مشروع مياه السلام التركي: أهدافه وآثاره على مستقبل المصادر
المائية في الوطن العربي*
ا.د.ابراهيم خليل العلاف
استاذ متمرس –جامعة الموصل
المقدمـة
حين كتبت بحثي الموسوم "خط أنابيب السلام والأمن
الغذائي" مشاركاً في ندوة "المياه والسدود وأثرهما في
الأمن المائي العربي" التي نظمها مركز الدراسات التركية (الإقليمية
حالياً) بجامعة الموصل في العشرين من كانون الثاني 1988، كانت المعلومات المتوفرة
عن أهداف هذا المشروع وطبيعته، الذي بدأ الحديث عنه لأول مرة سنة 1987، قليلة([i]). لذلك لم تظهر ردود الفعل عليه على نحو
واضح، ناهيك عن غموض بعض جوانبه وأبعاده السياسية والأمنية وعلاقته بالمشاريع الإسرائيلية
والأميركية المتعلقة بمياه الشرق الأوسط.
إنّ هذا البحث، محاولة للإفادة مما توفر من معلومات جديدة عن
المشروع خلال السنوات 1988-1992 ومعرفة أهدافه الحقيقية، وما يمكن أن يتركه
من آثار سلبية على مستقبل المياه والمصادر المائية في الوطن العربي خلال المرحلة
الراهنة.
جذور الاهتمام الأميركي بالمياه العربية
ارتبط الاهتمام الأميركي بالمياه العربية، برغبة الولايات
المتحدة الأميركية في مساعدة الحركة الصهيونية العالمية على اغتصاب أرض فلسطين
وانتزاعها من العرب، ففي أواخر القرن التاسع عشر وصلت فلسطين بعثة من رجال البحرية
الأميركية بحجة "تقدير وتعيين منسوب البحر الميت". وقد كتب أحد رجال
البعثة في مذكراته مشيراً إلى اهتمام الولايات المتحدة الأميركية بنهر الأردن
والبحر الميت([ii]). وفي سنة
1938 أرسلت الحكومة الأميركية بعثة فنية إلى فلسطين بهدف "دراسة وقاية التربة
من الانهيار"، وكان رئيس البعثة (ولتر كلاب لودرميلك) المدير السابق لمؤسسة
صيانة التربة في الولايات المتحدة، وقد كتب لودرميلك تقريراً بعنوان (أرض الميعاد)
نشر سنة 1939 وذلك بتكليف من الوكالة اليهودية([iii]).
وتذكر الباحثة الأميركية ليزلي شميدا([iv])
رئيسة قسم الأبحاث والنشر بالمؤسسة الأميركية للخدمات التعليمية والتدريبية
في الشرق الأوسط. أن تقرير لودرميلك، كان من بين أقوى الأسلحة تأثيراً في جذب
الرأي العام الغربي المبكر لصالح ستراتيجيات المياه الصهيونية. وقد ندد لودرميلك
بالعرب في فلسطين وأتهمهم بأنهم دمروا خلال قرون من الإهمال رأس مال الإقليم ويقصد
الأرض والمياه.
وقد أخذت الوكالة اليهودية تقرير لودرميلك وأعطته إلى جيمس
هينز، وهو صاحب مكتب هندسي في أميركا ليحوله إلى واقع هندسي. وقد نشر هينز مشروعه
سنة 1948 تحت عنوان "سلطة وادي تنسي ونهر الأردن في مقترحات للري وتطوير
الطاقة الكهربائية في فلسطين"([v]).
وقد لعب مشروعا لودرميلك وهينز دوراً كبيراً في رسم الخطوط العامة لحدود الكيان
الصهيوني كما ورد في قرار التقسيم الصادر عن الأمم المتحدة خريف سنة 1947([vi]).
وفي سنة 1953 عهدت وكالة الإغاثة الدولية (الأونروا) بتكليف من
الحكومة الأميركية، إلى (كوردن كلاب) رئيس هيئة وادي تنسي الأميركية، بوضع خطط
لاستثمار مياه نهر الأردن. وقد عهدت هذه الإدارة إلى شركة (شارل مين) لوضع مخطط
هندسي لهذا المشروع، فدرسته ثم وضعت كافة تفاصيله في 31 آب 1953([vii]).
كما اهتمت الولايات المتحدة سـنة 1954، بمشروع هينز من خلال
"النقطة الرابعة" التي كان موفدوها يعملون في حفر الأراضي حفراً يستخدم
لسقي المواشي في الطريق بين بغداد وعمان، ثم عدّل مشروع هينز بعد أن أصبحت الضفة
الغربية جزءاً من المملكة الأردنية الهاشمية، وعرف المشروع بصيغته الجديدة باسم
(مشروع كتون- هينز)([viii]).
وحين تقدمت سوريا بشكاوي كثيرة إلى مجلس الأمن في الخمسينات من
القرن الماضي، حول نشاطات إسرائيل التحويلية في المنطقة المنزوعة السلاح، أذيع
مشروع (بونجار)، وماكس بونجار هذا مبعوث الولايات المتحدة المقيم بالأردن آنئذٍ.
وكانت خطته تهدف إلى الاستفادة من نهر اليرموك وإنشاء سد المقارن على النهر وحفر
قناة الغور الشرقية. وقد وافقت وكالة الولايات المتحدة للتعاون الفني والحكومة
الأردنية على التعاون في تمويل سد المقارن، إلاّ أن إسرائيل عارضت ذلك، لذلك أعلن
خبراء الولايات المتحدة فجأةً، أن خطة بونجار غير عملية وليست
اقتصادية([ix]).
وتحت ضغط قوي من الكونكرس الأميركي لوضع حد لمشكلة
اللاجئين، لما كانت تسببه من ضغط على الولايات المتحدة، بعث الرئيس الأميركي
(ابزنهاور)، (أريك جونسون) إلى الشرق الأوسط في تشرين الأول 1953، وجونستون هذا
كان يرأس عدداً من الشركات الأميركية، وقد عيّن ممثلاً شخصياً لايزنهاور في الشرق
الأوسط بدرجة سفير. وقد تقدم لكل من لبنان وسوريا والأردن بمشروع، يقوم على استغلال
نهر الأردن وروافده. وكان واضحاً أن الهدف الرئيس لمشروعه، هو جر الأقطار العربية
إلى الاعتراف بإسرائيل، وإقامة علاقات طبيعية معه من خلال التعاون المشترك على
استثمار مياه نهر الأردن، وتكون إسرائيل بذلك قد توصلت بـ (السلم) إلى مالم تتوصل
إليه بـ (الحرب)([x]).
وعندما شعرت الولايات المتحدة بخطورة موضوع المياه على مصالحها
في المنطقة وتبين لها أنه قد يكون الشرارة التي ستندلع بسببها الحرب من جديد، تقدم
(جون فوستر دالاس) وزير خارجيتها في آب 1955 بـ (خطة سلام) كما أطلق عليها آنذاك.
وكان من أركانها الأساسية: حل مشكلة المياه. وقد رفض العرب وإسرائيل المبادرة.
ويذكر محمود رياض الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية: أنّ دالاس كان يعلم
موقف الطرفين، كما كان يعلم أن حل مشكلة توزيع المياه، وعودة اللاجئين، ومشاكل
الحدود تحتاج إلى موافقة الأطراف المعنية، بما يستدعي ممارسة ضغط من الولايات
المتحدة على إسرائيل، وهو مالم تقدم عليه في أي وقت([xi]).
وخلال فترة 1958-1964 أنجزت الولايات المتحدة دراسة عن
مياه النيل، وقامت بهذه الدراسة آنذاك لصالح أثيوبيا التي كانت، في حينه، حليفاً
لها، ومن الملاحظ أن الولايات المتحدة استهدفت بمشروعها التلويح لزعيم
مصر آنذاك (عبدالناصر)، بأن هناك سلاحاً جديداً وخطيراً، لأن مصادر النيل الأساسية
تأتي من مرتفعات أثيوبيا، وبإمكان إثيوبيا، التي أرادت، أن تشهر الماء سلاحاً
لمعاقبة مصر والسودان، لصالح الولايات المتحدة الأميركية بالطبع([xii]).
وقد أدرك عبدالناصر خطورة هذا السلاح، فأقدم على بناء السد
العالي، فكان أول زعيم عربي أحس بمدى خطورة مشكلة المياه في صراع الأمة العربية مع
أعدائها([xiii]). وفي
هذا الإطار أيضاً وضعت اللجنة الفنية بجامعة الدول العربية سنة 1960 خطة لتنمية
روافد نهر الأردن لصالح كل من الأردن ولبنان وسوريا، وفي سنة 1964 بدأت بتشييد سد
نهر اليرموك وفي تحويل مجرى نهر الأردن، ولكن الحرب العربية-الإسرائيلية لسنة 1967 وضعت نهاية
لأعمال التحويل العربية، وكما هو معروف فإن "مسألة المياه" كانت واحدة
من بين دعاوي إسرائيل الرئيسة التي تتذرع بها للقيام بهجوم على الأقطار العربية.
ولقد كان من نتائج حرب 1967، إكمال إسرائيل تنفيذ مشروعاته المائية التي أعلن عنها
سنة 1953، وبذلك استطاعت استخدام كافة الموارد المائية لنهر الأردن، كما حاولت دون استفادة سوريا
ولبنان من مياه الحصباني وبانياس في ري أراضيهما([xiv]).
وبعد حرب 1973، عادت إلى الظهور المشاريع الأميركية-الإسرائيلية الخاصة عبر وثيقة التسوية
التي قدمها (هارولد ساندرز) مساعد وزير الخارجية الأميركي الأسبق لشؤون الشرق
الأوسط في تشرين الثاني 1975. وقد كشف ساندرز عن اهتمام إسرائيل بمصادر الكياه في
المنطقة، مؤكداً أن لاتسوية حقيقية دون الوصول إلى تعاون مشترك بين الأقطار
العربية وإسرائيل حول مسألة المياه([xv]).
وفي تموز 1967 عاد ساندرز إلى تأكيد المسألة ذاتها في دراسة
شاملة عرضها أمام اللجنة الفرعية الخاصة بأوربا والشرق الأوسط التابعة للجنة
الشؤون الخارجية في الكونكرس الأميركي، إذ قال في معرض حديثه عن ماأسماه بـ
"قوى وعوامل التغيير في منطقة الشرق الأوسط": "أن قضايا المياه
ستشغل على نحو متزايد اهتمام الزعامات السياسية في المنطقة خلال السنوات
المقبلة". وأضاف يقول: "ومن المحتمل أن يكون للطلب المتزايد على مصدر
مائي ثابت ومحدود الكمية، وهو أمر أكثر حيوية من النفط، أهمية سياسية بعيدة الأثر
كسبب للنزاع وكحتمية للتعاون معاً"([xvi]).
وهكذا أصبحت المياه، عنصراً أساسياً في صياغة سياسة الولايات
المتحدة الأميركية إزاء الشرق الأوسط فكرست لهذا الغرض مجموعات دراسية تستقري
تأثير مشكلات المياه في مستقبل مصالحها الستراتيجية في المنطقة، ويتعاون في هذا
الجهد العديد من الجهات أبرزها: مكتب الاستخبارات والأبحاث التابع لوزارة الخارجية
الذي ينهمك منذ أمد بعيد في مواضيع المياه في المنطقة، في حين تنصرف الوكالة
الأميركية للإنماء إلى دراسة تطوير مصادر المياه في الدول الأجنبية. وتتابع وزارة
الدفاع، عن كثب المسائل المتعلقة بالمياه، نظراً لارتباطها بالمصالح العسكرية
الأميركية في الشرق الأوسط وتراقب وكالة مخابرات الدفاع "الاتجاهات المتعلقة
بمصادر المياه ودراسة احتمالات حدوث المواجهات نتيجة لتأثيرات ندرة المياه في
التطور والاستقرار السياسي([xvii]). ولا
يمكن أن ننسى دور الجامعات ومراكز البحث في تهيئة الدراسات وإقامة الندوات حول
الأمور ذات العلاقة بما يسمى بـ "أزمة المياه في الشرق
الأوسط" وتأثيرها في المصالح الستراتيجية الأميركية.
وقد أشار تقرير أصدره مركز الدراسات الستراتيجية والدولية في
واشنطن أواخر سنة 1987، بعنوان: "السياسة الخارجية الأميركية تجاه مصادر
المياه في الشرق الأوسط" إلى شيء من هذا القبيل حين أكد أن الشرق الأوسط
"يقف على شفا أزمة مصادر طبيعية رئيسة، فقبل القرن الحادي والعشرين، يحتمل أن
يمزق الصراع على مصادر المياه، المحدودة والمهددة، الروابط الهشة، أصلاً بين دول
المنطقة، ويؤدي إلى مشاكل لم يسبق لها مثيل في المنطقة"([xviii]).
ومن هذا المنظور، فإن التقرير أوصى، بأن تركز الولايات المتحدة
على أربع نقاط رئيسة في السياسة الخارجية، هي:
1- التكنولوجيا المتقدمة حول المياه؟
2- إدارة
المصادر المائية، وستراتيجية المحافظة عليها.
3- التنسيق بين الوكالات الأميركية ذات العلاقة بمصادر المياه.
ومعنى هذا، الولايات المتحدة تهدف إلى أمرين،
أولهما: تأمين سيطرتها الراهنة على الشرق الأوسط. وثانيهما: اعتبار التكنولوجيا
المائية أداة ابتزاز سياسي وضغط جديد على حلفائها وخصومها. إذ يمكن للموقف السياسي
أن يحرم بلداً معيناً من المياه، في حال كان موقفه مناهضاً لواشنطن، وعندئذٍ يصبح وضع هذه
التكنولوجيا مساوياً لأهمية التكنولوجيا العسكرية الآن، الأمر الذي يعني حرص الولايات المتحدة
على امتلاك أسلحة الضغط على الدول والحكومات([xx]).
مشروع مياه السلام التركي
شهدت السنوات الخمس الماضية، اهتماماً ملحوظاً بالمياه، فلقد
ارتفعت الأصوات الإسرائيلية في الولايات المتحدة لتطرح من جديـد مسألة "مشكلة
المياه في الشرق الأوسط" من زاوية أنها عنصر أساسي من عناصر الوصول إلى
تسوية سياسية ثابتة ودائمة في المنطقة، وتسعى هذه الأصوات إلى مناقشة الموضوع،
وعقد سلسلة من المؤتمرات التي تأخذ في الظاهر طابعاً عملياً، لكنها في الحقيقة
تعكس طبيعة الأطماع الإسرائيلية لاستغلال مصادر المياه العربية والاستفادة منها في
ضمان الأمن المائي لإسرائيل وترسيخ وجوده في المنطقة([xxi]).
ولعل من أبرز هذه المؤتمرات: المؤتمر الذي نظمه مركز الدراسات الستراتيجية الدولية
التابع لجامعة جورج تاون في 24 تشرين الثاني سنة 1986 وحضره ممثلون من إسرائيل
وتركيا وبعض الأقطار العربية، ومسؤولون أميركيون من وزارتي الخارجية
والدفاع. وقد انعقد المؤتمر بعنوان "مشاكل المياه والري في منطقة الشرق
الأوسط"([xxii]). وفيه
عرض (جم دونا) مستشار رئيس الوزراء التركي آنذاك (توركوت اوزال) للشؤون الخارجية
تفاصيل المشروع الذي دعا إليه اوزال وسمّاه بإسم "خط أنابيب السلام"([xxiii]).
ويعد المؤتمر المذكور، المناسبة العلنية الأولى خلال سلسلة
المؤتمرات التي عقدها المركز، والتي حفلت بالجلسات المغلقة للبحث في موضوع الأمن
المائي في منطقة الشرق الأوسط، وسبل استخدام التكنولوجيا الحديثة في معالجة هذه
المشكلة، ودراسة إمكانية "اقتسام مياه أحواض الفرات والنيل والأردن". وتنطلق
فكرة المؤتمرات هذه، كما أعلن عن ذلك منظموها من "تقديرات تتوقع أن موارد
المياه المحدودة في الشرق الأوسط، ستؤدي إلى نزاعات عسكرية بين دول المنطقة في
التسعينات". لذلك فهي تسعى لتقديم "حلول لمشكلة المياه في الشرق الأوسط
منعاً لقيام نزاعات عسكرية في المراحل المقبلة بين الدول المعنية"([xxiv]).
ولقد أكدت الدكتورة جويس ستار عند افتتاحها المؤتمر، أن
المشروع التركي سيكون له التأثير القوي والبعيد المدى على الاستقرار في منطقة
الشرق الأوسط نظراً إلى "النقص الحاد في الموارد المائية في الأردن والضفة
الغربية وإسرائيل" ([xxv]).
وكانت الدكتورة جويس ستار، رئيسة قسم الشرق الأوسط في مركز
الدراسات الستراتيجية والدولية، هي التي تشرف على تلك المؤتمرات، ومن ذلك أنها
نظمت في 4 شباط 1987 ندوة حول النيل. وستار هذه معروفة بصداقاتها القوية مع الأوساط
الصهيونية في الولايات المتحدة. وكانت تشغل منصب عضو اتصال بالجالية اليهودية
الأميركية خلال عهد الرئيس الأميركي الأسبق جيمي كارتر. وقد تبنت مذ أوائل
الستينات من القرن الماضي، فكرة "دمج إسرائيل في المنطقة من خلال مشاريع
مائية مشتركة مع الدول العربية". وقد عقدت في النصف الأول من ثمانينات
القرن الماضي مؤتمراً حول "التعاون الاقتصادي بين مصر وإسرائيل"([xxvi]).
زار توركوت اوزال الولايات المتحدة الأميركية في شباط 1987
وألقى محاضرة في (جمعية أصدقاء تركيا الأميركيين) في نيويورك، أشار فيها إلى تملك
تركيا مصادر مائية مهمة بفضل بعض أنهرها، وإلى حاجة الأقطار المجاورة للمياه
قائلاً: "لديّ مشروع أسميه خط أنابيب السلام، إذ بوسعنا عن طريق هذا المشروع
تزويد سوريا والمملكة العربية السعودية وبعض بلدان الشرق الأوسط بالمياه"([xxvii]).
ويتضمن هذا المشروع خطين لجر مامعدله 6 ملايين متر مكعب يومياً من مياه نهري سيحان وجيحان
اللذان يصبان في البحر المتوسط، إلى عدد من دول المنطقة، ويسير الخطان على النحو
التالي([xxviii]):
أولاً: الخط الغربي
يسير في الأراضي السعودية، ثم يدخل الضفة الغربية فالأراضي
الفلسطينية المحتلة سنة 1948، بعد أن يمر في الأردن، ثم يوالي سيره وصولاً إلى
أربع مدن سعودية هي: ينبع، المدينة المنورة، مكة المكرمة، جدة. وإجمالي طول الخط
(2650) كم، يتدفق عبره (3.500.000) متر مكعب من المياه يومياً.
أما توزيع نسب كميات المياه المخصصة من المشروع للمنطقة
الغربية فهي كما يلي في الجدول ذي الرقم (1) الذي لاتظهر فيه الكمية المخصصة (لإسرائيل).
الجدول ذو الرقم (1)
توزيع نسب كميات المياه المخصصة من
مشروع
(أنابيب السلام) للمنطقة الغربية
المنطقة
|
الكمية بالمتر المكعب في اليوم
|
المنطقة
|
الكمية بالمتر المكعب في اليوم
|
تركيا
|
300.000
|
عمان
|
600.000
|
سوريا
|
|
السعودية
|
100.000
|
حلب
|
300.000
|
تبوك
|
300.000
|
حماة
|
|
المدينة المنورة
|
100.000
|
حمص
|
100.000
|
ينبع
|
100.000
|
دمشق
|
600.000
|
مكة المكرمة
|
500.000
|
الأردن
|
|
جدة
|
500.000
|
الإجمالي 3.500.000
|
ويمر بالعراق والكويت، ثم يوالي سيره ليمر في ثلاث مدن سعودية
هي: الدمام، الهفوف، الخبر، لينتقل بعدها إلى دولة قطر فأبو ظبي فعجمان. ويبلغ إجمالي
طول الخط (2900) كم، ويتدفق عبره (2.500.000) متر مكعب من المياه يومياً.
أما نسب توزيع كميات المياه المخصصة من المشروع لمنطقة الخليج العربي فهي كما يلي
في الجدول ذي الرقم (2).
جدول ذو الرقم (2)
توزيع نسب كميات المياه المخصصة من
مشروع (أنابيب السلام) لمنطقة الخليج
العربي
المنطقة
|
الكمية بالمتر المكعب في اليوم
|
المنطقة
|
الكمية بالمتر المكعب في اليوم
|
الكويت
|
600.000
|
الإمارات
العربية
|
280.000
|
السعودية
|
|
أبو
ظبي
|
280.000
|
الجبيل
|
200.000
|
دبي
|
160.000
|
الدمام
|
200.000
|
الشارقة/
عجمان
|
120.000
|
الخبر
|
200.000
|
رأس
الخيمة
|
|
الهفوف
|
200.000
|
الفجيرة/ أم القيوين
|
40.000
|
المنامة
|
200.000
|
عمان
|
|
قطر
|
|
مسقط
|
200.000
|
الدوحة
|
100.000
|
|
|
الإجمالي 2.500.000
|
لقد أشار (جم دونا) مستشار رئيس الوزراء التركي إلى تكاليف
مشروع المياه، فقال في المؤتمر المشار إليه، أن تكاليف الخط الغربي تبلغ (8) مليار
دولار أميركي، وتكليف الخط الشرقي تبلغ (11) مليار دولار([xxx]). في حين
يشير تقرير وحدة الاستخبارات لمجلة الايكو نومست البريطانية الصادر سنة 1987 إلى
أن كلفة المشروع تبلغ (17) مليار دولار([xxxi]).
وقد قام توركوت اوزال بجولة في بعض الأقطار العربية، وخاصة في الخليج العربي، بحث
خلالها إمكانية تنفيذ المشروع وعرض الفكرة التركية.
جدول ذو رقم (3)
خارطة مشروع مياه السلام التركي([xxxii])
حول إجراء دراسة الجدوى، ولكن لم تتقدم
الحكومة التركية بطلب رسمي لأية دولة عربية حتى الآن([xxxiii]).
وقد قامت شركة براون وروت الاستشارية الأميركية بدراسة الجدوى وتقديم تقرير شامل
يتضمن التصاميم الأولية ومستلزمات التنفيذ، كما وضعت مقترحات عملية لإنشاء المشروع.
وقد قال (كيت دودسون) مدير النشاطات الخارجية للشركة: "أن حجم المشروع، رغم
كبر حجم استثمار رأس المال فيه له جدوى اقتصادية لأن تكلفة المياه المنقولة
بالأنابيب ستبلغ ثلث تكلفة تحلية مياه البحر". ويشير السفير التركي في الأردن
(سميح بيلين) إلى أن دراسة الجدوى كلفت الحكومة التركية 800.000 دولار، كما أسهمت
كل من بريطانيا بمبلغ 700.000 دولار، والولايات المتحدة بـ 1.2 مليون دولار. وأضاف
أن الهدف من دراسة الجدوى يكمن في تحديد العوامل المتعلقة بمواقع الأنابيب
والمنابع وتوصيل المياه وغير ذلك. هذا فضلاً عن تقدير تكاليف المشروع وتقديم
المعلومات اللازمة إلى المسؤولين في الدول المشاركة لتمكينهم من اتخاذ القرارات
اللازمة، بالنسبة لاقتصاديات المشروع وقدراته الفنية. كما تضمنت دراسة الجدوى تنظيم
مسار الخطوط، وتحديد مواقع محطات ضح المياه وتقدير كميات الطاقة المطلوبة، ومصادر
الوقود، ومقاييس الأنابيب ومتطلبات الإدارة والصيانة وتكاليف تحاليل المياه([xxxiv]).
ويتطلب كل هذا دراسات استطلاعية في تركيا، والأردن والسعودية
والكويت والبحرين وقطر ودولة الإمارات وعمان للحصول على المعلومات ومتابعة الاحتياجات
والمنافع الناتجة عن إنشاء الخط([xxxv]).
وتشتمل مسألة جمع المعلومات هذه على عملية رسم خرائط طوبوغرافية (بمقياس 000/25:1 وإلى
000/250/1) وتصوير جوي أو من خلال الأقمار الصناعية وجمع
معلومات جيو تقنية وجيو هيدرولوجية/ زلزالية وأخرى هيدرولوجية
وجوية عن نهري سيحان وجيحان، وعن نوعية المياه عند مصادرها ومعلومات عن طريقة
استعمالها في مواقع توصيلها، ومعلومات عن الطرق وسكك الحديد والامكانات الأخرى الموجودة حالياً
والمخطط لها في المستقبل، ومواقع وحجم موارد الطاقة في كل دولة مع خطوط النقل
الكهربائية ومعلومات دقيقة وحيوية أخرى([xxxvi]).
لقد قامت فكرة دراسة الجدوى على أن كمية المياه التي تتدفق من
نهري سيحان وجيحان تقدر بـ (32 أو 34) مليون متر مكعب، وهذه الكمية تزيد عن حاجة
سكان تركيا، وقد يقرر الفريق المشرف على المشروع، مسار خطوط بديلة غير
مبينة على الخرائد الحالية، فيما إذا وجدت مواقع أثرية أو خطوط أنابيب أخرى أو سكك
حديد أو وديان ومعالم طبيعية، وأن المشروع يحتاج إلى أنابيب خرسانية خاصة Prestressed
eenerete pipes
يتراوح قطرها مابين (3-4)
أمتار مع محطات الضخ اللازمة. أما الخطوط المتفرعة فسيكون قطرها ما بين متر واحد
إلى مترين. وستمر المياه من الأنابيب، أما بالانسياب الطبيعي، فمثلاً ترتفع
الطوبوغرافية حول حمص من 300
متر فوق مستوى سطح البحر إلى 900 متر عن الهضبة الواقعة
بين دمشق وعمان. وتوجد مرتفعات أخرى بين المدينة وينبع وجدة. أما عن الوقت المقدر
لانجاز المشروع، فيستغرق مابين ثماني إلى عشر سنوات([xxxvii]).
يقول السفير التركي
لدى دولة الإمارات العربية النمتحدة (توغاي اولو جغيك) أن الجدوى للمشروع واضحة
تماماً عندما نقارنها بسعر الماء الذي يتم الحصول عليه عن طريق تحلية ماء البحر.
وأشار إلى أنه عند نهاية الخط بالمملكة العربية السعودية، فستقل تكاليف إنتاج المتر
المكعب من المياه المنقولة من تركيا عن (1.5) دولار بينما تبلغ كلفة الكمية نفسها
من الماء المنتج عن مشروعات التحلية بنحو (5) دولارات، وأنه حتى مع السماح بنسبة
خط تبلغ مائة بالمائة فسيظل هذا المشروع متنافساً لغيره من المشاريع الخاصة
بالمياه([xxxviii]).
ومهما يكن من أمر، فإن المسؤولين الأتراك، بذلوا خلال السنوات
1987- 1989 جهوداً كبيرة من أجل تكوين رأي عام
باتجاه قبول المشروع والموافقة على تمويله وتنفيذه، إلاّ أنهم فشلوا في التغلب على
هذه المشكلة، لذلك جمد، ولم يبعث ثانية إلاّ سنة 1990 حين بات الطرفان الأساسيان
في المشروع وهما: تركيا والولايات المتحدة يعملان من أجل إخراجه إلى حيز الواقع
الفعلي، حيث يمكنها المشروع من ربط الأمن المائي والغذائي العربي بمصالحهما
المشتركة، ويتضح هذا من الوقوف على أهداف المشروع الحقيقية([xxxix]).
أهداف مشروع مياه السلام
لقد قيل الكثير عن أهداف مشروع مياه السلام التركي، إذ تحدث
المسؤولون الأتراك عن ذلك في مناسبات عديدة، وفي مقدمة الذين تحدثوا: توركوت اوزال
الذي أسهب في شرح الأهداف في كلمته التي ألقاها في جمعية أصدقاء تركيا المشار
إليها وقال: "أن المشروع يلبي احيتاجات الأقطار العربية (وبعض بلدان الشرق
الأوسط) من المياه". وأضاف مخاطباً مستمعيه ومعظمهم من أصحاب رؤوس الأموال:
"أن هناك إمكانية لتسوية قضايا الشرق الأوسط عن طريق الحوار، وليس عن طريق الحرب". وختم محاضرته
بالقول: "إذا نفذتم هذا فإن السلام سيسود الشرق الأوسط"([xl]). وحين
سأل مراسل مجلة (إي آي آر E I R) صفا غيراي وزير الإسكان والأشغال
العامة عن أهداف المشروع في 27 تموز 1987 أجاب أن هناك أبعاداً اقتصادية وسياسية
للمشروع، ويتمثل البعد الاقتصادي في أن مياه نهري سيحان وجيحان تروي منطقة جنوب
تركيا وتصب بالبحر المتوسط، وقد فكرنا بتزويد بعض أقطار الشرق الأوسط بمياه تقل
بنسبة 50٪ عن السعر الذي تحصل به حالياً على المياه. أما البعد السياسي للمشروع، فإن
اشتراك أقطار الشرق الأوسط في ملكية وتشغيل الأنبوب والاستفادة منه يشكل من وجهة
نظر تركيا عاماً مهماً لتحقيق السلام في المنطقة([xli]).
ومع أن المشروع حسب الخطط الأولية والخرائط المعلنة، لايشمل إسرائيل،
إلاّ أن كل الإشارات والدلائل تؤكد بأن إسرائيل ستتمكن من الحصول على المياه التي
تحتاجها دون أي إسهام مادي، وبخاصة أن الاستثمارات المطلوبة للمشروع ستكون من نصيب
الدول النفطية. ويتضح ذلك من خلال معرفة الدوافع
الأساسية وراء إعادة الترويج لهذا الموضوع منذ سنة 1990 وما بعدها، حيث
تكمن وراء ذلك مسألتين أساسيتين هما:
1- أن الماء كان ولم يزل البند الثاني أمام ماسمي بمؤتمر السلام الإقليمي
الذي انعقد في مدريد بأسبانيا أواخر تشرين الأول 1991.
2- القمة العالمية للمياه والتي خطط لها أن تنعقد في 3 تشرين
الثاني 1991 في مدينة اسطنبول ويحضرها ممثلو (22) بلداً من أقطار
المنطقة بإشراف مؤسسة أميركية (كات) المعروفة بارتباطاتها في
قضايا المياه مع المؤسسات الصهيونية([xlii]).
المنطقة بإشراف مؤسسة أميركية (كات) المعروفة بارتباطاتها في
قضايا المياه مع المؤسسات الصهيونية([xlii]).
لقد ربطت السياسة الخارجية الأميركية بين الأمرين الأول
والثاني وجعلت من (إسرائيل) محورهما على أساس تقييم الثروات والوضع الاقتصادي
الشامل بعد ماسمي بـ (عملية البتطبيع) على اعتبار أن
"إسرائيل دولة إقليمية". وقد أعلن وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق ديفيد ليفي في 25 آب 1991 أن الولايات المتحدة لن تشارك في قمة المياه العالمية في اسطنبول، إذا لن توجه دعوة رسمية إلى إسرائيل لحضور هذا المؤتمر"([xliii]).
"إسرائيل دولة إقليمية". وقد أعلن وزير الخارجية الإسرائيلية الأسبق ديفيد ليفي في 25 آب 1991 أن الولايات المتحدة لن تشارك في قمة المياه العالمية في اسطنبول، إذا لن توجه دعوة رسمية إلى إسرائيل لحضور هذا المؤتمر"([xliii]).
إنّ مشروع مياه السلام التركي، ماهو إلاّ مشروع أمريكي- إسرائيلي، ففضلاً عن أنه سيحقق لتركيا
مكاسب اقتصادية وسياسية كبيرة فإنه سيمكن إسرائيل من خلال تعاونه مع تركيا، الدولة
العضو في حلف شمال الأطلسي في فرض أمر واقع على الأقطار العربية وإجبارها على
التنازل عن الأراضي المحتلة مقابل تأمين حاجتها من المياه
العذبة الضرورية، ناهيك عن أن مثل هذا المشروع والدور الإسرائيلي فيه، سيكون خطوة كبيرة على
طريق التطبيع([xliv]). ويبدو
أن هذه الفكرة واضحة في أذهان المسؤولين الأتراك، ففي نيسان 1987قال مسؤول تركي
مُقرّب من اوزال: "أن المشروع يهدف إلى خلق اعتماد متبادل بين دول المنطقة
التي تجد في الوقت الراهن صعوبة في الاتفاق مع بعضها بسبب قلّة المصالح المشتركة
وها نحن نعرض مانطلق عليه (خط أنابيب السلام)، ونحن واثقون من جدوى هذا المشروع
لأنه لن يساعد على المزيد من التعزيز في العلاقات الاقتصادية فحسب. وإنما سيساعد
في ظهور روابط قوية جديدة، في المصالح المشتركة، وفي الحفاظ على كل شيء يسهم في
سلام المنطقة"([xlv]).
لكن هذا لم يمنع بعض المسؤولين الأتراك، ومنهم وزير الخارجية
الأسبق علي بوزر من التصريح في أيار 1990 بأن "مشروع تركيا لبيع المياه
لايشمل إسرائيل بتاتاً([xlvi])، لكن
المعلومات تشير إلى أن وزير الخارجية التركي اطلع شيمون بيريز وزير خارجية إسرائيل
ابان زيارته لتركيا سنة 1989 على تفاصيل المشروع([xlvii]).
هذا فضلاً عن أن تركيا أخذت منذ أيار 1990 تتحرك نحو رفع مستوى علاقاتها
الدبلوماسية مع إسرائيل، وقد صرّح مصدر رسمي تركي قائلاً: "اننا بلد اعترف بإسرائيل
منذ البداية وهو إجراء شجاع، فلماذا نبقى الآن في الحلف"([xlviii]).
وفي داخل إسرائيل، ترددت أصداء المشروع، فهذا (هليل شوفال)
الأستاذ في الجامعة العبرية يعرض تغيير مشروع أنابيب السلام بحيث يروي دمشق، عمان،
فالضفة الغربية، فإسرائيل. ويقول: "أن الكلفة الإجمالية ستكون عندئذٍ من 3-5 مليارات دولار، أي ما يعادل كلفة خمسة
أيام من خرب الخليج 11" وواضح أن إشارته لهذه المقارنة، تعني ضمناً إشارة إلى
الجهة التي ينبغي لها تمويل المشروع وهي الأقطار الخليجية([xlix]).
أما عن الموقف العربي، فإنه لاتتوفر لدينا حتى الوقت الحاضر
ردود فعل رسمية واضحة للأقطار العربية التي ستمر عبرها الأنابيب، أو التي ستستفيد من المياه مباشرة، لكن أصواتاً
بدأت تسمع هنا وهناك، بعضها ينكر المشروع والبعض الآخر يحبذه. فعلى سبيل المثال
يرى الدكتور محمود رياض، الأمين العام الأسبق لجامعة الدول العربية، أن مشروع مياه
السلام التركي، مشروع خيالي بسبب كلفته الباهظة، حيث تشير الدراسات إلى أن كلفة ري
الدونم الواحد سيصل إلى (1000) دولار وان كلفة نقل لتر الماء الواحد حتى دول
الخليج أكبر من كلفة تحلية لتر من ماء البحر. ويحذر رياض من كثير من الدراسات
المخادعة التي تقف وراءها مؤسسات صهيونية ذات أغراض معروفة تتعلق بإغراق المنطقة
بالصراعات والشكوك كي تستنزف العرب وتوزع اهتماماتهم وجهودهم لخدمة المشروع الإسرائيلي
الذي يستفرد العرب ويبتز منهم. "التسوية التاريخية" التي تكرس "إسرائيل" دولة طبيعية من دول
المنطقة دون أن تنسحب من الأراضي العربية المحتلة([l]).
أما الدكتور سمير محمود أحمد، سفير مصر الأسبق في واشنطن، فيرى عكس مايراه الدكتور رياض، وملخص
رأيه أن صعوبة إقناع إسرائيل بالانسحاب من الأراضي المحتلة بسبب تشبتها بالسيطرة
على مصادر المياه في المقام الأول، وصعوبة التفكير بتخلي تركيا عن
مشروعاتها المائية العملاقة، يتطلب من العرب، تبني برنامج شامل واسع المدى يضم
كافة دول المنطقة بغية زيادة موارد المياه اعتماداً على معامل تحلية مياه البحر،
وترشيد استخدام المياه وإعادة ترشيحها، وأخيراً استثمار مشروع تركيا اعتماداً على
الأنابيب لمد المنطقة بـ (2) مليار متر مكعب من نهري سيحان وجيحان، بمساعدة من
المجتمع الدولي، مقابل استقرار الأمن والسلام"([li]).
أما عن الموقف الرسمي العربي، فإن بعض المصادر تشير إلى عدم
حضور ممثلين عن العراق وسوريا ولبنان للمؤتمرات التي عقدت في الولايات المتحدة الأميركية والمكرسة
لدراسة مشكلة المياه في الشرق الأوسط، بينما حضر مندوبون من مصر والأردن والصومال
والسودان وإسرائيل والولايات المتحدة([lii]).
وبعد الإعلان عن المشروع، بدأ المسؤولون الأتراك اتصالات
استطلاعية مع الحكومات العربية التي يهمها الأمر وهي سوريا والأردن والعراق
والسعودية والكويت والإمارات العربية، وقد صرّح وزير الأشغال العامة والإسكان (صفا
غيراي) يوم 13 آذار 1987 قائلاً: "انه تمهيداً لإنشاء خط أنابيب المياه هذا
لابد أولاً من حصول التفاهم بين كل من سوريا ولبنان والعراق ومصر والسعودية واليمن
في هذا الصدد"، وأجاب على سؤال يتعلق بمدى الاستجابة للمشروع فقال: "لم
يصلنا بعد أي اقتراح من الدول المعنية بشأن إقامة خط المياه"([liii]).
ويبدو أن رد الفعل الأول على المشروع جاء من السعودية، فخلال
اللقاء الذي حدث بين الملك فهد وتوركوت اوزال في لندن في آذار 1987 وافق الطرفان
على الخطوط العريضة للمشروع التركي([liv]).
كما ناقش الرئيس الأميركي رونالد ريغان والملك فهد الفكرة في نيسان 1987([lv]).
وفي 27 تموز 1987 أجاب وزير الإشغال والإسكان التركي على سؤال
مراسل مجلة (إي آي آر E I R
)
يتعلق بمواقف الأقطار المستفيدة من المشروع فقال: "أن التفاوض لا يزال جارياً
بين تركيا والأقطار المعنية مثل السعودية وسوريا والأردن وغيرها". وفي 2 آب
1987 قال السفير التركي لدى الأمارات (توغاي اولو جفيك): "أن بلاده قد تلقت
بالفعل استفسارات ايجابية حول الموضوع"([lvi]).
وفي أيلول 1987 زار أنقرة وزير الطاقة وشؤون المياه في دولة الأمارات، وأدلى
بتصريح ذكر فيه: "أن الأمارات مهتمة بمشروع مياه السلام، وبأنها تمتلك كافة الإمكانيات
لتحقيق هذا المشروع". وأكد الوزير "ان تحقيق هذا المشروع سيضمن فوائد
مشتركة لكلا البلدين ويتوقع أن يقوم القطاع الخاص في البلدين بتنفيذ مشاريع أخرى
مشتركة أكثر أهمية بعد إكمال المشروع"، وذكر (سوراي تورال) وزير الطاقة
والمصادر الطبيعية التركي بعد لقائه بوزير الطاقة وشؤون المياه في الإمارات:
"بأنه يرى فائدة في مد أنبوب الغاز الطبيعي من الإمارات إلى تركيا حيث سيجلب
هذا الأنبوب الغاز لتركيا في الوقت الذي تقرر فيه تركيا ضخ المياه للأمارات"([lvii]).
وفي تشرين الثاني 1987 أعلن (علي جوشغون) رئيس الغرفة التجارية التركية أن الغرفة تؤيد
المشروع الذي تتبناه تركيا لتوصيل المياه العذبة إلى الدول الإسلامية([lviii]).
وفي آذار 1989 أدلى السفير التركي لدى الإمارات (توغاي اولو
جفيك) بتصريح للصحفيين في أبو ظبي قال فيه: "أن مشروع مياه السلام التركي
سيدرج في جدول أعمال اجتماع اللجنة الاقتصادية المشتركة بين تركيا والإمارات
العربية المتحدة لدى انعقاده في تركيا خلال يومي 28- 29 آذار 1989". وذكر السفير:
"أنه تم زيادة التعاون المشترك مع الإمارات في أعمال دراسة جدوى مشروع مياه
السلام"([lix]).
وفي أيار 1990 أفادت مصادر وزارة الخارجية التركية أن
وزير الأشغال والإسكان (جنكيز التن قايا) وده دعوة إلى العراق وسوريا لحضور اجتماع
سيعقد في أنقرة يومي 26 و 27 حزيران 1990. وفي غضون ذلك أصدر وزير الخارجية التركي
يوم 24 أيار 1990 تصريحاً خطياً للصحفيين أكد فيه: "إنَّ تركيا الحريصة على إحلال
السلام في المنطقة بدليل سياستها، قد أكدت مدى ماتبديه من اهتمام متميز للعالم
العربي من خلال مشروع أعدته بعناية ونية طيبة بالغتين وعرضته على الدول العربية
الصديقة من اجل إمدادات المياه إليها، وهو مشروع لم يلقَ بعد تجاوباً مرضياً"([lx]).
خلاصة وملاحظات
مما تقدم يتضح أن الولايات المتحدة الأميركية، بدأت منذ وقت
مبكر في البحث عن الوسائل الرئيسة التي تساعد إسرائيل في السيطرة على مصادر المياه
العربية، وفي ديمومة استمرارها في السيطرة على الأرض العربية دون النظر إلى ماسوف
يجلبه ذلك من صراع وأثر سلبي على سكان المنطقة من العرب([lxi]).
ومشروع مياه السلام التركي يلقي ضوءاً كثيفاً على الدور التركي الأمني والمائي في
المستقبل المنظور، إذ أن تركيا ستكون رأس الحربة في النظام المائي الجديد، وهي المدعومة
عسكرياً وسياسياً ومادياً من حلف الأطلسي والولايات المتحدة بالذات خاصة بعد أن
تعزز موقفها بعد مشاركتها في الحرب التي استهدفت العراق ونهضته وصموده([lxii]).
ومن هنا نفهم حقيقة الحملة الإعلامية الغربية التي تلت
العمليات العسكرية ضد العراق والتي أخذت ترفع (فزاعة) المياه([lxiii]).
ويتضح هذا في التصريحات التي أطلقها مسؤولون أتراك في العام 1991 بأن نهري دجلة
والفرات هما نهران تركيان، وقد ترافقت التصريحات مع الإجراءات الأخيرة التي أقدمت
عليها تركيا منذ مطلع سنة 1990 حين عمدت إلى قطع مياه نهر الفرات لمدة شهر عن
العراق وسوريا وذلك بحجة ملء سد أتاتورك مما أدى إلى إلحاق خسائر كبيرة
بالاقتصادين العراقي والسوري([lxiv]).
كما عرقلت تركيا كل الجهود العربية التي بذلت لحد الآن، بهدف التوصل
إلى اتفاق حول تقاسم مياه نهر الفرات. ففي تصريح لمسؤول تركي كبير في 14 كانون
الأول 1989: "أن تركيا مصممة على عدم الدخول في أي نوع من المساومة مع العراق
وسوريا بشأن حقوقها السيادية على مواردها المائية"([lxv]).
ومع أن الأتراك سعوا إلى نزع الصبغة السياسية عن قرار وقف ضخ
المياه في سنة 1990 وعدّوا الأمر اقتصادياً "أملته اعتبارات فنية بحتة"([lxvi]). حتى
أوزال رئيس الجمهورية التركية قال في 13 كانون الثاني 1990: "أن تركيا لن
تستخدم أبداً الأنهار كوسيلة للتهديد"([lxvii]).
إلاّ أن واقع الحال يشير إلى عكس ذلك، فقرار تركيا بقطع إمدادات المياه عبر الفرات
عن سوريا والعراق مطلع سنة 1990 لملء خزان سد أتاتورك، قد جرَّ خسائر فادحة لكل من
سوريا والعراق، لاسيما وأنه تزامن مع مواعيد الري، ومع معاناة المنطقة من أعوام
الجفاف المتعاقبة، وجاءت بعض الهمسات لتشير إلأ أن قرار القطع جاء مع انتهاء
الاتفاق بين تركيا والعراق والمتعلق بملاحقة المتمردين الأكراد الأتراك في الأراضي
العراقية، ليشكل بؤرة مقدمة لوضوح الأهداف السياسية المركبة من خلال طرح البديل
وهو "أنابيب السلام" بدلاً من توقيع اتفاقية دولية مع العراق
وسوريا حول المياه. فأوزال لم يتورع عندما كان رئيساً للوزراء عن تهديد سوريا بقطع
مجرى الفرات إذا لم تتوقف دمشق عن دعمها لحزب العمال الكردستاني.
ولقد جاء اتفاق تركيا مع عدد من الشركات الأوربية مؤخراً لبناء
سد برجك ومحطة لتوليد الطاقة الكهربائية في أعالي نهر الفرات قرب الحدود مع سوريا،
ليشكل خرقاً للقانون الدولي وتجاوزاً على حق العراق الرسمي في اقتسام مياه هذا
النهر. وقد أكد عبدالوهاب محمود الصباغ وزير الزراعة والري العراقي الأسبق آنذاك
أن إنشاء هذا السد سيؤثر في كميات تصريف المياه المخصصة للعراق وتردي نوعيتها
وازدياد ملوحتها مما يؤثر في الأراضي الزراعية في حوض الفرات داخل الحدود
العراقية. وأوضح أن المياه العراقية بسبب وجود منابعها خارج حدود الوطن، أصبحت محط
إطماع الدول الغربية، هذا فضلاً ان استقطاع كميات كبيرة من مياه نهر الفرات مخالف
للأعراف والقوانين الدولية، وبخاصة المادة الخامسة من البروتوكول الأول الخاص
بتنظيم مياه نهري دجلة والفرات والملحق بمعاهدة الصداقة وحسن الجوار الموقعة بين
العراق وتركيا سنة 1946. وأضاف أن القانون الدولي يمنعه تمويل أي مشروع مائي من
الناحية الفنية والمالية مالم تتفق الدول المعنية وتحدد حصتها المشتركة في المياه،
وإشارة إلى مماطلة الجانب التركي في اقتسام مياه حوض الفرات وفق البروتوكول
المذكور. وأكد أن العراق جاد في إثارة الموضوع على الجانبين السياسي والفني لتأكيد
حقه في المياه وأنه سوف يقيم دعوى على الشركات الممولة للمشروع وهيب تسع شركات في ألمانيا
وبلجيكا والنمسا وفرنسا، إضافة إلى تركيا، لعدم أخذها رأي الدول المطلة على حوض
الفرات([lxviii]).
إنّ رفض تركيا توقيع اتفاقية دولية مع العراق وسوريا يريد أن
يبقى على المياه كسلاح يجري توقيت استخدامه، بما يتناسب ومصالحها وطموحها إلى
القيام بدور إقليمي نشط على الصعيدين السياسي والاقتصادي، فتركيا، تعرف بدقة، مدى
أهمية الثروة المائية التي تهيمن عليها، وهي على استعداد لتسخير هذه المادة
الثمينة في تحقيق أهدافها السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وفي الهيمنة على
المناطق المجاورة([lxix]). ودور
تركيا في هذا التوجه لايقل خطورة عن دور إسرائيل، خاصة وأنها النافذة التي تطل
منها الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط([lxx])
والأتراك يصرون على الرغم من ذلك، على نفي أي سوء نية مائية تجاه جيرانهم،
لذلك فمن الصعب سبر أغوار نوايا تركية والتأكد منها، لكن الضغوط التي تمارسها
الولايات المتحدة على دول المنطقة وخاصة إعلانها أنها لن تشارك في أية "قمة
مائية" إذا لم تكن "إسرائيل" مدعوة إليها رسمياً، واختيار تركيا
مكاناً لانعقاد قمة المياه العالمية بعد دورها الأمني المتميز الذي قامت به ابان
العدوان على العراق، والممارسات التركية لاستخدام المياه سلاحاً سياسياً لم يكن
بمحض الصدفة، فالولايات المتحدة على مايبدو، ترى في مشروع المياه التركي، وسيلة
لتحويل تركيا إلى قوة اقتصادية كبرى بالاعتماد على ماتم إنجازه من سدود([lxxi]).
والمشروع التركي هو في حقيقته، مشروع تحويل المياه العربية (السورية والعراقية)
إلى سلعة تركية، ونجاح المشروع المقترح يحمل في طياته رغبة تركيا في أحكام القبضة
على الجزيرة والخليج العربي واحكامها لسيطرتها المباشرة من خلال
التحكم في ضخ المياه العذبة إليها([lxxii]).
لذلك كله، فإن هناك من العرب من يقوم بالتحذير من المشروع
وتسفيه فكرته، استناداً إلى الدراسات النزيهة والمجردة من الأغراض السياسية، ويرى
فيه مشروعاً غير عملي إذ لاتدعمه سوى دراسة أميركية تناولت جدواه، هذا فضلاً عن أن
مشكلة تمويله لم تجد حتى الآن حلاً، حيث أن الأقطار العربية المعنية بالمشروع غير
متحمسة لإعطاء أنقرة وسيلة ضغط دائم على جيرانها([lxxiii]).
هذا فضلاً عن أن هناك مشروعاً
إسرائيلياً آخر يتم تداوله حالياً ويقوم على أساس نقل المياه من تركيا إلى إسرائيل بواسطة خزانات (بالونات) يتم قطرها بواسطة السفن في البحر المتوسط، وثمة من يقول أن اتفاقية وقعت بين أنقرة وتل أبيب تنص على تسليم 250 مليون متر مكعب من المياه لإسرائيل. وقد أعطى (هليل شوفال) الأستاذ في الجامعة العبرية لمشروع المياه التركي "توصيفاً ايجابياً" تسويقياً بقوله أن الفكرة "أقل طموحاً" لكنها "أقل صعوبة"([lxxiv]).
إسرائيلياً آخر يتم تداوله حالياً ويقوم على أساس نقل المياه من تركيا إلى إسرائيل بواسطة خزانات (بالونات) يتم قطرها بواسطة السفن في البحر المتوسط، وثمة من يقول أن اتفاقية وقعت بين أنقرة وتل أبيب تنص على تسليم 250 مليون متر مكعب من المياه لإسرائيل. وقد أعطى (هليل شوفال) الأستاذ في الجامعة العبرية لمشروع المياه التركي "توصيفاً ايجابياً" تسويقياً بقوله أن الفكرة "أقل طموحاً" لكنها "أقل صعوبة"([lxxiv]).
وفي الوقت ذاته، فإن هناك من العرب، من يدعو إلى التعرف على
سياسة تركيا المائية إنطلاقاً من المبدأ الذي يتلخص بأنه ليس من مصلحتنا عرباً في
المرحلة الراهنة، توجيه خطاب معادٍ لتركيا، ومع ذلك في هذا المبدأ لايحول دون
دراسة الشروط السياسية والجغرافية التي تملي على تركيا لانتهاج سياسة مائية خاصة
بها، وفهم السياسة المائية التركية، هو مقدمة للتفاهم العربي- التركي حول هذه المشكلة، وهذا لايتم
دون توفر ستراتيجية مائية عربية مبنية على قاعدة أن الاختلافات في وجهات النظر
السياسية، يجب أن لاتحول دون الدفاع عن المصالح الحيوية لأقطارنا العربية، وبضمنها
الحقوق المائية([lxxv]
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق