرن الثامن عشر بـ (400) ألف مقاتل.
الموصل إذن
تمتلك تاريخا ثرا .. ومقاومتها للغزاة
الانكليز في الحرب العالمية الأولى وما
بعدها لا تزال شاخصة، وحركتها الوطنية ورجالها الأفذاذ، ودفاعها عن الأرض والعرض يضرب
به المثل. لقد كان للموصليين دور مشهود في
إقامة الدولة العراقية الحديثة وديمومتها
.كما لهم دورهم في تأسيس الجيش العراقي 1920 وقد أسهموا في كل الأحداث التي
شهدها العراق وشهدتها البلاد العربية ومنها فلسطين والجزائر وسوريا والخليج العربي
بعد الحرب العالمية الأولى .
لم يقبل الموصليون المذلة، ولم يخفضوا
رؤوسهم إلا لله عز وجل.. وهم معروفون بأنهم
فرديون لكنهم متحضرون .. وعلى وعي كبير
بما يحيط بهم من أحداث .. لا يصبرون على ضيم..
ولكنهم نظاميون يؤمنون بقيمة النظام
، ولا يعطون ولائهم بسرعة ،ولا يميلون
للفوضى،بل يحبون النظام
والقانون ، ويعتزون بمدينتهم وبالعراق وبتاريخهم ،وتراثهم،
وبرجالاتهم الذين ضحوا بأنفسهم وأموالهم من اجل رفعة الوطن والدين والأمة..
وقد امتزجت عقيدتهم الإسلامية بوعيهم القوى بعروبتهم.. ومن هنا فان شخصية الموصل
شخصية ذات ثلاث أبعاد ؛ (بعد وطني) و(بعد
عربي) و(بعد إسلامي).. وليس من السهولة
لأحد أن يغير في تراتبية هذه الأبعاد.. وهم عراقيون .. إعتزوا بعراقيتهم وظهر
ذلك في أكثر من مناسبة.. وقد شهدت ساحتهم السياسية والاجتماعية هذه الحقيقة واضحة
في كل المناسبات والأحداث.
ثانيا : التاريخ الحاضر
تعرضت الموصل في العاشر من حزيران سنة 2014 الى غزو قوة دينية –سياسية
عرفت نفسها على انها (الدولة الاسلامية في العراق والشام والتي عرفت اختصارا بداعش
) قالت بإنها تطمح لأقامة (الخلافة على
منهج النبوة ) ، ولم تكن هذه القوة مستعدة ولاقادرة على تنفيذ مطمحها لسبب بسيط
انها لم تكن تمتلك لا الارضية المناسبة والا الامكانات الملائمة ولا القدرة
اللازمة مما الحق بالموصل واهلها اكبر
كارثة تدميرية مرت بها في كل تاريخها
الطويل الذي –كما قلنا –يمتد الى الاف السنين.وقد استغلت عناصر هذه ( القوة - التنظيم )
اخطاء الحكومة العراقية السابقة ، وتعسف مجامع وقادة القوات
العسكرية التي كانت موجودة في الموصل، للدخول الى الموصل والمصيبة الكبرى ان القوات
العسكرية ومعها قوات الشرطة الاتحادية وما كان يلحقها من قوات تركت مواقعها
وانسحبت تاركة اهل نينوى وعددهم ثلاثة
ملايين إنسان يواجهون مصيرهم المجهول ومن
ذلك انهم بقوا تحت سيطرة عناصر هذا التنظيم الذين راحوا يغيرون اوضاع السكان
ويقاومون معتقداتهم ويواجهون اعرافهم التي
درجوا عليها منذ الاف السنين بالقوة
المفرطة والقسوة الشديدة وتمثل ذلك بسلسلة طويلة من الاجراءات التي طالت
الكثير من خصوصيات الناس وتقاليدهم واعرافهم وما تربوا عليه منذ سنين طويلة .
تمثلت تلك الاجراءات بفرض قيود على الثقافة والتعليم والفكر والفن والاتصالات لابل
حتى الملابس والشكل والازياء .وقد اقام التنظيم مؤسسات بديلة عن مؤسسات الحكومة تمثلت بالحسبة والدواوين والمحاكم الشرعية وفرض
على الناس مراجعتها والانقياد لشروطها
وعقابيلها .
وخلال قرابة ثلاث سنوات 1914-1917 تحولت الموصل
من مدينة متنورة مزدهرة الى مدينة خاملة كئيبة فمؤسسات المجتمع وتنظيماته المدنية ونقاباته
ونواديه وجمعياته توقفت وازيلت واقيمت بدلا عنها معسكات للتدريب على السلاح حتى
للاطفال الذين دربوا ضمن ما سمي ب(أشبال الخلافة ) ، والغيت المناهج الدراسية السابقة وفرضت مناهج
جديدة في المدارس والجامعات كان كل محورها
هو السلاح والقتال والموت .
كما اعيد النظر في تراتبية النظرة الى التاريخ الاسلامي والحديث من خلال
فرض رؤية احادية تنظر الى التاريخ الاسلامي من خلال عدد من المحاور وهي ان التاريخ
الاسلامي يمر بعدد من الفترات هي على
التوالي : ( فترة تاريخ العرب قبل البعثة ) و(
فترة ظهور الاسلام والسيرة النبوية
) و(فترة الخلافة الراشدة ) و(فترة
الفتوحات الاسلامية ) و( فترة الملك
العضوض : التاريخ الاموي والتاريخ العباسي وتاريخ الاسلام في المغرب وتاريخ الاسلام في الاندلس ) و( فترة الغزو المغولي والمماليك والحروب الصليبية والدولة
العثمانية ) وفترة ( المُلك الجبري )
وفترة الدعوة الى التوحيد في العصر الحديث و( نشأة وتطور الدولة الاسلامية حتى
اعلان الخلافة في الموصل من خلال زعيم
التنظيم ابو بكر البغدادي وفي الجامع النوري الكبير ).
عند العودة الى جدول
المواد التي اقترح تدريسها في قسم التاريخ بكلية الاداب – جامعة
الموصل على سبيل المثال نجد انهم ادخلوا
الى جانب دروس التاريخ موادا في (العقيدة ، والفقه ، وعلوم القرآن ، والسيرة
النبوية ، والخلافة الراشدة والفتوحات الاسلامية وتاريخ الانبياء وتاريخ الصحابة )
وهذه تدرس في المراحل الدراسية الاربع
.كما فرضوا مادة (الاحكام السلطانية ) في المرحلة الثالثة الى جانب المواد الاخرى
وهي (علم التاريخ ومناهجه ) و(الحاسوب ) و(اللغة العربية ) و(منهج البحث ) و(تاريخ
الجغرافية ) و(قياس وتقويم ) و(تفسير التاريخ ) و(بحث التخرج ) وهكذا اصبح مجموع
الوحدات في قسم التاريخ وللسنوات الاربع (94 ) وحدة .
لكن مما ينبغي ذكره ان
الدراسة في جامعة الموصل لم تفتح بإستثناء كليات المجموعة الطبية ، وقد شهد الدوام
عزوفا من طلبة الجامعة الا القليل القليل الذي ما انتظم دوامهم ولم نشهد حضورهم
الى ساحات ومكتبات ومختبرات الجامعة التي بدت للجميع انها مهجورة طيلة السنوات
الثلاث المنصرمة .وهكذا انعدمت الحياة الجامعية في الموصل حالها حال الكثير من
جوانب الحياة .
استند حكمهم في الموصل على سلسلة
من المرجعيات منها النشرة التي أصدروها بعنوان : "هذه عقيدتنا وهذا منهجنا " وفيها ان ما اسموه دولتهم " تؤمن بان الله تعالى جل في علاه لا إله غيره ولامعبود بحق سواه مثبتين ما اثبتته
كلمة التوحيد ، وان الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم ، رسول الله الى الخلق
كافة ، وان القران كلام الله ، وان الانبياء والرسل أخوة متحابين بعثوا برسالة
توحيد رب العالمين ، وان السنة هي الوحي الثاني ، وان حب النبي محمد صلى الله عليه
وسلم فريضة ، وبغضه كفر ونفاق ، وان الايمان لابد ان يكون بالقدر خيره وشره ، وان
عذاب القبر ونعيمه حق وان نؤمن بالبعث
وباليوم الاخر وبأشراط الساعة ، وان الله يخرج من النار قوما من الموحدين بشفاعة
الشافعين ، وان الشفاعة حق لمن أذن الله له ورضي له قولا ، وان الايمان قول ، وعمل
، ونية ، وان لا نكفر امرءا من الموحدين ولا من صلى الى قبلة المسلمين بالذنوب
كالزنا وشرب الخمر والسرقة مالم يستحلها ،
وقولنا في الايمان وسط بين الخوارج الغالين وبين اهل الارجاء المفرطين ، وان الكفر
أكبر واصغر وان حكمه يقع على مقترفه اعتقادا او قولا او عملا ، ولانكفر بالظنون
ولا بالمآل ولا بلازم القول، ونكفر من
كفره الله ورسوله ، ولكل من دان بغير الاسلام فهو كافر ، ومن نطق بالشهادتين واظهر
لنا الاسلام ولم يتلبس بناقض من نواقض الاسلام عاملناه معاملة المسلمين ونكل سريرته
الى الله تعالى ، والشيعة الروافض عندنا طائفة شرك ، وردة ، وحرابة ، ونعتقد بأن
الديار اذا علتها شرائع الكفر وكانت الغلبة فيها لاحكام الكفر دون احكام الاسلام
فهي ديار كفر ولايلزم هذا تكفير ساكني الديار ولانقول بقول الغلاة " (الاصل في الناس الكفر مطلقا )
بل الناس كل بحسب حاله منهم المسلم ومنهم الكافر ، ونؤمن بأن العلمانية على اختلاف
راياتها وتنوع مذاهبها كالقومية ، والوطنية ، والشيوعية ، والبعثية هي كفر بواح
مناقض للاسلام مخرج من الملة . وان اصول الاستدلال عندنا : الكتاب والسنة وبفهم
السلف الصالح من القرون الثلاثة الاولى المفضلة ، ونرى جواز الصلاة وراء كل بر
وفاجر ومستور الحال من المسلمين ، وان الجهاد ماض الى قيام الساعة بوجود الامام
وعدمه ومع جوره وعدله ، وإن عدم الامام لم يؤخر الجهاد لان مصلحته تفوت بتأخيره
ودماء المسلمين واعراضهم وامواله عندنا حرام لا يباح منها الا ما اباحه الشرع
واهدره الرسول صلى الله عليه وسلم ، وان اعتدى صائل من الكفار على حرمات المسلمين ،
فإن الجهاد عندئذ يصبح فرض عين لا يشترط له شرط ويدفع بحسب الامكان فالعدو الصائل
الذي يفسد الدين والدنيا لاشيء اوجب بعد الايمان من دفعه" ، " وكفر
الردة أغلظ بالاجماع من الكفر الاصلي ، والامامة لاتنعقد لكافر ، ومن دعا الى غير
الاسلام او طعن في ديننا او رفع السيف علينا فهو محارب لنا ، وننبذ الفرقة
والاختلاف وندعو الى جمع الكلمة ونسعى لاقامة الخلافة الاسلامية كونها فرض كفاية في عموم المسلمين ان قامت بها طائفة سقطت عن
الجميع ولانؤثم او نهجر مسلما في مسائل الاجتهاد ، ونرى وجوب اجتماع الامة
والمجاهدين خاصة تحت راية واحدة والمسلمون امة واحدة لافضل لعربهم على أعجمهم إلا
بالتقوى والمسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى بذمتهم أدناهم ونوالي اولياء الله تعالى، وننصرهم ، ونعادي اعداء الله تعالى ونبغضهم
ونخلع ونبرأ ونكفر بكل ملة غير ملة الاسلام سالكين في ذلك طريق الكتاب والسنة
مجانبين سبل البدعة والضلالة .ومما تم التأكيد عليه ايضا ان الولاء يجب ان يكون للاسلام لا للوطن ( نشرة
الولاء للاسلام لا للوطن ) ربيع الثاني 1436 .
وهم يرون ان فكرة الوطنية ، فكرة
غربية خبيثة ظهرت في اوربا على اثر تحولات فكرية وسياسية ادت الى اعادة هيكلة
المجتمعات الاوربية من مجتمعات دينية تتكتل على اساس المذهب الى مجتمعات تتكتل على
اساس القومية (القوم ) والجغرافية (الوطن ) ، فولدت انذاك الدول القومية ، والوطنية ، والقطرية
واتخذت من العلمانية منهجا لحياتها كردة فعل على ظلم الكنائس ، وفساد البابوات ، وبطش
الحاكم بأسم الدين والصراع الديني – المذهبي الاوربي الدامي الذي حصد الكثير من
الارواح والثروات ، وهكذا القومية هي بنت الوطنية ظهرت بعد سقوط الخلافة ، وزوال
دار الاسلام حيث كانت نابتة القومية من أولى معاول الهدم التي دكت أسس العقيدة
الاسلامية وجعلت من الانتماء للقومية العربية
أو التركية او الافريقية او غيرها اساسا للاجتماع والولاء والنصرة ، وهكذا الوطنية
، والقومية معناها ترك عقيدة الولاء والبراء الاسلامية واحلال عقيدة الولاء
والبراء الوطنية .
كما صار على التاجر ، والبائع والشاري ، والمهني والطبيب وامثالهم ان
يدفعوا الزكاة الشرعية على اموالهم من خلال مراجعة ما سمي ( ديوان الزكاة والصدقات ) وكما ورد في نشرة
اصدروها بعنوان : (نشرة الزكاة .. الزكاة ايها المسلمون ) .ومما اشار اليه هذا
المنشور الذي صدر في محرم 1436-2015 م " ان الزكاة احد اركان الاسلام ، وان
الله وعد من أخرجها كاملة خالصة الخلف العاجل في الدنيا والنعيم المقيم في دار
السلام وأوعد من منعها بعقوبة الدنيا والعذاب الاليم في دار الآلآم ." كما ان
مانعي الزكاة من اشد الناس عذابا يوم القيامة لذلك فإن على المسلم "دفع اموال
الزكاة الى جباة إمام المسلمين (بيت مال الزكاة ) وبراءة ذمة من أداها اليهم وعدم
جواز كتمان قدر الزكاة " .
وبصدد اطالة اللحية (وجوب اطلاق اللحية وحرمة حلقها ) فقد تم التأكيد على
ان اللحية هي من سمات الشخصية الاسلامية وسنة نبوية " وهي فرض عين على كل رجل
، وهي من تمام الخلقة التي إرتضاها الله
تعالى للذكور وجعلها سبحانه علامة فارقة بين الرجال والنساء " وقالوا ان ثمة احاديث نبوية تؤكد اعفاء اللحية أي
ارسالها مخالفة للكفار والنهي عن مشابهتهم في الاخلاق والافعال المذمومة .
وبشأن المرأة الموصلية فقد الزمت بإرتداء النقاب وبشكل مفرط وعدم الخروج من
البيت الا في الحالات الاستثنائية وحتى المرأة في التعليم وفي المدارس كانت ملزمة
بالنقاب كذلك في الاسواق والطرقات وحتى التلميذات الصغيرات ومن عمر تسع سنين كن
ملزمات بالنقاب شأنهن شأن امهاتهن واخواتهن الكبيرات .
ولم يعد من المباح في الموصل التدخين ، وبيع وشراء السيكائر ومنعت
الناركيلة ( الاركيلة ) . كما منع بيع الخمر
والمشروبات الكحولية وشددت العقوبات في هذا المجال.وقد اغلقت قاعات
المناسبات والسبب هو كما قالوا ما كان
يجري فيها من غناء وصخب غير مبرر .
وقد منع الناس من إقامة (الفواتح ) ، ووضع اللافتات التي تشير
الى الوفيات على الجدران لمخالفة ذلك للشريعة ، ومنعا من البذخ في الاموال والذي
كان يرافق اقامة الفواتح وما يسببه ذلك من اذى مادي ومعنوي لذوي المتوفى كما جاء
في أحد النشرات .
وجرى تهديم المساجد التي تضم قبورا وتحولت عبر الزمن الى مزارات ومنها جوامع النبي يونس والنبي شيت والنبي جرجيس
وغيرها .وازيلت الصلبان والتماثيل من الكنائس الموجودة في الموصل .
كما هُدمت النصب والتماثيل في شوارع
وساحات الموصل ومنها تماثيل الشاعر ابا
تمام الحبيب بن اوس الطائي وتمثال حاملات الجرار وتمثال حفصة العمري وتمثال السواس
وتمثال الملا عثمان الموصلي القارئ والموسيقار المعروف وتمثال فتاة الربيع .كما ازيلت الاثار التي ُتشًخص الانسان وازيلت
الكتابات والصور من المساجد وتوقف التسبيح والتمجيد في الجوامع وقراءة القرآن قبل
صلاة الجمعة جهرا في المساجد والجوامع بحجة مخالفة ذلك للشرع ولكون ذلك يعد من البدع
المضرة للمجتمع .
وتم منع الصور واللوحات الفنية وحتى على اللافتات التجارية في المحال والدكاكين
.ووضعت الرقابة على الانترنت ثم منع بعد ذلك وتم جمع ما لدى الناس من اجهزة التقاط
القنوات الفضائية .
وتم التأكيد على صلاة الجماعة وكانت تقام عند اشهار الاذان في الشوارع والازقة
والاسواق وليس في المساجد والجوامع فقط حيث تتوقف الحياة ويتوقف الناس عن
البيع والشراء والعمل عند الاذان وتتم دعوة الناس للصلاة جماعة في المسجد او في جماعة في السوق .
وقد اقدموا على ما اسموه بتنظيم الاسواق وخاصة في مركز المدينة في باب
الطوب ولم يعد يسمح بالدكاكين ومايسمى
ب(البسطات) العشوائية .
ومما ينبغي ذكره ان محاسبة الناس كانت تتم يوما بيوم ، وساعة بساعة ، وبشكل صارم . والحدود اصبحت تقام بشكل دائمي في الشوارع
والساحات ولم يكن غريبا ان يرى المرء شابا صغيرا يجلد شيخا كبيرا في الشارع امام
الناس .
وقد تم اخراج المسيحيين من دورهم ومصادرتها وتركوا يغادرون المدينة والقصبات التي كانوا
يسكنوننها منذ ازمان بعيدة وكذلك فعل
الشيء نفسه مع الشيعة وخاصة من الشبك والتركمان .اما اليزيديون فقد لحق بهم حيف كبير ومن ذلك ان نساءهم
وفتياتهن اختطفن وتعرضن الى الكثير من العنت
والعنف .
وهكذا تعرض المجتمع الموصلي الذي كان معروفا بالتنوع الى ان يصبح لونا
واحدا وقاحلا وانعدمت فيه حالة التلون الجميل ، والتشابك الاخوي والعلاقات
الانسانية وبات الانسان في ريبة وخوف شديدين وكإجراء مضاد فقد واجه الموصليون كل
تلك التحولات بكثير من المقاومة الصامتة وغير الصامتة ومن ذلك انهم لم يتركوا
اولادهم وبناتهم من الذهاب الى المدارس والجامعة وغادرت الموصل الكثير من الكفاءات
ومنهم صحفيون واعلاميون واطباء واساتذة وادباء وشعراء ومثقفين ورجال اعمال وصيارفة
واطباء ومحامين وتوقف نبض الحياة في الموصل ولوحق العاملون في الصحافة ووسائل
الاعلام والاتصال المجتمعي وقُتل البعض منهم كما اخليت المكتبات العامة واماكن بيع
الكتب من الكتب والمصادر العلمية
والادبية بإستثناء الكتب الدينية ومن صنف
معين ، ولم يحظ الكتاب والاساتذة والادباء
والشعراء والاطباء والمثقفين عموما بإي نوع من الاحترام فتواروا عن الانظار وباتت
اشكالهم باللحية الطويلة الكثة والملابس الفضفاضة يثير الشفقة ان لم نقل الاشمئزاز
حتى هم انفسهم كانوا يشعرون بذلك ، وكادت الحياة تنعدم .
وعندما حان وقت الخلاص وبدأت عملية
اعادة الموصل الى حضن العراق الموحد وانطلقت عملية (قادمون يانينوى ) في 17 تشرين
الاول 2016 ضُيق على اهالي الموصل ونينوى وتم احراق بيوتهم وسياراتهم وصب النفط
الاسود في الجزرات الوسطية واماكن النافورات واحرقت كما حفرت الانفاق ، وازيلت الحواجز بين بيوت الناس ، وفتحت
بعضها على البعص الاخر واستخدت كل الاساليب القاسية بحق من كانوا يسمون ب(العوام )
أي عامة الناس .
ولكن الموصل وهي قد شهدت عبر تاريخها الكثير من النكبات والغزوات تحملت كل تلك الاجراءات بصبر وجلد مستندة في ذلك
الى تاريخها الطويل وفيه تعرضت للكثير من النكبات والتدمير والحصار والمجاعة
والكوارث لكنها في كل مرة كانت تعود الى سابق عهدها وتنهض كطائر العنقاء كلما احترق له جناح تسامى
في العلو وهنا لابد ان نقف عند الكيفية التي يمكن من خلالها ان تنهض الموصل وهذا
ما يدعونا الى ان نقف عند المستقبل وهو المرحلة الثالثة من ورقتنا البحثية هذه .
ثالثا :المستقبل
ليست الموصل ، ومحافظة
نينوى ، بمدنها وقصباتها الوحيدة التي تعرضت للتدمير بمختلفة عن المدن الاخرى في العالم التي تعرضت
للتدمير وخاصة خلال الحرب العالمية الثانية 1939-1945 وما بعدها ولدينا الامثلة الكثيرة في هذا الصدد وها هي
لندن وباريس وستاليننغراد وبورسعيد دمرت
لكنها اعيدت بسواعد مقاتليها وابنائها من المدنيين .وكما هو معروف فإن ابناء
الموصل ونينوى معروفون بأنهم بناة ، وجادون ، ومتحضرون ، ومنضبطون ، وبسلاء واذا
ما توفرت لهم القيادة الناجحة فإنهم سيتجاوزن المحنة ويعيدون بناء مدينتهم وبأفضل
مما كانت .
ان مما ينبغي التركيز
عليه في عملية البناء تشجيع الزراعة ، واعادة إحياء مشروع ري الجزيرة ، وتوسيعه
واكمال حلقاته الشمالية والشرقية والجنوبية ولااريد ان اكرر القول بأن الموصل معروفة
بأنها (سلة خبر العراق ) .كما يجب الاستثمار في مجال الصناعة من خلال اعادة تشغيل
معامل السمنت ، والسكر ، والنسيج ، والالبان ، والادوية وفتح معامل للطابوق وتشجيع
ابناء الموصل على استخدامه في البناء .
كما يجب اعادة العمل
وتطوير مشاريع النفط والكهرباء وهي كثيرة في الموصل والسعي بإتجاه استخدام سد
الموصل لتوسيع توليد الطاقة الكهربائية بأكثر مما هي عليه الان .
ولايمكن اغفال اهمية تجديد المؤسسات التعليمية والتربوية
وترصين الجامعات الموجودة في الموصل ونينوى ومنها جامعات الموصل ونينوى وتلعفر
والحمدانية .كما يجب التوسع في تشجيع الناس على فتح المؤسسات التعليمية والجامعية
الاهلية .
والمؤسسات الصحية
المتمثلة بالمستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية هي ما ينبغي العمل على تطويرها
وتوفير المستلزمات والاجهزة الحديثة فيها .
ولابد من تطوير قطاع
الاتصالات والمواصلات وفتح الطرق والتقاطعات وتأثيثها وفق المعايير الدولية ويمكن في هذا الصدد العودة
الى ما يتوفر من دراسات ومشاريع سابقة اعدت في فترات زمنية مختلفة من مؤسسات دولية
ومكاتب استشارات هندسية عالمية لتطوير مدينة الموصل وهذه الدراسات متوفرة .
ومما اريد التنبيه حوله
ان ادباء وشعراء وكتاب ومثقفي الموصل عاشوا ومنذ 100 سنة ، وهم يحلمون بأن يكون لهم قصر ثقافي يجمعهم
ويحتضنهمم وكثيرا ما تلقوا الوعود من المحافظين على تنفيذ هذا المشروع وكنت شاهدا
على ذلك لكن كل تلك الاحلام لم تتحق وظل رموز الفكر والادب والفن يعقدون تجمعاتهم
وامسياتهم واصبوحاتهم في المقاهي والاماكن غير اللائقة بهم ومن هنا لابد من بناء
قصر كبير للثقافة والفنون في الموصل وبطراز معماري فريد .
كما يجب على الحكومة
المركزية ان ترصد المبالغ اللازمة لتعويض المتضررين من ابناء الموصل الذين دمرت دورهم
وتوفي ابناءهم واحرقت سياراتهم تعويضا
مناسبا ولائقا .
محافظة نينوى، وهي المحافظة التي تتميز بأن التنوع العرقي فيها
مصدر للعيش والتعايش لابناء المجتمع بحاجة الى وضع ستراتيجية سياسية واقتصادية
وتنموية تستوعب كل المواطنين وتبعث فيهم قيم النهوض والانطلاق لبناء المحافظة التي
ترفل بالخيرات والخبرات التي هي عماد
التنمية ، وركيزة النهوض الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والاستثمار المادي والبشري هو المحفز للرؤى والخطط
الاقتصادية الناجحة ، وهذا يتطلب من المسؤولين الاداريين في المحافظة ان يبادروا
الى الاستعانة بالخبراء والمتخصصين وخاصة
في جامعة الموصل العتيدة لرسم السياسات المستوعبة للتحديات ، والاخذة بالاساسي
والضروري في البيئة الاقتصادية للمحافظة ومنها ايضا تحفيز القطاع الخاص ، وهو في
الموصل يمتلك تقاليد عريقة في العمل من خلال عدد كبير من الرجالات الوطنيين الاقتصاديين
ويقينا ان كل ذلك يعزز الدور التنموي ولايمكن ان ننسى ان هيئة الاستثمار في
المحافظة هي من يجب ان تأخذ دورها من خلال
( مجلس اعلى يقود الحملة الوطنية لاعادة الاعمار في نينوى ) ينسق مع
ادارة المحافظة ومجلسها والدوائر القطاعية فيها لاعداد هذه الاستراتيجية
الاقتصادية الاجتماعية الثقافية ولابد لتحقيق ذلك من توفر الارادة اولا ، والنزاهة ثانيا ، والوطنية ثالثا ، والقدرة
رابعا .. وتلك اولويات نجاح كل مسؤول .
اننا اليوم ، وبعد ان
حصل الذي حصل في محافظتنا العزيزة ، بحاجة الى من يضع مسارات العمل ، والى من يحدد
اتجاهات السير ، والى من ينفذ هذه الرؤى والى من يؤشر الاوليات لكن لابد ان اقول – وبثقة –
ان من كان على رأس المسؤولية قبل سقوط
الموصل في حزيران 2014 لايحق له ان يتصدر المسؤولية أو يستمر فيها أيا كان ؛ لانه ببساطة كان من اسباب الفشل والسقوط ، وعليه
ان يتنحى جانبا ليخلي الساحة لمن هم اقدر وأنظف وأخلص منه .
في المدة من 27-28 تشرين الاول سنة 2010
انعقد في الموصل (مؤتمر محافظة نينوى الاول للتنمية ) برعاية مكتب نائب رئيس
الوزراء انذاك رافع حياد العيساوي وقد
استهدف المؤتمر التالي :
1. المساهمة في الارتقاء بمستوى المحافظة اقتصاديا
واجتماعيا وثقافيا
2. المساهمة في الارتقاء
بمستوى قدرات الجهات الرسمية لتكون قادرة ومؤهلة على تكييف انظمتها الادارية بما
يضمن تحسين مستوى ونوع الخدمات المقدمة للمواطنين ومسايرتها لمعايير الجودة
الشاملة .
3. المساهمة في تمتين اواصر
العلاقة بين صناع السياسة والمؤسسات والمراكز البحثية وقطاعات المجتمع الاخرى
4. بناء القدرات بكل مفاصلها وقطاعاتها لتحقيق
التنمية الاقتصادية والرفاه الاجتماعي والتطور العلمي
5. البحث عن الاطر
والمعايير الدولية اللازمة للتطور الاجتماعي وخاصة في قطاعات التعليم والصحة
والاسكان والخدمات البلدية والاستفادة من التجارب العالمية في هذا المجال
6. استشراف رؤى حديدة
للتنمية تمتد الى سنين بعيدة تتحدد وفق خطط ستراتيجية تحاكي المعايير الدولية
وتجارب الدول المتقدمة ووضع حلول للمشكلات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية
القائمة
7. وضع خطة لتأسيس تجمع
استراتيجي يهتم بقضايا التنمية والاقتصاد والمجتمع بحيث يصبح هو بمثابة مرجعية
علمية لصناع القرار من خلاله يتم تداول القضايا المتعلقة بالتنمية وبناء القدرات
الوطنية والتنمية الاقتصادية والاجتماعية وخاصة في جوانب الاستثمار والاسكان
والقطاع الخاص وتوفير فرص المشاركة والتعاون بين القطاعات العام والخاص والمختلط
وتشجيع كل اشكال الشراكة استنادا الى واقع المجتمع اولا وظروفه ووثيقة العهد
الدولي وخطط التنمية المركزية والاستراتيجيات المعدة للقطاعات المركزية والمحلية
في العراق .
وصدرت عن المؤتمر توصيات ودليل واضح مدعم بالصور
والبيانات والاحصائيات المفيدة التي يجب العودة اليها .. وللاسف فإن شيئا مما قرره
المؤتمر لم ينجز مع ان المؤتمر اكد ان ما مامرت به محافظة نينوى من احداث بعد 2003
كان له اثر بالغ في تراجع معدلات النمو والتنمية ، فكانت نسب الانجاز للمشاريع الاستثمارية متأخرة
مما ولد عدم تنفيذ وانفاق المبالغ المخصصة للمحافظة سواء على مستوى الموازنة
الاستثمارية او على صعيد موازنة تنمية الاقاليم .
لقد كان ما تم تخصيصه من
مبالغ لبرنامج تنمية الاقاليم على سبيل
المثال لسنة 2010 (334.059 ) مليار دينار وماتم صرفه من المبالغ ولغاية 31-8-2010
هو فقط (21.881 ) مليار دينار أي بنسبة تنفيذ مالي مقداره (6.6% ) .وثمة حقيقة
اخرى وهي ان نسب تنفيذ المشاريع في محافظة نينوى ظلت متدنية وحتى 2008 لم تتجاوز
كمعدل ال (1% ) من حجم تخصيصات المحافظة لتنمية الاقاليم وكانت حجة المسؤولين في
المحافظة من محافظ ورؤساء المجالس والمديرين العامين ان الوضع الامني السيء في المحافظة لم يساعدهم على انجاز ماتم
التخطيط له وهو من اعاق العملية التنموية مع ان الاعمار والتنمية كما هو معروف هو
من يجلب الاستقرر وتحسن الوضع الامني من خلال الاسراع في دفع رواتب ابناء محافظة نينوى
الموقوفة والمتراكمة منذ ثلاث سنوات والقضاء على البطالة وتدوير عجلة الاقتصاد.
الموصل كمدينة وكل
محافظة نينوى تحتل مكانة بارزة في سلم اولويات الحكومة المركزية لما لها من موقع
استراتيجي ، واهمية اقتصادية، ودور رائد في اعادة بناء العراق من جديد . والموصل
والمحافظة تتميز بتنوع سكاني فريد ، وجميل وقد ساد التعايش الاجتماعي الموصل عبر
قرون .. مساحتها 36515 كم مربع ومؤشر سكانها يقول انها تضم 3068588 نسمة وانها أي
المحافظة تحتوي حسب احصائية تعود الى سنة 2009 على 47 دار لرياض الاطفال و1387
مدرسة ابتدائية و174 مدرسة متوسطة و64 مدرسة اعدادية وفيها جامعة الموصل وجامعة
نينوى وجامعة تلعفر وجامعة الحمدانية ، وجامعة الموصل وحدها تضم 23 كلية وعددا من
المراكز البحثية وهناك كليات اهلية هي كلية الحدباء وكلية التراث فضلا عن الكلية
التقنية ومعاهد فنية ومؤسسات صحية يصل عددها الى 379 مؤسسة وهناك قطاع كبير
للخدمات لكنه تعرض في السنوات الاخيرة الثلاث الى التدمير بسبب الحرب والمعارك في
الجانبين الايمن والايسر من الموصل. كما
ان قطاع النقل تعرض ايضا للتدمير ، وكذلك طرق المواصلات، والاتصالات والشوارع والبنى التحتية في المدينة
والاقضية والنواحي ، وتهدمت الجسور الرئيسة الخمسة في الموصل بسبب قصفها من طيران
التحالف ، كما دمرت البنوك والمخازن
وقاعات الاجتماعات وبنايات في جامعة الموصل منها بناية رئاسة الجامعة
واحرقت مكتبة الجامعة المركزية ، وانعدمت خدمات السكك الحديد منذ 2003كما توقفت
المصانع والمعامل في الموصل بسبب التدمير وغياب الطاقة الكهربائية وفي محافظة نينوى كما هو معروف صناعات كبيرة
ومتوسطة وصغيرة تعرض معظمها للتدمير ، وهي
بحاجة الى تأهيل وقطاع الكهرباء في نينوى يعاني نقصا كبيرا في الانتاج وتدني
منظومات النقل والتوزيع وادى ذلك الى زيادة ساعات القطع عن المستهلكين ، ويقينا ان
ذلك انعكس سلبيا على الفعاليات الاقتصادية
الانتاجية واثر ذلك على المنظومة الاجتماعية والمنظومة الامنية الى درجة خطيرة
ونينوى اليوم وعند كتابة هذه السطور تعاني من الانقطاع التام للكهرباء بإستثناء ما
يأتي من خط طوارئ من سد الموصل للمستشفيات .ويحصل هذا في محافظة تضم ثلاث محطات
لانتاج الطاقة هي مديرية محطة كهرباء سد الموصل ومديرية محطة الموصل الغازية
ومديرية محطة الموصل لشرقية .
اما القطاع الزراعي الذي كان مزدهرا في الموصل بدليل ان المساحات
التي تزرع سنويا بالمحاصيل تبلغ ( 45% ) من المساحة التي تزرع في العراق كله ولهذا
سميت الموصل بسلة خبز العراق .هذا القطاع اليوم يعاني وهو مدمر بسبب الحرب
والمعارك .
وهكذا فإن قطاع الموارد
المائية يواجه تحديات كبيرة فكما هو معروف
ان هذا القطاع كان مزدهرا وكانت منطقة الجزيرة في محافظة نينوى من أهم المناطق
المجهزة للحبوب في العراق لكن مشروع الجزيرة بات اليوم ومنذ 2003 اثرا بعد عين .
وفيما يتعلق بقطاع
الاتصالات ، فإن محافظة نينوى تحتوي على ( 38 ) بدالة
ارضية لكن هذه البدالات قصفت جميعا من قبل قوات التحالف وهذه البدالات موزعة في
مركز المدينة والاقضية والنواحي .
إن أية محاولة لاعادة الاعمار والبناء في نينوى، وتأهيل البنى التحتية ، فيها لتكون متوافقة مع
ما موجود في المناطق المتقدمة تتطلب إجراء دراسات ، ووضع خطط لتنمية قطاعات
التجارة والصناعة والزراعة والري والطاقة والسياحة والتعليم والصحة والاسكان
والخدمات البلدية ، وهذا لايكون الا من خلال وضع (خطط استراتيجية ) يتولاها مجلس اقتصادي أعلى يأخذ بنظر الاعتبار
تجارب المجتمعات في الاقتصاديات المتقدمة في الرفاه الاجتماعي ، ومن اجل زج
الرأسمال الوطني والعربي والاجنبي ، وافساح المجال للشركات المحلية والوطنية
والعربية والاجنبية للمساهمة ، ويمكن ان يتم ذلك بخلق قنوات علمية لرفد المجلس الاعلى هذا بالاراء والخطط وبناء القدرات
والتأسيس لشراكات بناءة ، ولشبكات تنمية ، ولصناعة معرفية . ومن اهم ما ينبغي
الدعوة له في هذه العملية الكبرى أو هذه ( الحملة الوطنية الكبرى لأعادة إعمار
محافظة نينوى) ، أن يتم اختيار عناصر
اكاديمية ، وادارية ، ووظيفية مدنية وعسكرية ، معروفة بإخلاصها ، ووطنيتها ، ومعروفة
بنزاهتها ، ونظافة يدها ، وبعدها عن كل أشكال
الفساد وهي – والحمد لله – متوفرة في الموصل والعراق .
دعوة مخلصة ، ونداء صادق للجميع من أبناء
الموصل وأبناء العراق .. أن يتذكروا بان
الموصل رأس العراق، والحفاظ على الموصل ، والعناية
بها وبتطويرها ، وإدراك قيمتها الإستراتيجية
والاقتصادية والاجتماعية مسالة ينبغي أن تكون في مقدمة الأولويات التي تؤخذ
بالاعتبار، ونسيج الموصل- نينوى، الاجتماعي المتسم بالتنوع دليل قوة ،ودليل خير،
ودليل عافية .ونحن على يقين أن الجميع يعلمون هذه الحقيقة بل ويتصرفون بموجبها ..
حفظ الله العراق وأعان أهله، وحفظ الموصل الحدباء أم
الربيعين .. أم العلا المحروسة بأذن الله .
*ورقة بحثية مقدمة الى
(مؤتمر الموصل الماضي والحاضر والمستقبل ) الذي ينظمه (بيت الحكمة ) ببغداد أوائل
نيسان 2017
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق