كيف عرف العراقيون ....( الطابّو) ؟كيف عرف العراقيون ....( الطابّو) ؟كيف عرف العراقيون ....( الطابّو) ؟مدحت باشا أدخل النظام للعراق .. فقبلت به عشائر ورفضته أخرى !!
ماريا حسن التميمي /

يعد المجتمع العراقي من المجتمعات القبلية فقد كانت نسبة السكان حسب تعداد سنة 1867 ، فنسبة البدو (35%) أما نسبة الريف (41%) ونسبة الحضر (24%) واغلب سكانه آنذاك يتخذون من حياة البداوة والتنقل سمة غالبة لهم ، والقلة منهم يمتهنون الزراعة وهذا بالنتيجة يؤدي الى عدم تمركزهم في مكان واحد ولا تستطيع أيه ادارة مدنية او عسكرية حصرهم او السيطرة عليهم لاغراض التعداد ،لذلك ارتبط تاسيس دوائر النفوس بعمليات التجنيد الاجباري ، ومحاولة تطبيق قوانين الخدمة الالزامية التي شرعت الدولة باصدارها قبيل حلول منتصف القرن التاسع عشركانت مهمة هذه الدوائر تنحصر في تسجيل المواليد والوفيات وتثبيت البيانات العائلية والشخصية لمواطني الدولة في ما يخص الزواج والطلاق ومحل السكن وتاريخ الميلاد ،وغيرها من امور ذات اهمية في حصر وتحديد الافراد والمكلفين بالخدمة العسكرية سنويا.
 
وحينما تولى مدحت باشا (1869-1872) مقاليد الامور في ولاية بغداد ، بصفته والٍ للولاية عزم على تطبيق قانون الخدمة العسكرية الالزامية على مواطنيها، بدا باتخاذ الاجراءات اللازمة لتسجيل النفوس في ولاية بغداد تمهيدا لتطبيق القانون المذكور وتعد هذه المحاولة من الامور الاصلاحية التي جاء بها مدحت باشا لنقل العراق من الفوضى الادارية الى نظام الإدارة المركزية ، ولكنه جوبه بمعارضة سكان المدينة على إجراء عملية تسجيل النفوس لما فيها حسب اعتقادهم من هتك للحرمات وفضح لأسماء النساء ، إلا ان دائرة النفوس كانت حتى عام 1883 دائرة صغيرة عنوانها (قلم النفوس) تابعة للشعبة الثانية من دائرة أركان حرب الفيلق السادس ، فيها عدد صغير من الموظفين ، علاوة على كاتب واحد للنفوس في كل بلدية من بلديات مدينة بغداد الثلاث ، وكان من بين الأعمال التي قامت بها دائرة النفوس ، إصدار دفتر النفوس لكل مواطن وهو بمثابة (بطاقة شخصية) أو (هوية أحوال مدنية).
ومما تجدر الاشارة اليه ان مدحت باشا وضع حلاً لمشكلة العشائر التي ُظنَ انها لا يمكن حلها بواسطة الحسم العسكري بل بالطريقة السلمية ،فشرع بتوطين العشائر العراقية عن طريق توزيع الاراضي الزراعية.
 
لذا سن نظام التسجيل العقاري (الطابو)،وقد كانت اهداف مدحت باشا من ادخال هذا النظام هي:
1-
حاول من خلال هذا القانون معالجة مشكلة عدم استقرار القبائل بتوطينها في مناطق معينة ،من اجل تسهيل عملية خضوعها للسلطة المركزية.
2-
سوف يمكنه هذا القانون من السيطرة العسكرية السريعة على العشائر أثناء نشوب المعارك المسلحة  بين العشائر التي غالبا ما كانت تتنازع فيما بينها .
3-ومن خلال توطين العشائر تتمكن الحكومة من أجراء المسح السكاني لغرض فرض قانون التجنيد الإجباري وسهولة الحصول على الضرائب.
" وثائق الطابو العثمانية القديمة"
وتم اصدار قانون الطابو في العراق سنة 1870 ملانجاح عملية استقرار العشائر فقد ملك مدحت باشا الاراضي الاميرية باقساط بسيطة سهلة الدفع على ان يبقى لأصحاب الاراضي حرية التصرف العامة لا المطلقة ، وقد منح هذا الحق لشيوخ العشائر بحيث تتسع قطعة الأرض للعشيرة التي يتولون رأستها.
 
بدا تطبيق قانون الطابو في بغداد اولا ،وامر مدحت باشا بأفتتاح مديرية الطابو في مركز الولاية،واخذت الحكومة تشجع شيوخ العشائر على التسجيل وترغبهم فيه بكل وسيلة،لذا حاول مدحت باشا استمالة شيوخ العشائر حيث أستدعى اليه شيخ عشائر المنتفق من ال السعدون وهو ناصر السعدون واقنعه بمبدأ تسجيل الاراضي بأسمه وتقوية سلطانه ونفوذه حيث كان الشيخ ناصر السعدون اشد الناس أندفاعاً لتسجيل الاراضي باسمه وحث العشائر على الاقتداء به لذلك سميت المناطق التي سجلت بأسم الناصرية.
وقد ادى هذا بالنتيجة الى ظهور نزاعات بين افراد عشائر السعدون وبعض العشائر الخارجة عن طاعة السعدون والحكومة العثمانية لادراكهم ان هذا القانون سيؤدي الى تمليك جميع الاراضي لآل السعدون.
مما تقدم يتضح ان آل السعدون اتخذوا من امتياز الطابو ذريعة لتقوية سلطانهم المادي بحيث اصبحوا من كبار الاقطاعيين في العراق،اما عشائر الفرات الاوسط التي كانت تشكل قلقا دائما للدولة العثمانية فقد سعى الوالي مدحت باشا الى تشجيع شيوخها على التسجيل بالطابو من اجل توطين عشائرها وبالتالي فرض قانون التجنيد الاجباري ، غير ان عدداً قليلاً من عشائر الحلة استجاب لهذا النظام ، وافراداً من عشائر في السماوه والرميثة وعفك والدغارة والمسيب وهور الدخن في الحلة وكربلاء ، وقد أشترطت عليهم الحكومة  بناء البيوت وأنشاء القرى.
" وثائق الطابو العثمانية القديمة"
كما طبق نظام الطابو في ولاية الموصل حيث تقدم لتسجيل اراضي الوجهاء والبكوات واصبحوا يعرفون باسم ملاكي (الطابو) ، وكانت هناك قرى عدة مسجلة بأسماءهم ، إذ سجل الاغوات في تلعفر القرى المحيطة بالموصل بأسمائهم أما جنوب الموصل فتم تسجيل مساحات شاسعة من الاراضي الاميرية في الشرقاط بأسم فرحان بن صفوك رئيس قبائل شمر الجربا.
وقد منح لقب (الباشا) وحدد له راتب شهري مقداره (25 ليرة تركية) وتم اختيار قلعة الشرقاط مسكنا له ولعشيرته للقيام بزراعة الاراضي والتوطن الدائم بها وبذلك تتمكن الحكومة من فرض قانون التجنيد الاجباري عليها .
اما العشائر الكردية ومنها عشيرة الجاف وهي من العشائر الكبيرة جدا وتقطن في لواء السليمانية وتعيش حياة البداوة والترحال بين العراق وايران ،فقد طالب رئيسها محمد بك من الحكومة العثمانية على ضرورة اسكان عشائره والقيام بالزراعة من خلال تفويض الاراضي عن طريق نظام الطابو وكانت لهذه العشائر رغبة كبيرة في التوطن والاستقرار.
" وثائق الطابو العثمانية القديمة"
 وفي ولاية البصرة فقد اكد مدحت باشا على ضرورة تطبيق هذا النظام فيها لتوطين العشائر ولتقوية قبضة الحكومة عليها ولذلك فقد امر بتعويض الاراضي الخالية في مقابل قيمتها حتى يتمكن الفلاح من شراء ارض لنفسه ودارٍ ايضا بتخفيض قيمة الاملاك عن الفلاح ليتمكن من اصلاح الارض وبالتالي تدر ارباحا كثيرة عليه وعلى الحكومة ، وهذا سيكون دافعا قويا "للتوطن" وعدم الترحال.

وفي لواء العمارة ، لم يستجب شيوخ العشائر لنظام الطابو الا عشائر قليلة بسبب جهلهم بأهداف الحكومة العثمانية ، إذ كانت العشائر تنظر بعين الريبة والشك الى اهداف وسياسة الحكومة العثمانية.
الا ان الحكومة تمكنت من استمالة بعض الشيوخ منهم الشيخ نصيف الامير شيخ ربيعة وكذلك شيخ عشيرة السواعد موزان المحمد وقد عادت عشيرته من ايران الى العمارة للاستفادة من نظام الطابو حيث قامت الحكومة بتوطينهم في اراضي قلعة الزبير وباشرت الزراعة.ان توطين العشائر العراقية يمكن الحكومة العثمانية من اخضاع هذه العشائر وفي فرض القانون ولاسيما في تطبيق قانون التجنيد الاجباري .
 

                                               "مدحت باشا"
* http://www.ninawamedia.com/News4.html