سعيد الحاج ثابت ودوره الوطني والقومي والاسلامي 1883 ـ 1941 *
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
ليس من السهولة ، حصر نشاط السياسي والمجاهد الوطني والقومي سعيد الحاج ثابت ، فخلال سنوات عمره التي لم تتجاوز ال ( 58 ) عاماً قام بنشاطات متعددة وفي ميادين سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة . ولد سعيد جلبي الحاج ثابت في الموصل سنة 1883م ، ووالده الحاج ثابت جلبي النعمان من التجار المعروفين . أدخله والده الكتاتيب والمدارس الدينية فنال حظاً وافراً من الثقافة التي غلبت عليها الصبغة الدينية . وكان لأشتغاله مع والده في التجارة قد أكسبه مخالطة الناس وخبرة في السوق ، وهذا ساعده كثيراً حينما دخل عالم السياسة ووجد نفسه كابناء جيله من المتنورين ، منخرطاً في العمل القومي ضد النير العثماني وخاصة بعد مجيء حزب الاتحاد والترقي أثر ثورة 1908م وخلعهم السلطان عبد الحميد الثاني 1909م وتطبيقهم الشعارات المركزية والطورانية والتتريك . كان في الموصل فرع نشيط لحزب اللامركزية الاداري العثماني وقد أخذ يقوم بدور فاعل ضد سلطات الاتحاديين منذ سنة 1913 .
وعندما عثرت السلطات على رسائل تشير الى هذا الحزب ، كتب جمال باشا الى والي الموصل سليمان نظيف ( 1913 ـ 1915 ) رسالة يطلب فيها انزال العقاب بالمشتغلين في ذلك الحزب ، وتبرع احد الوشاة وقدم اسماء ثلاثة اشخاص من البارزين في العمل القومي وهم : سعيد الحاج ثابت ، وابراهيم عطار باشي ، وداؤد الملاح ال زيادة ، وكادت رقاب هؤلاء تذهب الى المشنقة لولا تدخل احد الوجهاء وهو محمد باشا الصابونجي واقناع الوالي ببراءة سعيد الحاج ثابت ورفاقه فأطلق سراحهم .
أسهم سعيد الحاج ثابت في تأسيس ( النادي الادبي ) في الموصل في آب 1913 وكان هذا النادي واجهة ثقافية لعمل سياسي معادٍ للاتحاديين . ومن قادته ابراهيم عطار باشي ، ورشيد الخطيب ، وحمدي جلميران ، وبعض الضباط امثال علي جودت الايوبي ومولود مخلص . وبعد احتلال الانكليز للموصل سنة 1918 بدأ سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه بالتخطيط لتأسيس حزب سري جديد يعمل ضد الانكليز ، لكن قادة جمعية العلم السرية استطاعوا اقناعه بتوحيد الكفاح معهم ، فتألفت هيئة ادارية جديدة لهذه الجمعية برئاسة من رؤوف الغلامي وعضوي كل من سعيد الحاج ثابت ، وابراهيم عطار باشي ، وعبد الله باشعالم العمري . ومصطفى ذهني الجليلي ، وداؤد الجلبي ، وياسين العريبي ، ومحمد أمين العمري .
وبعد سقوط حكومة دمشق العربية على يد الفرنسيين وخروج الملك فيصل من سوريا انقسمت جمعية العهد السرية الى فرعين احدهما عراقي ، والاخر سوري . وفي 24 ايار 1919 اندمج فرع جمعية العهد في الموصل مع جمعية العلم السرية ، وعندئذ توحد النضال ضد الانكليز ، وتشكلت هيئة جديدة لقيادة الجمعية كان من بين اعضائها محمد رؤوف الغلامي ، وسعيد الحاج ثابت . وقد اسهمت هذه الجمعية بتشكيل مؤسسات دينية وثقافية ذات اهداف وطنية وقومية امثال : المدرسة الاسلامية ، ومدرسة دار النجاح الاهلية ، وكان لسعيد الحاج ثابت دور بارز في انشاء تلك المؤسسات . وبعد اندلاع ثورة تلعفر في 4 حزيران 1920 كان سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه يعملون على انشاء مركز مقاومة ضد الانكليز في ( الحضر ) ويتصلون بالاتراك لطلب المساعدة . وبعد وصول فيصل الى العراق وتتويجه ملكاً توقفت نشاطات فرع جمعية العهد في الموصل . عاد سعيد الحاج ثابت الى الموصل بعد تأسيس الدولة العراقية 1920 وبدأ نشاطه السياسي بمعارضة مسودة معاهدة 1922 الجائرة في بريطانيا ، وانتخابات المجلس التأسيسي الذي اصبح امر المعاهدة منوطاً بموافقته . وقد رأى سعيد الحاج ثابت ان المعاهدة تلك ليس الا ترسيخاً لقدم المحتلين على ارض العراق.
وقد وصف المفتش الاداري البريطاني للواء الموصل في تقريره الذي رفعه الى مستشار وزارة الداخلية سعيد الحاج ثابت بانه من ( الوطنيين المتطرفين ) . وقال متصرف اللواء ان سعيد الحاج ثابت تزعم اجتماعاً حاشداً في جامع قضيب البان حضره عدد كبير من اهالي الموصل وكان الهدف من الاجتماع معارضة الانتخابات وتحريض الناس على عدم التصويت .. ومما قاله سعيد الحاج ثابت في الاجتماع : " ان الحكومة اذا لم تنجح باجراء الانتخابات في الوصل فان مسعاها الذي بذلته لوضع الاعناق تحت نير الاستعباد لن يتحقق ، ولن ينجز الانتخاب في جميع العراق ولا يلتئم المجلس التأسيسي " .. ولم يقف عند هذا الحد بل قاد المظاهرات للاحتجاج على تدخل الحكومة ، فما كان من الحكومة الا ان اعتقلته لبضعة ايام مع مكي الشربتي ثم أمرت وزارة الداخلية بدعوته الى بغداد ومنعته من العودة الى الموصل ريثما تنتهي الانتخابات وينعقد المجلس التأسيسي ( 27 اذار 1924 ).
أسهم سعيد الحاج ثابت في النشاطات الفكرية والاجتماعية التي شهدتها الموصل بعد تشكيل الدولة العراقية ، فكان عضواً في الوفد الذي أرسله النادي الادبي في الموصل عام 1922 الى بغداد للمشاركة في ملتقى سوق عكاظ الادبي الذي نظمه المعهد العلمي وضم الوفد الى جانبه عدد من قادة الحركة الوطنية في الموصل امثال سليمان فيضي ، وفاضل الصيدلي ، ومصطفى العمري ، ومولود مخلص ، وسعيد الجليلي ، كما أسهم في تأسيس ( الجمعية الخيرية الاسلامية ) التي نظمت اجتماعاً في 4 مايس 1922 وكان عضواً في أول هيئة ادارية لها . وضمت الهيئة : نجيب الجادر ، واحمد بك الجليلي ، ومكي الشربتي ، وابراهيم عطار باشي ، وكان لهذه الجمعية دور متميز في مجتمع الموصل .
كان لسعيد الحاج ثابت دور كبير في الدفاع عن عروبة الموصل ومقاومة الاطماع التركية لها ولعل من أبرز أعماله إسهامه الفاعل في تأسيس ( حزب الاستقلال العراقي ) في الموصل في الاول من ايلول 1924 .
وكان من اهدافه هذا الحزب تحقيق الاستقلال التام للقطر العراقي بحدوده الطبيعية وتنشيط حركة الوحدة العربية . وضمن الهيئة الادارية للحزب سعيد الحاج ثابت وكان شغل مدير ادارة الحزب وآصف وفائي آل قاسم أغا ( المعتمد ) ومكي الشربتي ، وشريف الصابونجي وجميل دلاي وابراهيم عطار باشي والدكتور محمد محفوظ .
أصدر الحزب جريدة العهد ودراسة موثقة عن قضية الموصل طبعت سنة 1925 . لم يكن نشاطه مقتصراً على حدود مدينته بل عمل في العاصمة وكانت صلاته واسعة مع قادة الحركة الوطنية امثال : ياسين الهاشمي ، لذلك كان سعيد الحاج ثابت من أبرز مؤسسي ( حزب الشعب ) وعضواً في هيئته الادارية.. كما انتمى الى ( الحزب الوطني ) في فترته الثانية ( 30 حزيران 1928 ) وكان لهذا الحزب اثره المهم في قيادة حركة المعارضة ، وبرز ابان زيارة الداعية الصهيونية ( الفرد موند ) لبغداد في شباط 1928 .
وقد شغل سعيد الحاج ثابت مهمة إدارة الحسابات في الهيئة الادارية للحزب الوطني والتي انتخبت مجدداً في 7 تشرين الثاني عام 1931 وكان الى جانبه في قيادة الحزب جعفر ابو التمن ( معتمد الحزب ) وفهمي المدرس ، ومولود مخلص واخرون . وفيما يتعلق بنشاط سعيد الحاج ثابت البرلماني فيمكن القول بأنه أدرك اهمية الحل البرلماني في احداث التغيير المنشود لذلك انصرف الى المشاركة في الانتخابات واصبح نائباً عن الموصل في مجلس النواب .. ولم يكن نائباً تقليدياً ، وانما كان يمثل منتخبيه بكل امانة وصدق ووطنية .. وقد نقل لنا الدكتور عدنان سامي نذير في رسالته للدكتوراه سنة 1993 عن :" دور نواب الموصل في البرلمان العراقي خلال العهد الملكي 1925ـ 1958 " ، صورة صادقة لنشاط نواب الموصل ومنهم سعيد الحاج ثابت . وقد اتضح لنا ان سعيد الحاج ثابت تحدث خلال الدورات الخمس التي شارك فيها والممتدة بيم 16 تموز 1925 وحتى وفاته ( 8 تشرين الاول 1941 ) قرابة ( 17 ) مرة في قضايا سياسية ودولية و( 16 ) مرة في قضايا سياسية عربية و( 110 ) مرات في قضايا داخلية و( 51 ) مرة في قضايا اقتصادية و( 82 ) مرة في قضايا اجتماعية واخلاقية و( 24 ) مرة في قضايا ثقافية .
كان لسعيد الحاج ثابت مواقف سياسية واضحة داخل البرلمان وفي البداية كان ممثلاً لحزب الشعب الا انه ومنذ الدورة الرابعة خاض الانتخابات على انه ( مستقل ) .. وقد اتسمت الاراء والمقترحات التي قدمها في المجلس بالجرأة والصراحة والصدق ، وارتدت طابعاً وطنياً وعلمياً وواقعياً .. هاجم معاهدة 1930 وانتقد ارتباط نوري السعيد ببريطانيا ولم يكن له موقف واضح من حكومة الدفاع الوطني ( نيسان 1941 ) كما انه لم يحضر جلسة انتخاب وصي جديد بعد هروب الامير عبد الاله .
وفي المجال الاقتصادي اعترض على لائحة تعديل قانون امتياز شركة النفط الانكليزية ـ الفارسية ( 13 حزيران 1926 ) وطالب بمحاكمة الذين فرطوا بثورة البلاد النفطية . وانتقد العجز الدائم في ميزانية الدولة ، ودعا الى اصدار عملة وطنية وعارض رسوم الطابع وقال انها باهظة .. وحظي الجانب الاجتماعي والاخلاقي باهتمامه ، فتطرق الى حقوق العمال ( جلسة 8 شباط 1936 ) وانتقد إهمال الحكومة لهم حيث لا تحديد لساعات العمل ولا نقابات تدافع عنهم وطالب بصرف المبالغ التي خصصت كرواتب لرؤساء العشائر لتسهيل عملية استقرارهم وتعليمهم وتشجيعهم على ممارسة الزراعة وابتعادهم عن اسلوب الغزو والنهب وقطع الطرق .. واهتم بالتعليم وزيادة عدد المدارس وتطوير المناهج وانتقد قلة التخصصيات المالية لوزارة المعارف .
ولعل سعيد الحاج ثابت كان من اوائل الذين رفعوا أصواتهم للمطالبة بتأسيس ( جامعة عراقية ) وانتقد الحكومة ( جلسة 18 ايار 1927 ) لعدم اهتمامها بالاثار . كما استنكر قيام حكومة عبد المحسن السعدون اوائل اذار 1926 بتعطيل جريدة الاستقلال وقال انه من المفروض احالتها الى المحاكم .. وتطرق الى الجانب الاخلاقي فدعا الى منع المشروبات الكحولية لانها مضرة بالمجتمع وطالب بسن لائحة للزواج الاجباري وهاجم ظاهرة الانحراف في المجتمع .
كان لسعيد الحاج ثابت مواقف قومية متميزة ؛ فمنذ سنة 1928 وقبلها كان يهتم بما يجري في فلسطين وارسل في 21 اذار 1928 احتجاجاً الى الحكومة طالب فيه اعادة الطلاب المفصولين الذين تظاهروا ضد زيارة الداعية الصهيوني ( موند ) .. وقد قابل الملك فيصل ونوري السعيد رئيس الوزراء ضمن وفـد ضم : مولود مخلص ، وثابت عبد النور ، مطالباً التوسط ؟ لدى الحكومة البريطانية لرفع الحيف عن الشعب الفلسطيني . وشارك في اعمال المؤتمر الاسلامي العام الذي عقد في القدس في كانون الاول 1931 وحضر الاجتماع القومي العربي الاول في القدس مع ( 50 ) شخصية عربية قومية وتوصل المجتمعون الى صياغة ( ميثاق قومي عربي ) يؤيد وحدة العرب ورفضهم للاستعمار والصهيونية والاقليمية وقد إنعقد هذا التجمع على هامش المؤتمر الاسلامي العام . وفي عام 1935 ترأس وفداً عراقياً ضم عشرة شخصيات مهمة مع عدد من الطلبة زار فلسطين وشهد اجتماعات جماهيرية واعرب عن استعداد العراق لمساندة عرب فلسطين وضم الوفد مولود مخلص ومحمود الملاح واخرون وقد أثار الزيارة غضب الصهاينة فدبجت المقالات المضادة في الصحف الصهيونية ضد الوفد واهدافه .
وفي صيف 1936 تولى سعيد الحاج ثابت رئاسة لجنة الدفاع عن فلسطين وكان لها دور مهم في شرح ابعاد القضية الفلسطينية وشارك في مؤتمر بلودان القومي العربي في سوريا ( ايلول 1937 ) وخلال احداث الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 عقد الموصليون اجتماعاً جماهيرياً في الجامع النوري الكبير يوم 7 مايس 1936 لمساندة شعب فلسطين والقى سعيد الحاج ثابت وبشير الصقال وعبد الجبار الجومرد خطباً حماسية ونوه سعيد الحاج ثابت بدعم اهالي الموصل وجهودهم ومواقفهم ازاء اخوانهم عرب فلسطين مؤكداً :" بان الخطر الصهيوني لا يشمل فلسطين فقط ، وانما سيداهم سوريا والعراق ايضاً " .. ودعا الى النضال من اجل الا تصبح فلسطين اندلس ثانية. وفي جلسة 8 تشرين الثاني 1938 لمجلس النواب تناول سعيد الحاج ثابت القضية الفلسطينية وانتقد رئيس الوزراء نوري السعيد .. وقال ان حكومته لم تدقق في دخول عناصر صهيونية مخربة الى العراق لنشر الافكار الهدامة من صهيونية واباحية وشيوعية .
وكان لسعيد الحاج ثابت دور بارز في دعم نضال الشعب السوري ضد المستعمرين الفرنسيين فأسهم في تأسيس ( لجنة اسعاف منكوبي سوريا ) التي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وهاجم في جلسة 18 اذار 1940 سياسة فرنسا القمعية في سوريا ، ودعا الى دعم نضال السوريين من اجل التحرر والاستقلال . لم يُعرف عن سعيد الحاج ثابت انصرافه التام الى العمل التجاري باستثناء فترة قصيرة حين عين سكرتيراً ( لشركة تجارة وحلج الاقطان العراقية المحدودة ) في الثاني من آب 1929 وجُل اهتمامه وجهه للعمل الوطني والقومي : سياسياً ونائباً جريئاً مدافعاً عن الحقيقة . وقد ظل واقفاً في الميدان الوطني والقومي حتى وافته المنية في الثامن من تشرين الاول عام 1941 وهو لما يزل نائباً عن الموصل في مجلس النواب .. رحمه الله وجزاه عن نشاطه الوطني والقومي خير الجزاء والثواب .
____________________________
* نشر المقال في جريدة الحدباء بعددين أحدهما في10 كانون الاول1996 والثاني في 31 كانون الاول 1996 .كما نشرته ثانية في كتابي :"شخصيات موصلية " ،دار الجيل العربي ،الموصل 2007 ابراهيم العلاف .
**الصورة التقطت في جزيرة الشاي بحدائق الحيوان في القاهرة عام ١٩٣٩ تكريما للوفد العراقي المتوجه إلى اليمن .الثاني من اليمين الوطني العراقي سعيد الحاج ثابت – الشيخ محمد مهدي كبه – عبد القادر الكيلاني – الفريق عزيز علي المصري باشا وزير الحربية المصري الأسبق .وفي الصورة ايضا جميل المدفعي واسعد داغر واخرين .
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس -جامعة الموصل
ليس من السهولة ، حصر نشاط السياسي والمجاهد الوطني والقومي سعيد الحاج ثابت ، فخلال سنوات عمره التي لم تتجاوز ال ( 58 ) عاماً قام بنشاطات متعددة وفي ميادين سياسية واجتماعية واقتصادية كبيرة . ولد سعيد جلبي الحاج ثابت في الموصل سنة 1883م ، ووالده الحاج ثابت جلبي النعمان من التجار المعروفين . أدخله والده الكتاتيب والمدارس الدينية فنال حظاً وافراً من الثقافة التي غلبت عليها الصبغة الدينية . وكان لأشتغاله مع والده في التجارة قد أكسبه مخالطة الناس وخبرة في السوق ، وهذا ساعده كثيراً حينما دخل عالم السياسة ووجد نفسه كابناء جيله من المتنورين ، منخرطاً في العمل القومي ضد النير العثماني وخاصة بعد مجيء حزب الاتحاد والترقي أثر ثورة 1908م وخلعهم السلطان عبد الحميد الثاني 1909م وتطبيقهم الشعارات المركزية والطورانية والتتريك . كان في الموصل فرع نشيط لحزب اللامركزية الاداري العثماني وقد أخذ يقوم بدور فاعل ضد سلطات الاتحاديين منذ سنة 1913 .
وعندما عثرت السلطات على رسائل تشير الى هذا الحزب ، كتب جمال باشا الى والي الموصل سليمان نظيف ( 1913 ـ 1915 ) رسالة يطلب فيها انزال العقاب بالمشتغلين في ذلك الحزب ، وتبرع احد الوشاة وقدم اسماء ثلاثة اشخاص من البارزين في العمل القومي وهم : سعيد الحاج ثابت ، وابراهيم عطار باشي ، وداؤد الملاح ال زيادة ، وكادت رقاب هؤلاء تذهب الى المشنقة لولا تدخل احد الوجهاء وهو محمد باشا الصابونجي واقناع الوالي ببراءة سعيد الحاج ثابت ورفاقه فأطلق سراحهم .
أسهم سعيد الحاج ثابت في تأسيس ( النادي الادبي ) في الموصل في آب 1913 وكان هذا النادي واجهة ثقافية لعمل سياسي معادٍ للاتحاديين . ومن قادته ابراهيم عطار باشي ، ورشيد الخطيب ، وحمدي جلميران ، وبعض الضباط امثال علي جودت الايوبي ومولود مخلص . وبعد احتلال الانكليز للموصل سنة 1918 بدأ سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه بالتخطيط لتأسيس حزب سري جديد يعمل ضد الانكليز ، لكن قادة جمعية العلم السرية استطاعوا اقناعه بتوحيد الكفاح معهم ، فتألفت هيئة ادارية جديدة لهذه الجمعية برئاسة من رؤوف الغلامي وعضوي كل من سعيد الحاج ثابت ، وابراهيم عطار باشي ، وعبد الله باشعالم العمري . ومصطفى ذهني الجليلي ، وداؤد الجلبي ، وياسين العريبي ، ومحمد أمين العمري .
وبعد سقوط حكومة دمشق العربية على يد الفرنسيين وخروج الملك فيصل من سوريا انقسمت جمعية العهد السرية الى فرعين احدهما عراقي ، والاخر سوري . وفي 24 ايار 1919 اندمج فرع جمعية العهد في الموصل مع جمعية العلم السرية ، وعندئذ توحد النضال ضد الانكليز ، وتشكلت هيئة جديدة لقيادة الجمعية كان من بين اعضائها محمد رؤوف الغلامي ، وسعيد الحاج ثابت . وقد اسهمت هذه الجمعية بتشكيل مؤسسات دينية وثقافية ذات اهداف وطنية وقومية امثال : المدرسة الاسلامية ، ومدرسة دار النجاح الاهلية ، وكان لسعيد الحاج ثابت دور بارز في انشاء تلك المؤسسات . وبعد اندلاع ثورة تلعفر في 4 حزيران 1920 كان سعيد الحاج ثابت وعدد من رفاقه يعملون على انشاء مركز مقاومة ضد الانكليز في ( الحضر ) ويتصلون بالاتراك لطلب المساعدة . وبعد وصول فيصل الى العراق وتتويجه ملكاً توقفت نشاطات فرع جمعية العهد في الموصل . عاد سعيد الحاج ثابت الى الموصل بعد تأسيس الدولة العراقية 1920 وبدأ نشاطه السياسي بمعارضة مسودة معاهدة 1922 الجائرة في بريطانيا ، وانتخابات المجلس التأسيسي الذي اصبح امر المعاهدة منوطاً بموافقته . وقد رأى سعيد الحاج ثابت ان المعاهدة تلك ليس الا ترسيخاً لقدم المحتلين على ارض العراق.
وقد وصف المفتش الاداري البريطاني للواء الموصل في تقريره الذي رفعه الى مستشار وزارة الداخلية سعيد الحاج ثابت بانه من ( الوطنيين المتطرفين ) . وقال متصرف اللواء ان سعيد الحاج ثابت تزعم اجتماعاً حاشداً في جامع قضيب البان حضره عدد كبير من اهالي الموصل وكان الهدف من الاجتماع معارضة الانتخابات وتحريض الناس على عدم التصويت .. ومما قاله سعيد الحاج ثابت في الاجتماع : " ان الحكومة اذا لم تنجح باجراء الانتخابات في الوصل فان مسعاها الذي بذلته لوضع الاعناق تحت نير الاستعباد لن يتحقق ، ولن ينجز الانتخاب في جميع العراق ولا يلتئم المجلس التأسيسي " .. ولم يقف عند هذا الحد بل قاد المظاهرات للاحتجاج على تدخل الحكومة ، فما كان من الحكومة الا ان اعتقلته لبضعة ايام مع مكي الشربتي ثم أمرت وزارة الداخلية بدعوته الى بغداد ومنعته من العودة الى الموصل ريثما تنتهي الانتخابات وينعقد المجلس التأسيسي ( 27 اذار 1924 ).
أسهم سعيد الحاج ثابت في النشاطات الفكرية والاجتماعية التي شهدتها الموصل بعد تشكيل الدولة العراقية ، فكان عضواً في الوفد الذي أرسله النادي الادبي في الموصل عام 1922 الى بغداد للمشاركة في ملتقى سوق عكاظ الادبي الذي نظمه المعهد العلمي وضم الوفد الى جانبه عدد من قادة الحركة الوطنية في الموصل امثال سليمان فيضي ، وفاضل الصيدلي ، ومصطفى العمري ، ومولود مخلص ، وسعيد الجليلي ، كما أسهم في تأسيس ( الجمعية الخيرية الاسلامية ) التي نظمت اجتماعاً في 4 مايس 1922 وكان عضواً في أول هيئة ادارية لها . وضمت الهيئة : نجيب الجادر ، واحمد بك الجليلي ، ومكي الشربتي ، وابراهيم عطار باشي ، وكان لهذه الجمعية دور متميز في مجتمع الموصل .
كان لسعيد الحاج ثابت دور كبير في الدفاع عن عروبة الموصل ومقاومة الاطماع التركية لها ولعل من أبرز أعماله إسهامه الفاعل في تأسيس ( حزب الاستقلال العراقي ) في الموصل في الاول من ايلول 1924 .
وكان من اهدافه هذا الحزب تحقيق الاستقلال التام للقطر العراقي بحدوده الطبيعية وتنشيط حركة الوحدة العربية . وضمن الهيئة الادارية للحزب سعيد الحاج ثابت وكان شغل مدير ادارة الحزب وآصف وفائي آل قاسم أغا ( المعتمد ) ومكي الشربتي ، وشريف الصابونجي وجميل دلاي وابراهيم عطار باشي والدكتور محمد محفوظ .
أصدر الحزب جريدة العهد ودراسة موثقة عن قضية الموصل طبعت سنة 1925 . لم يكن نشاطه مقتصراً على حدود مدينته بل عمل في العاصمة وكانت صلاته واسعة مع قادة الحركة الوطنية امثال : ياسين الهاشمي ، لذلك كان سعيد الحاج ثابت من أبرز مؤسسي ( حزب الشعب ) وعضواً في هيئته الادارية.. كما انتمى الى ( الحزب الوطني ) في فترته الثانية ( 30 حزيران 1928 ) وكان لهذا الحزب اثره المهم في قيادة حركة المعارضة ، وبرز ابان زيارة الداعية الصهيونية ( الفرد موند ) لبغداد في شباط 1928 .
وقد شغل سعيد الحاج ثابت مهمة إدارة الحسابات في الهيئة الادارية للحزب الوطني والتي انتخبت مجدداً في 7 تشرين الثاني عام 1931 وكان الى جانبه في قيادة الحزب جعفر ابو التمن ( معتمد الحزب ) وفهمي المدرس ، ومولود مخلص واخرون . وفيما يتعلق بنشاط سعيد الحاج ثابت البرلماني فيمكن القول بأنه أدرك اهمية الحل البرلماني في احداث التغيير المنشود لذلك انصرف الى المشاركة في الانتخابات واصبح نائباً عن الموصل في مجلس النواب .. ولم يكن نائباً تقليدياً ، وانما كان يمثل منتخبيه بكل امانة وصدق ووطنية .. وقد نقل لنا الدكتور عدنان سامي نذير في رسالته للدكتوراه سنة 1993 عن :" دور نواب الموصل في البرلمان العراقي خلال العهد الملكي 1925ـ 1958 " ، صورة صادقة لنشاط نواب الموصل ومنهم سعيد الحاج ثابت . وقد اتضح لنا ان سعيد الحاج ثابت تحدث خلال الدورات الخمس التي شارك فيها والممتدة بيم 16 تموز 1925 وحتى وفاته ( 8 تشرين الاول 1941 ) قرابة ( 17 ) مرة في قضايا سياسية ودولية و( 16 ) مرة في قضايا سياسية عربية و( 110 ) مرات في قضايا داخلية و( 51 ) مرة في قضايا اقتصادية و( 82 ) مرة في قضايا اجتماعية واخلاقية و( 24 ) مرة في قضايا ثقافية .
كان لسعيد الحاج ثابت مواقف سياسية واضحة داخل البرلمان وفي البداية كان ممثلاً لحزب الشعب الا انه ومنذ الدورة الرابعة خاض الانتخابات على انه ( مستقل ) .. وقد اتسمت الاراء والمقترحات التي قدمها في المجلس بالجرأة والصراحة والصدق ، وارتدت طابعاً وطنياً وعلمياً وواقعياً .. هاجم معاهدة 1930 وانتقد ارتباط نوري السعيد ببريطانيا ولم يكن له موقف واضح من حكومة الدفاع الوطني ( نيسان 1941 ) كما انه لم يحضر جلسة انتخاب وصي جديد بعد هروب الامير عبد الاله .
وفي المجال الاقتصادي اعترض على لائحة تعديل قانون امتياز شركة النفط الانكليزية ـ الفارسية ( 13 حزيران 1926 ) وطالب بمحاكمة الذين فرطوا بثورة البلاد النفطية . وانتقد العجز الدائم في ميزانية الدولة ، ودعا الى اصدار عملة وطنية وعارض رسوم الطابع وقال انها باهظة .. وحظي الجانب الاجتماعي والاخلاقي باهتمامه ، فتطرق الى حقوق العمال ( جلسة 8 شباط 1936 ) وانتقد إهمال الحكومة لهم حيث لا تحديد لساعات العمل ولا نقابات تدافع عنهم وطالب بصرف المبالغ التي خصصت كرواتب لرؤساء العشائر لتسهيل عملية استقرارهم وتعليمهم وتشجيعهم على ممارسة الزراعة وابتعادهم عن اسلوب الغزو والنهب وقطع الطرق .. واهتم بالتعليم وزيادة عدد المدارس وتطوير المناهج وانتقد قلة التخصصيات المالية لوزارة المعارف .
ولعل سعيد الحاج ثابت كان من اوائل الذين رفعوا أصواتهم للمطالبة بتأسيس ( جامعة عراقية ) وانتقد الحكومة ( جلسة 18 ايار 1927 ) لعدم اهتمامها بالاثار . كما استنكر قيام حكومة عبد المحسن السعدون اوائل اذار 1926 بتعطيل جريدة الاستقلال وقال انه من المفروض احالتها الى المحاكم .. وتطرق الى الجانب الاخلاقي فدعا الى منع المشروبات الكحولية لانها مضرة بالمجتمع وطالب بسن لائحة للزواج الاجباري وهاجم ظاهرة الانحراف في المجتمع .
كان لسعيد الحاج ثابت مواقف قومية متميزة ؛ فمنذ سنة 1928 وقبلها كان يهتم بما يجري في فلسطين وارسل في 21 اذار 1928 احتجاجاً الى الحكومة طالب فيه اعادة الطلاب المفصولين الذين تظاهروا ضد زيارة الداعية الصهيوني ( موند ) .. وقد قابل الملك فيصل ونوري السعيد رئيس الوزراء ضمن وفـد ضم : مولود مخلص ، وثابت عبد النور ، مطالباً التوسط ؟ لدى الحكومة البريطانية لرفع الحيف عن الشعب الفلسطيني . وشارك في اعمال المؤتمر الاسلامي العام الذي عقد في القدس في كانون الاول 1931 وحضر الاجتماع القومي العربي الاول في القدس مع ( 50 ) شخصية عربية قومية وتوصل المجتمعون الى صياغة ( ميثاق قومي عربي ) يؤيد وحدة العرب ورفضهم للاستعمار والصهيونية والاقليمية وقد إنعقد هذا التجمع على هامش المؤتمر الاسلامي العام . وفي عام 1935 ترأس وفداً عراقياً ضم عشرة شخصيات مهمة مع عدد من الطلبة زار فلسطين وشهد اجتماعات جماهيرية واعرب عن استعداد العراق لمساندة عرب فلسطين وضم الوفد مولود مخلص ومحمود الملاح واخرون وقد أثار الزيارة غضب الصهاينة فدبجت المقالات المضادة في الصحف الصهيونية ضد الوفد واهدافه .
وفي صيف 1936 تولى سعيد الحاج ثابت رئاسة لجنة الدفاع عن فلسطين وكان لها دور مهم في شرح ابعاد القضية الفلسطينية وشارك في مؤتمر بلودان القومي العربي في سوريا ( ايلول 1937 ) وخلال احداث الثورة الفلسطينية الكبرى عام 1936 عقد الموصليون اجتماعاً جماهيرياً في الجامع النوري الكبير يوم 7 مايس 1936 لمساندة شعب فلسطين والقى سعيد الحاج ثابت وبشير الصقال وعبد الجبار الجومرد خطباً حماسية ونوه سعيد الحاج ثابت بدعم اهالي الموصل وجهودهم ومواقفهم ازاء اخوانهم عرب فلسطين مؤكداً :" بان الخطر الصهيوني لا يشمل فلسطين فقط ، وانما سيداهم سوريا والعراق ايضاً " .. ودعا الى النضال من اجل الا تصبح فلسطين اندلس ثانية. وفي جلسة 8 تشرين الثاني 1938 لمجلس النواب تناول سعيد الحاج ثابت القضية الفلسطينية وانتقد رئيس الوزراء نوري السعيد .. وقال ان حكومته لم تدقق في دخول عناصر صهيونية مخربة الى العراق لنشر الافكار الهدامة من صهيونية واباحية وشيوعية .
وكان لسعيد الحاج ثابت دور بارز في دعم نضال الشعب السوري ضد المستعمرين الفرنسيين فأسهم في تأسيس ( لجنة اسعاف منكوبي سوريا ) التي تشكلت بعد اندلاع الثورة السورية الكبرى سنة 1925 وهاجم في جلسة 18 اذار 1940 سياسة فرنسا القمعية في سوريا ، ودعا الى دعم نضال السوريين من اجل التحرر والاستقلال . لم يُعرف عن سعيد الحاج ثابت انصرافه التام الى العمل التجاري باستثناء فترة قصيرة حين عين سكرتيراً ( لشركة تجارة وحلج الاقطان العراقية المحدودة ) في الثاني من آب 1929 وجُل اهتمامه وجهه للعمل الوطني والقومي : سياسياً ونائباً جريئاً مدافعاً عن الحقيقة . وقد ظل واقفاً في الميدان الوطني والقومي حتى وافته المنية في الثامن من تشرين الاول عام 1941 وهو لما يزل نائباً عن الموصل في مجلس النواب .. رحمه الله وجزاه عن نشاطه الوطني والقومي خير الجزاء والثواب .
____________________________
* نشر المقال في جريدة الحدباء بعددين أحدهما في10 كانون الاول1996 والثاني في 31 كانون الاول 1996 .كما نشرته ثانية في كتابي :"شخصيات موصلية " ،دار الجيل العربي ،الموصل 2007 ابراهيم العلاف .
**الصورة التقطت في جزيرة الشاي بحدائق الحيوان في القاهرة عام ١٩٣٩ تكريما للوفد العراقي المتوجه إلى اليمن .الثاني من اليمين الوطني العراقي سعيد الحاج ثابت – الشيخ محمد مهدي كبه – عبد القادر الكيلاني – الفريق عزيز علي المصري باشا وزير الحربية المصري الأسبق .وفي الصورة ايضا جميل المدفعي واسعد داغر واخرين .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق