عبد
الرحمن السويدي وحصار الموصل 1743*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
عبد
الرحمن السويدي هو
العالم ، الاديب ، المؤرخ ابو الخير زين الدين عبد الرحمن بن العلامة الامام الشيخ
ابي البركات عبد الله بن الشيخ حسين بن الشيخ مرعي بن الشيخ ناصر الدين العباسي
البغدادي ، مؤسس البيت السويدي وهو بيت معروف من بيوتات بغداد العلـمية والادبيــة
0 ولـد سنـة1721م ( 1134هـ ) في بغداد
وتوفي فيها سنــة 1786م ( 1200هـ ) وقد سار على نهج ابيه واخذ العلم في نظم الشعر
وكتابة التاريخ واهتم بالفقه وعلم الكلام ، وقد ذكر الاستاذ العلامة محمود شكري
الالوسي ، اسماء مؤلفاته في كتاب المسك
الاذفر في نشر مزايا رجال القرن الثاني عشر والثالث عشر الهجريين 18 و 19
الميلاديين الا انه لم يشر الى كتابه
المخطوط ( حديقة الزوراء في سيرة الوزراء ) والذي درس فيه تاريخ العراق الحديث من
خلال سيرة الوزيرين الكبيرين حسن باشا ( 1704ـ 1723م ) واحمد باشا ( 1743ـ 1747م )0
ان ابرز ما تضمنه كتاب حديقة الزوراء
عنايته بالتاريخ لما تعرض اليه العراق آنذاك ، من غزوات قام بها نادر شـاه ملـك الفرس على العراق وخاصة خلال سنتي 1732و 1743
وقد بقي هذا الكتاب مخطوطاً حتى قام الاستاذ العلامة محمد بهجة الاثري ( رحمه الله
) ، بتحقيق الجزء الخاص بالغزوات ونشره ضمن كتابه الموسوم : ( ذرائع العصبيات
العنصرية في اثارة الحروب ، وحملات نادر شاه على العراق في رواية شاهد عيــان )0
وقد طبع المجمع العلمي العراقي الكتاب واصدره سنة 1981 0
ومما هو جدير بالذكر ان الاستاذ الاثري
اقام تحقيقه على نسخة من الكتاب توجد في المتحف البريطاني في لندن وذلك ، لانها
اصح واوضح خطاً من شقيقتها : النسخة الثانية المحفوظة في خزانة الاستاذ احمد عارف
حكمة الحسيني في المدينة المنورة 0 وتوجد صورتان من المخطوطة في خزانة كتب المجمع
العلمي العراقي.
والذي يهمنا من هذا المخطوط ، اشارات الشيخ عبد
الرحمن السويدي الى حصار الموصل وصمودها بوجه الغزاة ، ويذهب الاستاذ الاثري الى
ان ما دونه السويدي عن حملات نادر شاه على العراق ، ومنها حملة الموصل يُعد (
وثائق تاريخية اصيلة صادقة )0
ويضيف الى ذلك قوله : ( ولا اراني مبعداً اذا
قلت انها اقدم ما دون بالعربية في شأن هذه الحمـلات الفادحـة 00 دونـه معاصر لها ،
بل شاهد عيان من ثقات اهل العلم البغداديين0
وقد كابد شدة الحصار 00 ووصف ما شاهده رأى
العين 00 وروى ما سمع من الثقاة عن حالات
الحملات في ( العراق ) من البصرة الى الموصل وشهر زور )0
يقول ابو الخير زين الدين عبد الرحمن السويدي
البغدادي عن حصار نادر شاه للموصل وصمودها : ( ثم توجه ( أي نادر شاه ) الى الموصل
وكان معه من العسكر نحو مئتي الف مقاتل ، ونصب على ( دجلة ) جسرين ، وعبر عسكره ،
وحاصر ( الموصل ) نحو أربعين يوماً )0
ويضيف الى ذلك قوله : ( لكن في ظرف سبعة
ايام رمى عليهم نحو الاربعين الف ( طوب ) ومثلها قنابل فثبتوا وسلموا الامور
لمدبرها وهو الله تعالى ، ثم حفر لقوماً ( الغام ) وملأها باروداً رصاصاً ،
واشعلها بالنار ، فكانت رمالاً عليه ، واغار على السور السلام فروعه عن الارتقاء
الصياغم وقتل منه كل مقاوم ، فلما علم انه لم يحصل من ( الموصل ) على طائل ارتحل
عنها ، وتوجه بعسكره الى بغداد ) 0
لقد اجمل السويدي حصار نادر شاه وصمود
الموصل بعبارات موجزة ودقيقة ومعبرة 0 فكان ما كتبه يعد بحق وثيقة تاريخية مهمة لا
يمكن ان يستغني عنها مؤرخ الموصل الحديث ومن الطريف ان السويدي اشار في كتابه الى
انـه ارسـل الـى اهل الموصل كتاباً وقصيدة يهنئهم بنجاحهم في الدفاع عن مدينتهم
البطلة 0 وقد اكد السويدي في كتابه ان الموصل قد نجحت في صد الغزاة بفضل شجاعة
ابنائها وثقتهم بانفسهم ، وبقدراتهم على طرد المعتدين وتمسكم بالصبر واخلاصهم
لتربة وطنهم ولدينهم ، ولم ينس ان يذكرهم بفضل قائدهم ( الحاج حسين باشا الجليلي )
ونجاحه في جمع شمل الموصليين وتهيئتهم للصمود ومقاومة المعتدي الغاصب 0
ومما جاء في كتابه : (( أما بعد ، فان احق
الرعايا بان تفاض عليه ملابس الانعام وتضاف اليه نفائس الاحسان والاكرام ، ويميز
من بين امثالهم بالادناء والازلاف 00 مثلكم ، يا اهــل ( الموصل ) سلمكم الله
تعالى ، فانكم صفوتم حين الموارد تكدرت ، واشتددتم حين المعاقد تفترت ، واخلصتم في
اعتقادكم حين القلوب تغيرت ، وحرصتم على الجهاد اذ الخطوب ترعرت ، واستمسكتم فيما
اصابكم بعرُا الاصطبار ، وسلكتم فيما نابكم سبيل المهاجرين والانصار ، وصنتم حرمكم
.... وعرفتهم ما في التسليم من العار ، فعدلتم عن طرقه ، وتحققتم ما في الثبات من
الفخار ، فتسابقتم الى لجته 00 وكسبتم بما ابديتموه من الشجاعة 00 فجزاكم الله عن
رضى اعمالكم جزاء المحسنين 00 ووفقكم لشكر ما انعم به عليكم. )) ثم يختتم كتابه
بالاشارة الى هزيمة الغزاة الفرس بعد ان
يصف ما قـاموا به مـن التخريب والدمار فيقول :(( ان الغزاة انقلبوا صاغرين
، وهربوا حائرين 00 وولوا مولين على الاذناب ورضوا من الغنيمة بالايـــاب (
فاذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ، ولعذاب الاخرة اكبر لو كانوا يعلمون ))0 (
الاثري ، ذرائع العصبيات ، ص ـ 105 ـ 109 )0
وارفق السويدي الى اهل الموصل قصيدة رائعة
يؤرخ فيها لصمود الموصل ويوثق احداث الحصار اليومية ويمتدح بطولة الحاج حسين باشا
الجليلي هذا ( القائد العربي الاصيل ، ذو الشيمة المحمودة والعطاء السخي )00 ومن
ابيــات القصيدة ( الاثري ، ذرائع العصبيات ، ص ـ 110 ـ 115 ).
بشـراكـمُ بســعـادة وهنــاء
يا أهـل
تلك ( المـوصل الحـدبـاء )
بشـراكـم يا
أهـل ( مـوصل ) انـكـم
نلتـم من
( الـرحمـن ) خيـر جــزاء
مَـن حَيّ
منـكـم في الغـزاة نصيبـه
ونصيـبُ من
قـد مـات في الشــهداء
تـا الـله ! انـكم
فوارس ( لَـهـمسٍ )
تـا الـله !
انـتـم عُـدة الـهيـجـاءِ
للـه دركـم
دور رئيـسكــم
مـلـك تـولـى
مُنـة الـعـليـا
بطـل
، اذا
حمـي الـوطيس رأيتـه
وردُ
الـدمـاء مكـان ورود
الـمـاء
عربـي اصـلٍ
فـانـك ذو خبـرة
ذو
شيـمـة مـحـمـودة وسـخـاء
يـا راكـب الـوضباء يمـم (
موصـلا )
وانـزل
بهـا يـا راكـب
الـوضـبـاء
يـا اهـل ( مـوصـل ) فاخـروا من شئتُم
فـلأنـتـم احـرى
بـكـل عـلاء
لا زلـتـم
بسـعـادةٍ ابـديـة
يـا
اهـل تلـك ( الـموصـل
الـحـدبـاء )
___________________________________________________
*نشرت في جريدة الحدباء(الموصلية) العدد607 في4كانون الثاني1994.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق