الأحد، 24 يوليو 2022

راكان دبدوب 1941-2017 الفنان التشكيلي الموصلي الرائد قبل الرحيل بـخمس سنوات في منزله بحي النور في الساحل الأيسر من الموصل حوار مع مجيد السامرائي


                                                        راكان دبدوب ومجيد السامرائي 


 

 راكان دبدوب  1941-2017 الفنان التشكيلي الموصلي الرائد قبل الرحيل بـخمس سنوات في منزله بحي النور في الساحل الأيسر من الموصل*

  حاوره : الاستاذ مجيد السامرائي

    الحوار نادر ، ولا نظير له مع  الفنان  راكان دبدوب الذي غيبه الموت قبل ايام  (12 من شباط – فبراير 2017) حوار دار سنة 2012  في داره الواقع في منطقة  حي النور  من الساحل الايسر لمدينة الموصل ..مفرداتهُ ، وتكويناتهُ محددة ، وبناؤه بسيط هو الآخر. وجهُ امرأةٍ معتمٍ على اليمين ، ونقطتان مضيئتان على اليسار أو يكون الجسدُ ذهبياً بلا سر في كل مكانٍ من اللوحة ، فوهات ، براكين مُجرد فوهاتٍ فقط يمكن للمشاهدِ غير المزود بأي خيال أن يدخلها ، وقد ينغلق الثقب المنغلق عليه ثم يغيب في سواد الاسرار أنه المخترع لهذه الشارة ، الرمز ، الايماءة ، وكل من فعلها بعده مقلدٌ له ..

 

{ ابو بلال طمأني عنك  ؟

- الحمدُ لله بعد هذا العمر تعبتُ كثيراً ، وأثقل الفن كاهلي   ؛ فكان همي الأول والآخر الفن المتذوق ، والهم عندي مرسومٌ في اللوحة ما تعبّر به الذاكرة من ذكريات حزينة وشريط حياة من الماضي ..

{ متى ولدت ؟

- في  1941

{ لا زلت في عمر الشباب

 - تعبتُ في اخراج اللوحة ، وانتاجها وموضوعها.. ظهري أنكسر ، والهم ذوبني .. كان  همي هو اللوحة ومعانيها ..

{ ما هي المفردات التي لازمتك منذ شبابك في رسمها الى الان ؟

- الفوهة الدائرية الموجودة في كل لوحة ، لأنها ولدت معي منذُ أن كنتُ طالباً أدرس في روما ، وبدأتُ أضعها في كل لوحة مغامراً فيها قائماً عليها .. وشجعني ونبهني عليها بعض اساتذتي ،  ثم علموني ماهية أوصافها واشكالها وانواعها واختلافها ..

{ بعض لوحاتك فيها فوهات ثلاثية واحدة مقابل الأخرى ؟

- حسب التكوين  ، واللوحة تحدد نفسها ، وما تمر بها من جروح وشروخ ..

{ لِمَ  ظهر عندك الغزال في لوحاتك مبكراً ؟

- عندما كنتُ طفلاً ، كان الرعاة الذين يرعون  غنم جدي يأتون  لي بهدية غزال ( يقمز ) فأحببتُ ذلك الحيوان الجميل ورسمتهُ في لوحاتي:

 وعيناكِ عيناها وجيدُك جيدُها           

 سوى أن عظم الساق منك دقيق

وكادَتْ بلادُ اللّه يـــــا أمّ مالكٍ 

 بما رَحُبَتْ مِنْكُمْ عليَّ تَضيقُ

{ هل تحب الشِّعر  الى هذا الحد؟

- اووو  أحفظ الآلاف من الشعر ومنه :

أحبك فوق التصور .. فوق  النهايات

إلى شعرك القمر الأسودا..

على الله حتى .. فلم يسجدا!!

المسافات .. فوق حكايا العدا

جرحت الأزاميل فيك . حملت

إلى شعرك القمر الأسودا..

وشجعت نهديك .. فاستكبرا

انه لنزار؟

وأحفظ  اغلب  شعره  ، كنت أحبه ، وارسم له وكان يأتي الى مكان مرسمي ، فكان صديقي ، ويرسل لي اول طبعة لديوانه من بيروت ، وحفظت دواوينه ..

{ هل عاشرت شعراء معاصرين آخرين غير الشاعر نزار قباني   ؟

- نعم .. عاشرت الكثير منهم في زمني ورسمت لهم وكانوا كلهم أصدقائي  ..

{ كم لوحة ترسم في اليوم الواحد؟

- حسب القابلية والمزاج ، وحسب النفس ، وهناك بعض الأيام لا أطيق أن ارسم فيها ، ولم تكن عندي فيها قابلية وفق  الأيام والموج والشعور النفسي ، والآف رسوماتي الان التي ارسمها بهذا العمر خاصة بي ومشاعري  - الذاتية الشخصية – وفيض تفاصيلي والاشياء التي تذكرني في شريط ذاكرتي الماضية ..

{ بماذا تفكر الان ؟

- يعجبني الان فضاءات اللوحة ، وما فيها من فوهات عندما كنتُ جنديا مكلفاً لا رسمياً أذهب مع أصدقائي الفنانين الى الشمال ، وأرسم أربع ساعات .. الطبيعة واثقب ثقوبا في بعض الأحيان حتى رسمتُ بعض المواقع التي كنتُ مكلفاً اليها وارسمُ ما حولهُ ..كان (الآمر ) يقول لي : لقد كشفت كل مواضعنا .دع رسومك هنا عند نزولك الى البيت .

{ هل عندما كنتَ طالباً ترسم صورا توضيحية  ؟

نعم .. رسمت التشريح وتكويناته ..

{  وأي جزء أحببتَ من جسم الانسان أن ترسمه ؟

: كنت  أحبُّ رسم الأشياء السطحية ، لا المفضوحة ( المكشوفة ) الحسية التي تصور مفاتن الانسان تصويراً دقيقاً هذا من اختصاص الأطباء

{ عندك القلب يشبه الرمان ؛ متى بدأت برسم الرمان ؟

: عندما اشتريه أكسره ، وأنظر الى لونه فأعود الى تذكره وارسم شكله واثبته في لوحة ..

{ من الذي علمك الرسم ؟

منذ ان كنت طالباً في المتوسطة قبل دخولي الجامعة كنت مهتما بالرسم ، وكان معلمي هو " صبيح نعامة " فكان هو يدرسنا مادة الرسم حتى أعطاني مفتاح المرسم لأرسم فيه وعند انتهائي منه اعيد له مفتاح المرسم ..

{ لمن كنت  تعطِي  " مفتاح مرسمك " عندما كنت تدرس ؟

- الى من يبدع ويخرجُ من نفسه طاقة بشيء كبير وكان عندي طالب اسمه " ستار الشيخ " فكنت اعطِيه  مفتاح المرسم وكان رسمه جيداً ، وكان غيره يرسمون لكن لم يكونوا من المواظبين ،  وكنتُ مقتولاً بالفن منذ صباي ، والى الان من شيخوختي ..

{ هل الفن مغلق ام مفتوح الان ؟

- لا الفن مفتوح لو كان مغلقا لما انتجت هذه الحصيلة الكبيرة من الانتاجات ، والكمية الهائلة من اللوحات ..

{ ما هي الاسرار التي وجدتها في الفن ؟

- اللوحة عندما تنفجر كالبركان بما فيها من التكوينات والاناقة والغرابة والجمال والعناصر التي لايمكن تشخيصها بسهولة ..

{ هل كنت متأثراً ومتخذاً من ( سيزان ) مثلاً أعلى ..

- سيزان كانت لوحاتهُ جميلة ، فأخذت وتأثرت منه كان يثيرني في بعض لوحاته كنت متخذٌا منه في رسم ما هو موجود ومطابق لما في مدينتنا وبلدنا..

{ قلت لي سابقأ أنك اتخذت وتأثرت بالفن من " ليزا " زوجة  إسماعيل فتّاح الترك ..

 - كانت معنا هي معنا في روما أيام الدراسة وكان صديقي إسماعيل نذهب معاً ونقرأ معاً ، وكنتُ أنا وإسماعيل بعد ذهابها الى البيت بعد المغرب ندور  في روما بحثاً عن مواضيع جديدة نرسمها ؛ فلما رأت لوحاتي ورأت فيها من الغرابة والتجديد تأثرت بي وبلوحاتي وأفكاري وكانت ذكية بفطنة ودهاء وتحب الشخص الذي يبدع ويكون مثابراً ومن يصنع  لوحاته دون تقليد فتأثرت بها لأنها جعلتنا ننسي ما في بغداد وبدأنا نرسم لوحاتنا في روما  وتركنا التاريخ وراءنا !

 { من هو ابرز أو أحسن فنان عراقي خرجته أو انتجته روما ؟

والله ، تمتم .....  ثم بعد تردد اجاب  خالد الرحال !

{ رسمتما الثور بنفس الحماس

 - رسمنا معاً الثور ورسمناه بكثير لأنه يمثل الملحمة الاشورية والسومرية القديمة والاكدية وملحمة كلكامش ..

{ كان كلكامش يبحث عن عشبة الخلود عم تبحث يا راكان ؟

-  فقال : وجدت نفسي في هذه اللوحات  وجدته كلكامشي انا   وجدته هنا في  مارسمته  في السنوات الأخيرة في  لوحاتي الحديثة الغير مقلدة ..

{ قبل بدأ رسمك للوحة ؛ كيف انت  ؟

- أعرف ماذا اريد في اللوحة وماذا تريد هي مني وماذا أجرب وبعد ذلك أرسم اللوحة بدقة .. وكنت أنحت في الطين..

أنه يمارس في كل لوحة عبادةٍ جمالية عبر نقاطٍ نافرة  فوهات جسد كل هذه التكوينات المشيدة يمارسها برومانسيةٍ شديدة تعبّر عن مكامن  يشعر بها  منذ أيام طفولته وعنفوان الحداثة  التي مرَّ بها في أيام صباه

{ لماذا كنت ترسم اللواحظ الفتاكة في العيون ؟

- نعم رسمتها هي نواة مختلفة ولي فيها ألوان مختلفة عن لغة الجسد ولغة العيون ولغة التشريح ونحت الطين حتى في اختصاصي المعدني وهي عندي اعمق وأدهى واجمل من بقية لوحاتي ..

 بعض ابيات امير الشعراء أحمد شوقي :

 وتعطلت لغة الكلام وخاطبت   قلبي بأحلى قبلة شفتاكِ

وبلغت بعض مآربي إذ حدّثت  عيني في لغة الهوى عيناكِ

{ ثم ردد على مسامعي مايحفظه كمقطوعة مدرسية لابن هاني الاندلسي  ؟

- فتكاتُ طرفكِ أم سيوفُ أبيكِ    وكؤوسُ خمرٍ أم مَراشفُ فيكِ

أجلادُ مرهفة ٍ وفتكُ محاجرٍ

      ما أنتِ راحمة ٌ ولا أهلوك

يا بنتَ ذا السّيفِ الطّويلِ نجاده        

   أكذا يجوزُ الحكمُ في ناديكِ

قد كانَ يدعوني خيالكِ طارقاً      حتى دعاني بالقَنا داعيكِ

عَيناكِ أم مغناكِ مَوْعِدُنا وفي              وادي الكرى نلقاكِ أو واديكِ

منعوكِ من سِنة الكرى وسرَوْا فلوْ   

   عثروا بطيفٍ طارقٍ ظنُّوك

وَدَعَوْكِ نَشوَى ما سقوكِ مُدامة ً         لمّا تمايل عطفكِ اتهموكِ

حسبُ التّكحُّلَ في جفونك حلية ً           تاللهِ ما بأكفّهم كحلوك

وجَلَوْكِ لي إذْ نحن غُصْنا بانَة ٍ  حتى إذا احتَفَلَ الهَوى حَجَبوك

ولوى مقبّلكِ اللّثام وما دروا      أن قد لثمتُ به وقبِّلَ فوك

فضَعي اللِّثامَ فَقَبل خَدّك ضُرّجَتْ      

راياتُ يحيى بالدّم المسفوك

{ لماذا كانت المرأة عندك مدينة ، لحمية ، بيضاء ؟

- هكذا هي في الشرق ؛ عندنا في الموصل !! ..

{ كيف تقضيِ نهارك ؟

أقضيه في الرسم او قراءة الشعر او التخطيط على الورق..

{ كيف ترى اللون ؟

- يدخل كل لون الى حاستي ونفسي فأرسم ذلك بدقة متناهية ..

{ هل الألوان تؤكل ؟

- لا .. تحس في الملامسة ..

{ أي لون يصدمك؟ وهل نظرك مصاب (بأستماتكزم ) ضبابية ؟

- الرصاصي يدل على لون فنان عاقل لا مثل ما كنا في أيام الشباب (مطيرين )  مأخوذين ببهرجة  الوان عميقة ..

{ هل  كان انكيدو صديقك ؟

- لم يكن عندي صديق بهذه المكانة حتى كنت اشعر انني محتاج في يوم من الأيام الى صديق ما حتى يشعرني في ضيقي ومأتمي ..

{ لماذا انتم  بلا  خل  ولا صاحب  ؟

- انا في صحراء ابحث عن صديق صدوق  ..

{ هل أنت محتاج الى شيء ؟

- محتاج الى من يتذوق الفن ، ويفهمه ولو بشيء بسيط  ..

{ لو قلنا لك يا سيدي اركب السفينة وخض في البحر فهل تركب؟

- لا ولم اركب الخوف ينتابني من البحر ولجته ..

قلت له مازحا : شايف البحر شو كبير ؟!!

{ هل كنت تحب فيروز ؟

- نعم أحبها واسمعها عندما ابدأ برسم لوحاتي تدريجياً وكنت احبها كثيراً ..

{ لو مدَّ الله في عمرك خمسين عاماً مرة اخرة ماذا تفعل ؟

- اعمل لوحات أخرى غريبةٍ متفردة على عمودٍ انفرد به ، ولوحات غريبة تختلف عن اعمال الفنانين الاخرين ..

{ هل تحس نفسك أنك طفلاً ؟

- نعم .. أنا احس نفسي طفل  لا يكبر.

؛ أنت تشبه ( بيكاسو ) ، القائل : أنا طفلٌ في التسعين ..

{ هل اتخذت من مدينتك مثلاً اعلى؟

- لا لم اتخذ منها مثلاً ، فلم تكن هي التي صنعتني بل انا صنعتُ لها رمزاً من وجودها.

من انت بلا موصل فيها قلعة باشطابيا والثيران المجنحة ومرقد شيت ويونس ؟

 .. لولا الثور المجنح والاكدية والسومرية لو تكن موجودة من أنت؟!

 : حصان مجنح ...

{ الموصل جائزتك الكبرى , هل انت اكبر من الجائزة ؟

- لا أصغر منها  لكن  مدينتي لم تحتف بي ، وبلوحاتي وهذا الفن الذي لازمني منذ صباي لم تهتم به تلك المدينة ..

 ثم عاد آسفا ليتذكر : الحق ان جامعة الموصل لا تمر سنة  الا وتعمل لي تكريما ودروعا ونياشين !

(كان راكان دبدوب قبل ان يصاب بجلطة دماغية رهين منزله لا يفارق باب الحوش ابدا)

{ سألته : من الذي يدعوك الى معرضه فتكسر قرار العزلة ثم تهرول اليه ؟

-  خالد الرحال وحده !!

{  الا تعلم ان خالد قد مات ؟

- رد بلهجة موصلية : أظل قيعد (قاعد) هوني(هنا)  احسن لي.

-  تتكاثر من حوله الفوهات كأنها حلمات اثـــــــــــداء الامهات ؛

ندوب تقوده في متاهاتها الى ساحل بعيد.

-  لقد فارق الدنيا بحي النور ،  كنت ســـــــــألته قبل خمسة اعوام من رحيله المتوقع الصامت

 راكــــــــان دبدوب كيف رأيت الدنيا؟

رَأَيْتُ  المَنَايَا خَبْطَ عَشْوَاءَ مَنْ  تُصِبْ 

   تُـمِتْهُ  وَمَنْ  تُـخْطِىءْ  يُعَمَّرْ  فَيَهْرَمِ.

*المصدر : جريدة (الزمان) والرابط : http://www.azzaman-iraq.com/content.php?id=927


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق

النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض

  النجف والقضية الفلسطينية .........في كتاب للدكتور مقدام عبد الحسن الفياض ا.د. ابراهيم خليل العلاف استاذ التاريخ الحديث المتمرس - جامعة ال...