قضية مرض الملك طلال ملك الاردن وتنحيته 1952 في وثيقة عراقية
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
والملك طلال ، هو ملك الاردن الثاني ، وهو من مواليد مكة المكرمة سنة 1909 وهو إبن الملك عبد الله بن الشريف حسين ، ووالد الملك الحسين نشأ في رعاية جده الملك حسين ، وقام بعدة رحلات في الحجاز . وعند تشكيل الفيلق أو الجيش العربي إنضم اليه سنة 1927 برتبة ملازم ، ثم اوفد الى مدرسة ساند هيرست البريطانية للدراسة العسكرية في لندن ، وقضى فيها عامين وتخرج سنة 1939 .. وعاد الى قبرص حيث كان جده الملك حسين منفيا ليكون مرافقا له ، وقد صحبه اثناء مرضه الى عمان سنة 1931 وهي السنة التي توفي فيها جده . وقد تدرج طلال في الرتب العسكرية ووصل الى رتبة لواء سنة 1941 ، ورقي الى رتبة فريق سنة 1948 وخدم في الجيش العراقي . جدته هي الأميرة صالحة بنت غرم الشهري ( سعودية الجنسية ) والدها الأمير الفارس غرم الشهري الأزدي من أمراء منطقة عسير مدينة النماص بالمنطقة الجنوبية من السعودية.
ويشير الاستاذ احمد عطية الله في : "القاموس السياسي " الى ان طلال تزوج الاميرة زين بنت الشريف جميل في 27 تشرين الثاني سنة 1934ورزق منها اربعة ابناء وابنتان وهم : الحسن ، ومحمد ، والحسن ، ومحسن ، وأسماء ، وبسمة.. وقد خلف الملك طلال اباه عبد الله في الحكم إثر اغتياله في 20 تموز يوليو سنة 1951 خلال فترة اشتدت فيها المعارضة العربية لسياسة الملك عبد الله التي اتسمت بممالاة الاستعمار البريطاني ، والتمهيد للاعتراف بالامر الواقع بالنسبة لقيام الكيان الصهيوني سنة 1948 والتي أعتبرت جزءا من المخطط البريطاني الخبيث .. لهذا كانت خلافة طلال لابيه موضع شكوك بالنسبة لمتابعة هذه السياسة التقليدية .
تعرض الملك طلال لمرض عصبي ونفسي ، وغادر الاردن الى سويسرا للاستشفاء .. لكنه عاد في 5 ايلول سنة 1951 وقد ادى اليمين الدستورية وتولى الحكم واعتمد تشكيل الوزارة الاردنية القائمة برئاسة توفيق ابو الهدى وبدأ نشاطه بزيارة المملكة العربية السعودية لتوثيق العلاقات بين الهاشميين والسعوديين ، وكان يكره الانكليز ويعمل على التخلص منهم ومن عملاءهم ومن الجنرال جان باجوت كلوب المسيطر على الجيش الاردني .. لكن القوى المضادة تجمعت عليه وأشيع عن انهيار قواه الجسمية والعقلية . وفي 11 اب –اغسطس سنة 1952 اجتمع البرلمان الاردني بمجلسيه النواب والشيوخ ، واعلن عن تنحيته عن العرش على ان يخلفه ولده الاكبر حسين تحت وصاية عمه الامير نايف . وقد غادر الملك طلال الاردن الى تركيا ليقيم في احدى مصحاتها واختفى اسمه من مسرح الاحداث الى ان اعلن عن وفاته في السابع من تموز –يوليو سنة 1972 . نشرت مجلة روز اليوسف (المصرية ) مذكراته سنة 1965 وبعد وفاته ( رحمه الله ) ظهرت في كتاب سنة 1972 .
كنتُ قد حَصَلتُ -منذ سنوات طويلة –على وثيقة عراقية تخص مرض الملك طلال وملابسات ذلك وردود الفعل . والوثيقة هي عبارة عن تقرير سري للغاية كتبه الوزير المفوض العراقي في القاهرة الى وزارة الخارجية العراقية برقم 11-2-2-345 وبتاريخ 17-6-1952 وفي التقرير يشير الوزير المفوض العراقي السيد (نجيب الراوي ) الى سفر السيد عوني عبد الهادي وزير الاردن المفوض في القاهرة المفاجئ الى عمان ، وما نشر حول اسباب استدعائه الى عمان . وقد عاد الى القاهرة اول امس حيث علم ان سبب استدعائه كان بغرض الوقوف على آخر التطورات فيما يتعلق بمرض جلالة الملك طلال ، وليكون على بينة –حسب ادعائه –من جميع الاجراءات التي اتخذت في هذا الشأن .وقد أدلى إثر وصوله القاهرة بالتصريح التالي : "ان جلالة الملك طلال رجل محبب الى قلوب الشعب العامة منهم والمثقفين لما يعرفونه عن هذه الشخصية من النزاهة والاخلاص والوطنية التي يفخرون بها .وانني اسجل شخصيا بكل فخار ان هذه الصفات لازمته منذ كان غلاما وطأت قدماه ارض شرق الاردن مع والده سمو الامير عبد الله بن الحسين قبل 32 سنة .ان هذه السنين تصرمت وترادفت ومعرفتي بالامير الشاب تزداد توثقا على مر الايام فما سمعت يوما بأن احدا ذكر سيرته بسوء بل عرفت فيه الرجل العائلي النبيل ؛ فما تعجبت ان يقف الشعب الاردني غير مصدق لرواية مرض الملك الذي يحبه ويجله ويشتد حزنه كلما بعد عن ارض وطنه . وقد قابلت في عمان دولة توفيق ابو الهدى باشا وعبد الرحمن خليفة باشا رئيس الديوان الملكي وخافظ عبد الهادي بك تشريفاتي الملك طلال وهو ابن عمي .كما قابلت الكثيرين من الكبراء المسؤولين فوقعت على الحقيقة التي لايرتاب في صدقها احد .وقديما طغى حب عمر للنبي عليه الصلاة والسلام على ان يصدق ان محمد قد مات ،ولكن ابا بكر الصديق رده ومن معه الى الحقيقة الي يجب التسليم بها " .وأضاف :" ان جلالة الملك في ساعات الصفاء يأسر اللب ويأخذ بجامع القلوب وحين عاوده المرض في الشهر الماضي (مايس –ايار ) اشارت عليه الوزارة الاردنية بالسفر الى احدى المصحات في الخارج حرصا على صحته التي تفتديها البلاد بكل رخيص وغال " .
ويمضي وزير الاردن المفوض ليقول :"ان الملك طلال اشترط ان تصحبه عائلته ، فسافروا جميعا الى ان تطورت الامور على نحو ما تردده الصحف . وكان الملك قد عين قبل مغادرته عمان الى باريس مجلس نيابة برئاسة توفيق ابو الهدى باشا ، ولكن هذا وجد ان رئاسته للمجلس مع توليه اعمال الوزارة امر غير دستوري فإستقر الرأي على تعيين مجلس آخر برئاسة ابراهيم هاشم باشا رئيس مجلس الشيوخ طبقا لما تقضي به المادة 28 ح من الدستور .وزادت الوزارة تمسكا بأحكام الدستور والقانون ورعاية للتقاليد ان تحيط المجلس النيابي علما ولذلك كانت دعوة المجلس دعوة شخصية من قبل رئيس الوزراء ولم تكن جلسة استثنائية بأي حال . ان الوزارة ارسلت بعد سفر جلالة الملك وزيرين هما دولة سعيد المفتي باشا وسليمان طوقان بك ليقابلاه في باريس وما كان سفرهما في واقع الامر الا لاسداء النصح لجلالته بأن يدخل احدى المصحات في فرنسا حتى يعود الى وطنه معافى في اقرب وقت ممكن .وكان جلالته يُعلن انهما قدما لمطالبته بالتنازل عن العرش ، ولكن هذا كان ابعد شيء عن حقيقة مهمتهما .ان التقاليد لم تجر قبل الان بأن تلجأ حكومة الى حكومة اخرى حتى تلزم ملكا بالدخول الى مصح للعناية بصحته ولذلك لم يكن هناك محل للتقول بأن فرنسا على استعداد للقيام بهذا الامر .
واضاف وزير الاردن المفوض يقول : والذي علمته من الحكومة الاردنية انها تنظر الى ان بقاء الملك في اوربا او عودته راجع الى اختياره المحض وقراره الشخصي البحت ؛ فأبواب الاردن وقلوب مفتوحة لاستقباله وانه يستطيع الدخول الى اي بلد عربي آخر وجميع من في الاردن يدعون الله ان يكون على قرب منها وليس هناك تفكير في من يخلف جلالة الملك طلال على عرش الاردن وان هذه مسألة سابقة لاوانها ؛ اذ كيف يحق بل كيف يليق بحكومة ما ان تفكر في هذا الامر دون ان يكون هناك مبرر قوي للاقدام على بحثه .واكد عدم صحة الانباء الذاهبة الى ان سمو الامير حسين سينصب ملكا في القريب وان كل ماذكر عن سموه سابق لاوانه كذلك .انتهى كلام وزير الاردن المفوض .
لكن ما جرى بعد ذلك أيد التكهنات والاشاعات فلقد اعفي الملك طلال ونصب ولده الحسين .
في الوثيقة نفسها تأكيد على ان مرض الملك طلال ، وان بعض تصرفاته تشير الى حاجته الى علاج وعناية طويلة ، وان الوزارة الاردنية متجهة الى تنصيب من يتولى شؤون الملك طلال "بالنظر الى عجزه ومرضه " . وقال ان توفيق ابو الهدى قال للامير عبد الاله الوصي وولي العهد العراقي ان النية متجهة لتشكيل هيئة وصاية ، وانه سيطلع مجلسي النواب والشيوخ بصورة خاصة عما سيتخذه مجلس الوزراء من قرارات في هذا الشأن ، وان سمو الامير عبد الاله اشار عليه بتنصيب احد الامراء الهاشميين وصيا قائلا بالنص :" حبذا لو تنصبون احد الامراء الهاشميين وصيا كالامير زيد مثلا " . وقد أجابه توفيق ابو الهدى باشا قائلا :" اتجهنا الى تشكيل هيئة وصاية".. ثم ذكر لسموه اسماؤهم .وان جلالة الملكة (زين زوجة الملك طلال ووالدة الامير الحسين ) والامير الحسين وافقا على هذا الترتيب واننا نخشى من تنصيب احد الامراء الهاشميين وصيا سيكون مصدر إزعاج للسعوديين والسوريين . وقد تأثر سمو الامير عبد الاله من قول توفيق ابو الهدى هذا وكان التأثر ظاهرا على سموه عند مغادرته عمان عائدا الى بغداد وعندما ودعته هيئة الوزارة بما يليق بمقامه من تجلة واحترام .
تطرق عوني عبد الهادي وزير الاردن المفوض في القاهرة في حديثه مع وزير الخارجية المصرية الى الوضع الراهن في القدس والخطر المحدق بالقسم العربي منها ، وان للاحداث في الاردن تأثيرا باشرا على الوضع هناك لاسيما وان الجيش الاردني غير قادر على الدفاع عن القدس وحده دون معاونة .ثم عاد ليقول لوزير الخارجية المصرية ان الحكومة الاردنية خيرت الملك طلال بين العودة الى الاردن او الاستشفاء في سويسرا او غيرها من المصحات ، وانها ترجح عودته الى الاردن واذا ما وافق على العودة فسيخصص له محل مناسب لاقامته في رام الله مع تهيئة ما يقتضي لمعالجته واتخاذ مايفل ابتعاده عن المسؤولية ..وان الحكومة الاردنية مقتنعة بأن لايرجى شفاء الملك من مرضه ، وانها تنتظر الوقت المناسب للحصول على التقارير الطبية المؤيدة لذلك وان الحملة التي اقرتها الحكومة بحالة حصولها على تلك التقارير ان تعمل على تنحي جلالته عن العرش والمناداة بسمو الامير حسين ولي العهد ملكا على الاردن عندما يبلغ سن الرشد في سنة 1953 وعلى ان تستمر هيئة الوصاية والوزارة في تحمل مسؤولياتها الى ذلك التاريخ .
وجاء في التقرير ان عوني عبد الهادي ، قال انه سيقابل رئيس الوزراء المصري والملك فاروق ويطلعهما على مرض الملك طلال .كما ان في التقرير ما يشير الى ان الدوائر السياسية في مصر تناقلت خبرا مضمونه ان الوزير البريطاني المفوض في عمان قابل حضرة صاحب السمو الملكي عبد الاله اثناء تواجده في عمان وابلغ سموه رسالة المستر انطوني ايدن رئيس الوزراء البريطاني بأن بريطانيا تعتبر قضية الملك طلال قضية داخلية وانه يرجو سموه الملكي عدم المداخلة فيها .وقد فسرت الدوائر هذه الرسالة – إن صح تبليغها لسموه – بأنها ربما كانت جوابا على رغبة سموه بالسفر الى عمان اذ يحتمل ان يكون سموه قد ابلغ تلك الرغبة الى السفير البريطاني في بغداد وان الجواب عليها وصل بعد سفر سموه الى عمان .
ومما جاء في التقرير ايضا ان الدوائر السياسية في مصر ، تناولت مرض الملك طلال ، وقالت ان الحكومة الاردنية ترجح عودته الى عمان لان ميزانيتها لاتتحمل صرف المبالغ الطائلة التي اخذ الملك يطلبها من حكومته ، والتي اخذ يبذرها ذات اليمين والشمال ويظهر ان المبالغ التي اهداها له جلالة الملك عبد العزيز آل السعود قد أودعت المصارف في سويسرا بإسم جلالة الملة زين وربما كان من اسباب افتراقها عن جلالة الملك طلال زوجها وتغيبها عنه خشية الا تمتد يده الى تلك الاموال والا تمكنه من المطالبة يشيء منها حتى يعود الى عمان حيث يحجز فيها وتصبح تلك الاموال بمنجاة من تصرفه لانها مدركة خطورة مرضه وعدم الرجاء من شفائه .
كما جاء في التقرير الذي وجهه الوزير المفوض للعراق في القاهرة الى وزارة الخارجية معلومات مهمة اخرى بشأن مرض الملك طلال منها :
1. ان الصحف المصرية راحت تتسابق في نشر مايردها من مراسليها بشان مرض الملك وتنقلاته وتنقلات الملكة زين وسمو الامير حسين وصار ماتنشره اقرب الى الروايات الجذابة ولغرض تسلية القراء الذين كانوا يتلهفون الى قراءة اخبار هذه المأساة .
2. لم تكن تكن تلك الصحف تلتفت الى دقة ماتنشر وما يهمها هو تطمين رغبة القراء المتعطشين اليها دون تعليق.
3. ان الحكومة الاردنية اخذت تتخبط هي الاخرى في تصرفاتها بعد ان اخذ الرأي العام يؤاخذها على تسرعها في قراراتها حيث اذاعت بيانا ارادت فيه ان تؤكد صحة عملها فيما اذاعته من سوء حالة جلالة الملك طلال الصحية وعدم قدرته على تولي الملك وتنصيب هيئة وصاية تتولى الحكم بغيابه وبحضوره .
4. ان الحكومة الاردنية استدلت على صحة عملها بان الملك ارسل موافقته على اجراءاتها غير ملتفتة الى انه لاقيمة شرعية لموافقته اذا كانت حالته الصحية بالصورة التي وصفتها الحكومة والتي سلبت السلطة الشرعية من الملك .كما انه من غير المعقول ان يرسل الملك موافقته على قرارات الحكومة المتضمنة سوء حالته الصحية وعدم قدرته على تولي المسؤولية ان كان جلالته سليما معافى .
5. ان الحكومة المصرية وقفت من مرض الملك طلال واجراءات الحكومة الاردنية موقف المحايد .
6. ان رويترز نشرت خبرا في 15-6-1952 جاء فيه :"قالت مصادر عليمة في عمان رفضت ان يذكر اسمها ان التدابير التي اتخذتها الحكومة الاردنية نتيجة مرض الملك طلال واقامته في الخارج قد تمت الموافقة عليها من سوريا ولبنان والمملكة العربية السعودية ومصر في مذكرات تبادلتها مع الحكومة الاردنية .
7. ان الدولة الوحيدة التي لم توافق على هذه الاجراءات هي العراق ، ولكن قسما كبيرا من الرأي العام العراقي يوافق على سياسة الحكومة الحالية وكل من يحملون على توفيق ابو الهدى باشا هم انصار الوصي على عرش العراق .
8. قال الوزير المفوض العراقي في ختام تقريره السري للغاية :" اما حقيقة الوضع في الاردن –كما توصلت اليها من بعض المصادر التي يعتمد عليها – فهي ان مرض الملك طلال حقيقي، وانه لا أمل بشفائه منه ، وان الحاكم الحقيقي في الاردن منذ تتويج الملك طلال حتى الان هو توفيق ابو الهدى باشا ، وانه قابض على الحكم بقوة وانه ليس في الاردن بضفتيه من يجرؤ على ممارسته حتى اولئك الذين عرفوا بالخصومة معه او معارضته في هذه الايام ومرد قوة ابو الهدى وسيطرته على الوضع وازدياد نفوذه وسطوته الى انه ملأ يديه من تأييد البريطانيين له بعد ان اكد لهم صدق نواياه تجاههم وحرصه على مصالحهم وعدم تفريطه في ذلك واستعداده الى اتباع السياسة التي يرسمونها بكل امانة واخلاص . كما وثق صلاته بجلالة الملك عبد العزيز آل سعود شخصيا ..وكذلك بزعماء الانقلاب في سوريا واطمأن الى تأييدهما المطلق في حكمه الاردن مع استعدادهما الكامل لمعونته كلما طلب ذلك لقاء ابتعاد الاردن عن الاتحاد مع العراق وبقائه محتفظا بكيانه مستقلا بسياسته .ولقد اصبح توفيق ابو الهدى طموحا لان يبقى حاكما مطلقا للاردن يحكمها حكما دكتاتوريا اطول وقت ممكن ،وان لايعد نفسه اقل من الزعيم فوزي سلو والعقيد اديب الشيشكلي .وقد ضمن استمرار بقائه مستوليا على الحكم متمكنا منه حتى بعد تنحي جلالة الملك طلال عن العرش بتفاهمه مع جلاللة الملكة زين على تمكين سمو الامير حسن من اعتلاء العرش عند بلوغه سن الرشد لقاء ذلك .وانه اليوم لايحسب حسابا لاي سياسي ولايأخذ برأي اي احد من زعماء البلاد او وزراءه وان رايه هو الرأي الاخير والنافذ في ادارة البلاد .
9. يقول الوزير العراقي المفوض في القاهرة في تقريره السري للغاية الموجه الى وزارة الخارجية :" ولقد علمت بأن بعض الفلسطينيين وجهوا الانتقاد الى سليمان طوقان وسعيد المفتي المعروفين بميلهم للاتحاد مع العراق على موقفهم من اقتراح سمو الامير عبد الاله بتنصيب امير هاشمي وصيا بدلا من تنصيب هيئة وصاية حسب اقتراح ابو الهدى فكان جواب اولئك الوزراء : بأننا مع اعترافنا بأن اقتراح سمو الامير عبد الاله اكثر ملائمة لمصلحة الاردن وسلامتها الا اننا لانستطيع الاعتراض على الرأي الذي يبديه ابو الهدى لان الاكثرية معه ولافائدة من ابداء رأي لاينال القبول " .
ولقد اثر هذا الوضع المرتبك في عمان –يقول الوزير المفوض العراقي في القاهرة –على ايجاد حالة عدم استقرار في الاردن .. كما احدث الذعر في الضفة الغربية من الاردن فولد لديهم اليأس من تمكن الجيش الاردني من الدفاع عن بلاده اذا تعرض لخطر يهودي للتفسخ والانحلال الذي اخذ يتسرب لصفوف الجيش والادارة في البلاد .
10.يختم الوزير العراقي المفوض في القاهرة تقريره بالقول :" ان اصحاب رأي اتحاد العراق مع الاردن لايكتمون ما يكتنف هذا الامر الخطير من صعوبة من ناحية بريطانيا اذ انها لاتوافق بسهولة على تحقيق هذا الاتحاد فتتخلى عن مركزها الممتاز في الاردن وتضعف قواعدها العسكرية في تلك المنطقة المهمة من الشرق الاوسط .كما انهم لايعلقون كبير اهمية على معارضة السعوديين والسوريين في تحقيق هذا المشروع لانهم يعتبرون عدم معارضة بريطانيا لتحقيقه كفيلا بأن يسلك هؤلاء عين المسلك .
11.وعلى كل حال –يقول الوزير العراقي المفوض في القاهرة – فإن مرض الملك طلال وتصرفات الحكومة الاردنية ضعضعت الثقة في استقرار الحالة في الاردن وانه وان كانت سلطات الجيش والبوليس في الاردن متمكنة من السيطرة على الامن وقيادة كلوب باشا الا ان الحالة قد تتعقد وتبلغ درجة الخطورة اذا ما تدهورت الاحوال وولدت احداثا جديدة من جانب الصهاينة وتزعزع كيان الاردن ومستقبله مما لايكون ذلك في مصلحة الاردن ولا مصلحة الدول العربية الاخرى ويلوح لنا ان الامر من الخطورة لدرجة تتطلب ان يتدارك زعماء الدول العربية الامر ويتباحثوا في أفضل السبل لحفظ سلامة القدس والاردن من الخطر الصهيوني المدق بها واحلال الاستقرار والهدوء في تلك البلاد . انتهى التقرير المؤلف من عشر صفحات فولسكاب .
يتضح من التقرير ان مرض الملك طلال العصبي كان صحيحا ، وان العراق اراد التدخل لتنصيب احد الامراء الهاشميين واقترح الامير زيد مثلا ، لكن الحكومة الاردنية الممثلة برئيس الوزراء توفيق ابو الهدى عارضت ذلك واتجهت نيتها مع الملكة زين في تنصيب إبنها الحسين ملكا وقد ساندها في ذلك الانكليز وممثلهم رئيس الاركان الاردني كلوب باشا ويبدو ان العراق كان يطمح لتحقيق الاتحاد مع الاردن الا ان السعوديين والسوريين والانكليز وتوفيق ابو الهدى والملكة زين عارضوا ذلك الى حد ان الانكليز طلبوا من الامير عبد الاله عدم التدخل في امر الملك طلال وقالوا له ان ذلك امر داخلي ، وهكذا نجح السيناريو البريطاني مع الحكومة الاردنية في اسناد العرش الى تنحية الملك طلال وتنصيب ولده الحسين.. واتذكر - وانا تلميذ في المدرسة الابتدائية- اما كنت اسمعه من والدي ان الملك طلال كان وطنيا عروبيا يكره الانكليز ويشبه الملك غازي ملك العراق ، ومثلما تخلص الانكليز من الملك غازي سنة 1939 تخلصوا من الملك طلال سنة 1952 .
______________________________________
*المقال منشور في موقعي الفرعي في الحوار المتمدن والرابط :http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=506048
الحوار المتمدن-العدد: 5081 - 2016 / 2 / 21 - 22:08
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق