الجمعة، 22 يوليو 2022

قرية تل خزف كبير وقصر الشيخ حسين العبدالله الراشدي بقلم : ا.د.ابراهيم خليل العلاف


 قرية تل خزف كبير وقصر الشيخ حسين العبدالله الراشدي

ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ التاريخ الحديث المتمرس – جامعة الموصل
وقصور ، وبيوت الموصل التراثية ، والتاريخية ليست فقط داخل مدينة الموصل ، وانما كانت منتشرة في بعض القرى والنواحي والقصبات وقد سبق أن تحدثتُ عن قصر محمد باشا الجليلي في الصيرمون في البوسيف على الطريق بين الموصل وحمام العليل . واليوم أتحدث عن قصر آخر له تاريخ ، وتاريخ ثر وهو (قصر الشيخ حسين العبدالله الراشدي ) في قرية تل خزف الطائية التابعة اداريا لقضاء الموصل ، وهي واحدة من القرى التي تقع على بعد 17-20 كيلومتر جنوبي غربي مدينة الموصل قرب سلسلة تلال العطشانة على الطريق بين الموصل وبلاد الشام وكان من قبل يسمى (طريق الجادة القديم) ، ويربط الموصل بتلعفر ثم سوريا .
وقبل ان اتحدث عن قصر الشيخ حسين العبد الله الراشدي، لابد ان اقف قليلا عند (قرية تل خزف كبير ) وطبعا هناك قرية تل خزف صغير ، وهي قرية المصايد سكنتها اول الامر عشيرة الراشد ال حسين العبد الله الراشدي الطائي 1876-1923 ، ثم انتقلت الى قرية تل خزف كبير .
ومن الجميل ان يكتب لنا الاستاذ سالم الغزال مقالة جميلة عنها أي عن قرية تل خزف كبير في مجلة ( صدى الريف ) العدد (15) لشهر تموز سنة 2020 . ومما قاله ان سبب تسمية هذه القرية (تل خزف) هو انها قرية تقع على تل اثري ، وخرائب اثرية عثر فيها على كميات من (الفخار والخزف) ، مما يدل على مكانتها الاثرية ، وغناها الحضاري ، ومن هنا جاءت تسميتها بقرية تل خزف وهناك قرية تل خزف كبير ، وقرية تل خزف صغير ، والقرية تم استقرار سكانها من عشيرة الراشد ال حسين العبد الله الراشدي ( 1876-1923 ) فيها بحدود سنة 1900 أي في اواخر القرن التاسع عشر ، ومطلع القرن العشرين ، لكن المصادر والوثائق العثمانية تشير الى تاريخ اقدم من هذا وتقول ان الشيخ حسين العبد الله الاول كان اسمه واردا ضمن فرمان عثماني تاريخه سنة 1246 هجرية أي سنة 1830 ميلادية .وقد اعقبه في المشيخة ابنه الشيخ عبد الله الحسين 1870 وبعدها الشيخ الجليل الشيخ حسين العبد الله الثاني والذي توفي سنة 1923 .
واهم ما يميز هذه القرية ، وجود قصر الشيخ حسين العبد الله الراشدي بناه بين سنتي 1908-1912 أي ان فترة بناءه استمرت اربع سنوات ، ومن بناه ، بناء موصلي من اهلنا المسيحيين اسمه المعمار ( رزوقي بن جورا ) ، والقصر كما يتضح من ملاحظة طرازه المعماري مبني على الطراز الاتابكي ، فهو يتكون من طابقين ومساحته (2دونم ) وهو من طابقين وفيه (حوشين )أي فنائين احدهما لمن نسميهم (الخطار ) او الضيوف والثاني للحرم أي للنساء وفي الدار سرداب وعدد من عنابير (جمع عنبار أي مخزن) للحبوب وخاصة الحنطة والشعير .
والقصر يبدو ، وكأنه قلعة محصنة فسياجه عال وفيه فضلا عن السرداب والعنابير (14) غرفة ، فيها عدد من الشبابيك ذات الحديد المشبك والغرف مبنية بالجص والحجر وبطريقة (العكادة ) أي (العقدة) .ويمكننا القول ان في الطابق الاول غرفة للضيوف هي عبارة عن ديوه خانة كما ان هناك امام الغرف طارمة ، ويقينا انه تمت خلال السنوات المئة الماضية اضافات الى القصر لكن القصر بهيئته المعمارية السابقة يبدو آية من الجمال ، ويقتضي الامر صيانته والحفاظ عليه لما يمثله من تاريخ عريق . والقصر كله يبدو من الخارج ، وكأنه مخزن لما يضمه من مرفقات تدل على ان صاحبه اراد ان يكون موقعا أو مكانا استراتيجيا لتوفير المؤونة وقت الحاجة ، وفي ايام المحن ، والنكبات ، والقتال، والمجاعة .
شكل القصر في طرازه المعماري يشبه الحرف T في اللغة الانكليزية فيه كما قلت السرداب على طول القصر من جهة الشمال ومن جهة الشرق توجد العنابير .من جهة الغرب توجد اكثر غرف القصر مع غرفة الضيوف (الديوان ) وهي في الطابق الثاني . والديوان في الحقيقة غرفتان يفصلهما ايوان على الطراز المعماري الاتابكي كما سبق ان قدمت غرفة فيها مفارش على الارض للجلوس وفي الغرفة الثانية (قنفات) للضيوف من الافندية الذين يزورون الشيخ وكان يستقبلهم فيها منذ استكمال بناء القصر سنة 1912 .
والدليل على ذلك ان الشيخ حسين العبد الله الراشدي ، كان رجلا كريما مضيافا قام بدور كبير خلال سنوات الغلاء ومجاعة سنة 1917 التي واجهتها ( ولاية الموصل العثمانية) خلال الحرب العالمية الاولى 1914-1918 ، حيث ارتفع ثمن وزنة الحنطة ووصل الى ثلاث ليرات ذهبية عثمانية للوزنة الواحدة لكن الشيخ حسين العبد الله الراشدي كان من ابرز من قدم لمن كانوا يسمون (السواع) أي الساعين الباحثين عن الطعام والماء ايام مجاعة شتاء سنة 1917 ، فكان يقف في الطريق وينادي (الزاد يا جوعان ، والماي يا عطشان ) ، ومن وقفت الى جانبه وشدت ازره وعاونته في توفير الماء اخته المرحومة (الشيخة خضيرة العبد الله ) ، فكانت قد خصصت عمالا يجلبون الماء من وادي فيه ماء من نهر دجلة بواسطة عربة تجرها الخيول سمي فيما بعد ب( وادي السبيل) .ومن المناسب القول ان الشيخة خضيرة العبد الله كانت تقول آنذاك لشقيقها الشيخ حسين العبد الله مقولة مشهورة :" تكبعلها تراها مزنة وفايته " . وقد خلد الشاعر محمد الملا هذه الحادثة في ابيات من الشعر الشعبي مطلعها :
جدت بهل الدواويني
جرح بحشاي ماذيني
جدت بحسين العبد الله
يراعي النجر والدله
إعبي الجوخ مبتلة
من كبر الدواويني
وقد لقب الشيخ حسين العبد الله الراشدي من قبل الناس يا (مشبع الجوعان بسنين الغلا) .
الشيء الذي له ارتباط بالقصر ، انه فضلا عن كونه كان (عنبار اكبيرا ) ، ومضيفا ، كان ملجأ لثوار ثورة تلعفر التي اندلعت في الرابع من حزيران سنة 1920 ، فكان رجال الثورة ، وقادتهم ومنهم الشيخ ساير الجوعان وكان يقود كتيبة من الثوار يلتجؤون ليلا الى هذه القصر وينطلقون مع الفجر لمتابعة اعمال المقاومة ضد الانكليز المحتلين .. كان يأتي بالرجال ليلا من قرية البطيشة ، وكان في تلك الفترة يسكن البطيشة وعند الفجر ينطلقون والثورة في تلعفر وقرية الكونسية وما يجاورها مشتعلة وكان من رجال المقاومة ايضا شيخ الجبور الشيخ مسلط باشا الملحم .
وبعد وفاة الشيخ حسين العبد الله الراشدي ، تولى المشيخة ولده الشيخ فتحي حسين العبد الله ( 1900-1969 ) ، وكان يعد من (عوارف المنطقة) ، وأحد ابرز شيوخ العراق معرفة بقوانين وتقاليد العشائر ، وقد كان له دوره الفاعل في فض الكثير من النزاعات .. كما كان احد المساهمين في شركة سمنت بادوش ، مع السيد حازم الصابونجي وغيره .
وكان الشيخ فتحي الحسين ، من رؤساء العشائر العراقية المعدودين عرف بميله للتعليم والتطور . فضلا عن اسهامه في كثير من الاعمال الخيرية والاجتماعية وهو من ادخل الآلات الحديثة في حراثة الارض والزراعة في الاربعينات من القرن الماضي ، وكان مضيفه في قصر والده الشيخ حسين العبد الله الراشدي عامرا وكان متمكنا ماديا ، ولديه احدث سيارات زمنه سيارة شوفروليت موديل سنة 1959 ، وكثيرا ما كان يقيم الولائم لعدد من الضيوف والمسؤولين وخاصة في سنوات الستينات من القرن الماضي .
وقد انضم الشيخ عبد الله فتحي الحسين لوفد محافظة نينوى الذي رأسه السيد محسن الحبيطي لزيارة رئيس جمهورية العراق سنة 1967 الفريق عبد الرحمن محمد عارف .. كما كانت علاقاته بشيوخ محافظة نينوى وثيقة .
وقد اطلعت على كثير من الصور الفوتوغرافية التي توثق لنشاطاته في قصره قصر والده موضوع مقالتنا هذه .
والشيخ الان عند كتابة هذه السطور ، ومنذ سنة 1969 هو الشيخ عبد الله فتحي الحسين حفيد الشيخ حسين العبدالله ، وآخر ما رأيت فيديو بتاريخ 13 نيسان سنة 2021 يوثق لجولة قام بها الامير صباح غازي الحنش امير قبائل وعشائر طي العربية ، الى قصر الشيخ حسين العبد الله الراشدي في قرية تل خزف كبير ، ولقاءه الشيخ عبد الله فتحي الحسين حفيد راعي الكرم ، والجود ، والمواقف المشرفة الشيخ حسين العبد الله الراشدي في قرية تل خزف كبير مع جمع خير من وجهاء عشيرة الراشد الطائية ووجهاء القبائل العربية الاصيلة .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...